تملكتني الدهشة بعدما انهيت الرواية القصيرة أو القصة الطويلة "دار خولة"، ليس بسبب صدمة النهاية فقط، ولكن لأنني شعرت بأن الرواية على قصرها الشديد حملت في طياتها مواضيع عدة، وظلت أسئلة مشروعة تمر بذهني: هل هذه الرواية عن الأمومة؟ عن الشيخوخة؟ عن التنصل من الهوية؟ عن الأمركة؟ عن إقصاء النساء من المجتمع؟ فوجدت إنها عن كل ذلك، وذلك ما أدهشني أنني وجدت ما أفكر فيه وأثارته في الرواية؛ أكبر بكثير عن عدد صفحاتها، بل وحتى وجدت إنك لو جردتها من كل رمزياتها ومواضيعها، لظلت حكاية درامية اجتماعية؛ تفجرت في أخر الرواية، ليظهر لنا الدم الحار والعنف الجسدي بسبب تراكمات الماضي بل وربما الغيرة أيضاً بداخل عائلة واحدة! كل هذا، ويمكنك أن تجد مواضيع أخرى بداخل الرواية، وعلى حسب نظرتك يُمكنك أن تُضيف أو تحذف.
لمستني شخصية "خولة" وأعجبني رسم شخصيتها، فهي العاقلة المثقفة صاحبة الآراء الهجومية على المجتمع وزيفه، قالت "خولة" كلمات حقيقية واقعية، ولكنها قوبلت بالسخرية من المجتمع، تم تحويلها إلى ميم متداول، رغم جدية طرحها، وإن كان يتسم بالجذرية والعنف في طياته، هي تريد حلول سحرية، لتجعل المجتمع يوتوبيا مرة أخرى، ولكنها في نفس الوقت، لديها عيوبها، في نطاق أسرتها، فهي تفضل ابناً على أخر، مما خلق الغيرة بين أولادها، لتتفجر في أحد المشاهد المجنونة بقرب النهاية، فمن قال أن المثقف أو المفكر أو الكاتب يُطبق أفكاره عن العدالة والمساواة بداخل نطاق أسرته أيضاً؟ فلا يهمها نجاح أحد أولادها طالما أن من تفضله أو فلنقل من رفضها كأم، لا يُفضلها وحياته -طبقاً لأحكام المجتمع وأحكامها- تتجه إلى الهاوية، وبين تناحر الولدين -هل يصح قول ولدين على بالغين؟- يأتي الأخ الثالث قبل إسدال ستار النهاية -مثل أي شرطة تحترم نفسها- مفصولاً عن الواقع، متجنباً لعائلته، مُفضلاً الألعاب الرقمية ورفقته عن تجمع عائلي، ولو نظرت في أي عائلة داخل مجتمعاتنا اليوم ستجد مثله تماماً، فهو وإن كان يرى نفسه متنيماً لعائلته، فهو ينتمي في حدود ضيقة، لا ينكرها أو يستعر منها مثلاً، ولكنه يرى واجبه تجاه عائلته لا يتخطي نطاق ضيق من التفاعل، ويُحاول أن يعوض ذلك بلفتات مُستحدثة كصورة سيلفي أو هدية تعوض غيابه المُتكرر.
ختاماً..
"دار خولة" هي حكاية -دعنا نسميها حكاية دون التشتت في مسمى اللون الأدبي- تعتمد على التكثيف في بناءها السردي، فتلك الحكاية القصيرة تطرح أسئلة مُربكة، عن هويتنا وعن مجتمعنا والانسلاخ الذي يتجه إليه، وعن الهروب إلى أحضان ماما أمريكا عوضاً عن مجتمعنا وقيمه، فقيم أمريكا -وإن وجدت- سهلة وروشة وجذابة للجيل القادم، تجعلنا أكثر لمعاناً ووجاهة اجتماعية، ولكن بكل تأكيد، ستجعلنا أكثر زيفاً فننفصل عن مكاننا الحالي، فلا نعرف حتى أسماء الدول المجاورة لنا.
3.5/5