في لحظة ما، على الإنسان أن يتوقف ليختبر قناعاته وأفكاره وما يؤمن به. مرّت هذه اللحظة بخولة منذ سنوات طويلة، وهي الآن تحمل أفكارًا تختلف تمامًا عما آمنت به في شبابها حين رأت قوات التحالف الأجنبية تحرر الكويت من الاحتلال العراقي.
كانت الولايات المتحدة بالنسبة لخولة وغيرها من جيلها مثالًا براقًا لما يمكن للديمقراطية أن تحققه، وقد آمنت بهذه الفكرة لفترة قبل أن تتحطم هذه الصورة المثالية تدريجيًا أمام الواقع المرير الذي ترتكب فيه الولايات المتحدة الجرائم يمينًا ويسارًا بلا رادع.
مؤسف أن أولادها الثلاثة لم يمروا بهذه اللحظة حتى الآن: ما يزال الأول، والذي درس في المدرسة الأمريكية، يرى أن كل ما هو عربي هو مخزٍ بالضرورة، لا قيمة له ولا وزن، وهو مؤمن بهذه الأفكار إيمانًا لا يتزعزع، وهذا بالطبع، وبصورة تلقائية، يضعه في موضع خلاف مع خولة. أما الثاني فهو تقليدي ومتحفظ حتى النخاع، يحب والدته ولكنه ذلك الحب الخبيث الذي يحمل في داخله رغبة في التحكم والتقييد. أما الولد الثالث فلا يكترث بكل هذا ولا يهمه من ذلك أي شيء.
ذكرتني هذه الرواية برواية أخرى أحبها كثيرًا وهي رواية “أربطة” لدمينيكو ستارنونه والتي تطرح مأساة عائلية أخرى، وكما في الرواية الأخرى، يكمن ذكاء الروائي هنا في قدرته على طرح أفكار شخصياته دون انحياز فيضع القارئ في حيرة من أمره أمام هذه العلاقات المعقدة: مع من يتعاطف؟ من يصدق؟ ومن يلوم؟
رواية، رغم صغر حجمها، دسمة للغاية وتحمل بين طياتها الكثير من الموضوعات المهمة كما تطرح الكثير من الأسئلة المحورية حول الهوية ودور التربية ومسئولية المثقف وغيرها.