دار خولة.. وجبة أمومة غير ناضجة
تعلمنا منذ القدم في مطابخ أمهاتنا أن المقادير لا تكفي لإعداد وجبة ناضجة مُشبعة، فلا يمكنك الاكتفاء بوضع مقدار ما على آخر لكي يكون الناتج أكلة تتلذذ بها وتترك بصماتها في قلبك قبل معدتك، وتسلب لُبك قبل لسانك، وتستحوذ على عقلك قبل مستقبلات التذوق لديك.
يمكن تطبيق ذلك على تلك الرواية، حيث لدينا أم و3 أبناء، ولكن هل يكفي ذلك لإطلاق مُسمى "وجبة الأمومة" على تلك الأسرة الصغيرة؟ بالطبع لا، فالمكونات وإن كانت حاضرة، إلا أنها وجبة اُعدت على عجل، دون تمهل أو مزاج، أو كما يُقال بالعامية "مفيش نفس".
"خولة" حيث السيدة التي تتولى تربية أطفالها الذكور الثلاثة بعد وفاة والدهم، الشاعر المُتيم المهووس، لتضع فيهم من شخصيتها، وليس من أمومتها، لتكون النتيجة في النهاية فتور، وحدة، تجاهل، بيت أجوف أشبه بحوض سمك بدون شئ يُزينه سوى الفراغ القاتل.
من الطاهي هنا؟ "خولة" ومن غيرها؟ تلك الشخصية التي تُطلق على نفسها سيدة مثقفة واعية، تحمل بداخلها ألفاظ وإرهاصات وجمل تراكبية ثقيلة، تلقيها يمينًا ويسارًا، وهو ما يحولها إلى أداة للسخرية، مادة خام لـ"ميمز" يُتم تداوله عبر منصات التواصل الاجتماعي.
مكونات الأكلة؟ حسنًا، لدينا 3 عناصر دون غيرهم، العنصر الأول "ناصر" الذي نضج قبل أوانه دون تمهل، وهو ما حوله إلى مادة بلا طعم، مجرد عنصر، ألقت به الطاهية على عجل في البداية، دون أن تدرك صفاته وما يحتاجه لأخذ أجمل ما فيه، وكانت النتيجة أن أصبح مذاقه سيئًا، لن أقول علقمًا، كونه يحمل الجمال بداخله ولكنه فسد بسبب الطاهية التي لم تكن تمتلك من الخبرة الكافية ما يؤهلها للتعامل معه.
العنصر الثاني "يوسف" الذي تحايل على الطاهية، بذكاء ودهاء، يدرك جيدًا أنه لا يحمل شيئًا خاصًا داخله، أشبه بفص "الحبهان" الذي لا ينال حب الأغلبية، وربما وجوده مثل عدمه، ولكنه نجح في اكتساب ود الطاهية، أو يمكن القول جعلها أداة طيعة في يده، يمنحها الأوامر، فيُطاع، ويستولى على قلبها في تصرفات متناقضة للعنصر الأول، حيث يدرك جيدًا أن ذلك سيجعله المكون المُفضل لدى سيدته/خادمته.
العنصر الثالث "حمد" الذي عانى من عدم التجانس مع العنصرين الأوليين، فكانت النتيجة النفور وعدم الاندماج معهما، رغم أنه يحب الطاهية على طريقته، خاصة بعدما أفلت من قبضتها التي ارتخت تعبًا وإرهاقًا بسبب تعاملها مع الأول والثاني، ومن ثم لم يكن هناك ما يجعله قادرًا على الامتزاج معهم، هل يختلط الزيت بالماء؟ لا، بكل بساطة.
من المُلام هنا؟ من وجهة نظر شخصية بحتة، أرى أن الطاهية المسؤولة الأولى عن إفساد وجبة أمومتها، جاءت غير ناضجة، رغم شكلها الشهي ورائحتها الأخاذة إلا أن مذاقها يثير الغثيان وقبضة القلب، وجبة تجعلك تريد الإنهاء منها في أسرع وقت ممكن ولا تعود إليها مجددًا، تسقطها من ذاكرة لسانك إلى الأبد.
"خولة" التي أرادت بعد فوات الأوان أن تُصلح عمل يدها، ولكن هل يمكن إعادة طهي وجبة بعد أكلها لإصلاح الأخطاء المُرتكبة؟ الإجابة معروفة، وإن كانت قاسية ومؤلمة.
المثير للغرابة أن الرواية جاءت مُشابهة لوجبة أمومة "خولة"، لم تكن ناضجة بما يكفي، حيث وضعت "بثينة العيسى" مكوناتها على عجل ولم تنتظر الوقت الكافي لطهوها، وكأن هناك ما يشغلها، فجاءت النتيجة عملًا يفتقد النضج.
#مسابقة_أفضل_مراجعة_لرواية_دار_خولة