دار خولة > مراجعات رواية دار خولة
مراجعات رواية دار خولة
ماذا كان رأي القرّاء برواية دار خولة؟ اقرأ مراجعات الرواية أو أضف مراجعتك الخاصة.
دار خولة
مراجعات
كن أول من يراجع الكتاب
-
Mahmoud Toghan
1️⃣ الموضوع : مراجـعة نقدية
2️⃣ العمل : رواية دار خولة
3️⃣ التصنيف : إجتماعية
4️⃣ الكاتب : Bothayna Al-Essa
5️⃣ الصفحات : 112 Abjjad | أبجد
6️⃣ سنة النشر : 2024 م
7️⃣ الناشر : منشورات تكوين
8️⃣ التقييم : ⭐⭐⭐⭐
📚 مقدمة :
تكثر الكتابة في هذا المضمار ، وتتمحور في إطار الطرح الموسع للقضايا الأسرية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية للعائلة الواحدة ، وهنا نجد الكاتبة بثينة العيسى تتناول في روايتها "دار خولة" هذا الموضوع الحساس من خلال قصة تجمع بين صراع الأجيال ، والتحديات التي تواجهها الأم المثقفة في عصر الانفتاح على العالم الغربي ، تتجول في الآفاق مستنكرة هذا الانمساخ على حد وصفها ، تعلن عن سوء التصابي والتأمرك اللذان أصابا مجتمعها بعد ويلات الغزو والتحرر ، الذي أظهر ماما أمريكا بمظهر المنقذ الأبيض الجميل ، الاحتلال الناعم ، للفكر والمنطق والعقل والجسد .
📚 الغوص في أعماق العمل:
🔸 دكتورة في الفن الشعبي ، أرملة لدكتور في الأدب ، أم لثلاث رجال ، تصيبها شيخوخه ما بعد الخمسين ، ووحدة المتخلفين ، تركاها خاوية على عروشها ، نصبا لها الفخاخ لأمومة معطلة ، آملةً في قليل من التجمع بعد ما ضاق عليها يومها وليلها ووقتها ، فرأت العتمة في قلب الضياء ، والوحشة في عز اللقاء ، والشوق في ظلم الجفاء.
🔸واتتها فكرة للم جمع تفرق لأسباب يضمرها أصحابها ؛ فجلبت كثيراً من المقبلات والمحببات تفكر يومها جله وكله في مائدة جامعة ، ولكن حين يجن الليل ، يفر النوم فتقبل على جميع المنومات فإذا استيقظت تعود لتفكر في هذا التجمع بعد تشتت تعددت أسبابه كل منهم يرمي بها الاخر ، تتوق لذلك يجمعهم الحب لا الإدعاء ، صورة عائلية تفخر بها بين الاصدقاء ، تجعلها ذكرى ليوم الخواء .
🔸يتجمع ثلاثتهم دون الرابع فتدور الأحداث الناقمة ، والأهواء المتفاقمة ، التهكم الواضح ، والتجريح الفاضح ، يرمي صغيرهم كبيرهم ، وحقيرهم عظيمهم ، ويتبدى منهم على اللسان ما أخفاه الجنان ، تعزو الأم هذا على سوء الطبع والشر المتأصل فيهم ، والحداثة المبغضة ، والاحتلال الناعم ، التصابي والتأمرك .. ويعول ناصرعلى أنانيتها وجمودها وجنونها ، الذي كان نواة الشر الذي زرعته بالأمس ، واليوم تجنيه .. أما يوسف فيرمي الأكبر بالمجون والشرور بالبغض وعدم النزاهة وسوء الأخلاق .. ربما أحدكم يتساءل عن الأخير .. والحق أنه منشغل بعالمه الافتراضي ولا يهتم لمثل تلك التفاهات .. تخرج من اللقاء بأسوأ مما دخلت إليه ، وتعود إلى ما كانت عليه ، تستجلب النوم بكل ما تملك ، في الجوار حوض أسماك نفق سكانه .
📚 رسائل وإشارات :_
هذا العمل له ظاهر عجيب وباطن أعجب ، له واقع غريب ووقع أغرب ، إن مررت عليه سريعاً ، وجدته بديعاً ، وإن دققت فيه النظر ، واعملت فيه الفكر ، تراه ضئيل منحصر ، وبسيط مختصر ، وإن غصت في الأعماق ، وكتبت بالإحقاق ، استخرجت منه الدرر ، ونفيت عنه الكدر ، وطرحت عنه الشرر ، وأخذت منه العبر ، وإليك التالى:
1️⃣ـ التفكك الأسري وصراع الأجيال:
التصدع العميق في العلاقات الأسرية ، خاصة بين الأم وأبنائها ، حيث تعكس خولة صورة الأم التقليدية التي تجد نفسها غريبة بين أبنائها ، الذين يتأثرون بعالم التكنولوجيا والعولمة ، والحداثة بمفهوما السئ ، هذا الصراع يتجلى في
تصوير الأبناء وهم يسخرون من والدتهم ويعتبرونها "ديناصورًا نسي أن ينقرض" يشير إلى الفجوة التي تتسع بين الأجيال ، حيث تتصادم الرؤى والتوقعات بين الماضي والحاضر.
2️⃣ ـ أثر التكنولوجيا ومواقع التواصل الاجتماعي:
المشكلة أتت من هنا ، وما شعر الأولاد بالسوء إلا بعد استخدام التكنولوجيا في التشهير بها وجعلها مصدراً للنكات والميمات ... فضلاً عن تأثر حمد بها إلى حد الجنون لينسى كل شيء في سبيلها .
3️⃣ ـ النقد الاجتماعي والسياسي:
الرواية تشير إلى تأثير الاستعمار الناعم ما بعد الغزو والتحرير ، وأثر الهيمنة الغربية على تفكير الأجيال الجديدة ، الذي انخدعت وانغمست فيه خولة أولا ثم وآتاها الندم ، يوم لا ينفع الندم .
4️⃣ ـ الاغتراب الداخلي والشعور بالضياع:
يتجلى واضحاً في عدم القدرة على التأقلم ولا التغيير ، فتشعر هي بنبذ نفسها ، وتتحول كل محاولاتها إلى فشل وتنقلب حلولها رأساً على عقب .
5️⃣ ـ قضايا الهوية والانتماء:
خولة غيض من فيض من أسر وأمهات تعاني من تشتت هويتها كأم وكامرأة عربية ، وأبناؤها أيضًا يشعرون بالإنفصال عن هويتهم الأصلية نتيجة التأثيرات الخارجية.
6️⃣ ـ الحلم والانكسار:
هنا يمكن أن تتحول الأحلام إلى كوابيس ، خصوصًا عندما تصطدم بالواقع ، خولة كانت تأمل أن تعيش حياة هادئة ومستقرة ، ولكن الصراعات الداخلية مع الشيخوخة والوحدة والانعزال والفراغ .. والخارجية مع أبنائها ، أفشلت تلك الأحلام تمامًا.
7️⃣ ـ النقد الثقافي:
النص يعكس نقدًا خفيًا "للثقافة الإستهلاكية" التي أصبحت جزءًا من حياة الجيل الجديد ، حيث أصبح كل شيء قابلًا للتحويل إلى صورة أو عبارة ساخرة على الإنترنت ، مما أدى إلى تدمير القيم والمشاعر الحقيقية ، الإنزاع الذي سبب الأذى للأولاد كان ذلك مصدره .
8️⃣ ـ تحديات الأمومة:
تحديات "الأمومة في العصر الحديث" ، حيث تعاني الأمهات من صعوبة فهم أبنائهن في زمن التكنولوجيا والانفتاح ، الأم تجد نفسها وحيدة في محاولاتها لمّ شمل الأسرة والحفاظ على تماسكها...خولة مثال لمجتمع فقد السيطرة على أبنائه ، بإسم الحداثة والحرية والمرونة .
9️⃣ ـ الحب والمسؤولية والغفران:
أن العلاقات الأسرية ليست مثالية ، وهناك دائما خلافات ومشاعر مختلطة ، من خلال الصراعات الداخلية التي يعيشها الأفراد ، في الرواية تدعو الكاتبة القارئ للتفكير في مدى قدرتنا على التسامح وفهم الآخر داخل أسرنا.
🔟 ـ الفراغ العاطفي:
أن غياب الأب يخلق فراغًا عاطفيًا داخل الأسرة ، في هذا الإطار، تبرز الرواية كيف يتعامل كل فرد مع هذا الفراغ ، سواء بالاغتراب ، أو تحمل مسؤوليات إضافية ، أو الهروب إلى التكنولوجيا .
📚 التحليل الأدبي والنقدي:
💠ـ عظيم شأن الكتابة ، يضفى على الدنيا السلام ، ويشعر الكاتب بقوة ومنة ومتعة ، عندما يصل مراده للقارئ ، والقارئ يحتاج إلى ذلك المفهوم قصداً أو عرضاً ، ولذلك يجب على الأول أن يتسلح في سبيل هدفه بالمعلوم والمجهول ، ليصل بذلك للقلوب والعقول.
💠ـ أما المعلوم فهي سلاح اللغة القوية ، والسرد الممتع ، والحوار المشبع ، والأسلوب الرائق ، والمضمون الفائق ، والعرض المشوق ، والحبك المدقق ، والتصوير المنمق ، والفائدة المرادة ، بكل إجادة ، ثم القيام بخياطة كل ذلك بخيط رفيع ، لا تبصره العينان ، ويصل للقلب ومنه للجَنان .
💠ـ وأما المجهول فهي الفكرة المستحدثة ، والقصة المغلفة بالقالب الروائي ، والقدرة النفسية ، والقوة المعنوية على إخراجها .. فهل نجد في هذا العمل ما سبق….؟ يتضح ذلك في هذا التحليل النقدي الموجز:
◾ العنوان:
"دار خولة" الإسم يحمل ضخامة وفخامة ، وهيبة وشيبة ، وتأريخ وتأصيل ، وذكريات ومقامات ولقاءات ، وأعمال وأحوال وأقوال ، وأفكار وأسرار وأخبار … بيد أن العمل جاء خالياً من جل ذلك أو كله ، كم الأفكار والموضوعات والرؤية والمشاكل ، يعكس عملاّ عملاقاً المشكلة والحلول وليس عملاً من فئة النوفيلا التى لا تسع الأهداف .
◾ الغلاف:
غلاف بسيط لكنه عميق في دلالاته ،فيمكن بروية الناظر بقلبه أن تجده يُظهر حوضاً مائياً بداخله سمكة حمراء وحيدة ، رامزاً للعزلة والانحصار الذي تعيشه الشخصيات ، بلون أزرق داكن في الخلفية يوحي بالكآبة والغموض ، وسمكة حمراء تعكس التوتر الكامن في حياتهم ، وحوض كرمز للبيت ، يعكس قيود الأسرة وضغوطها التي تحاصر الشخصيات رغم قربهم الجسدي ، فكرة الوحدة والفراغ العاطفي الذي يسود الرواية ، يجعل الغلاف مرآة بصرية لمحتوى الرواية. يلفت الأنظار ويعبر عن المضمار .
◾ البداية:
بأسلوب الراوي العليم بدأ الحديث عن خولة وكرهها للتصابي والتأمرك ، وما ينتج عنهما من متواليات تعاني منها البلاد والعباد ، ثم تسير رويداً رويداً عن حاجتها للقاء جامع للعائلة المشتتة .. بداية طيبة لرواية إجتماعية تنم عن قدرة عالية على لفت الأنظار .. ولكن هل تم ذلك فعلاً ؟
◾ العرض التشويقي:
أسوء ما أصاب الرواية في مقتلها ؛ فإنها جاءت خالية تماماً من هذا العنصر الهام جداً ، حتى وإن كانت الرواية إجتماعية تحمل أهدافاً وتطرح رؤىً وتناقش قضايا إلا أن القارئ يحتاج إلى ذلك التشويق وتلك الإثارة وهذه الأحداث المتصاعدة التى تجعله يأكل الصفحات أكلاً ؛ لمعرفة المزيد ومن ثم النهاية ، لا يقتصر الأمر فقط على مقدمات ومعطيات دونما نتيجة ، هذه معادلة خاطئة .
◾ اللغة وقواعد الإملاء:
الحق أنها قوية ورصينة ومتمكنة ، تعكس إلمام الكاتبة بقواعدها والحرص على إخراجها بغير نقائص ، نقلت المشاعر حزناً وفرحاً ، وخوفاً وثقةً ، واطمئناناً وقلقاً ، وعزماً وتوانياً ، وحباً وبغضاً ، بكل حرفية من توصيل هذه المعاني بقليل من المباني ، بسيطة بلا تكلف واضح ، وسلسة بلا خلل فاضح .. بيد أنها تعثرت في التدقيق والتحقيق فرأيت أغلب الجمل تنفصل بنقطة لا فاصلة وهي جريمة تدقيقة إملائية مع جملة من مثلها.
◾ السرد:
جاء يتسم بالوضوح والتماسك والسرعة المناسبة لحجم العمل ، لا لمضمونه، والتسلسل واللغة الفصحى أجادت في تقديم الأحداث والشخصيات بطريقة بسيطة شيقة ، كما أن الأسلوب السردي فهو يميل إلى الواقعية ، مع لحظات من التأمل النفسي العميق ، فالنص مليء بالمشاهد التي تعكس الحياة اليومية للأسرة ، مما يضفي عليه واقعية وتأثيرًا عاطفيًا.
◾ الحوار:
باللهجة الكويتية العامية الدارجة ، وإن أثار غضب البعض في عدم الفهم ، إلا أنه أكثر ما أعجبني لما فيه من اعتزاز بلهجتها وكذلك فيه تبادل الثقافات ، وهو أمر شائع في كل البلدان وخاصة مصر .. فضلاً عن أن العمل موجه أولاً للمجتمع الكويتي ثم الخليجي ثم العربي عامة ؛ بشكل يعكس البيئة الثقافية والاجتماعية للأشخاص ، مما ساهم في عمق الشخصيات ، وأضفى على الحوارات واقعية حقيقة .
◾الحبكة الروائية:
البداية من المنتصف بلا تقديم لحياة هذه الأسرة قبل الأولاد ، جعل الحبكة في رأيي غير محكمة ، عدم إشباع الشخصيات بالوصف والطبيعة أفقد الحبكة متانتها ، طرح المقدمات والرؤى والمشاكل وعرض أسبابها ونقاشها دون حل عقد الحبكة ، عرض السئ فقط في ثنايا الحبكة ، أضفى جواً كئيباً في قلب القارئ وأفقدها تفاعله ، نهايتها الباهتة المستسلمة أوعزت بالفشل والجمود لكل أم وابن وعائلة دخلت هذا الدار وعايشت ظروفه .
◾ نقاط القوة:
- التمكن اللغوي والبلاغي شديد الجودة .
- التصوير النفسي للظروف والعلاقات والأحوال .
ـ تضمينها خفية جملة من الرسائل والإشارت الهامة .
- الغلاف المميز والدال على المكنون والمضمون ببراعة .
🚫 ويكفي فيها مقال الكاتبة نفسها عنها .. خولة هي الصَّوت في رأسي، وهي نزقة ونكدة وتقليدية جدًا، تذكِّرني دائمًا بمفاهيم العيب وما لا يجوز، والصواب والخطأ، والسَّنع والأصول، وتعيد إلى أفكاري صرامة المنطق الثنائي الواضحِ الشفاف، وهي أيضًا الصوت الذي أحبُّ أن أتجاوزه وأتحداه وأفكك تماسكه، لكنه يفرضُ منطقه عليّ في أحيانٍ كثيرة، فنختلف ونتفق، ونتفق ونختلف، وهكذا.
أنا وخولة نختلف كثيرًا ونتشابه أحيانًا، لكننا نتفق تمامًا على أمرٍ واحدٍ على الأقل، وهو أنَّ «أسوأ ما يمكن أن يحدث للأطلال، ألا يبكي عليها أحد».
