دار خولة > مراجعات رواية دار خولة > مراجعة Mohamed Osama

دار خولة - بثينة العيسى
تحميل الكتاب

دار خولة

تأليف (تأليف) 3.7
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
4

#ريفيوهات

"دار خولة.....من لقطة مغبشة"

"أَيا فَوزُ لَو أَبصَرتِني ما عَرَفتِني

لِطولِ شُجوني بَعدَكُم وَشُحوبي

وَأَنتِ مِنَ الدُنيا نَصيبي فَإِن أَمُت

فَلَيتَكِ مِن حورِ الجِنانِ نَصيبي

سَأَحفَظُ ما قَد كانَ بَيني وَبَينَكُم

وَأَرعاكُمُ في مَشهَدي وَمَغيبي"

هذه الأبيات التي نظمها الشاعر "العباس بن الأحنف" التي تقدم مثالا على ما حفل به الشعراء القدامى-كشعراء المعلقات وأبيات مجنون ليلى وتوبة بن الصمة (صاحب ليلى الأخيلية)- من موضوعات الغزل، تحفز المتلقين والباحثين على معرفة أجزاء هذه الحالة المتوارية؛ كالبحث عن هيّة الحبيب المقصود والتفتيش عن مشاعره، ومعرفة ما إذا كانت الحالة تعبر عن قصة حب صادقة، أم مجرد هوس. وبالتوازي قد تضعنا رحلة البحث ونتيجة لاكتمال الصورة -كمتلقين -أمام أسئلة ربما ترسم حياتنا ومساراتنا من كنف احتمالاتها: كيف يجدنا الآخر باختلاف أركان الحياة؟ هل يشعر بنا مثلما نشعر به؟ هل يحمل مخاوفه ومظلومياته منا مثلنا؟ أم لا يرانا أصلا؟

تلتقط رواية "دار خولة" للكاتبة "بثينة العيسى"-الصادرة عن منشورات تكوين بعام 2024- تلك المعضلة بتصميم صورة شاملة، يتنازع فيها شخصياتها الرئيسية "خولة"، "ناصر"، و"يوسف" على زاوية التقاطها وتحديد بؤر الضوء والظلال فيها-والتي رمزته الكاتبة في ترقب الشخصيات للقاء التلفزيوني-، لينتج أمامنا عبر طريقة توزيع الراوي العليم في وصف الشخصيات عبر الفصول وتوضيح التفاعلات بينهم بالجمل الحوارية، صورة مهتزة -دلت عليها بوجود حوض السمك الفارغ- يصعب فيها تحديد من هو الأخر وبالنسبة لمن. مما يمهد لاستيعاب الشخصيات الاسقاطات التي من الممكن أن تتبادر في ذهن القارئ.

❞ ولم تكن تعرف، أين ينتهي دورها كأم وأين يبتدئ شرطها كامرأة؟ وماذا عساها تفعل بالتضاربِ الوحشيّ بين الاثنين ❝

ولكي يفضي التنازع إلى مراده الذي يكشف أبعاد كل شخصية، ويوضح دوافعه لتعميم زاويته على الرواية-أو على الأقل إثبات وجودها-، وصلت "بثينة العيسى" الأبطال عن طريق الغريزة ومشاعر الأمومة المتمثلة -بشكل ما- في شخصية "خولة". وحصرتها بين حيز مكاني ملائم-بيتها-، وبين لقطة زمنية قصيرة. ليسهل منها انطلاق انطباعات الشخصيات دون أي تأثير يؤدي -بتعبير الكاتبة - إلى اختزال شخصية منهم وخروجها عن سيطرة الفكرة الأساسية. وبالتبعية تترتب مواقعهم بالرواية بحسب موقفهم من تلك المعضلة وعلاقتهم بها.

كان من المنطقي أن تظهر شخصية " خولة" ونظرتها بشكل مهيمن على أغلب مشاهد الرواية، باعتبار أنها رافد لتلك المشاعر التي في ذاتها تعد جزءًا من مشوارها الخاص. كما أنه يشرح- كلما تقدمنا بالحبكة -مسيرة استجابتها الذاتية الهشة للغريزة، والمتخبطة بين المؤثرات الخارجية-مظاهر التغريب واستحواذها على كل شيء في بلادها بما فيها ولدها، والتي رمزت وصولها بلحظة غطى فيها السخام كل شيء- وبين أطلال هويتها-المرموزة في وظيفتها كأستاذة فلكلور والتحف التي تحيط مكتبها-، وصولا إلى نسختها المرهقة المتراوحة من الافتخار بندوبها- بعدها التجاعيد والغضون في وجهها وشعرها الأبيض- ومعاركها إلى الصدمة من كونها تشوهات كبرى بعد مناظرتها ببقية الشخصيات. واضطرارها بعد ذلك لتذوق شعور الذنب لمجرد كونها تقاتل في الاتجاه الخطأ

❞ ثم فكَّرت في أولادها الثلاثة، وأنَّها لو سُئلت عنهم، ستراوغ مثل السِّياسيين المتمرّسين لتريح الحشريين من سكَّان الكوكب مما لا تجدي معرفته، وتقول إنَّهم «خلقوا لزمانٍ غير زمانكم» أو تستعير كلمات جبران الصَّداحة، «إنجيل العقوق المقدس»: «أولادكم ليسوا لكم، أولادكم أبناء الحياة»، لكنها تعرفُ أنَّ هذا كلامٌ غير صحيح، فالواقع أنَّ «أولادكم ليسوا أولادكم، أولادكم أبناء النِّظام». ستعرفُ البلادُ أنَّ كل تصريحٍ صبّته في الحطِّ من الأجيال الجديدة منشؤهُ فشلها كأم. ❝

