اقتباسات زهران القاسمي

إنّ كلّ حكاية تظلّ صغيرة ما دامت في قلب المرء، ولكن حالما يكتشفها أهل القرية تنتشر وتكبر شيئًا فشيئًا.

~٥٧~

النّاس يأكلوا بعضهم بعض فهذي البلاد، لسانهم ما تشبع، ما يكلّوا ولا يونوا ليل نهار، ما يعجبهم شي، من الخير يصيحوا ومن الشرّ يصيحوا. ~٤٣~

بينما اتّكأ الطّفل على جذع السدرة وبدأ ينكش الرّمل بعصا صغيرة، وفي غمرة حديثهما أحنى رأسه ووضع أذنه على الأرض تمامًا عند جذعها، ثمّ بدأ يهمس بكلمته الّتي يُردّدها دومًا في تلك الحال. «ماي. ماي..» ‫ التفتت المرأة صوب سالم فاسود وجه كاذية.

أخبرها القافر بأنّ أهل قريته يستقوون على الضّعيف، يشمتون بمصائب المساكين، لكن لو حدث ما حدث في أحد بيوت شيوخهم وَسَادَتِهم لَمَا نبسوا بكلمةٍ، فهناك يغدو العيب حكمةً والجنون فطنةً ورجاحةً، فالأعمى من أصحاب الجاه بصير بمكانته، والجبان قويّ بماله

البلاد اللّي تاكل أموالك بلاد فاجرة، البلاد بو تستغلّك وتاخذك تمرة وبعدين ترميك فلحة ما بلاد، باه سالم دور على بلاد غيرها، البلاد بو تنكر جميلك ما تستحقّ تعيش فيها ساعة.

أهل قريته يستقوون على الضّعيف، يشمتون بمصائب المساكين، لكن لو حدث ما حدث في أحد بيوت شيوخهم وَسَادَتِهم لَمَا نبسوا بكلمةٍ، فهناك يغدو العيب حكمةً والجنون فطنةً ورجاحةً، فالأعمى من أصحاب الجاه بصير بمكانته، والجبان قويّ بماله أو بانتمائه لبيت يعصمه،

«كلّ حدّ يسقيه الله فهالدنيا من روح إنسان ثاني، كلّ حدّ عطشان الين يلقى لماه».

‫ ويلفّ ساعده حول رقبتها، ويجذبها إليه بلطفٍ لتستكين تحت كتفه ثمّ يقبّلها ويختتم مقولته:

‫ «انت عطشي وانت لماي

لكنّها القرى، لا يستجدُّ فيها جديد، فالنّاس فيها كما عهدهم وكما تحدّث عنهم والده عبدالله بن جميّل وأمّه الّتي ربّته كاذية بنت غانم، يَصومون عن الأكل والشرب، وقد يصبرون على الجوع والعطش، ولكنّهم لا يصبرون على الكلام.

حصل والله💔😂

ومع عودتهم أخذت شدّة المطر تخفّ رويدًا رويدًا، فقال رجلٌ طاعنٌ في السنّ وهو يعرج بساقه اليُمنى: ‫ «لله في خلقه شؤون، ما عمرنا حملنا جنازة واستوى كما بو استوى اليوم» ‫ ظلّ الوجوم والبرد يُلازمان النّاس حتّى تفرّقوا وذهب كل واحد إلى بيته.

لقد أنجبت آسيا بنت محمّد خمس بنات لم تبق منهنّ واحدة، وآخرهنّ طفلة وُلدت مريضةً وأصابتها الحصبة فلم تستطع المقاومة طفلة دفنتها قبل يومين في مقبرة الأطفال، وظلّ صدرها بسببها ممتلئًا بالحليب، فصارت تستحلبه مرّةً في الصّباح الباكر ومرّةً عند المساء.

تربّت في حضن خالتها عائشة بنت مبروك إذ كانت تسكن في بيتٍ مُلاصقٍ لبيتهم، وقبل فَقْدِ الأمّ كان فَقْدُ الأب الّذي سافر إلى زنجبار وهي بنت ثلاث، ومات في البحر جرّاء عاصفة قويّة ابتلعت السّفينة بمن فيها فعاشت الفتاة طفولتها متنقلة بين عمتها و خالاتها الثلاث.

كانت مريم أفضل من يطرز الثّياب في القرية، لها يدٌ خفيفة، سريعة، ومُتقِنة لصنعتها، فغارت منها النّساء الأخريات، لكن لم يستطعن مجاراتها، ولذلك ظلّت الأُسَرُ الميسورة تعهد إليها بتطريز الثّياب، فتأخذ مقابلًا لعملها يكفيها وزوجها للعيش في غنًى عن أيّ إحسان.

تحت التلّ مباشرةً تنتصبُ شجرة «سوقم» عظيمة ومعمّرة، يمرّ تحتها درب الممشى الجبليّ إلى الجهة الأخرى من القرية، وخارج الضّاحية توجد سدرة تظلّل المكان، ما جعله ملائمًا لإقامة حظيرة الأبقار والأغنام الّتي تعتني بها مريم ‫ تقع ضاحية «القعتة» على الطرف القصي من ضواحي القرية.

«عليكم بالوعري» ‫ والوعري سلام ود عامور صاحب قلب شجاع لا يخاف البتّة، فهو لم يتوان قطّ عن فعل شيء طُلب منه أو قرّره من تلقاء نفسه يتسلّق النّخيل العالي والقمم الصّعبة أو يهبط إلى أمّهات الأفلاج الغائرة في العمق و الآبار القديمة ذات القعور العميقة

بلاد ما تبغاك اتركها، دور بلاد تعيش فيها بكرامتك لو غريب، ولا تعيش فبلاد كلّ همّها ترميك بأمراضها.

-ايش الفايدة، الماي فهذي الأرض فاسد ويخلق نفوس فاسدة.

أخبرها القافر بأنّ أهل قريته يستقوون على الضّعيف، يشمتون بمصائب المساكين، لكن لو حدث ما حدث في أحد بيوت شيوخهم وَسَادَتِهم لَمَا نبسوا بكلمةٍ، فهناك يغدو العيب حكمةً والجنون فطنةً ورجاحةً، فالأعمى من أصحاب الجاه بصير بمكانته، والجبان قويّ بماله

البلاد اللّي تاكل أموالك بلاد فاجرة، البلاد بو تستغلّك وتاخذك تمرة وبعدين ترميك فلحة ما بلا

الناس يَصومون عن الأكل والشرب، وقد يصبرون على الجوع والعطش، ولكنّهم لا يصبرون على الكلام.

لكنّ الماء يدرك طريقه دومًا، ودومًا ما يُوجد طريقٌ يعبره الماء.