📚 اقتباسات:_
ـ ❞ الأمرُ الذي تكرههُ خولة أكثر من الشَّيخوخة هو التَّصابي، والأمر الذي تكرهُهُ أكثر من التَّصابي هو أمريكا. ❝
ـ ❞ «أسوأ ما يمكن أن يحدث للأطلال ألا يبكي عليها أحد»، ❝
ـ ❞ أنَّ الناس في «هذه البلاد.. لا يحترمون أمرين مهمَّين: المواعيد والحدود»، ❝
ـ ❞ وعرفت خولة أن الصَّمغ الذي يجمع أفراد عائلتها هو الادعاء، لا الحُب. ❝
#أبجد
#بثينة_العيسى
#مراجعــــــــات_محمــــــود_توغـــــــان
-
سها السباعي
أبناء بالغون لأم مختلفة، في دار خولة
ستختلف قراءتك لـ«دار خولة» إذا كنت من الأبناء عنها إذا كنت أحد الوالدين. منَّا من تعاطف مع خولة، بل تماهى معها حد البكاء، ومنَّا من تماهى مع ناصر أو يوسف أو حمد بظهوره القصير لكن المؤثر، لأنه يبدو أنه الوحيد من بين إخوته الذي ما زال يحمل لأمه بعض مشاعر الحنان والدلال لها وعليها بإيقاظه لها ليلًا لتعد له عشاء، ربما لأنه آخر العنقود الذي ما زال طفلًا رغم أعوامه السبعة عشر، لم يبلغ مبلغ الرجال بعد، بما لهم من اعتبارات أخرى وطرق مختلفة للنظر إلى الأمور، اعتبارات وطرق توفرت بغزارة لدى أخويه الأكبر منه.
تذكرتُ فور اجتماع الأم وولديها على طاولة الطعام رواية العشاء للهولندي هيرمان كوخ. إلى أي مدى تتحول جلسة طعام لذيذ بأصناف متعددة إلى نقاش متوتر بشأن قضية هامة تخص أفراد الأسرة، وجدال حول أثر مسألة ما عليهم جميعًا وكيف سيتصرفون بصددها. لكن الأدوار على طاولة عشاء خولة معكوسة عن الرواية الهولندية، فالأم هنا هي الموضوعة في قفص الاتهام، وبالطبع معروف من هم القضاة والجلادون، لتبقى خولة، طاهية العشاء والداعية إليه «مسمِّرةً عينيها في الصحن مثل طفلة تتعرض للتوبيخ».
سأحاول أن أكون محايدة فلا أنحاز لخولة تمامًا رغم تعاطفي معها في حزنها أو -دراميتها كما يصفها الأصغر سنًّا- على شبابها الذي أفنته في تربية أبنائها، ورأسي الذي أمسكته لا أراديًا بكلتا يديَّ إشفاقًا عليها كما فعلت مع رأسها المتصدع عند شهودها هول تصدع أسرتها، سأحاول أن أشعر بأزمة الهوية لدى ناصر وشعوره بالفقد ثم بالصدمة والحرمان، وأشعر بضغط المجتمع على يوسف وإحساسه بالخزي وسباحته مع التيار، وأتخيل لهو حمد والتهائه عن أي أمر جاد حوله، ثم أتساءل مع خولة عن السبب، الخاص «والعام». غياب الأب «القائد»؟ تدخل الآخرين «الأجانب»؟ الصمت وغياب المكاشفة وانعدام «الشفافية»؟ اغتراب خولة داخل حدود الوطن رغم الإغراق في تاريخه وفلكلوره، فاغتربت بالتالي عن أبنائها رغم غوصها بأفكارها وكل مشاعرها في حيواتهم وإغراقها في حبهم؟ أين تبدأ حدود الأبناء التي ينبغي احترامها وأين يحق للوالدين اختراقها؟ متى نخضع لسنة الحياة و«سِلْو البلد» ومتى نقاومها لأن ليس كل ما وجدنا عليه آباءنا مناسب لزمننا؟
قيل لخولة عن البرنامج الذي يطلبون استضافتها فيه إنهم «سيطلبون مداخلات من أشخاص في محيطها الاجتماعي، وكلمة محيط هنا مضللة، فليس لديها محيط، بل حوض أسماك بالكاد»، كلمات كافية لوصف عزلة خولة ووحدتها ومساحتها الضيقة في مطبخها العامر بمكونات إعداد الولائم وأوعية الطعام الأنيقة مع أنها «في الغالب تأكل وحيدة لأن «البيوت أضحت فندقية إلى حد كبير»» وفي بيتها الذي تكتشف فيه «أن وراء الصمت صمتًا ثانيًا، وتحدس أن وراء الصمت الثاني صمتًا ثالثًا ورابعًا وعاشرًا ومئة وألفًا، تكتشف خولة متاهة الصمت، وهي متاهة مؤلفة من غياب اللغة المحض، لا من قصورها»، وأمومتها التي تستجديها بأطباق المشهيات والحلويات التي تضعها على طاولتها دائمًا لتكون «فخاخًا منصوبة لأمومة معطلة»، وإحساسها «بالشيخوخة» رغم سنوات عمرها الخمسة والخمسين، التي لا تُعتبر شيخوخة بأي مقياس إلا في مكان يحكم على امرأة بما حُكم به على خولة، فقررت أن «تشيخ بكرامة، رغم أن الشيخوخة في جوهرها إذلال وئيد» وتتحدى الصورة النمطية لامرأة يعتبرها المجتمع في طريقها لتوديع الحياة -بعد انتهاء المطلوب منها- حين تبدأ بشرتها بحفر الغضون التي «تتباهى بها كأنواط شجاعة»، وتتساءل «إن كانت الشيخوخة والوحدة أمرين متلازمين» لتجد راحتها الوحيدة بالتحديق في حوض أسماك فارغ، فهي «لم تحظَ بالأهلية الكافية لتحافظ على أسماكها، واكتشفت متأخرة جدا، أن بعضها قد التهم البعض الآخر، رغم أن البائع زعم أنها اختارت أنواعًا قادرة على التلاؤم»، فأبقت على الحوض الفارغ اكتفاء بما يمنحه إياها من «إحساس مهدئ وفقاقيع، رغم كل ما يوحي به من هجران».
ربما قرأ كثيرون منا كتاب النبي لجبران في بدايات قراءته، خاصة فصل الأبناء الذي ربما لا نذكر من الكتاب سواه. وصفت خولة كلماته بأنها «كلمات جبران الصداحة، «إنجيل العقوق المقدس»: أولادكم ليسوا لكم، أولادكم أبناء الحياة»، لكنها تعرف أن هذا كلام غير صحيح، فالواقع أن «أولادكم ليسوا أولادكم، أولادكم أبناء النظام»». وكي لا يسارع أحد إلى إساءة الظن، فأظن أن خولة تقصد «النظام العالمي الجديد»!
لماذا طرب بعضنا لكلمات جبران وتغنى بها؟ لأننا قرأناها حين كنا أبناء، نتوق للفكاك من سلطة الآباء. لكن، كثيرًا منا، ونحن الآن آباء، في هذه اللحظة تحديدًا من القرن الحادي والعشرين، لا نسمعها طربًا، بل عويلًا ونواحًا، ولا نعتبرها أغنية، بل مرثية.
خسرت خولة ابنها البكري، وأرجعت أسباب تلك الخسارة إلى أمريكا. عبرت خولة بصدق عن إحساسها بأمريكا، بعد دورها بتدخل ظاهره إنقاذ بلدها من عدوان "الأخ" وباطنه مآرب أخرى -وبعد سنوات عدوانها هي نفسها ثم دورها المتفرج بل والداعم لعدوان "ابن العم" على "إخوة آخرين"، لكن هذا موضوع آخر- ثم عبرت عن إحساسها ذاك باستماتتها لتطبع أبناءها بطابعها «الأبيض» المتحضر المستنير- كإحساس طفل انبهر بأمه "أو أبيه"، ثم عبرت عن تبعات انقلاب ذلك الإحساس بعد أن تخلت تلك الأم "أو الأب" بعد زغللة العين ببريق مزيَّف ومزيِّف للتاريخ والتعليم والحرية والعدالة والمساواة و.. القوس مفتوح، مثل «طفل اتعلق بيكي في وسط السكة وتوِّهتيه»؟ كما يقول منير في أغنيته، فعاشت أول التيه على المستوى الخاص قبل العام في انشقاق ابنها وعيْشه بـ«فردانية أمريكية مطلقة»، وعانت تبعات التحلي بالتربية الإيجابية والحب غير المشروط. لكن هل كانت الأمهات تتنتظر دورات التربية الإيجابية وكتب المساعدة النفسية التي تعلمهن الحب غير المشروط؟ ألا يشعرن قبل أن يرددن مع جدات الجدات «أنا أدعي على ابني وأكره اللي يقول آمين»، لأن دعائهن لا يجاوز الشفتين مهما أجرم الابن في حق أهله أو في حق نفسه أو في حق مجتمعه؟ أليس تحيز الأم لأبنائها من أفعال الغريزة؟ ولا نقول الفطرة لأن هذه الكلمة صارت عتيقة ولم تعد تعجب الجميع.
القطة التي تأكل أولادها لا تأكلهم جورًا أو جوعًا كما يتخيل البعض قائلين بسخرية إن «القطة كلت عيالها يا جدعان»، وابحثوا في هذا إن شئتم.
بعكس الابن البكري، يأتي الأوسط ليبقي على «مسافة احترازية مع خولة الأستاذة، بصفتها شخصًا لا يخصه، أو أسوأ، بصفتها عاره». ولننتبه هنا إلى لفظ «لا يخصه» الذي رغم صورته الفصحى البريئة لها دلالة أخرى في العامية المصرية! في محيطات كثيرة، المرأة، أيًّا كان موقعها أو عمرها أو مكانتها العلمية والعملية، هي في العراء، ليست تحت طبقة حماية، إلا أن «تخص» رجلًا ما له وجود، ليعلن عليها حمايته ويضعها في حِماه. وعندما تقرأ ما يدور بخلد يوسف عن أمه «وعن أبيه»، وعن الصورة المثالية التي يراها لدور الرجل في الأسرة، خاصة فيما يتعلق بفتح البرطمانات واستبدال اللمبات وتغيير الإطارات، ستجد تعريفه الدقيق لمعنى الحماية والحمى. لا يفهم يوسف لماذا لا تكتفي أمه بأن «تكون أمًّا، مجرد أمّ، «لماذا لا يكفيها ذلك؟!»».
ولنكن عادلين، فيوسف، الذي لم يعرف عن أبيه الذي مات وهو صغير سوى «ما قالته أمه، ولم تكن مصدر ثقة عنده، وعليه فقد اضطر إلى التشكيك في كل شيء»، لم يعجبه أيضًا أن أباه حوَّر أبيات الشعر ليحولها إلى شيء خاص بأمه، ولم يعجبه تغنيه بالشعر و««حساسيته» التي كان يجدها منفرة»، وهو «غير مهتم بأبيه أستاذ الأدب العربي، بقدر ما هو غير مهتم بأمه أستاذة الفلكلور» و«يريد أن يعرف إن كان أبوه مثل بقية الآباء»! يوسف لا يريد للجميع إلا صورة نمطية خافتة، صورة لا تلفت الأنظار، لا تتميز عن الآخرين، لا يشير إليها أحد بأصبع الاتهام أو السخرية وربما ولا حتى ببنان الإعجاب والتقدير، فهذا أريح لرأسه: «بصراحة أنا لا أريد أمًّا مشهورة» لا بخير ولا بشر.
أما آخر العنقود، الذي تقول عنه خوله أنه «مو معبرني خير شر» فقد أحضر لها هدية ظنًا منه أنها ستعجبها، ربما تعويضًا عن عدم وجوده، بعد تجاهل موعدها على العشاء مع الأسرة عن قصد مفضلًا ألعاب الفيديو مع أصدقائه، متجاهلًا «عددًا هائلًا من الاتصالات التي لم يرد عليها عامدًا»، اعتمادًا على أنه سيجدها قد جنبت له عشاءه ليسخنه حين يعود في الجهاز الذي يستبدل أحد أدوراها، وربما يأخذ سيلفي مع «منابه» من الوجبة حين يعود للمنزل متأخرًا بعد أن تنام وينشره ويكتب عليه «تسلم إيدج يُمَّه».
اليقين من بين كل ما تحسبه خولة خذلانًا من جانب أبنائها، ومن كل ما يحسبه أبناؤها قصورًا من جانبها، أن «سوء الفهم حتمي، وعلى ما يبدو أبدي جدًّا»، ولكن كيف سنفهم والجميع يقابل الجميع بالصدود؟ كيف سنفهم والجميع يعلي الحدود أمام الجميع بجدران عازلة وأسلاك شائكة؟ ربما نتدارك شيئًا من ذلك السوء ونحسن جزءًا كبيرًا منه بالمصارحة والمكاشفة بين الجانبين، ورحابة الصدر والعفو والقبول والتسامح والرحمة، من الجانبين، وموازنة الأولويات، وتطبيق قول مأثور أكثر عقلانية وإن لم تثبت صحته النقلية، قول سابق على كلمات جبران ونظريات التربية الإيجابية: «لاعبه سبعًا، وأدبه سبعًا، وصاحبه سبعًا، ثم اترك الحبل على الغارب».
-
Khaled Essam Al-Esawy
فبراير ٢٠٢٤ أمر مشعل الأحمد بحل مجلس الأمة الكويتي بسبب إساءة ضمنية "للذات الأميرية".
فبراير ٢٠١١ بعد تنحي مبارك، قطعت الدول الخليجية الامدادات البترولية لمصر اعتراضًا على تنحي مبارك، وخوفًا من تصدير الثورة من مصر وتونس وليبيا وسوريا إلى أراضيهم.
١٩٦٢ أرسل عبد الناصر قوات الجيش المصري للمشاركة في حرب اليمن بلا تخطيط مسبق، وزج البلد بعدها في نكسة ٦٧ وتابعاتها من فقد كل الأراضي المحتلة من سيناء إلى الجولان.
ويمكن مد الخط على استقامته والرجوع بالزمن لعقود ومتابعة أحداث مماثلة وصولا إلى الحملة الفرنسية على مصر ١٧٩٨م، حينما وصل نابليون بالمدافع والبنادق بينما تصدر المصريون ومشايخ الأزهر يقرأون نصوصًا من البخاري أملًا في دعم خرافي لم يأتِ أبدًا.
تصب خولة/ بثينة العيسى، غضبًا على أمريكا، الاستعمار الناعم، وسنعتبر ضمنًا خولة بعضًا من بثينة والعكس كذلك، فأنا لا أنشغل بموت الكاتب أثناء قراءة نصه، فالكاتبة أمد الله عمرها وإبداعها تحيا وسطنا، ويمكن الرجوع لعدد من لقاءاتها الأخيرة، لنجد ذلك التلاقي بين خولة وبثينة في الكراهية لأمريكا، وفقدان الأمل في الجيل الجديد، جيلي وجيل ناصر الذي تم عامه الثلاثين، حتى جاءت أحداث ٧ أكتوبر في غزة لتغيّر شيئًا من تلك النظرة المتشائمة.
أتفق مع خولة/ بثينة حول إحداث جرح نرجسي في ذات الجماهير، التي لا تظهر إلا كثوار أو ضحايا. فالجماهير والشعوب العربية بالأخص تتحرك وتنساق ككتل صماء. والأغلب لا يملك فكرًا يخصه، وكل ما يفعله هو إعادة تدوير لأشباه أفكار الأخرين. والسلطة تستغل ذلك التحرك كالبهائم، كما فعلت مع خولة، واستغلالها كمكب تفريغ.
لكن هل أمريكا/ الحضارة الغريبة هي ما يجب أن نلوم في أزمتنا العربية؟
تم الإشارة في الرواية إلى ديمقراطية ما داخل الكويت، لا أعرف سمة تلك الديمقراطية التي يتدخل فيها أمير ليحل مجلس النواب دون اعتبار لأي شيء، ودون اعتبار لأي مواطن داخل البلد، السبب والاطمئنان لفعلٍ كهذا هو اليقين أن أحدًا لن يتحرك، وأن البلد لن تنقلب إذا تم حل ذلك المجلس. والسؤال هنا، أين دور أمريكا في ذلك؟
حينما دعمت الرجعية الخليجية الثورة المضادة في مصر، وهاجمت حركات التغيير، لحفظ استقرار الوضع الداخلي، أين أمريكا في ذلك؟ الحقيقة أن أمريكا كانت تسعى لحفظ الاستقرار داخل المنطقة بأي حكومة كانت، للحفاظ على مصالحها ومصالح إسرائيل وهذا شأن آخر.
أرسل عبد الناصر الجيش المصري لحرب اليمن بلا تخطيط، وزج البلد إلى النكسة بشلة ضباط يوليو، ما هو دور المصريين في كل ذلك؟ لا شيء. بل دعم المصريون ناصر بعد النكسة لإخراج البلد من تلك الأزمة الكارثية. ولم يكُن لأمريكا دور كذلك، في سياسات ناصر الداخلية، والقمع، وحرب اليمن.