من جهة أخرى صممت الكاتبة من شخصيتي "ناصر" و"يوسف"، خطا يواجه رحلة "خولة"، ينبع من إحساسها بالغربة منهما -في جملة "أولادكم أبناء النظام"- ومن نفورهم الضمني منها بوصفها بعارهما المشترك. متوزعا فيه حضور وتركيز كل منهما بحسب درجة استجابته الفطرية، ومدى اشتباكه معها، فضلا عن تفاصيل شخصيته المنسوجة بدقة كبيرة. فظهرت شخصية ناصر بهيئتها المتمردة بداية من اصطدامها الأول مع أمه، سواء كان ذلك في الشكل -في جهده لصد لتأثير الزمن- أو في الأفكار، كمعادل وند لها، مؤكدا على كونه -بالمقارنة الحالية بين نظرتها المتأصلة وأفكاره التي تُرى كرداء ما يلبث أن يخلعه- مجرد نتيجة وجناية مسيرتها المشتتة في اتباع وجهات النظر البراقة -بتعبيرها "ارتشاف زلال سكري" أو"طاعة كلبة أليفة"- دون أن عرض أي منها بصورة كاملة في وعيها -دل على ذلك تحسسها من سوء فهم ابنيها وقولها "بس ما تخلون الواحد يكمل كلامه"-.

بينما تأتي شخصية "يوسف" بتركيز أقل نظرا لطبيعة شخصيته الغير صدامية، بالإضافة إلى ميله لعيش الصورة التقليدية للأشياء-في وظيفته الرتيبة، وإرادته التعرف على أمه وأبيه كما هما دون ألقاب- فيسعى بشكل كبير لإقحام ولديه بعالم أمه للهيمنة عليه، فضلا عن إسرافه بهدايا أصناف التوابل لحصرها فيما يظن أنه مكانها "المطبخ" محاولة لملئ خوائها بغياب ناصر. لتتبدى شخصيته كرمانة ميزان يستعان به لضبط المشهد بين قطبيه-خاصة مع خولة بضمها والتودد لها باستمرار لسد فراغها كما ذكرنا-، أو لحسمه إذا تفاقم الوضع لصالح ما يجده موطنا للاستقرار، مستندا على وصف صنعه ماضيه واختلاطه بالعامة"مجالس الديوانية" فصار أمام نفسه "البالغ في عائلة من القُصّر"

❞ وبعد وفاةِ قتيبة، لم يجرؤ أحدٌ على الجلوس على مقعده عند رأس الطاولة، وكان هذا الفراغ سببًا لاستذكاره والإشارة إلى مقعدهِ وسط الكلام، «والله العظيم حتى أبوي مرة قال..» كما لو أنه ما زال هنا، يهزُّ رأسه مؤيدًا. ❝

ومن خلال مستهل الرواية المقتطف من قصيدة "أرى العنقاء تكبر أن تصادا" لأبي العلاء المعري، وبخاصة شطر "تضمن منه أغراضا بعادا" قدمت الكاتبة شخصية "قتيبة" كغلاف رقيق، يوجه غيابه وطيفه المستدعى صراع الشخصيات إلى لبنة داخل منظور أعمق. فنرى ذكره لشطر من معلقة طرفة بن العبد "لخولة أطلال ببرقة ثهمدِ" أو ارتجاله لبيت "قفا بدار خولة واسألاها...تقادم عهدها وهجرتماها"- المشتق من قصيدة "قفا في دار أهلي فسألاها" لتميم بن أبي بن مقبل- يمزج بين رابط الأمومة والبنوة وبين نظرة القديم لنفسه كتقييم شامل-والمتمثلة في خولة وكيانها المتغضن المليء بالتجارب والتأثيرات-. وكذلك نرى لقطة من التباين بين التراث، وبين المتأثرين بالحداثة الغربية-في الجدال والهمز بين ناصر وخولة-، وتباري كل منهما للتماس مع الأخر وتفنيده كشرط للوجود. مع عرض لطريقة استقبال العامة -المتمثل في ناصر باحتوائه لأمه واستهانته أحيانا بهفوات ناصر- لذلك الصراع بضفتيه.

بالمجمل أمام تلك النار التي تأكل نفسها، حرصت "بثينة العيسى" على ترك مساحة فراغ تضمن حيوية أو جدوى لتلك الصورة، فجاءت شخصية "حمد" بابتعادها وذكرها العارض بين الشخصيات، رمزا للفئة الراغبة بالنظر للجدال ككل -كالمشهد الأخير مثلا-واستيعاب وجهة نظر كل طرف-دل على ذلك التضارب بين رغبة ناصر لاحتوائه وتوجيهه، وبين نسبته لأمه في إعلان نديته لها وتبرؤه منها- عساه وسط رماد المعركة أن يجد وميضا ينير دربه، ويفهمه أين مكانه، سواء أسير حوض مغبش أو بين ريش عنقاء لا يطاق لها العنادا بتعبير أبي العلاء.

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق