مراجعة كتاب
تاريخ آخر للضحك
تأليف ليو جين يون Liu Zhenyun.
ترجمها عن الصينية: أحمد السعيد – يحيى مختار.
عن كتاب: One day three autumns
صادر عن دار نشر: بيت الحكمة للثقافة
النوع: اجتماعي/فلسفي/ فانتازيا
سنة الإصدار: 2024
عدد الصفحات: 426 صفحة (أبجد).
عن الكاتب: كاتب وسيناريست وصحفي، مواليد 1958، عضو جمعية الكتًّاب الصينيين، حاصل على أفضل كاتب سيناريو 2013، يصنف ككاتب من الدرجة الأولى، صدر له تسع روايات طويلة والعديد من القصص القصيرة والمتوسطة، تحولت سبعة من أعماله لأفلام ومسلسلات، العمل الحالي ضمن قائمة أفضل عشر روايات صينية للعام، ترجمت أعماله إلى (23) لغة.
"مثلما يوجد من يحب النكات فهناك من يحب العبوس، الضحك يقتل مثل الحزن"
هذه الرواية ستجعلك تتساءل أهي رواية عن الضحك أم الحزن، ففيها برع الكاتب فيما يسمى Black comedy، حيث يسرد بشكل ساخر مع الاحتفاظ بجانب الجدية في الموضوع.
أدخلنا الكاتب الرواية عبر لوحات العم السادس التي تحمل مبالغات تصويرية، وأخرى واقعية ترسم الأحوال العادية للمجتمع الصيني في الحياة اليومية.
على نار هادئة جدًا برع الكاتب في تركيب الحبكة وبناء الشخصيات، ووصف المدن الصينية، من خلال تسليط الضوء على الحياة الاجتماعية اليومية والعلاقات بين أفراد المجتمع الصيني.
من خلال شخصية مينغ طاهي الكوارع، صاحب سلسلة مطاعم المارشال، وكيف أثر في حياته أفراد عائلته بداية من جدته إلى أبيه إلى صديق أبيه الذي رباه في منزله حتى بلغ السادسة عشرة، وزوجته شياومنغ صاحبة اللسان الطويل، وابنهما هونغتشي، وكيف انتقل مينغ من يانجين إلى شيآن بسبب العار الذي لحق بأسرته، وكيف شعر بمسئوليته تجاه انت//حار أمه ثم ظهرت له مرة أخرى ثم غر//قت في النهر، وكل ذلك وسط شخصيات وأحداث أخرى أثرت القصة.
تتناول الرواية ثلاثة أجيال (عصور) مختلفة تعبر عن تطور المجتمع الصيني الذي انتقل من عصر الإمبراطور إلى الحكم الشيوعي، وحكام الصين ما بين المرح والصرامة. فمن خلال شخصية مينغ نسج لنا الكاتب عالم من الأحداث الشيقة بتفاصيل دقيقة من العصور القديمة إلى عهد الدولة الحديثة وتسلسل الزعماء من خلال الرموز المميزة لعهدهم مثل القمع والفساد والمو//ت بسبب الفقر والجفاف وهجرة العقول، وتدرج باستخدام تطور الحياة فهنا يظهر القطار الذي يعمل بالفحم وصولًا لتحويل الأموال عبر تطبيق الهاتف المحمول، وكيف تحول المجتمع من الفقر إلى الغنى من خلال شخصية مينغ نفسه.
الشخصية المثيرة والمؤثرة في الأحداث هي الجنية هوا آرلانغ، والتي يعود بها الكاتب للعصور القديمة التي نشأ منها المعتقدات وميثولوجيا المجتمع الصيني التي تمثل الأساطير جزءًا هامًا في الحياة للصينين، وإيمانه بتناسخ الأرواح والاعتقاد بالحياة السابقة، فهي تأتي من عشيرة لينغ يو التي تحب النكات عاشت في الماضي في دولة المرح ولكن لخلافات سياسية طردت منها فذهبت إلى مدينة يانجين؛ لأن أهلها يحبون إلقاء النكات مثلما كان الحال في دولة المرح.
من خلال قصة الفتاة هوا آرلانغ التي تحولت إلى جنية خالدة بسبب شقائها وتحملها للشوق في انتظار حبيبها لمدة 3000 عام، فهي تتسلل لأحلام الناس وتطلب منهم إلقاء النكات، فإذا ضحكت تكافئ الشخص بثمرة فاكهة، وإذا لم تضحك تسحقه حتى المو//ت، فبسببها أصبح أهل مدينة يانجين يتحلون بروح الدعابة المعروفة عنهم.
أطلق الراوي لخياله العنان فرأى في لوحات العم السادس قصص لشخصيات في الواقع وفى عوالم أخرى لا نعرف قوانينها بالضبط، فأدخلنا العالم السفلى وعالم الخرافة وتحدى التواصل مع عالم المو//تى لجلاء بعض الأسرار، لتبدأ الأرواح بسرد قصصها، فهنا نجد أسطورة الأفعى البيضاء لتسلمنا إلى روح ينغ تاو الزوجة المنت//حرة التي تلبَّست صديقها بالفرقة وظهرت أيضًا لابنها مينغ، وكيف استمروا معنا طوال أحداث الرواية
رواية عن سيرة شعبية للضحك، أو (رشة هواء) كناية عن الحكاية كما كانت تطلق عليها جدة مينغ، جنية تأتيك بالحلم، رجل تلبسه روح امرأة، عامل نظافة كان وزيرًا في الحياة السابقة، ووسط كل ذلك، نجد عرافًا يخبرنا بالماضي والمستقبل. كما أدخلنا ثقافة الشعب الصيني والعادات والتقاليد والأكلات المشهورة.
الشخصيات كثيرة ومتشعبة ولكنها مترابطة، وعلى الرغم من ذلك، فقد أعددت خريطة للشخصيات وبعض سماتها المميزة طوال قراءتي حتى لا يختلط علىَّ الأمر.
اختار شخصيات الرواية من الشخصيات الواقعية يمثلون أفراد من المجتمع الصيني مثل الطاهي والبائع والحمَّال والكنَّاس والعراف وعازف الموسيقا ومدرس الكيمياء، فنان الأوبرا والمسرح، عمال المصانع وأصحاب الأعمال الصغيرة.
المكان كان هامًا جدًا لدى الكاتب فمسقط رأسه مدينة يانجين وهي أصل الرواية، كما أخذنا منها إلى مدن أخرى مثل ووهان وبكين وشيآن، مدن تتباعد بينها مسافات لأيام، تنقلت إليها الشخصيات ونقلت لنا عاداتها ومزاراتها الشهيرة وطبائع أهلها.
استخدم الكاتب الراوي العليم لسرد حكايته، كما أعد الكاتب الزمن الذي وقعت فيه القصة والأماكن التي جرت فيها الأحداث تحديدًا دقيقًا.
كتاب فلسفي يثير التساؤلات داخل عقل القارئ، واستخدامه لأدوات رمزية على سبيل المثال (الكلب سوان – اللافتة الخشبية).
الرواية مترجمة وقمت بعمل رأى شخصي مختصر عن الترجمة وددت أن أشير إليه في الفقرات التالية:
-أرى أن العنوان الأصلي One day three autumns، أي يوم بثلاثة أعوام، كان أكثر تعبيرًا عن محتوى الرواية مقارنة بالعنوان بالترجمة تاريخ آخر للضحك.
-الغلاف الأصلي بألوانه المعبرة والشخصيات تموج فيه معبرًا عما بداخل الرواية بصورة أفضل مقارنة بالغلاف بالنسخة العربية.
-كنت أرى أن هناك بعض المفردات المستخدمة بالمجتمع الصيني لا تتناسب مع المجتمع العربي، كان يمكن اختيار بدائل أخرى تحمل نفس المعنى وتتناسب مع ثقافة القارئ العربي.
*ملحوظة: ذكر في الرواية جملة "لقد اشتريت تذكرة القطار الذي سيغادر في الساعة الثالثة عصرًا (ص118)"، تبعها جملة "لم يجد تذاكر (ص122)"، من أين اشترى؟! ومن أين لم يجد تذاكر؟! اعتقد ترجمة اشترى كانت ممكن أن تكون أفضل من ذلك.
- استخدام مفردين بنفس المعنى (الكنًّاس) مرة، (عامل النظافة) مرة أخرى لنفس الشخصية، مما يدل على عدم اتساق الترجمة بين المترجمين.
-وجود بعض الأخطاء الإملائية البسيطة، ولكن يمكن رجوع ذلك لكبر حجم الرواية.
اقتباسات:
- الطين المهترئ لا يسند الجدار.
- مهما سار النبيل رفقتي لألف ميل، من المؤكد أنه سيكون هناك وداع.
- قد يبلى حذاؤك الحديدي خلال البحث عن شيء ما دون أن تجده، وقد تجده لاحقًا بمحض الصدفة دون أدنى جهد.
- من يبتعد يرى بشكل أفضل.
- صعدت على خشبة المسرح وغنيت مقطعين دهش الجميع، هرول إلىَّ مدير الفرقة قائلًا: يا لك من عبقري، أكمل وهو يطردني إلى الخارج: صوتك أشبه بصوت الدجاجة المذبوحة، كيف وصلت إلى هذا المستوى من قبح الصوت؟!
أكثر ما أعجبني هو عنوان الرواية الأصلي (يوم بثلاثة أعوام) وكم لتلك الجملة من معاني كثيرة وعميقة داخل الرواية.
اختتم الكاتب روايته بحوار فلسفي جريء عما جرى من تحولات وانعطافات درامية داخل الرواية.
كتاب أدب مختلف عن قراءاتي، وتقييمي له 5/4.8
إلى الملتقى في مراجعة أخرى
د.محمد الشخيبي
#مسابقة_قراءات_على_نار_هادئة
#اقتباسات_مسابقة_قراءات_على_نار_هادئة
#مسابقات_مكتبة_وهبان