الحقيقة أن الشعوب العربية تعاني من أزمات اقتصادية في بعض الدول، بسبب أزمات سياسية في كل الدول، وشعوبنا لا تنشغل بالسياسة، وذلك لأزمة فكرية عميقة في وعي تلك الأمة، وتصورات دينية خاطئة مسيطرة على عقول الشعوب، والتحرر من تلك التصورات دائمًا عنيفًا كصورة "ناصر ابن خولة" الذي لا يتورع عن حقن وجهه بالبوتكس والفيلر وشحوم مؤخرته. والشعوب الغنية تحيا على ريع النفط، والفقيرة تحيا على أمل الجنة، والإصلاح أبدًا لن يأتي من فوق كما رأت خولة، فالحكومات لا تنشغل إلا بالقصور والفخفخة، وإن كانت أمريكا استعمار ناعم، فالحكومات العربية هي الاستعمار الخشن الواجب مقاومته.
أما أمريكا فهي تحيا على منجزها الديناميكي الذي امتد لسنوات من التغير والتطوير والإصلاح، بينما كانت الشعوب العربية استاتيكية، حتى قبل أن تكتب أمريكا نهاية التاريخ، وتعيش كقطب واحد يتنطع على كل دول العالم. ويمكن الرجوع لحلقة "الدحيح" عن الانتخابات الأمريكية، والحرب الأهلية الأمريكية، وتاريخ الحركة النسوية، ولكن لرؤية صورة بانورامية لسنوات ممتدة من التصحيح الداخلي، وأن تلك الحضارة ليست نبتًا شيطانيًا، بل نتاج سلسلة من التضحيات. شيء هكذا أبدًا لا يحدث في الدول العربية، وكما قلت حتى قبل أن تتسيد أمريكا الكوكب. وإن كان هناك سببًا لتلك السيادة فهو تلك الحالة الديناميكية.
للحضارة الغربية/ الرأسمالية أزمتها، يعاني منها الأمريكي قبل العربي، نزعة استهلاكية مفرطة، وتحفيز دائم للاستهلاك، وفردانية مرعبة، تجعل الإنسان وحيدًا يجابه العالم. لكن حتى تلك الأزمات تم التعرف عليها، بأدوات الحضارة الغربية ومنجزها، ميزانيات البحث العلمي الضخمة، قدر كبير من الحرية الداخلية، منجزات علوم النفس والأعصاب، قدرة عمل استبيانات عامة للوصول لنتائج مثل أن الاكتئاب مرض العصر.
لكن في عالمنا العربي، نعتمد على ماذا، على عقول مستنيرة، تمتلك نظرة فاحصة، مثل بثينة وغيرها، لتعميم حالات بعينها إلى سمة وأزمة يمر بها المجتمع. لكن لا تقدر على عمل استبيان حر، لا تقدر على تنظيم بطولة "بادل" نسائية كما ذكرت بثينة في كتابها عن الرقابة، أو منع جلسات يوجا كما ذُكِرَ في رواية دار خولة.
نحن لا نتأمرك، نحن نمتص من تلك الحضارة أزمتها، استهلاكها، فردانيتها، لأننا لا نقدر على دفع ثمن الحرية.
هل يخلق نظام التعليم الأمريكي، الاستقلالية وعقلًا نقديًا؟
تطرقت بثينة إلى أزمة المدراس الأمريكية، بخبرة ذاتية، وليست علمية، أرى الفجوة بين المدارس الأمريكية والبريطانية في مصر والدول العربية من جهة وبين نظام التعليم في أمريكا وبريطانيا وألمانيا وكندا من جهة أخرى، وذلك عن طريق نماذج يمكن تعميمها، الواقع أن التعليم الغربي، يخلق عقلًا نقديًا، وذلك العقل أبدع الإنترنت، وثورة المعرفة التكنولوجية، والاتصالات، والهواتف التي نكتب ونقرأ منها، وتنتج عقلًا منضبطًا بين العلم والآداب. والتعليم هناك مجاني ولا حاجة لتلك الخيبة العربية حيث توجد مدارس بمصاريف سنوية لروضة الأطفال تعادل قيمة الدراسة في أفضل الجامعات العالمية. ولماذا يسمح بتلك الخيبة في بلادنا لأننا شعوب منحلة ومنحطة، نتمتع بالكثير من البلادة والتفوق الزائف، ونسمي، على حد قول خولة، النزق تفكيرًا نقديًا، ونتباهى بالجهل المركب، ونذيب الحقائق غير المريحة بماء الإجابية المغشوشة، ونقبل مثل ناصر أن ننمسخ ونعيش حياة غير منتجة.
لذا وجب التوضيح أن أمريكا ليست الجنة، وليست البلد بألف لام التعريف، وليست الحلم، أمريكا هي أمريكا فقط، منجز حقيقي نتلمسه في كل حياتنا، ومجرم لا يتورع عن تنفيذ مصالحه، بكل السبل، لكن في السياقات والأطلال التي تبكيها خولة، كانت تلك الحضارة لا تتورع عن التمدد والتوسع في فتوحات أو احتلالات أينما كنت ستراها بعينٍ مختلفة. لكن يبدو أن هذا هو سبيل الانوجاد في ذلك العالم؛ أن تملك من أدوات العلم والحضارة كي لا تنقرض.
يمكن الرجوع لكتاب د/ عز الدين شكري فشير "على فين يا مصر"، الفصل الثاني: منابع تهالك الدولة واستبدادها. لمراجعة المقولات الاستشراقية لبرنارد لويس، والتي اشتبك معها ونسفها إدوارد سعيد في كتابه المؤسس "الاستشراق" لمراجعة النظرة الشرقية للغرب، والتي تبناها الشرق عن نفسه، ولنكُن بقدر من الصدق والذهن المتقد للوقوف على تلك الرؤية هل هي حقيقتنا كشعوب بليدة، والوقوف على سبب تلك البلادة، والتخلف، والتي كما ذكرتُ في البدء ممتدة لسنوات ما قبل الاحتلال، فحينما جاء نابليون إلى مصر المحروسة، كنا في قاع العالم، وكنا نقرأ على جيشه البخاري، للنجاة من البنادق الفرنسية.
لم أتحدث عن غزة، لأنها الأمل الوحيد، وهي التي تعرينا بحق، هي التي تدفع ثمن الوجود والتحرر، وهي التي تشير إلى أنه في هذا العالم الآخر هنالك من يتحرك لنصرة غزة، ونحن هنا نخشى القمع. يمكن مشاهدة "بودكاست" د/ خالد فهمي عن تجهيزات النشاط الطلابي في أمريكا لدعم غزة. وإن كنت أرى أن ذلك الدعم لا يعنينا وتلك القضية لا تعنيهم إلا إنسانيًا، لكنها تعني لنا الوجود.
ختامًا، إن كانت بثينة العيسى صادقة بحق في قولها نحو أزمتنا، فلا أظنها تسعد بذلك الاحتفاء السلبي بتلك الرواية، من الجماهير المتحركة ككتلة صماء، والتي لا تقدر على كتابة مراجعة لرواية تعريها وتلعنها بلغة سليمة، وبمفرداتها الخاصة، التي لا تنتمي بالضرورة إلى قاموس "المشاع اللغوي".
وإن كنا نحن على قدر من الاتساق مع الذات، فهذه الرواية لا تقيَّم بنجمة أو نجمتين أو خمس، لأنها صفعة على وجوهنا جميعًا، وإن كنا نحترم ذواتنا فيجب ألا "نستهلك" تلك الرواية بآليات السوق الرأسمالية.
وأسوأ ما يمكن أن يحدث للأطلال ألا تجد إلا من يبكي عليها.
-
Rayane Mo
اسم العمل: دار خولة
اسم الكاتبة: بثينة العيسى
عدد الصفحات: 88 أبجدية
دار النشر: منشورات تكوين
التقييم: 🌟🌟🌟🌟
مقدمة: لطالما شغفتنا القراءة بمختلف أنواعها الأدبية، ولاسيما الأدب الإجتماعي الذي يحتل الصدارة، نعيش فيض من المشاعر التي تسحرنا لعالم من الخيال، نتعرف على شخصيات على ورق ويصبحون كأنهم منا وفينا، نتعرف على ثقافات جديدة لمختلف الشعوب عربية كانت أو أعجمية، نتفاعل مع الأحداث بكل وجداننا، نقرأ ونستمتع ونحلل وأيضا ننتقد، وإن إختلف محتوى قصص مجتمعنا فإنها بالتأكيد ستناقش عن مواضيع الهوية والوطنية والعلاقات الإجتماعية والثقاقات والغربة وغيرها الكثير...
وأساس تكوين المجتمع هي الأم، التي تعتبر ركيزة أساسية التي لا تقوم المجتمعات إلا بها، وهذا لا ينفي أنه ليست كل أم هي أم. الأمومة حب بالفطرة، حب بالأفعال، بالتضحيات، بأن تكون خير مثال لأبناءها، ولكن أحيانا العوامل المحيطية تجعل الأمومة تتعرض إلى العديد التحديات، كالعولمة والإفتاح للعالم الغربي في أمريكا، وخير مثال على ذلك الأم خولة التي دخلت لإمتحان صعب مع أبناءها والتحرر والإنفتاح الذي كان ضد مبادئ تقاليدها وثقافاتها، جيل يختلف عن جيل، جيل يلهث وراء مايعتبره تقدم وللأسف لم يأخذ منه إلا القشور المبهرجة التي أطلقت عليها خولة بالإنمساخ الجمعي في حوار على التلفزيون.
√المحتوى:
الأمرُ الذي تكرههُ خولة أكثر من الشَّيخوخة هو التَّصابي، والأمر الذي تكرهُهُ أكثر من التَّصابي هو أمريكا. كان هذا هو المبدأ الذي تعتنقه أديبة في الفن الشعبي خولة، زوجة لأستاذ في الأدب العربي، والأم لثلاث شباب، هجرت بلدها الكويت آملة أن تلاقي الحياة الرغدة والناجحة سواء على النطاق العملي أو العائلي في أمريكا، نجاح ينسف نجاح آخر آخر، فلم توفق في دور الأمومة، فوجدت الجفاء والوحدة والهجرة من أبناءها، وإختلاف الآراء فيما بينهما ليصل إلى حد القطيعة، تحتلها الشيخوخة، والوحدة والإشتياق لأبناءها وإن كانوا بجانبها، خواء داخلي كقلب منزوع منه الحب، تكنولوجيا أخذت القلوب قبل العقول، تمرد الإبن الأكبر ونقمته على الأم وطريقة حياتها، الإبن الأوسط و بمحاولات بسيطة يسعى للتقرب من والدته وإن كان لديه بعض التحفظات عليها، آخر العنقود حمد فالتكنولوجيا كانت هي كل إهتماماته.
تسعى خولة للمّ الشمل من جديد، تقوم بإعداد عزيمة بما لذّ وطاب، وماتشتهيه الأنفس، فيحضر إثنان ويغيب أصغرهم المدلل، لقاء أسفر عن فشل أمنية لم تتحقق، كُشِف ماظمرته النفوس، أهان من أهان، شتم من شتم ، ضرب من ضرب، صغيرهم إحتقر كبيرهم، يقال وقت الغضب تظهر حقيقة البشر وماتخفيه القلوب، لقاء تحول إلى عزاء في فقد العلاقات الأخوية وإن كانت من قبل برابط هش، كان الهدف إعادة بناء العلاقات فكانت النتيجة هدم بدون أمل في إعادة البناء.
√المواضيع التي تناولتها أحداث الرواية:
🌟الغربة: عند إتخاذ قرار الغربة عن الوطن والبحث عن إعادة بناء حياتك والطموح للمستوى الأعلى تذكر أنك ستقدم ضريبة عن ذلك، وقد تكون أغلى مما ستكسب، ليس فقط عن الأرض بل أيضا غربة الروح وما أقساها من غربة، تفقد نفسك وذاتك وقد تفقد من هم أغلى عندك، خولة من بداية إغترابها وهي تدفع ضريبة ذلك فكانت النتيجة الفشل في الحفاظ على أبناءها.
🌟الهوية: الهوية تعتبر هي وجدانك الأساسي، بدون هوية الإنسان لا يعتبر أنه يعيش، المحيط لديه تأثير قوي في رسوخ هويتك وستبقى داخل إمتحان ستفشل به أم ستنجح، فكان الفشل حليف خولة وأبناءها.
🌟الأمومة: الأم شيء مقدس ومنصب له جوهرته، كل أم تسعى للم شمل عائلتها، والإمتحانات من نصيب كل أم خاصة في هذا العصر المنفتح ذو الشعار الديمقراطية والحرية الشخصية، والتحديات الكبرى التي تتعرض لها، والسعي للمحافظة على أبناءها.
🌟تأثيرات التكنولوجيا: لاشك أننا وصلنا لعصر لا يقوم إلا بالتكنولوجيا، بالرغم من أنه لها إيجابيات، إلا ان السلبيات تطغى بالكثير، تعطيك مساحة واسعة من الإنعزال عن محيطك الأسري الواقعي لتستبدله بالمواقع، خاصة بما إنتشر بما يعرف بالميمات الذي أودى بحمد إلى حالة من الإدمان به.
🌟التفكك الأسري: للتفكك الاسري عدة أسباب لا يمكن حصرها، ولكن عند التفكير العميق ستجد أن سبب البلاء الكلي هم التكنولوجيا، يعطيك مساحة من الإنعزال والغربة عن عائلتك فلا تكاد تعرف اي شيء عنهم، تعيش خولة في محاولات للأسف نتيجتها واهية في محاولة إعادة إحياء الروح داخل عائلتها بلم شمل أبناءها، الذين إعتبروها ديكتاتور على حد وصفهم وبعبارة الغريبة والمتطرِّفة، فأن يصل الإختلاف بين الأم والابناء إلى منطقة الإستهزاء والإحتقار فهنا نستطيع القول بأن التكنولوجيا قد أدت هدفها السلبي وبنجاح تام.
√الحبكة: قد تبدو من النظرة الأولى أن الحبكة مكررة ومستهلكة ولكن طريقة معالجتها متقنة، ولكن وجود لعدة فراغات أفقدتها متانتها، فلم تظهر حياة الأسرة قبل هذا التفكك، الغياب التام لذكر الأب وطريقة علاقته بالأبناء أو إظهار ولو بعض القيم التي زرعها بهم، لم تتطرق الكاتبة للأسباب الأولى الأصلية لبداية ظهور الصراع الداخلي داخل هذه الأسرة ليتم وضع ولو بعض الحلول لفك العقدة، بالإضافة لغياب عنصر التشويق والتفاعل بالعكس كان هناك توقع لطريقة سير الأحداث فلم تكن هناك نقطة يمكن القول عنها أنها ذروة الأحداث، بل كان هناك خط متوازي من بداية إلى نهاية الأحداث.
بالإضافة إلى أن النهاية كانت مفتوحة وغير منصفة لأي طرف من الأطراف فكانت بوصف أدق كئيبة، وبدون زرع ولو بصيص أمل.
√الشخصيات:
🌟الأم: أجادت الكاتبة رسم الشخصيات بدقة، بداية من نموذج للأم العربية المغتربة التي تحاول لآخر نقطة الوصول إلى قلوب أبناءها وإعادة بناء أسرتها بعد التفكيك.
🌟الإبن الأكبر: طفولة كان لها من الأثر العميق في هدم شخصيته، وغربة الروح عن والدته، وفقدانه لهذه الركيزة الأساسية له سببت له العديد من العقد النفسية.
🌟الإبن الأوسط: في كل عائلة يوجد الإبن الذي يسعى أو يحاول لإعادة تجميع العائلة، بالإضافة إلى المسؤوليات التي وجد نفسه مجبرا عليها بعد فقدانه للأب وتخلي الإبن الاكبر عن هذا المنصب.
🌟الإبن الاصغر: آخر العنقود المدلل الذي أغرته التكنولوجيا فإستبدل الواقع بالمواقع، فلم تعد الأسرة تمثل له أي أهمية.
√السرد واللغة والحوار:
بلغة عربية فصيحة متمكنة، وبأسلوب سلس ومبسط وبدون تعقيدات ، بتوظيف النحو والبلاغة لإضفاء جمالية على المحتوى ، وبحوار ممزوج بين الفصحى والعامية الكويتية موطن الكاتبة، بكلمات غير معقدة أو متكلفة بل مفهومة، واللهجة لها دور عميق في توصيل الأحداث من القلب إلى القلب.
الحوار الداخلي يضفي لمسة إيجابية لما له دور في فهم الشخصيات ودوافعها ودواخلها ومشاعرها وتحليلها تحليل منطقي.
🌟العنوان والغلاف:
علاقة تمازجية متكاملة مع المحتوى، حوض به سمكة حمراء هي نفسها السمكة التي وجدها حمد طافية على الحوض بدون حركة، بعدما فقدت الروح كما فقدتها خولة بفقدانها لأبناءها والفراغ العاطفي الذي كان يسود بيتها بجو كئيب وإنعزال بلون غامق وفاقد للحياة.
√الإيجابيات:
🌟رسم دقيق للشخصيات وتفاعلاتها الداخلية مما ساعد في فهم أعمق لها.
🌟اللغة الفصيحة البليغة المتمكنة.
🌟تنوع المواضيع من وسط بيئتنا العربية وطريقة الطرح.
√السلبيات:
🌟النهاية المفتوحة بدون أن يكون هناك إعطاء أمل أو حتى أن تكون قفلة أكثر واقعية.
√الاقتباسات:
❞ الأمرُ الذي تكرههُ خولة أكثر من الشَّيخوخة هو التَّصابي، والأمر الذي تكرهُهُ أكثر من التَّصابي هو أمريكا. ❝
❞ في صباح ذلك اليوم، قرّرت خولة أنَّ «التَّصابي والتَّأمرك أمران متلازمان»، والحقُّ أنها تجد التَّأمركَ ممزوجًا بكل ما لا تحبُّه، لذا عزمت على إظهار آثار شيخوختها، مثلَ ميدالياتٍ فخريَّة، وراحت تتخيَّل، أمام المرآةِ، ما ستبدو عليه لو أنها عادت إلى الشَّاشة، بشعرٍ أشمطَ، وغضونٍ حول الفم، وكيسٍ جلديٍّ متدلٍّ من الرَّقبة، وجيوبٍ ليلكيةٍ تحت المحجرين. ❝
❞ «مغردٍ دبقٍ يصطَفُّ مع الجماهير، حتى لو كانت ضدّ نفسها». ❝
#مسابقة_افضل_مراجعة_لرواية_دار_خولة
#مسابقة_مكتبة_وهبان
-
Rehab saleh
#مسابقة_مكتبة_وهبان
#مسابقة_افضل_مراجعة_لرواية_دار_خولة
دار خولة _بثينة العيسي ِ
دار تكوين
قراءة الكتروني _ابجد
@
كان دائماً يراودني سؤال" هل الإنسان ابن البيئة التي ولد فيها؟ أم ابن البيئة والأفكار التي نشأ وتربي عليها؟
في دار خولة التي تشبة ديار كثيرة من ديار العرب يصرخ هذا السؤال طوال الوقت هل أنا ابن هذا المجتمع ذو التقاليد والعادات التي تربي عليها الأباء والأمهات أم أن خطأ الأباء والأمهات في تحسين الوضع التعليمي والمعيشي لأبنائهم جعلهم يخترقون القواعد ثم يفقدون السيطرة عليها.
# وقد وجدت أنَّ البيتَ يتوحَّشُ أكثر ما يتوحَّش في الصَّباح الباكِر، وفي آخر اللَّيل.. عندها تكتشفُ أن وراء الصمتِ صمتًا ثانيًا، وتحدسُ أن وراء الصَّمت الثاني صمتًا ثالثًا، ورابعًا وعاشرًا ومئةً وألفًا
صخب الأولاد في البيت يخلق حياة ولكن في دار خولة لا يوجد هذا الصخب يوجد فقط الصمت
شخصيات الرواية
_الدكتورة خولة سليمان أستاذة الأدب الشعبي الفلوكلور التي زجت ببكرها في المدارس الأمريكية طمعاً وأملاً في الرجل الأبيض فلا هي جعلته أمريكياً خالصاً ولا كويتياً مخلصاً
كانت تحارب طواحين الهواء طوال الوقت من أجل حياة أفضل لأبنائها فانقلب الأمر عليها
_ناصر الأبن البكر الذي نشأ وتربي في المدارس الأمريكية وعلي الطريقة الأمريكية في الحياة وأصبح شاباً طرياً لا يستطيع أن يتفوة بجملتين باللغة العربية ولم ينس أن والدته تخلت عنه صغيراً, فنشأ مع جدتة مدللاً يعيش كما يحلو له لكنه دائماً ما افتقدها حتي لو لم يقل لها هذا
_ يوسف الابن الأوسط الذي يظهر حبه لأمه ولكنه في نفس الوقت يوجهها
كما يريد بعدما اخد علي عاتقه مسئولية الأسرة بعد وفاة الأب ولكنه يعاني من تحمل هذه المسئولية
_ حمد الطفل الثالث المنغمس في الألعاب الالكترونية ولا يكترث بهذا ولا ذلك.
_ الأب الغائب الحاضر في الرواية استاذ الأدب العربي الذي عشق الشعر وجعله حديث بينه وبين خولة يروضه كما شاء كأنه في الصحراء كـ عبلة وعنترة ولبني وقيس
_ أحداث الرواية
أحداث الرواية كلها مختذلة في موعد العشاء للأبناء الثلاثة الذي حددته الأم لمناقشة أمر هام وهو ظهور الدطتورة خولة في احد البرامج الحوارية , يأتي ناصر أولا للبيت ثم يوسف بينما حمد يتأخر كثيرا
يتذكر ناصر حياته في دار خولة وخروجه المأسوي منه وحياته الأن بعيدا عن امه وشقيقيه في جُرح لا يطيب
_خيبت أمريكا أملها، وأعطتها في المقابل: «كثير من البلادة، والإحساس الزَّائفِ بالتفوُّق، والغباءِ المطبقِ أمام التاريخ».
يوسف المتملق المستغل لوالدته ويظهر لها عكس من يبطن
تُبدع خولة في اعداد الطعام والأكلات التي حيبها أولادها في وصف قد يراه البعض مبالغ لكنني رأيته كأنها تقول لنفسها وتقنعها أن كل شيء علي ما يرام ها نحن أسرة نتحلق حول المائدة بدفء كأننا أسرة كويتية عادية وليس أسرة متفككة لا تري بعضها الا قليلاً
عندما يعرف ناصر ويوسف بموضوع البرنامج يثورا لأن خولة كانت قد اثارت الجدل منذ سنوات بأرائها الغريبة التي جعلت منها أضحوكة علي مواقف التواصل الاجتماعي لدرجة عمل ميمز واستيكرز بإسمها حتي أن أبنائها يتداولونها مع اصدقائهم بسخرية
يعترض يوسف ويتحمس ناصر قائلاً انه سيظهر في البرنامج ويتحدث قائلاً انهم يعيشون حياة أسرية ديموقراطية, وثار يوسف قائلاً أن ناصر يتسلق الشهرة علي أكتاف والدته ويتراشقان بالكلام ثم بالأيدي بينما تصرخ الأم ولا تستطيع فعل شيءو وتصاب بالصداع فتربط رأسها بعصابة وتنام_ أو تهرب _ في ايحاء نفسي بهروبنا من المشكلات بالنوم.
@ قضايا جدلية
عرضت الرواية موضوعات جدلية كثيرة منها الهوية وعلاقة الأبناء بالأباء والتكنولوجيا ومواقع التواصل الإجتماعي وتأثيرها في المجتمعات, الحداثة والتربية وحرية الرأي وغيرها,مجرد عرض فقط بشكل بسيط ولم تناقش أو تقدم حلول أو اقتراحات بل عرضت المشكلة فحسب.
"خيبت أمريكا أملها، وأعطتها في المقابل: «كثير من البلادة، والإحساس الزَّائفِ بالتفوُّق، والغباءِ المطبقِ أمام التاريخ».
عندما تريد أن تسيطر علي دولة ما فليس عليك غزوها حربيا بل تسيطر علي صغارها وشبابها من خلال السوشيال ميديا وعادات الحياة من ممارسات الحياة والأكل والشرب والكلام فيصبح الشخص هجين بين بين, يعيش في بلد ذو تقاليد وعادات ودين لكنه ينبذها ويمارس حرية غير محدودة ينتهج أفكارهم وطريقة حديثهم ولغتهم وطريقة الأكل والشرب بل يحاكي حياتهم نفسها فيصبح مثل الغراب الذي قلد مشية الطيور جميعها حتي نسي مشيته.
"ولماذا لا يكفيها أن تكون أمًّا، مجرّد أم، «لماذا لا يكفيها ذلك؟!». في اشارة لعمل المرأة وتجاهلها لبيتها وأولادها أو انشغالها عنهم وإلقاء اللوم عليها دائماً حتي وهي تفعل هذا من أجل أبنائها
"تركته خولة في رعاية جدَّته شهورًا دون أن تتَّصل، كأنَّها سُرَّت بالتخلّص منه. والأرجح أنها كانت تنتظر أن يجيء معتذرًا، وقد انتظر هو الشيء نفسه،لكنه كان مجرد ولد، في حين تحصَّنت هي بكلماتٍ جاهزة عن البرِّ بالوالدين وطاعة الأمَّهات، ونسيت أن تكون أمًّا"
في بلادنا العربية نتشدق دائماً ببر الوالدين وننسي عقوق الأباء نحو الأبناء! لماذ لم يحن قلب خولة لولدها ولو لمرة واحدة؟ فلو انها تنازلت عن كبريائها قليلاً ما كان حدث كل هذا, وما تركت هذا الجرح يكبر ويتشعب في قلب ناصر ولا يندمل الي الأبد
_عندما تحوَّل لقاء الساعة إلى مقاطع فيديو لا تزيد على ثوانٍ، وثار الناس على تويتر، أحسَّت بأنها تُسحلُ في شوارع افتراضية"
السوشيال ميديا أو مواقع التواصل الإجتماعي ودروها في السيطرة علي حياتنا بشكل مبالغ فيه لدرجة تحطيم حياة البعض حتي ولو كان الأمر لا يستأهل كل هذا. المشكلة ان ولديها تعاطو الأمر مع الأخرين بشكل سيئ وكأنها ليست أمهم أو شخص لا يمت لهم بصلة في مشهد واقعي حزين للأسف يتكرر كثيراً في الواقع ويؤكد حقيقة سيطرة السوشيال ميديا علي حياتنا
"والسبب الأهم، بزعم خولة، هو أنَّها امرأة، وأن المجتمعاتِ «تجوعُ بشكل موسميّ لحرق امرأة بتهمة الشعوذة أو إلقاء عذراءَ في النهر»
في الواقع الافتراضي علي السوشيال ميديا تعاني المرأة أكثر من الرجل وفي واقع الحياة تعاني المرأة أكثر, هكذا هو المجتمع وهكذا هي المجتمعات العربية تحديداً تقسو علي المرأة وتحز رقبتها بسكين صدأ علي أقل الأشياء بينما إذا فعل الرجل نفس الشيء فلا يلومه أحد
# غلاف الرواية موحي جدا ومعبر عن الرواية
@ تصاعدت الأحداث
حدث التصاعد في نهاية الرواية بتراشق الشقيقين ثم ذروة الأحداث بشجار ناصر ويوسف بالأيدي وضرب يوسف لـ ناصر وطرده من المنزل ووقوع الأم علي الأرض بلا حول ولا قوة.
ثم ظهور الابن الثالث حمد في ملعب البادل لا يهتم بالعشاء مع اخوته ولا حتي العودة للبيت في موعد محدد, لكنه عندما يخرج من الملعب ويري احدهم يبيع اسماء زينة يتذكر والدته ويشتري لها واحدة.
وفي مشهد سريالي يعود لدار خولة فيري البيت المقلوب رأسا علي عقب ويري المكلمات الفائتة علي هاتفه ويري خروج شقيقه من جروب الواتس الخاص بهم لكنه لا يهتم بشيء يدخل المطبخ يخرج الطعام ويأكل. ثم يضع السمكة في الحوض حتي تراها امه عندما تصحو فتفرح بها لكنه يعد دقائق ينظر لحوض السمك فيجد السمكة ذات الزعانف الحمراء طافية علي بطنها لا تتحرك ميتة جداً
مميزات الرواية
بثينة العيسي كاتبة متمكنة ذات اسلوب رائع وتجعلك مشدوداً للعمل من البداية للنهاية, تعرض موضوعات مهمة في رواياتها دائماً
نهاية الرواية بالرغم انها مفاجئة إلا أنها من وجهة نظري مناسبة
عيوب الرواية
عرض مشكلات كثيرة في صفحات قليلة كان الأولي بها رواية أكبر, تصاعد الأحداث ووصولها لذروتها ثم نزولها إلي الأسفل مرة واحدة بالنهاية التي قد تكون غريبة وبدون أي انذار.
السرد كان بسيط وسلس
الحوار كان بكلمات عامية قد تكون غير مفهومة احيانا
وصف الاكل قد يراه البعض مبالغ فيه لكني أراه عادي جدا في رواية تبحث عن الهوية والاكلات المشهورة في اي بلد من ضمن الهوىة وحفظها
-
Marimaa
#سفريات2024
#مسابقة_سماوي_لأفضل_مقال_نقدي
#دار_خولة
دار خولة...بين الرمزية والواقعية
في روايتها الأحدث"دار خولة" والصادرة عن "منشورات تكوين"، اختارت الكاتبة "بثينة العيسى" التكثيف الشديد في الحدث والمكان، من ثم تنطلق منه أحداث الرواية أو "النوفيلا" إن صح التعبير
«أسوأ ما يمكن أن يحدث للأطلال ألا يبكي عليها أحد»
بهذه الإفتتاحية الثقيلة إختارت "خولة" أن تبدأ حكايتها، بمشهد لحوض أسماك فارغ كان يوماً يحوي سمكات تسبح في حيز آمن، واكتشتف خولة متأخراً أن السمكات تأكل بعضها حتى فرغ الحوض وإن بقيت جدرانه الزجاجية وبقايا الأعشاب البحرية تحكي عن أيام كان يحمل فيها حياة
إسقاط شديد الوضوح بالنسبة لي على حالة البيت الذي يوماً كان يحوي أسرة مترابطة ظاهرياً، مع تنافر شخصيات كل منها و وفاة رب البيت الذي كان بمثابة عمود الخيمة، انفرط العقد الواهي وانهارت الحياة، حافظ البيت على شكله الخارجي البراق وإن خلت الحياة بداخله
"إنها تتناسى دائمًا حقيقة أنها تخلّت عنه في أصعب أيام حياته، وما لا يفهمه ناصر، أنه اضطرَّ بعد وفاةِ والده إلى أن يفقد أمَّه أيضًا، أن يتيتّم من الجهتين تركته خولة في رعاية جدَّته شهورًا دون أن تتَّصل"
علاقة شديدة التعقيد بين خولة وبكرها "ناصر" الذي استقل بحياته بعد وفاة الأب بشهور قليلة إثر مشادة طبيعية تحدث بين أمهات الكوكب كله وأبنائهم المراهقين لتدني مستوى الدراسة أو لأي سبب آخر، ولكن كان للجدة الكلمة العليا في محاولة لتهدئة الأمور استضافت الإبن في بيتها لأيام طالت لسنوات
هنا وقعت خولة بين مطرقة العادات وسندان قلبها، فالعادات تطالب دوماً الإبن بالإعتذار لأبويه وإن لم يقتنع...فهم دوماً على حق وأكثر معرفةً بخبايا الدنيا، قلب الأم يطالب بحضن ولدها وإن شق عصا الطاعة، وحتى إن فشل دراسياً يبقى ولدها البكر وأول نبضة قلب بإحساس الأمومة الأغلى على قلبها، ولكن كان العناد سيد الموقف، اختفى ناصر من البيت وحياة الأسرة وإن لم يختفي من قلب أمه التي اكتفت بمراقبته من حساب مستعار على الإنستغرام...في محاولة مستميته لمعرفة أخباره ولو بدون تواصل فعلي
"مفهوم الخطأ والغفران بين الماضي والحاضر وتأثير مواقع التواصل الإجتماعي"
أبدعت الكاتبة في تشريح نفسية ناصر، الذي فقد في شهور قليلة أبيه بالوفاه وأمه بالعقاب الشديد على خطأها الشخصي الذي تأبى الإعتراف به، ففي خضم إنبهارها بالمنقذ الأمريكي وهبت له إبنها كأنه قربان بشري إعترافاً بجميلهم في تحريرهم من الغزو، فكانت النتيجة مسخ بهيئة بشرية، فلا أفلح ناصر في التعليم الذي ظنت الأم أنه الأفضل في العالم، ولا أفلح في التأقلم مع واقعه الشخصي فكانت النتيجة إتجاهه لعمليات التجميل والنفخ وأمور النساء، بلا أساس ديني نهائياً حتى أنه يعاقر الخمر في نهار رمضان ونسى بشكل كامل فريضة الصلاة، أشفقت على ناصر من كل قلبي...فما أصعب أن يحمل الإنسان نتيجة أخطاء غيره، بالأخص لو كان أحد الأبوين
وفي سياق أخر أشفقت على خولة، التي ظهرت في برنامج حواري استطاع فيه المذيع وببراعة إستدراجها لأخطاء في وصف المجتمع والثقافات، فكانت النتيجة تحول الأم لمصدر عار لأولادها بعد اقتصاص الحوار إلى أقل من دقيقة والتركيز على سقطاتها، خطأ ظلت خولة تدفع ثمنه على مدار سنوات طويلة من تجاهل ناصر لها وتسلط يوسف على حياتها واستغلاله الكامل لها نفسياً ومادياً، أما حمد فكان أصغر من أن يستوعب خطأ أمه
فكان سؤالي الشخصي "متي يغفر الإنسان الخطأ وإن إنتشر؟؟ وإلى متى يعاقب الشخص على خطأه أيا كان؟؟ وهل إنتشار الخطأ على مواقع التواصل الإجتماعي حرمنا نحن من فضيلة الغفران والتسامح؟؟ متى نرجع للأصل وهو ببساطة"أننا بشر نخطأ ونصيب، فلنترك الحساب دوماً لرب العرش ونحاول نحن تصويب أخطائنا الشخصية"
خطأ واحد كلف خولة علاقتها بإبنيها سنوات طويلة...شرخ لم تفلح الأيام في رأب صدعه أبداً...قسوة تعلمناها جميعاً من مواقع التواصل الإجتماعي للأسف
"بقدر ما يعرفُ يوسف أنه شخصٌ بسيط، يعرفُ أيضًا أنَّ العَلاقات معقدَّة، وأنَّ على الولد أحيانًا أن يتولى تربية والديه، وأنَّ العالَم مقلوبٌ على عقِبيه"
شعر يوسف بالمسؤولية الملقاه على عاتقه منذ لحظة خروج ناصر من البيت، هنا بدأ يتعامل بمنطق رجل البيت لا أحد أفراده الأصغر، بشكل ما بدأ يتولى مسوؤليات صغيرة سرعان ما زادت حتى أضحى فعلياً وبعمر الثامنة عشر رجل البيت حرفياً، فهل كان يوسف سعيداً بهذه المسولية؟؟ وقربه من أمه بهذا الشكل؟؟ أم أنه "ورغم أنه يعرف أنَّ تعاستها لم تكن غلطته، فإن عليه أن يحاول أكثر"
في الحقيقة شعر يوسف دوماً بالظلم فرغم كل ما يفعله إلا أنه ليس كافياً، فالحلقة المفقودة دوماً بيد ناصر، الإبتسامة من أمه تحمل دوماً مرارة ونظرة حزن لغيابه عن المشهد، مما ولد إنفجاراً غير متوقع في لحظة شديدة الحساسية وغير مرتبه ناتجة من وجهة نظري من إحساسه بالتسلط الأبوي في غياب الأب والبكر
هل العمر مجرد رقم أم إحساس ؟؟
كثير من المقولات تدعو لإعتبار العمر مجرد رقم، وأنه طالما كان الإنسان على قيد الحياة فيمكن دوماً البدء من جديد في أي لحظة وأي سن، الأمثلة الواقعية لاتعد ولا تحصى لأدباء وفنانين بدأت شهرتهم بعد الأربعين وبعدها، أما في الرواية فيختلف إحساس الأبطال كلياً بالسن، ففي حين يرى ناصر أنه أضاع حياته لمجرد بلوغه الثلاثين في قوله " ففي مكانٍ لا يُنظر فيه إلى الزمن كشيءٍ ناضبٍ وفي أهميَّة المال نفسه، يمكن أن تخرج الأمور عن السَّيطرة، ويستيقظ المرءُ من نومه يومًا ليكتشفَ أنه في الثلاثين، وأنه أضاع حياته"
نرى خولة تشعر بالشيخوخة وهي في الخامسة والخمسين فتقول بمرارة "تجاوزت الخامسة والخمسين منذ شهرين، وأنها قرَّرت أن تشيخ بكرامةٍ، رغم أنَّ «الشَّيخوخة في جوهرها إذلالٌ وئيد»، أتسائل أنا بعمري الذي يقارب الثامنة والثلاثين ومحاولاتي المستمرة للإستمتاع بحياتي وتطوير ذاتي، لم هذا الإحساس القاتل بالوحدة وإنقضاء العمر خاصة بالنسبة ل ناصر؟؟ ولم اعتبرت خولة أن حياتها انتهت تماماً رغم تمتعها بصحة جيدة إلى حد كبير بالمقارنة بعمرها؟؟
أظن أن للأمر علاقة بمستوى رفاهية معين يشعر فيه المرء أنه قد حقق كل طموحاته بالفعل في سن صغير فما جدوى الحياة، أما في حياة صعيبة مليئة بالتحديات فيكافح الإنسان طوال الوقت بدون الإلتفات غالباً إلى العمر، يصبح فعلياً "مجرد رقم"
ناقشت الكاتبة وبتركيز شديد العلاقات المعقدة بين أفراد الأسرة الواحدة باختلاف شخصية كل منهم، على زمنين متوازيين أحدهما وليمة عشاء قررتها خولة في محاولة لإلتقاط صورة عائلية تبقى ذكرى بعد رحيلها، لم شمل أسرة طال تشتت أفرادها ومحاولة لإسترجاع المحبة المفتقدة والدفئ الذي رحل للأبد، الآخر بفلاش باك قوي ومحكم عن أصل الإختلاف والعلاقات المعقدة، وفي النهاية ترابطت الأحداث بشكل سلس للغاية، " وعرفت خولة أن الصَّمغ الذي يجمع أفراد عائلتها هو الادعاء، لا الحُب"
واما المكان فكان واحداً فقط، هو دار خولة التي بناها الأب وأسماها باسمها تحبباً وتقرباً، فبقي الإسم بعد رحيل صاحبه وحتى النهاية
أبدعت الكاتبة في وصف علاقة الأم بأبنائها، راق لي للغاية إعترافها بأخطائها في حق ناصر وإن لم يخرج هذا الإعتراف للنور، ففي غمرة إنبهارها بالنموذج الأمريكي المنقذ للبلاد من آتون الغزو العراقي، ألقت ببكرها في أتون التعليم الأمريكي بإعتباره الأفضل، لم تعلم أنها بذلك تفقده للأبد، أما يوسف فبطريقة ما وصله إحساس أنه الأب فتعامل على هذا الأساس حتى كان مشهد النهاية الصعب للغاية بين الأخوين، وأما حمد فاختار أن يكون الحاضر الغائب على طول الخط
نوفيلا مركزة، بتكثيف شديد الخصوصية للعلاقات المعقدة، نهاية وإن كانت مربكة إلا أنها تحمل الكثير من المنطقية
#قراءات_حرة
#قراءات_سبتمبر
١/٤٥
مقالي في مسابقة ابجد
https://www.facebook.com/photo.php?fbid=324227890924169
5 &set=pb.100003788543292.-2207520000&type=3 -
هند أحمد السيد
دار خولة، أول رواية قمت بقرائتها للأستاذة بثينة العيسى، كم حضرني الفضول الشديد للقراءة لهذه الكاتبة، فكانت مسابقة أبجد أفضل تشجيع وتعريف لقراءة هذة الرواية.
لا أدري هل أدعوها نوفيلا لقصر صفحاتها؟ أم أدعوها رواية لعظم محتوياتها وكثرة إسقاطتها؟ فبرغم من قصرها إلا أنها حوت الكثير من المشاعر والأحداث المهمة.
من الممكن أن تتضمن هذه المراجعة حرق لأحداث النوفيلا.
الأمر الذي تكرهه خولة أكثر من الشيخوخة هو التصابي، والأمر الذي تكرهه أكثر من التصابي هو أمريكا، ترى خولة أن التصابي والتأمرك أمران متلازمان، فلهذا قررت أن تقوم بكل فخر بإظهار شيخوختها بشعر أشمط وغضون حول الفم، وكيس جلدي متدلية حول الرقبة، وترى أيضا؟ من عيوب الشيخوخة عندما تريد أن تقوم بتغيير مصباح، أو القيام بفتح البرطمانات، وشعورها بازدياد توحش البيت في الصباح الباكر، وكذلك في المساء.
" فخاخ منصوبة لأمومة معطلة "
تكتشفُ خولة متاهة الصَّمتِ -وهي متاهة مؤلَّفة من غيابِ اللغةِ المحض، لا من قصورها- وتتحسَّسُ جدرانها كل صباحٍ وكل ليلةٍ، عندما تأكلُ وحيدة، إذ يندر أن يرغب أيٌّ من يوسف وحمد في الأكل في موعد محدد، فكلاهما يفضِّل أن ترسل صينية الطعامِ إلى غرفتهِ في الوقت الذي يشتهيه، وكان وجودهما في البناءِ نفسه -المدعوُّ بالبيت- يملؤها مرارة، لكنها تستأنسُ بالاحتمالات، تعوِّل عليها؛ أن يمرَّ أحدهما بها صدفة، ويراها جالسة أمام التلفزيون مع علبة الزبادي وأصابع الخيار، ويقرّر أن يأخذ قضمة، ولهذا السبب فإنها تقوم بملء البطولة بالشوكولاتة والفستق علّ أحدهما يقوم بالمرور عليها كي يؤنس وحشتها، مما جعلها تتسائل: «إن كانت الشَّيخوخة والوحدة أمرين متلازمين».
❞ «أمريكا ليست بلدًا آخر، أمريكا هي البلد، بألف لام التعريف، والآخرون هم الآخرون». ❝
من الأشياء التي أبرزتها الكاتبة قيام أمريكا بتحرير الكويت في فبراير 1991م ( لم أكن أعرف عنها سوى القليل)، وكيف قامت هي وزوجها قتيبة بتوزيع البسكوت والقهوة على قوات التحالف، وكيف انبهرت بلونهم الأبيض، خاصة الشقر منهم أصحاب الأعين الملونة، وأطوالهم الفارعة، وقيامهم بعبور القارات فقط لإنقاذهم.
خولة، الأم لثلاثة أبناء: ناصر ويوسف وحمد، التي تقوم الظهور على البرامج التلفزيونية وتقوم بعرض آرائها حول المجتمع بصورة قاسية ولكنها حقيقية و واقعية، ولكن لا أحد يقبل أن يتم نقده، ولكنها قوبلت بسخرية وهجوم المجتمع، فأصبحت حواراتها عبارة عن مجرد فيديوهات قصيرة وملصقات ساخرة وصلت لدرجة أن تبادلها أبنائها في محادثاتهم، لم تكن خولة مثالية مع عائلتها كما كانت تدعوا في حوارتها، فقد كانت علاقتها ببكرها ناصر في انحدار عظيم، بالرغم من تفضيلها له عن إخوته الباقين حتى وصلت علاقة أبنائها إلى منحدر الغيرة.
" إنها تتناسى دائمًا حقيقة أنها تخلّت عنه في أصعب أيام حياته، وما لا يفهمه ناصر، أنه اضطرَّ بعد وفاةِ والده إلى أن يفقد أمَّه أيضًا، أن يتيتّم من الجهتين تركته خولة في رعاية جدَّته شهورًا دون أن تتَّصل "
ناصر الذي نشأ في المدرسة الأمريكية وتشرب اللغة الإنجليزية والثقافة الغربية لدرجة عجزه عن معرفة ثلاثة دول عربية ممن تحيط بالكويت، تمنى من والدته أن تقبله وتحبه كما هو بلغته واختلافه، ليصطدم بعدم توافقه مع والدته لينتهي به الأمر بالعيش مع جدته قاطعاً كل الصلة مع والدته ويراها فقط وقت العزائم، وكيف عاني من الاغتراب النفسي والتمرد، ومن دلالات هذا قيامه بالكثير من عمليات التجميل والنفخ، ولقد قام بشرب الخمر في نهار رمضان ونسى بشكل كامل فريضة الصلاة، وفي نفس الوقت انتظرت منه والدته أن يبادر بالاعتذار فالعادات تطالب دوماً الإبن بالإعتذار لأبويه، وهنا وقع الخصام أثر العناد، وأصبح سبيل وصول خولة الوحيد بناصر هو تصفح مواقع التصفح الاجتماعي.
يوسف الذي وكل نفسه ولياً على والدته وأصبح مكان والدته في سنٍ مبكرة وقيامه بالعمل في سن صغيرة فأصبح رجل البيت وهو في سن الثامنة عشر فقط، ويرى نفسه أجدر بالحب والاهتمام الذي توليه والدته لأخيه الأكبر، كونه يقوم بالاهتمام بشئون والدته ويناديها ب"يمه"، على عكس أخيه الأكبر غير المسؤول الذي يقوم بعرض جسده للإعلانات، فمهما حاول كان رضا والدته وعودة ابتسامتها وفرحتها متصلاً بناصر أخوه الأكبر، مما ولد شعوراً بالغيرة والحقد من أخيه.
حمد لم يظهر بشكل كافٍ في النوفيلا، فأعطاك صورة الشخص المهادن للأوضاع الذي ليس له دور في العائلة، وكيف وجه اهتمامه للألعاب الإلكترونية وتجاهل والدته ومحاولاتها الحثيثة للحفاظ على الأسرة، ولم يقل في النوفيلا سوى كلمة " يمه يوعان"، ولقد ظهر ليسدل ستار النهاية على النوفيلا.
خولة كانت مثقفة ناجحة قوية ثابتة في عرض أرائها، لكنها فشلت في جمع أولادها.
" ورأت نفسها في الغد، واليوم الذي يليه، والذي يليه، والذي يليه أيضاً: حياة مديدة قاحلة، حيث البيت فارغ جداً، خولة تأكل وحيدة"، " البيوت أضحت فندقية إلى حد بعيد"
تشعر بأسى خولة ووحدتها وتمنيها إعداد مائدة عامرة بما لذَّ وطاب لتتجمع مع أبنائها البعيدين عنها وجوداً القريبين مكاناً، والتقاط صورة تجمعهم كذكرى، أحضرت حوض السمك ووضعت به أسماك كي تسليها في وحدتها، فمالها قد أكلت بعضها و أصبح الحوض فارغاً كفراغ منزلها، وكيف كان تشتتها وعرضها السؤال الأبدي، وهو متى ينتهي دور الشخص كامرأة ويبدأ كأم والعكس؟
" فالتعبير عن الألم، في سياقاتٍ بعينها، مرهون بوجود من يكترث"
رأينا كيف قامت الكاتبة بعرض مأدبة الغداء التي أعدتها خولة لأبنائها بكل حب وشوق أم، وحين قامت بمفاتحتهم عن رغبتها في المشاركة ببرنامج حواري قاموا بإبداء الرفض القاطع دون مراعاة لمشاعرها وخوفهم من انتشار الفضيحة والعار بعد أن هدأ الوضع منذ سبعة أعوام، وكيف قام ناصر بالاهتمام بكيفية تحوير جلسة البرنامج من أجل أن يتقبل الناس الحوار ويحصلوا على الشهرة، ورأينا كيف تطور الوضع للعراك بالأيدي بين يوسف وناصر وانفجار حزنهما دون مراعاة لحزن خولة.
نجحت الكاتبة في جعلي أتعاطف مع كل الشخصيات، وحدة خولة وأرائها وتشتت ناصر و غيرة يوسف ولا مبالاة حمد.
" في تلك الأيام، آمنا كلنا بالرجل الأبيض، آمنا بأمريكا وسلمناها أطفالنا: خذوهم واجعلوهم بيضاً بقدر الإمكان! بقدر الإمكان!"
عرضت الكاتبة نقطة مهمة جداً، وهي الانبهار بالثقافة الغربية وخصوصاً كل ما هو أمريكي، وكيف قامت خولة بإلقاء ابنها ناصر في أحضان أمريكا على أمل أن يعطيهم الولد المثقف الخلوق العالم بثقافة البلد واللغة العربية، ولكن للأسف قامت بإعادة أجيال مشوهة لاتفقه شيئاً في تاريخ البلد أو في اللغة، وعبرت عن هذا قائلة: " كثير من البلادة، والإحساس الزائف بالتفوق، والغباء المطبق أمام التاريخ".
نهاية النوفيلا كانت رائعة، حيث قامت الكاتبة بإنهائها بمشهد السمكة الميتة في حوض السمك بالرغم من كونها السمكة التي جلبها حمد للتو، مما يضع الكثير من التساؤلات عن ماهية النهاية وهل مغلقة أم مفتوحة؟
من الإقتباسات الرائعة في النوفيلا:
"لكنهم يبالغون في شأن كل شيء هذه الأيام"
" الشيخوخة في جوهرها إذلال وئيد"
" أسوأ ما يمكن أن يحدث للأطلال ألا يبكي عليها أحد"
«الجيل الذي يسمِّي النزق تفكيرًا نقديًّا، ويتباهى بجهله المركَّب مثل شهادةٍ من هارفارد»
«خوارم المروءةِ من مخلَّفات الماضي» .
