يقول في البداية أن يانجن مدينة النكت والضحكات، ثُم يستدعي ذكري العم السادس بعد انتهاؤه من الكتابة، حيث أن العمّ كان يحب الرسومات ويحفظ عن طريقها الذكريات التي كانت تراودة أو الإيحاءات والخواطر التي كانت تهطل عليه بلا أسباب او مقدمات.
مات العم فجأه، وأول ما عمدت إليه العمة هو إحالة لوحاتة الغير مفهومة والرديئة حسب وصفها إلي رماد عبر إحراقها، حاول أن يستجمع رؤاه ويستعيد في مُخيلته أيّ من لوحات العم التي كانت تُعجبه لكنه فشل في ذلك، غير أنه بالأساس لا يُجيد الرسم ولا يُحبه، هو يهوي الكتابة، ويحاول حُباً في العم السادس أن يُحيل رسوماته إلي كلمات تُقرأ لكن بحسبه بسيطة قارن فيها بين الرسم والكتابة وجد أن الموضوع غاية في الصعوبة وأن المُقاربة بينهما تكاد تكون مُستحيلة، لذا سيكمل طريقة نحو الكتابة وليغفر له العم السادس تقصيره عن تخليد ذكراه وإعادة لوحاته.
التاريخ الصيني عميق، صاحب جذور، ضارب بحكاياته وأساطيره امتداد آلاف السنوات، وحيث أن الزمن يتقدم ورتم الحياة يجري بالناس بلا هوادة، فإن الصينيين مازالوا يحفظون هذا التاريخ ويتناولون حكاياته بأساطيرها علي أنها من المُقدسات المُخلّدة.
سلسال متواصل من الأجيال التي تحفظ إرث آبائهم وأجدادهم القصصي وتتفاخر به وبأسطورته الخاصة بالبلدة أو المنطقة أو حتي العائلة، وإن كان للتاريخ فروع وتفصيلات مُختلفة ومُنحنيات لا حدّ لها، فإن هذا نوع من تاريخ آخر مُختلف تماماً يُروي عن طريق الضحك.
تقول الأسطورة أن " هوا آرنيانغ " تظهر من زمن في أحلام الناس في " يانجن " وتطلب من كل شخص تظهر في حلمة أن يقول نُكته، فإن أعجبتها أعطته واحده من ثمار الكاكا التي تحملها في سلّتها، وإن لم تُعجبها تحولت إلي جبل ضخم يجثم علي روح الحالم فيُميته في الحال.
ظلّت هذه الحكاية تتوسع وتنتشر حتي أيقنها الناس، وكل من حاول تكذيبها اصطدم بواقع الدليل علي حدوث الواقعة وأنها صحيحة بالفعل، حتي ذهب الناس إلي حِفظ النِكات وتبادلها والحرص الاحتفاظ بها خاصة قبل النوم.
تبدأ الحكاية بهدوء حَذِر وتقسيم تمهيدي للفصول، وكقارئ حديث عهد بالقراءة للأدب الصيني فإن هذا الأسلوب من التروي في الحكاية كان مُناسِباً جداً، بعدها وتحديداً في الفصل الثاني اعتدت علي الأجواء وتباينت سلاسة القصة وأسلوب الراوي الجميل الذي جعل قراءة العمل ممتعة بشكل كبير.
إن من كُبري الأزمات في نوع غير قليل من الأدب هي الأسماء التي من الواضح صعوبة حفظها إما لصعوبتها أو تشابهها مع أسماء أُخري تضمنها العمل، ولكن أكثر ما أشدت به أكثر من مره ولفت انتباهي أثناء القراءة هو النبذة المُلحقة بالموقف الأول لكل شخصية ظهرت في الرواية حينما يُعاد ظهورها مرة أخرى، المترجم هُنا أتاح لك عن تقديم الأشخاص المستمر الذي يعقب أسمائهم أن تتابع الحكايه عن طريق تفاصيلها وترابط مواقفها الواضحة جداً لا فقط عن طريق الأسماء والأشخاص وهي نقطة مهمة جدا سهّلت علي القارئ الكثير.
الجانب الأكبر من الحكاية ناله " مينغ و شياومينغ " الذين دارت القصص والأشخاص حولهم، ومثّلت قصتهم الجانب الإنساني التاريخي الأكبر في الحكاية، تخلل ذلك الحديث عن ثلاث مدن صينية كُبري بعاداتها وطباعها وطريقة مُعايشة أهلها وأحوالهم الإجتماعية التي انتقلت فيها القصة بين أزمنة تاريخية مختلفة.
لنخلص في النهاية بأن النجاح وليد المُثابرة، وأن التأنّي والتعقل والتفكير يجلبان لصاحبهما دائماً المنفعة، وأن الحكايات دائماً تعود علي أصحابها بالنفع والتعلُم لذا تُروي وستروي لأنها صاحبة الأكثر الأكبر في النفس.
لم أجد أي صعوبات أو إشكاليات خاصة بالترجمة أو بافتقار النص إلي أصلٍ غُيّب عنه، ورغم تخوفي من وجود إسمين تحت كلمة ترجمة، وقلقي من عدم ترابط أسلوبين يُفترض أنهما مُختلفين للمترجمين، إلا أن النّصّ خَيّبَ ظنّي وتناولتة كقطعة واحدة مُستوية بغير اعوجاج أو اختلاف بين فصل وآخر أو جُزئية وأُخري.
لوحات العم السادس احترقت، والكتاب الذي عَمِلَ عليه
" يانشنغ " لسنواتٍ طِوال أُحرِق وحتي شجرة العنب الخاصة بجدة مينغ ذهبت أدراج الرياح ولم يعثر منها علي شيء للذكري، اي شيء، حينها رأيت أن من أكبر ما تعلمته أثناء القراءة هو أن الزمن لا يعود ولا يبقي منه شيء حتي مع محاولاتنا استبقاء أثر الأحباء بما تبقّي من أرواحهم أو أشيائهم المُفضلة وأنّ ذِكري الأحباب تدوم فقط بالأثر وبالحكاية، الحكاية هي الشئ الوحيد الذي لا يفسد ولا يزول.
أحببت الحكاية وأسلوب المؤلف وروايته والترجمة المُحترفة المأخوذة عنه ووجدت أن للمؤلف حكايةً أُخري صدرت وتُرجِمَت أيضاً عن بيت الحكمة لذا سأقرؤها قريباً إن شاء الله ❤️.