« قفا في دار خولة فاسألاها».
-
Book Lover
اسم العمل : دار خولة
اسم المؤلف : بثينة العيسي
عدد الصفحات : 131 على أبجد
النوع الادبي : اجتماعي
اسم دار النشر : تكوين
سنة النشر : 2024
اللغة : فصحي
التقييم : 7/10
🌻❞ «أسوأ ما يمكن أن يحدث للأطلال ألا يبكي عليها أحد» ❝🌻
✍🏻❞ «عِمي صباحًا دارَ خولةَ واسلمي» ❝ هل سلمت خولة ودارها ومن يسكنوه أم لم يسلموا؟ إذا كنت تريد أن تعرف تفضل معنا أو يمكنك أن تعرف بنفسك وتذهب لدار خولة.
✍🏻عندما نسير في الشوارع نرى المنازل من الخارج فمنها ما يعجبنا ومنها لا رغم أننا لم نرى إلا الخارج فقط ورغم ذلك نحكم عليه من مظهره الخارجي فقط أنه ليس جيد أو جميل ولكن المظاهر دائما خادعة هكذا علمتني الحياة ألا أحكم على ما أراه من الخارج واليوم عندنا دار خولة مسموح لنا أن ندخلها لنعرف ما بها هذه الدار وكيف حال سكانها وربما عند التجول في داخلها نحكم عليها ولكن دقيقة من نحن لكي نحكم على أحد؟ ربما يمكننا أن نوجه نصائح إذا وجدنا من يحتاجها وربما نجد الآوان قد فات فنتعلم ونتعظ من خلال تجربتهم ونشكرهم على سماحهم لنا بالتعلم من أخطائهم ومشاركتهم لنا حياتهم الخاصة ومشاعرهم فهيا ندخل الدار لكي نتعرف عليها وعلى سكانها هل أنتم مستعدون؟
✍🏻الرواية مكثفة جدا حيث تنجح الكاتبة في مناقشة العديد من القضايا في عدد قليل من الصفحات مع قلة عدد الشخصيات ومكان وحيد وهو دار خولة فتعطينا لقطات من الحاضر وأخرى من الماضي لتكتمل لنا الصورة حيث نجد خولة وزوجها الذين تأثروا بأمريكا وأحبوها بل ظنوا أنها حمامة السلام لتثق فيهم ثقة كبيرة فتودع ابنها ليتعلم في مدرستهم رغم معارضة زوجها لأنه هكذا لن يتعلم اللغة العربية ونجاحها في إقناعه أنها ستعوض هي تعليمه اللغة العربية ولكنها لم تستطع بسبب جدول ابنها المزدحم ثم يتوفى زوجها ويترك لها ثلاث أبناء تكفلت هي بتربيتهم بمفردها لتكتشف بعد فوات الآوان التأثير السلبي للمدرسة الأمريكية على ابنائها وترغب بنقلهم في محاولة متأخرة لإصلاح خطأها.
🛑انتباه يوجد حرق من هنا👇🏻
✍🏻❞ الأمرُ الذي تكرههُ خولة أكثر من الشَّيخوخة هو التَّصابي، والأمر الذي تكرهُهُ أكثر من التَّصابي هو أمريكا.
في صباح ذلك اليوم، قرّرت خولة أنَّ «التَّصابي والتَّأمرك أمران متلازمان»، والحقُّ أنها تجد التَّأمركَ ممزوجًا بكل ما لا تحبُّه ❝ هكذا بدأت قصتنا مع خولة فهي رغم أنها لم تتعد سن الخامسة والخمسون تشعر بأنها أصبحت في سن الشيخوخة وذلك بسبب حزنها فالحزن يجعل المرء متشائم فهي فقدت زوجها وحبيبها وكذلك ابنها البكر بعده مباشرة رغم وجوده على قيد الحياة بسبب عنادها فعندما تكتشف خطأها باختيارها المدرسة الأمريكية ليتعلم فيها أولادها وترغب بنقله هو وأخوه يعارضها ناصر ابنها البكر لعدم رغبته في الإنتقال من مدرسته فتخبره إن استطعت أن تخبرني بأسماء الدول المحيطة ببلدك سأتركك فيها فيفشل في الاختبار ولكنه يصر على عناده ويذهب لجدته فتعند هي كذلك ليس هذا فقط ولكنها تفشل مع أخويه كذلك ولم تتعلم درسها، بل وتصبح الفجوة أكبر بينها وبين ناصر ويوسف ( وذلك لأن وقتها كان حمد مازال طفل ولم يعي ما حدث) بسبب البرنامج الذي استغلها المذيع ولم يسمح لها بشرح مقصدها قبل 7 سنوات لتصبح مادة للسخرية وعندما يعرض عليها الظهور في برنامج آخر تستغل الفرصة وتخبر أولادها كي يجتمعوا على العشاء لكي يتناقشوا في الأمر ويتأزم الوضع بين ولديها وتظهر النفوس على حقيقتها وذلك في غياب الأبن الصغير الذي يفضل الألعاب الإلكترونية عن الإجتماع بعائلته.
🍃 الشخصيات: نجحت الكتابة في وصف الصراعات الداخلية لكل شخصية بجدارة وجعلنا نتفاعل معهم بكل جوارحنا :
🍁خولة: التي عندما فقدت زوجها فقدت كل شيء فهي لم تستطع أن تتحمل الحمل وفشلت في تربية أبناءهاأبناءها فهي شخصية سلبية جدا ومستسلمة كان في يدها الكثير ولكنها لم تفعل شيء واستسلمت لحزنها.
🍁 الأب: الذي كان يطاوع خولة بسبب حبه لها فكان سبب أيضا في ما حدث وكان حاضر في أغلب الأحداث فبعد وفاته تفككت الأسرة تماما.
🍁ناصر: الذي فقد أبيه ثم أمه وهي على قيد الحياة فهو انتظرها ولم تأتي له إلا بعد فوات الآوان ورغم ذلك لم يستطع أن يكرها وظل متعذب بحبه لها ويسأل نفسه لماذا لم تحبه ؟ وما ذنبه؟ فعندما قامت بدعوته إلى العشاء وصل قبل الموعد
❞ وصل ناصر إلى البيتِ قبل الموعد بعشر دقائق، لكنَّه قرَّر ألا يدخل إلا في الوقت المحدَّد، حتى لا تفسِّر خولة وصوله المبكر على نحوٍ مغلوط؛ ❝ ولكنه لم يدخل حتى لا يظهر اهتمامه فهو لم يستطع مسامحتها وهو أكثر شخص تعاطفت معه فهو كان مجرد طفل عنيد لم يفهم ولكن أمه تركته وعاقبته على فعلها والنتيجة كانت فقده هويته وجنسه.
🍁يوسف:الذي أصبح رب الأسرة وهو طفل وأصبح متسلط في ظل غياب الأب والأم الأكبر ففي نظره يرى أن أمه ليست محل ثقة لذا اختار توجيهها واستغلالها ورغم كل ما يفعل يعرف أن أمه لن تفرح لأنه ليس ناصر فقط ولكنه يحاول دائما لأنه يشعر بالمسؤولية.
🍁حمد : الذي لم يحظى من أمه غير كل حب وحنان ولكنه أناني والسبب أمه علمته الأخذ فقط ربما كانت تحاول تعويض أمومتها فيه ولكنها فشلت كذلك.
🍃اللغة: سرد فصحي وحوار مزيج بين الفصحى والعامية الكويتية مما يزيد العمل قوة في نظري.
🍃اسم العمل: معبر جدا فكل الأحداث تدور داخل الدار الذي لقبه زوجها باسمها كما فعل عنترة ولقب الدار باسم عبلة.
🍃الغلاف: جميل جدا ومعبر فالسمكة الميتة هي التي أحضرها حمد لأمه لكي يسعدها ولكنها تموت فهذا الحوض لا يوجد فيه حياة كما خولة بالظبط فهي تشعر بأنها ميتة وهي على قيد الحياة.
🍃النهاية : جاءت النهاية مبتورة تضع الكثير من الأسئلة فهل ماتت خولة كالسمكة أم مازالت على قيد الحياة.
🍃 رأيي في العمل : أعجبني وهذه القراءة الأولى لي للكاتبة ولن تكون الأخيرة فهو يناقش العديد من القضايا المهمة منها سوء الفهم بين العائلة والهوية وتقليد الغرب وتريندات وسائل التواصل الاجتماعي وأعجبني الإشارة إلى العديد من الآكلات الكويتية ولكن انتهى ونحن ما زلنا في خضم الاحداث فكان يحتاج مزيد من التفاصيل بدون أن ينقلب لرواية طويلة.
🍃بعض الإقتباسات التي أعجبتني:
🌻❞ يجب أن يكون المرءُ جاهزًا للفرص عندما تأتي ❝
🌻❞ لكنهم يبالغون في شأن كل شيء هذه الأيام. ❝
🌻❞ الإنسان ليس منطقيًّا على الدَّوام، ❝
🌻❞ الوصول المتأخِّر أسوأ من عدم الوصول. ❝
🌻❞ الناس في «هذه البلاد.. لا يحترمون أمرين مهمَّين: المواعيد والحدود» ❝
🌻❞ وشعرت بأنها المرأة الأخيرة في قارّةٍ تغرق على مرأى من الجميع. قارة تُفقد دون أن يفتقدها أحد. ❝
🌻❞ حقيقة أنّه كان فأرَ التجارب الأوّل في مختبر أمومتها الفارغ، وأن جُرحها يصبح لامرئيًّا أمام جرحه، ❝
🌻❞ حقيقة أنَّ الحبَّ مشروطٌ مشروط، وأنهم كذبوا في هذا الشَّأن، وأنَّ العالم غير عادل، وأن سوء الفهم حتميٌّ وعلى ما يبدو: أبديٌّ جدًّا ❝
-
أحمد فؤاد
سمكة حمراء تُطالعنا من داخل حوضها الصغير، وحيدة وسط سكون مُطمئن مصبوغ بلون البحر. أهناك فخُّ ألطف من ذلك؟!
قرار سهل
رواية قصيرة (نوڤيلا)… قرار سهل للقارئ كي يخوض تجربة قراءة جديدة دون الانخراط في نص طويل يصعب التخلص منه إن لم يعجبه. لكن بمجرد القراءة تتبدّد هذه الفكرة تمامًا. من الصعب التخلّص من أفكار جادة تشغل حيزًا من تفكيرك بشكل أو بآخر.
-----
التكثيف المُستفيض!
ربما للوهلة الأولى نظن أن الكاتبة حشرت عدة موضوعات في نص قصير. لكن إن تَمَعّنّا النص وقرأنا الشخصيات جيدًا سندرك أن كل منها لها أحاسيسها المُركَّبَة والمُتشابكة. وهذا التشابك والتعقيد هو جزء أصيل في تركيب كل شخصية. أيضًا الشذرات المُقتبسة من أبيات شعر أو مقولات، هي لبنة جوهرية في شخصية البطلة. هذا المستوى من التعقيد النفسي البشري هو في الحقيقة ما يصنع فردانية الإنسان، وهو ما يجعلنا نفهم دوافع تصرفاته حتى وإن لم نفهم تفسيراتها! شخصيات الرواية شخصيات مُركّبة، ليست سوداء ولا بيضاء وربما ليست رمادية جدًا!!!
نحن أمام نصّ مُكثّف مُتعدد الطبقات، متشابك الصراعات، متداخل الأساليب؛ على مستوى الحوار والألفاظ والمعاني، وما هو مخفيّ بين السطور.
من الصعب إيجاد لفظ يوضح ما أقصده. ربما مصطلح”التكثيف المستفيض!“ -إن جاز التعبير- يفي بالغرض!
-----
كشف حساب التجارب الأولى!
"خولة" الأم الغارقة في صراعات نفسية فرضتها عليها ظروف مختلفة: اجتماعية وسياسية وثقافية. تسلط بُثينة العيسى الضوء على لمحة من ظروف متعددة مرّت على بطلتها. وبعدما تهدأ أمواج الحياة المتلاطمة، وتسكن حياة خولة، يكون الوقت قد حان لرؤية أوضح لما كان مغمورًا في خضم رحلة العيش.
كشف حساب التجارب الأولى في الأمومة والعمل واللقاءات الثقافية والتليفزيون. تلك التجارب المليئة بالانفعال والمبالغة في ردود الأفعال. إنها المحاولات التي يشوبها ضعف الخبرة، وحلاوة الأحلام التي لم ترتطم بالواقع بعد. والتي تخضع بشكل أو بآخر بتأثرنا بالمجتمع وعاداته وتقاليده. إن التجارب الأولى هي الأساس التي تُبنى عليها خبرتنا اللاحقة في الحياة، لكن كل شيء له ثمن. وثمن إنقاذها لابنها -في تقديرها للأمور- هو سبب ما تعانيه من وحدة!
يختلف المنظور مع الأبناء سواء ناصر أو يوسف أو حمد. كل منهم بحسب عُمره. يختلف منظور كل ابن منهم ومدى إرهاقه ومشاكله مع خولة، حيث يرتبط عكسيًا بتجارب خولة وتطورها. فأر التجارب الأول كان ناصر، بينما كان الوضع أفضل مع يوسف، ويليه حمد.
-----
منطقة الانكسار!
تقع عذابات أغلب البشر في المنطقة ما بين ”أنا أفعل ذلك من أجلك، وستفهم دوافعي عندما تكبر“ وبين ”أنت لم تفعل ذلك من أجلي، بل من أجلك أنت“. هذه هي منطقة الصمت عن كل تبرير لأفعالنا تجاه أطفالنا. نشعر بالمسؤولية تجاههم ونتخذ قرارات مصيرية لإنقاذهم من مصائر بعضها حقيقي وأغلبه ليس كذلك، دون أن نقدم تفسيرًا واضحًا لهم. ننتظر أن يفهموا بشكل تلقائي في يوم ما، ولكن وأثناء انتظارنا نتركهم في براثن الضلالات والتأويلات المغلوطة، دون أن يخطر على بالنا سؤال هام: ماذا إن لم يفهموا دوافعنا في اليوم المنتظر؟!
يدور الإنسان مهما كبر ونضج وشاخ في دائرة مغلقة من المشاعر المُعلّقة من حقبة الماضي إن لم يجد لها تفسيرًا يشعره بأنه شخص يستحق. لكن بعد وقوع الضرر، لا تفسيرات تفلح ولا اعتذارات تجدي. هذه هي المعادلة يجب أن ننظر بها إلى النص ونقيس دوافع الشخصيات بها.
-----
الصراع داخلك أنت!
لا تتورط بُثينة العيسى في هذا التوتر الذي خلقته في نصّها. تدور كاميرا بُثينة الأدبية وسط دويّ صمت الاتهامات المتبادلة الذي يصمّ آذاننا. تاركة التأثير المُتراكم البادي على تصرفات شخصياتها يورطنا في دوامات أخلاقية لإصدار أحكامنا الشخصية على أصحاب الصراع!
من يتفق مع خولة في بعض أو أغلب تصرفاتها؟ تُرى أهي من سممت حياة ناصر؟ أم أن ناصر هو من انتحر معنويًا كمُكافأة بغيضة لخولة؟ أم تُرى يوسف هو من يُحرّك خيوط الصراع بشكل خفي؟ أو لعلّه حمد من يسخر منهم جميعًا؟
تضعك الكاتبة في هذه المُعضلة الأخلاقية وهي تعلم أنك ستستنكر وتستاء وتمتعض وتتعاطف وتتفهّم وترأف. فأنت بلا شك ستجد في كُلٍ منهم بعضًا منك!
-----
كبسولة زرقاء أم حمراء!
قصتنا هنا قصة قصيرة ربما مشهد طويل واحد يتضمن بعض مشاهد من الذاكرة (Flashback) . وكأنني أرى النص كبسولة صغيرة مضغوطة. يتناولها القارئ بكل براءة مؤمنًا بقدرته الحكيمة على التفاعل معها. لكنه وقبل أن يدرك سذاجته، يكون أثر النص قد تمدّد داخل نفسه بشكل سرطاني. ينتزعه بقسوة من منطقته الآمنة المُزيّفة، ويحرمه من نعيم الاعتقاد بأنه خارج دائرة الهَمّ الإنساني المُشترَك!
في الواقع نحن القُرّاء نجازف مع كل نص جديد نقرؤه. وكأننا نمارس لعبة الروليت الروسية. لا ندري إن كان النص المقروء سيصيب أرواحنا في مقتل أم سيمرّ فارغًا بلا تأثير على النفس. المشكلة في لعبة الاحتمالات أننا في الوقت الذي نعرف فيه نتيجة اللعبة تكون إصابتنا قد باتت بليغة!
اقتباسات
إن أسوأ ما يمكن أن يحدث للأطلال هو ألا يبكي عليها أحد
بل إنها لجأت إلى الحُجَّة المُبتذلة التي يستخدمها كل من يحاول النفاذ إلى مُثقّف عانى إحساسًا بالإهمال: الساحة تفتقد صوتكِ، في تلميح خبيث ومدروس إلى ضرورة وجود المُثقَف في الميدان
كان وجهها قد انغمس في حُزنٍ داكن، وشعرت بأنها شاخت عقدًا في دقيقتين
----
التقييم النهائي
على مدار مئة صفحة نقبع تحت قصف القذائف المُستمرة بلا هوادة لتكشف عن كل الخراب الكائن والمُستتر خلف أقنعتنا المُزيفة.
ومع ذلك، فإن من تأثّر بنص بُثينة العيسى في روايتها ”دار خولة“ ربما سيقع في حيرة من أمره عند محاولة تفسير الشعور الذي خلّفته كلماتها في نفسه. قد لا يدري حينها إن كان من المفترض أن يثمل باستعذاب وطأة تأثير النص على النفس، أم يندم كونه لم يكن مستعدًا لهذا القَدْر من الحقيقة المُرّة؛ حقيقة عوار المجتمع والروابط الإنسانية والوطن!
لم أتوقع أن تعصف بي هذه الرواية القصيرة بكل هذا العنف!
مع هذا المستوى من النضج الأدبي لقلم بثينة العيسى، صرت أترقب جديدها بحماس مشوّب بالقلق! وكيف لا وحروفها دومّا تنكأ الجرح.
رواية ”دار خولة“ إضافة مميزة للأدب العربي المُعاصر.
تقييمي للرواية خمس نجوم ⭐️⭐️⭐️⭐️⭐️
معيار التقييم:
نجمة = لم يعجبني - نجمتان = مقبول - 3 نجوم = أعجبني - 4 نجوم = أعجبني بشدة - 5 نجوم = استثنائي
أحمد فؤاد
الرابع عشر من أيلول - سبتمبر 2024
-
Hager Hegazy
رواية اثقل كثيرا من عدد صفحاتها
رواية مركزة كفنجان قهوة ثقيلة جدا... ومرة جدا جدا
دار خولة هي حوض السمك المرسوم على الغلاف الحوض ذو الفراغ الازرق وبه سمكة وحيدة هي خولة لان حوض السمك القديم قد نفقت سمكاته الثلاثة... التي ( زعم البائع انها اختارت انواعا قادرة على التلاؤم ) ... صورة الغلاف هي هدية حمد لامه.. فهل ستبقى السمكة الحمراء الوحيدة في الحوض ذو الفراغ الازرق؟ (بمعنى هل ستبقى خولة في دار خولة؟) ام ستنفق كما نفقت السمكات الثلاث من قبل؟
* خولة..(كانت امرأة اخيرة في قارة تغرق على مرأى من الجميع قارة تفقد دون ان يفتقدها احد)
* الرواية ذات بعدين..
- بعد اجتماعي اسري عن الاغتراب بين افراد الاسرة وتاثير الحداثة على الابناء وغياب الاب حيا بسلبيته او ميتا.. وتخبط الام بين كونها استاذة شرقية مثقفة وكونها اما ومربية (بفخاخ منصوبة لامومة معطلة) ضيعت ابناءها وجلست تتحسر..
- البعد الثاني هو بعد رمزي عن الوطن ( كقارة تغرق على مرأى من الجميع) بتراثه وثقافته وحيرته في المواءمة ما بين اصالته وبين علاقته بابنائه المتارجحين ما بين المتأمركين الراضخين تماما للحداثة (ناصر) والسلبيين الماكثين في اماكنهم المتشبثين بعيوب الشرق وجموده الفكري كلعب دور الذكر الوصي على الانثى (يوسف) واللامبالين باي شيء كأنهم كومبارس شأن اغلب الجيل الاصغر الآن (حمد)
* العلاقات الانسانية اعقد كثيرا من ان تفهم.. والاكثر تعقيدا واعجازا هي العلاقات الاسرية.. كيف لي كأم أن اتخيل ان قطعة كانت داخلي يوما وانفصلت عن جسدي ان تصبح كيانا كاملا مختلفا تماما عني.. وكيف لي كأم ان اتخيل ان قطعا اخرى انفصلت عني لا تشبه القطعة الاولى ولا تشبهني.. وان هذه القطع ستتعايش معي ومع بعضها.. وكيف لي ان اتخيل ان كل نفس اتنفسه امام هذه القطع هي تشكيل لطين شخصياتها.. كل كلمة اقولها.. وكل سلوك اسلكه هو فرشاة ارسم بها انسانا.. انا من ابنيه واشكله بوعي او دون وعي مني.. انا مسؤولة عما ستكونه هذه الشخصيات فيما بعد.. انا حتى مسؤولة عن حبها او كرهها لي ولبعضها البعض وللناس وللوطن... يالها من مهمة صعبة.. ويالجحيم الوعي بذلك.... ونعيم الجهل به...
* هذا ما اوجزته الكاتبة في نوفيلا قصيرة عن تشابك علاقات اسرة صغيرة في ليلة واحدة يستعاد فيها فلاش باك سبب الجفاء والتوتر الموجود بينهم.. في رأيي كل ما بينهم كان بسبب عدم الفهم.. عدم وصول المشاعر كما هي.. كل واحد احب الاخر بطريقته ولكن هذه الطريقة وصلت كرسالة خاطئة للطرف الاخر.. خولة احبتهم جميعا.. حبا مريضا خاطئا.. كانت كالدبة التي قتلت صاحبها مع ناصر.. وخانعة كزوجة شرقية مع يوسف وأما مدللة مع حمد.. وفي الحالات الثلاث هي غير شخصيتها كانثى مثقفة اعتبرها المجتمع واولادها ديناصورا قديما يعيش في المتحف ويهذي بذكريات بالية اتخذوها سخرية واعتبرها اولادها عارا وسبة ... يالعار هذا المجتمع اذ تنصل من تراثه وتهكم عليه... ذكرني هذا بمدرس اللغة العربية المهووس بالشعر العربي عندما كان الطلبة الوقحين يدعونه ابو العتاهية كناية على عتهه...
* ناصر ايضا احب امه وانتظر عمره كله ان يرتمي في حضنها وينسى جفاءها ضده.. جفاؤها الذي جاء جراء تخليها عنه كرمز لتخليها عن الأمركة والحداثة الي آمنت بها ثم كفرت.. فكان تخليها عن ناصر كتكفير لهذا الذنب وتطهر بابعاد النجس عنها..( امريكا ليست بلدا اخر امريكا هي البلد بالف لام التعريف والاخرون هم الاخرون) كان هذا ما امنت به ثم كفرت.. وكان ناصر هو امريكا التي يجب ان تعاقبها.. كان هو (فرخ البط الاسود)... . هو انتظرها ولم تأت وهي احبته من بعيد كذنب نشتاق اليه ونخاف الاقتراب منه... دائما تتخيل انه يعود.. فلا هو عاد ولا هي ذهبت اليه.. آلمني جدا محاولته تذكر موقف لامه ان وقفت بجانبه وعندما استطاع تذكر موقفا تافها بديهيا جدا وخاطئا جدا و( هكذا سيعتاد ناصر الهرب طوال حياته)
* اما يوسف فقد استسلم لنقله من المدرسة الامريكية وعاش شرقيته كاملة بتقمص ابيه بعد موته بفرض الوصاية على امه فكان حبه لها حب هيمنه واستغلال مع ان زوجها لم يكن كذلك.. وغار من ناصر لاحساسه الدائم انه الاثير لدى الام برغم بعده ولأنه الافضل تعليما فاستمتع بلانتقاص منه والتهكم عليه واظهار عيوبه امام الام بحجة انه يدافع عن امه..
* حمد كان كومبارس في الرواية.. لم يظهر الا قليلا.. وهذا ما يحدث مع مراهقي هذا الجيل.. معزولين متوحدين مع شاشاتهم والعابهم.. يحب امه ايضا لكن يعزل نفسه عنها كشخص وكمشاكل ويرتبط بها فقط كأم.. (يمة يوعان) .. هي فقط تطعمه كطفل اما التربية فلامبالاته ولعبه وانغماسه في حياته الافتراضية امام الشاشات هم من يربونه.. وهي ايضا علاقتها به بنفس المستوى فهي لم تكن تريده ان يحضر هذا العشاء وفضلت ان يأكل بمفرده . كانها ايضا تعزله عن شخصيتها الحقيقية او لا تريده ان يرى عارها كما يقول اخوته...
* قتيبة كان عشيقا بالنسبة لخولة.. كان فارس أحلام شرقي يمتطي حصانا عربيا اصيلا ويتلو الشعر على مسمعها ليل نهار فكانت ملهمته وربة الحب لديه.. لم يكن زوجا يغير اللمبات ويفتح البرطمانات ويهتم بالمطبخ كيوسف.. ولم يكن ابا يربي ابناءه لانه اعتبر التربية مهمة النساء.. كان فقط حبيبا.. ولكنه كان كخيط المسبحة الذي يجمع حباتها.. فلما قطع فرطت الحبات وتبعثرت وضاعت...
اذن خولة كانت حقيقية مع قتيبة.. خصمة لناصر... زوجة ليوسف.. ونصف ام لحمد... لكنها لم تستطع ابدا ان تكون جميع ما سبق مع جميع من سبق.. كل في محله.. فشلت كأم.. وفشلت كمثقفة لان المجتمع سخر منها ولأن (المجتمعات تجوع بشكل موسمي لحرق امرأة بتهمة الشعوذة او القاء عذراء في النهر)
علاقة هذه الاسرة ببعضها مسمومة مؤلمة ومرعبة لانها واقعية جدا.. لكنك تشفق عليهم جميعا.. في شرع العلاقات لا احد بريء ولا احد جاني... كلنا مجرمون وكلنا مساكين.. جدا...
خولة هي الأم...دار خولة هي التراث .. خولة هي امرأة اخيرة في قارة تغرق على مرأى من الجميع.. قارة تفقد دون ان يفتقدها احد..
( قفا في دار خولة واسألاها تقام عهدها وهجرتماها )
-
Ȝℓαα
في روايتها (دار خولة)، تقدم الكاتبة الكويتية "بثينة العيسى" مزيجًا محكمًا من الواقعية الشديدة والفلسفة الوجودية عبر شخصية "خولة"، الأم المثقفة التي تحاول بجهد الحفاظ على تماسك أسرتها وهويتها الثقافية في ظل ضغوط التغيير السريع والاختلاط بين القيم التقليدية والحداثة. تأخذنا الرواية في رحلة قصيرة ومكثفة داخل عالم خولة، محصورة بين جدران "دار خولة" الأربعة، لتعرض لنا لمحة من حياتها خلال عشاء يجمعها بأبنائها الثلاثة، وهو ما يعكس بدقة شريحة حياتية صغيرة ولكنها مليئة بالرموز والدلالات.
الرواية تُبنى على صراع داخلي كبير تعيشه "خولة"، أم تقف على مفترق طرق بين الماضي والمستقبل، بين الرغبة في الاحتفاظ بأبنائها وحمايتهم من تأثيرات المجتمع الخارجي، وبين حقيقة أن الزمن والحداثة يمضيان بلا هوادة. ترغب "خولة" في تجميع أبنائها الثلاثة على العشاء، في محاولة يائسة لخلق لحظة تواصل عائلي، لكن ما يحدث يكشف عن واقع مؤلم. ففي تلك الليلة، تتكشف جوانب حياتها التي تفتقر إلى التواصل الحقيقي، ويبدو العشاء أشبه بحدث ختامي أو ربما وداع أخير. حتى حوض السمك الذي كان يعج بالحياة في السابق، صار الآن فارغًا والسمكة الحمراء ميتة، مما يعزز الإحساس بالانتهاء والخراب.
تحاول "بثينة العيسى" من خلال شخصيات الرواية أن تضع القارئ أمام أسئلة فلسفية عميقة حول الهوية والوجود. "خولة" نفسها تجسد هذا الصراع الدائم بين القديم والجديد. أبناؤها يمثلون التوجهات المختلفة في المجتمع المعاصر؛ أحدهم هو المسخ، الآخر هو التقليدي، والثالث هو الغائب، كل منهم يعكس جانبًا من التمزق الاجتماعي والبحث عن الذات في عالم متغير. تتردد في الرواية مقولات عن الأفكار والهوية، حيث ترى "خولة" أن الأفكار الأصلية في هذا العصر إما جنون أو غير موجودة من الأساس، بينما يتصارع الأبناء مع محاولاتهم للعثور على معنى في حياتهم.
العلاقة بين "خولة" وأبنائها مشوبة بالتوتر، فبينما تقول المقولة الشهيرة "أولادكم ليسوا لكم، أولادكم أبناء الحياة"، تدرك "خولة" أن هذا الكلام غير دقيق في الواقع. فالأبناء ليسوا فقط أبناء الحياة أو النظام، بل هم عالقون في عالم معقد، تائهون بين توقعات المجتمع والآمال الشخصية. هذا الشعور بالعجز أمام تأثيرات المجتمع والواقع المتغير يعمق من معاناة "خولة".
تتعمد "بثينة العيسى" استخدام الرمزية بشكل عميق في "دار خولة". السمكة الميتة في حوض السمك الفارغ ترمز إلى الموت البطيء للعلاقات الإنسانية والتواصل العائلي، تمامًا كما تشعر "خولة" بأن كل شيء حولها يتفكك. كل تفصيل في الرواية – سواء كان بسيطًا أو معقدًا – يُستعمل لتسليط الضوء على الألم الداخلي الذي تعيشه "خولة" وأبناؤها. كما أن استخدام تقنية الفلاش القصصي، حيث تُقدم القصة من خلال لمحات قصيرة دون إيضاح مباشر، يمنح الرواية عمقًا ويجعل القارئ شريكًا في تفسير الأحداث وإكمال الصورة.
كما أن "بثينة" تراهن على وعي القارئ وذكائه في قراءة ما بين السطور؛ حيث تلمح إلى مشكلات جوهرية دون الإفراط في الشرح أو التحليل المباشر. تدع القارئ يربط بين الرموز والأحداث بطرق مختلفة، ما يزيد من عمق التجربة القرائية.
رهان "بثينة العيسى" في هذه الرواية على ذكاء القارئ كان خطوة ذكية وناجحة. الرواية، رغم قصرها، تحمل في طياتها الكثير من المعاني والأفكار العميقة. لا تقدم الإجابات مباشرة، بل تدفع القارئ للتأمل والتفكير فيما بين السطور. فهي قصة عن الحياة اليومية والعلاقات العائلية، لكنها تحمل أيضًا نقدًا اجتماعيًا وسياسيًا دقيقًا. هناك شعور بأن الأمور تتكرر دون أن تكون جديدة، مثلما هو الحال في العديد من المجتمعات التي تعيش في ظل ضغوط العولمة والتغييرات السريعة.
على الرغم من قصر الرواية، إلا أنها تترك القارئ متفكرًا في المصير المحتمل لشخصياتها. تطرح "بثينة" أسئلة مفتوحة حول المستقبل، حول ما سيحدث لخولة وأبنائها بعد انتهاء الرواية. إنها تجربة قرائية تشبه الحياة نفسها، حيث نمر بلحظات نعيشها بالكامل ثم نتركها خلفنا، لنستمر في محاولة العثور على معنى في حياتنا.
"دار خولة" هي رواية قصصية قصيرة أو "نوفيلا" تضعنا أمام صورة مكثفة ومؤلمة من حياة امرأة تعيش في ظل ضغوط المجتمع المعاصر. "خولة" تجسد الأم المثقفة التي ترفض الاستسلام للواقع لكنها تجد نفسها في مواجهة تحديات تفوق قدرتها.
تقدم "بثينة العيسى" من خلال هذه الرواية قصة عائلية تبدو بسيطة من الخارج، لكنها في الحقيقة تعكس صراعًا عميقًا حول الهوية والبحث عن الذات في زمن مضطرب. بأسلوبها الذكي والمباشر، تراهن "بثينة" على ذكاء القارئ، وتمنحه فرصة لفهم الشخصيات وصراعاتها الداخلية، مما يجعل "دار خولة" عملًا أدبيًا يستحق التفكير والتأمل.
مسابقة_أفضل_مراجعة_لرواية_دار_خولة
-
Rahel KhairZad
دار خولة
بثينة العيسى
112
2024
منشورات تكوين
⭐️⭐️⭐️⭐️
دار خولة .. محاكاة لحياة هوليوودية رديئة
تحكي لنا "بثينة العيسى"في عملها الأحدث "دار خولة" الصادرة عن منشورات تكوين عن الدكتورة "خولة سليمان" استاذة الفولكلور وأرملة الشاعر والأديب "قتيبة" تبلغ من العمر 55 عام وأم لثلاثة رجال وإن كانوا مازالوا أطفال حتى الآن وهم (ناصر - يوسف - حمد) تستعد خولة لمناقشة أمر هام مع أولادها الثلاثة بعدما دعتهم لتناول العشاء سويا حالمة بيوم مثالي لاسرة سعيدة برغم واقع يحكي العكس من ذلك آملة أن تكون 7سنوات كافية للتكفير عن خطأ غير مقصود تشتت على إثرة العائلة لتقوم الكاتبة بطرح العديد من القضايا خلال هذا العشاء المنتظر.
*أمومة معطلة:
تتحدث الكاتبة على لسان خولة عن حياة الأم بعد ان يكبر أطفالها ويستقل كل منهم بحياته لتجد نفسها تشعر بالوحدة وتدخل على حد تعبيرها في "متاهة الصمت" والتي تعني الصمت المحض بلا أي كلام والتي اصبحت تحدث الآن بالرغم من وجود ابناء في المنزل فنرى البيوت أصبحت فندقية الآن كل يعيش في وادي فالأبناء أصبحت حياتهم تنحصر في ملهيات الحياة ويستثنون عن أباءهم وكأنهم محض سراب فقط طلباتهم المادية من مأكل وملبس وغيرها بينما أُلفة البيوت أصبحت عملة نادرة حتى التجمع على طاولة واحدة لتناول الطعام أصبح أمر صعب المنال . ناهيك عن المشاكل الصحية المصاحبة للتقدم بالعمر والتي في رايي تزداد كلما زادت الهوة بين الابناء والاباء فبشعور الاباء بالوحدة تزداد المعاناة وتتفاقم الامراض تبعا لحالتهم النفسية فكثيرا ما تكون الراحة النفسية عامل هام للشفاء من الامراض وتجنبها احيانا. كما أنه تبعا لهذه البيئة تطرقت الكاتبة لفكرة الشخصيات المنtحلة على مواقع التواصل الاجتماعي للأباء والأمهات والتي يتتبعوا بها أخبار ابناءهم في ظل الجفاء المتعمد من الأبناء حيالهم.
*الخدعة الأمريكية:
خولة أم شأنها شأن جميع الأمهات تطمح في الأفضل لأبناءها ولما كانت الأمور على غير ما يرام في بلدها وحدثت الحrب بين الكويت والعراق وجاءت أمريكا حاملة لواء الفضيلة والحرية والديموقراطية كانت هي المنقذ في رأيها بالرغم من محاولات زوجها لاثناءها عن موقفها فكان القرار أن يتعلم ناصر في مدارس امريكية خالصة ليحيا حياة رائعة ولكنها لم تكن تعلم أن كل هذا شعارات زائفة ومحض خدعة فكانت أحد ضحاياها هي وناصر الذي اصبح مشوة لا رأي له ولا فكر مجرد غلاف براق من الخارج لخواء من الداخل ناهيك عن الشعور بفقدان الهوية والتخبط الذي لازمه طوال عمره.
*أخوة ولكن:
في حين انه من المتعارف ان الاخوة سند بعضهم البعض خاصة الرجال منهم نجد أن العكس ما حدث في دار خولة فها هم الاخوة كل ينهش في الاخر ويرى نفسه الاحق بان يكون مصدر فخر لامه بالطبع هذا بخلاف التناقض الواضح بين المتأمرك ذو العقل المنفتح والعربي المعتد بعروبته ولا نقاط مشتركه بينهم بخلاف الصبي الذي لا شأن له بالعائلة من الأساس. وبالطبع كل أثبت فشل منطقة فكانت النتيجة مشaجرة لم تتخيلها خولة في اسوأ كوابيسها ليتحطم حلمها في لم الشمل من جديد.
تطرقت الكاتبة لمشكلة العند بين الاباء والابناء وانتظار كل منهم الاعتذار من الاخر من منطلق تفكيره ورؤيته للأمور وللحقيقة الامر معقد للغاية ولا احسد عليه احد فكل منظوره صحيح والأزمة مازالت قائمة ولكن الأمر الذي لا خلاف عليه هنا أنه كما قال يوسف ان تصل متأخرا اسوأ من عدم الوصول.
ناقشت الكاتبة مشكلة السوشيال ميديا واثرها على المجتمع فها هو أحدهم يجعل حياته مشاع فلا يأكل او يشرب او يهم بأي عمل الا ويشاركه مع الناس، وهنا يتم عمل حسابات وهمية لمحaربة احدهم وقلب الرأي العام عليه، وهنا يتم تصدير صورة كاذبة لتغييب عقول الجميع وهنا يتم اختزال احدهم الى ميم ومقاطع مضحكة حتى وان كانت كاذبة او لا تعبر عن ما حدث ولكنها نكتة جيدة وفرصة لركوب الترند كما يُقال وكيف تقوم البرامج بنصب فخاخ ملغoمة للحضور من اجل الانتشار والمشاهدات فقط وبالطبع هناك من يلهث وراء الظهور والشهرة حتى وان كان بشكل سلبي كما اراد ناصر ان يحدث.
فكرة التماهي مع مصطلحات المجتمع الجديدة التي تظهر بمرور الوقت وغياب اللغة والهوية بسببها ومحاولة تخفيف بشsعة الواقع بماء الايجابية كما عبّرت الكاتبة من الأمور التي احببتها أيضا.
جاء العمل بلغة فصحى سردا وكويتيه حوارا كما عبر عن اصوات الشخصيات جيدا كل بطريقته حتى قتيبة على صغر دوره لم تغفل الكاتبه لسانه وسط الاصوات.
العمل مهم وناقش قضايا هامة وإن كان لم يتعمق فيها بالقدر الكافي او يطرح حلول ولكنها مساحة جيدة من التعاطي مع قضايا المجتمع من الممكن التوسع فيها بالنقاش والتي لا تتسع لها مساحة العمل بالتأكيد.
-
Nader Reda
#ريفيو رواية : دار خولة
* الكاتبة : بثينة العيسي
*الصفحات : ١٠٤ ابجد
* اللغة : الفصحى
⭐ لم اقرا من قبل للكاتبة وبالرغم انها قصة قصيرة مائة صفحة فقط الا انى تعبت من اللغة ( الكويتية) ولم افهم الكثير منها حتى انى لم احاول ان ابحث عن معنى تلك الكلمات فى جوجل لأنها كثيرة ، ولكن هذا حقها فى انها تكتب بلغة بلدها .
❇️ الرواية عن سوء تربية الاولاد نتيجة انشغال الاب والام فى عملهم ، واخطاء الأمهات والاباء ، ووفاة رجل البيت والأولاد كانوا صغارا ، وبالتالى لم يكن هناك القدوة ، ولم يكن هناك من يعطى النصائح و اتخاز القرارات الازمة فى الأوقات الحاسمة .
❇️هنا يأتى التساؤل هل تستطيع الام المتعلمة المثقف بمفردها ان تستمر فى تعليم وتربية أولادها بصورة جيدة بعد وفاة الاب ؟ و هل تستطيع ان توازن بين عملها وتربية الاولاد ؟
❇️ الرواية اجتماعية عبارة عن لقاء بين الام وابناءها على مائدة الطعام فى بيتها لكى تاخذ رايهم فى انها لديها دعوة لبرنامج بصفتها دكتورة جامعية ، فهل هذا هو الهدف من اللقاء ؟ ام هناك هدف اخر... مثل لم شمل العائلة بعد أن تشتت بسبب سوء تربية الام وعدم وجود الاب ؟ وهل استطاعت ان تنجح فى ذلك ام جاءت النتائج عكس ماتوقعت ؟ .
❇️ لا ادرى لماذا شعرت بأن هذا اللقاء هو اللقاء الأول بين الام واولادها داخل منزل الام منزل العائلة ( دار خولة) ، حوار غريب بين الام واثنين من أولادها ، كأن الام هى اخت لهم ولا يوجد حدود للحديث ( سوء تربية) هل ممكن ان يصل الحوار بين الام وأولادها بهذا الانحطاط ؟
❇️ علاقة الاولاد بينهم وبين بعض ليست جيدة ، كأنهم لايعرفوا بعض ، كما أن علاقة الام بأبنائها علاقة غريبة فقد فشلت الام فى تربيه أبنائها ، مما جعل عدم وجود ثقة بين الاولاد وبين الام فى قراراتها ، وعدم التفاخر بها ك دكتورة جامعية ، ولا يهتموا باحترامها أثناء الحديث معها .
❇️ الرواية عبارة عن هجوم من الأولاد على امهم التى لم تنجح وبل فشلت فى البرنامج السابق لها وكان رايها فى المجتمع والتعليم مسار سخرية مقدم البرنامج وأولادها ومن شاهد هذا البرنامج ، فلم تستطيع الام الدفاع عن نفسها ( لأنها عارفه انهم على حق) ، ما الذى جعل خولة تصبح مسخرة ( الكلمة موجوده فى الرواية) من وجهه نظر أولادها .
❇️، ناصر تعليمه اجنبى ولايعرف يتكلم او يعبر باللغة بلدة ولا يعرف أين تقع بلده ( تركته الام لكى تربيه جدته) ، يوسف بحاول ان يقوم بدور رجل البيت بدلا من اخوه الأكبر ناصر ولكن هل سينجح فى ذلك ؟ ولكنه هو ايضا يستعر من امه ، والثالث حمد الحاضر الغائب ليس له دور فى الرواية ولكنه لايهتم بها سواء بالخير او بالشر ( كما تقول الام ) ، حتى عندما بكت بسبب سوء المعاملة أخبرها أولادها بان أداءها مسرحى بارع .
✳️ملحوظة... لم أشعر بوجود حب ودفئ وانتماء وولاء بين أفراد تلك العائلة ، الام تعيش وحدها لاتزور أولادها والعكس أيضا رغم انهم يعيشوا فى بيت واحد .
✳️ نجحت الكاتبة فى انها تسرد رواية داخل غرفة واحدة بثلاث أفراد فقط .
✳️ نجحت الكاتبة فى انها جعلتنى لا احب او اكره جميع شخصيات الرواية ، حتى خولة بضعفها وسوء تربيتها لم احبها.
💥 بعض من الاقتباسات :
✴️أسوأ ما يمكن أن يحدث للاطلال الا يبكى عليه احد .
✴️ التعبير عن الألم ، فى سياقات بعينها مرهون بوجود من يكترث .
✴️ الناس فى هذه البلد لايحترمون امرين مهمين، المواعيد والحدود .
✴️ أمريكا ليست بلدا اخر ، أمريكا هى البلد .
✴️ الصمغ الذى يجمع أفراد عائلتها هو الدعاء وليس الحب .
🌸 كان يحب على الكاتبة ان تعطينا تفاصيل أكثر عن تاريخ العائلة ( الاب و الجدة والأولاد )
💠 شخصيات الرواية : خولة الام اظهرتها الكاتبة بأنها شخصية ضعيفة أمام أولادها ، ولا تستطيع لم شمل العائلة ، فهى سيدة ناجحة فى عملها فاشلة فى تربيتها لاولادها .
💠 السرد والحوار : غلب الحوار على السرد وذلك لطبيعة موضوع القصة ( فهو لقاء عائلى) وكان الحوار شديد اللهجة عنيف من طرف واحد ( الاولاد) .
💠 اللغة جاءت بالفصحى وأحيانا بالعامية تخللها الكثير من الكلمات الغير مفهومة ( اللغة الكويتية) من وجهه نظر القارئ المصرى .
💠 اسم الرواية جاء مناسب لما تحتوية الرواية من موضوع .. أما الغلاف فكان مناسب أيضا .
💠 النهاية جاءت غير مناسبة و غريبة غير مفهومة ، واضح فى النهاية استسلام الام وعدم استطاعتها السيطرة على الأولاد .
#ريفيوهات_نادر_رضا
#حصاد_عام_٢٠٢٤_سبتمبر
-
أميرة
تطل علينا بثينة العيسى من جديد برواية قصيرة Novella، عن أستاذة الفولكلور "خولة سليمان" التي تحيا فى عذابات تناقض واقعها مع مُثلها وأفكارها، تلك العذابات التي تتجسد فى أولادها الثلاثة الذين، بينما يعاني كل منهم من عقدة نفسية مختلفة، لا يفكر أحدهم فى كيف كان وقع الحياة ومصائب الدهر على والدتهم المسكينة.
حدث واحد، مقابلة تليفزيونية واحدة تغير مصير الأسرة، وتزيد على اضطرابها اضطراب. فحين تخرج الدكتورة خولة سليمان على الجماهير لتعلن بكل صراحة عن رأيها فيما وصلت اليه العقول من تدهور وانحطاط، وعن رأيها فى انمساخ الهوية وتأثير الحداثة على شباب الاجيال الجديدة، وان الجماهير لا تستطيع انقاذ نفسها ويجب ان تساق الى مصلحتها رغما عنها كالبهائم.. وبعد ان تم تكفيرها من الاسلاميين، واتهامها بالسلفية الفكرية من قبل الليبراليين، واختزال لقاء الساعة الى مقاطع فيديو لا تتعدى ال ٣٠ ثانية و"ميمزات" وملصقات كاريكاتيرية؛ تصبح الحياة بينها وبين أولادها لا تطاق.. فهم يشعرون بالعار من والدتهم، وهي تشعر بالخذلان من هروبهم منها وتخليهم عنها
ابنها البكر يتنصل من كل ماهو ليس أمريكي او غربي
وابنها الاوسط يشعر بالاستحقاقية لكونه لم يتنصل من أمه، و قام بالاضطلاع بمسئوليات البيت بعد وفاة أبيه، وهذه الاستحقاقية تحوله إلى مسخ أناني يحاول ترويض والدته الأستاذة الجامعية وانتزاع الامتنان منها انتزاعا.
اما ابنها الأصغر، فهو خير مثال على الجيل الجديد، الذي نشأ وسط صراع بين الهويات، لا يعرف لنفسه أرضا فكرية ينتمي إليها ولا يشغل باله بمحاولة الانحياز، هو يريد استغلال لحظته الحاضرة بأي طريقة، والابتعاد عن كل ما يحاول جره إلى ساحة القتال.
تصف بثينة العيسى مشاعر كل من الأم وأبنائها بلغة بديعة وجمل من قوتها تنفذ إلى القلب مباشرة. أجدني اقرأ الفقرات مرتين وثلاثة من اعجابي بها وببراعة وصفها للمشهد.
لا تصف مشاعر خولة وحدها، ولا تعرض وجهة نظرها وحدها، بل وجهة نظر أولادها أيضا
فتجد خولة إنسانة كغيرها من البشر، تعيد التفكير فى آرائها وتخطئ وتصيب، تعترف بكونها أخطأت فى تجربتها الأمومية الأولى، ولكنها لا تستطيع الاعتراف بذلك جهرا، لازال بها شئ من الكبر أن تركها ابنها وفضل العيش بعيدا عن حضنها عقابا لها على خطأها
وتجد ناصر، ابنها البكر، برغم هيئته الضخمة وادعاؤه الثقة والعصرية، لا يزال طفلا متأثرا بجراحه التي أحدثها خروجه صغيرا من المدرسة التي يحبها بقرار أمه، بدون تفسير او محاولة لاقناعه بأسبابها.
القصة فى مجملها عرض لصراع الأسرة التي تعيش فى وقتنا المعاصر، وتحتوي على ثلاثة أجيال لكل منهم طريقته فى رؤية الحياة، والتعامل مع واقعه
ولكنها تحديدا تقوم بتركيز الضوء على مشكلة افتقار العقول الى الوعي بأهمية الثقافة والتراث، وما يؤدي له هذا النقص من تدهور لرقي الأخلاق والأفكار والاسلوب
جماهير تقلب وجوهها عندما تسمع اسماء مثل "نيتشه" و "هيغل" و "الجابري" ، وتتبنى السخرية بدلا من محاولة فهم الفلسفة خلف هذه الأسماء، والتي أضافت الكثير للجنس البشري
يتخذون من المصطلحات الفكرية مادة للاستهزاء والتندر، يدارون بها جهلهم وخوائهم الفكري.
ما أسهل أن يسخر المرء مما يجهله، وما أسهل أن يعلو صوته حين يكون جاهلا متخلفا لا يملك حجة، ولا يملك سوى صوتا جهورا ولسانا فظا.
هدية جميلة من بثينة العيسى، اوجزت فيها الفكرة والمعضلة، وأثارت السؤال لتتركه كعادتها، بلا إجابة.