اقتباسات من رواية ميثاق النساء

أعرف هذه المدينة شبرًا شبرًا؛ معرفةً فيها الكثير من الألفة والأمان، ولكنَّها معرفةٌ تجعل المدينة مملَّةً ومتوقَّعةً لدرجةٍ تبعث على الموت. فالميِّت وحده لا يتغيَّر

والحزن غالبًا ما يحوِّلنا إلى أشخاصٍ حقيقيِّين. ا

لقد علَّمني الخوف أن أكتم صوتي. كانت صفقةً أبرمتها بمفردي مع الحياة كي أعيش بسلام.

‫

حقَّقت ما صبوْت إليه، ولكنَّني لم أصبح سعيدةً بعدها، ولم أشعر بطعم الانتصار. هل يمكن أن تكون الحياة بهذه الضحالة؟ هل يمكن أن نحلم ونخطِّط ونعمل ونذلِّل الصعاب حتى نقف أمام صرح انتصارنا ظمئين لاعنين الطريق وما تركه من تشوُّهاتٍ على أقدامنا وأرواحنا؟‏

هل صحيح أنَّ ما نتوق إليه بكلِّ كياننا يحدث لنا بفعل قانون الجذب؟ أم أنَّ الإنسان يُلهي نفسه بهذه الأفكار كي يتحمَّل قفر حياته؟ ثم ماذا عن المخاوف؟ هناك من يقول إنَّنا نساعد مخاوفنا على التحقُّق إذا ما ركَّزنا عليها؛ وآخرون يقولون إنَّ توقنا الكبير لشيءٍ ما يجعله يكبر بداخلنا حتى يتحقَّق.

أنَّ المجتمع يخدع المرأة أحيانًا بتحسين شروط عبوديَّتها ويُسمَّى ذلك حرِّيَّة، وأنَّ هذه الخدعة تنطلي على كثيرٍ من النساء. لقد رضيَت أمَّهاتنا باللاشيء، لذلك تحتَّم علينا أن نكون ممتنَّاتٍ للقليل، وأن نشعر أنَّ القليل هو أكثر من حقّنا، وأنَّنا إن لم نقدِّر القليل سنكون جاحدات. ولكنْ من له الحقّ أن يحدِّد ما هو قليلٌ وما هو كثير، حين نتكلَّم على الحرِّيَّة؟ هل هو الزمان أو البقعة الجغرافيَّة أو نسبة التعليم، أو المصير الذي رضي به من سبقونا من النساء؟!‏

أحببت التقمُّص الذي تكلَّمت عنه أُمِّي. وهو التقمُّص الذي قرأت عنه لاحقًا في أدب جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وجيدو كريشنامورتي. هذا التقمُّص الذي يعزِّي الأمَّهات، ويعطي فرصةً أخرى للمخذولين في بدايةٍ جديدة وحياةٍ أخرى أقلّ ألمًا.‏

‫‏إلى ابنتي‏

‫ ‏اعذريني لأنَّني لم أكن أبدًا بكاملي معك.‏

‫ ‏أنا أربِّيكِ يا صغيرتي وأربِّيني،‏

‫ ‏سامحيني…‏

‫ ‏ربَّما أدركت في تلك اللحظة أنَّ هذا هو «ميثاق النساء» الحقيقيّ. ميثاقٌ من التضامن والفهم والوجع لم يخطّه أحدٌ في كتاب، ولم يفرضه أحدٌ على النساء.

لم يحمني الصمت كما ظننت، بل كان محاولةً للهروب القصير الذي سيلاحقني طويلاً. لقد خسرت مع كلّ صمتٍ احترامي لنفسي،

الاستثناء يُشبه منعطفًا قويًّا في طريقٍ طويلٍ يمكن للإنسان أن يسلكه وهو مغمض العينيْن. ربَّما احتمال وجود الاستثناء هو الذي يبقينا متيقِّظين في الرتابة الممتدَّة لحيواتنا!

أنَّ التظاهر هو الجسر الزجاجيّ المعلَّق فوق وادي خوفي، والذي سينقلني إلى حيث أريد أن أكون.

جلست هناك أنظر إلى البحر، وأتتبَّع الأصوات المتضاربة في رأسي: الصوت الذي يتوسَّل الحياة، والصوت الآخر الذي يحاول منعها عنِّي بكلِّ الأساليب. شعرت برغبةٍ في الصراخ، في إسكات الصوتيْن معًا وكأنَّهما طفلان شقيَّان تحت رعايتي، شعرت بأنَّني أريد أن أتوسَّل إلى كليْهما كي يخرسا.

هناك جوعٌ ما في دواخلنا للمجهول، لاستراق النظر لعالمٍ نشعر به ولا نراه. وعندما تأتينا ومضةٌ منه نسارع لكتابة قصيدة، أو نجلس منتشين مثل الأنبياء الذين نزل عليهم الوحي للتوّ. ربَّما أتى مفهوم القدر من هناك، من ذلك العالم الذي فيه شيءٌ من السحر والذي يختلف عن حيواتنا المسطَّحة والكئيبة!

السعادة مثل ضوء الليزر يا أمل.. في كلِّ مرَّةٍ نحاول القبض عليها تفرّ وتستقرّ خارج يدنا! ربَّما علينا أن نصبح نحن ذلك الضوء الصغير الذي نطارده، أو ربَّما من الأجدى أن ننسى أنَّ لنا أيادي، ونتوقَّف عن محاولة القبض على الأشياء!‏

رحت أكتب لأقاوم الكآبة واليأس الذي يزحف إلى قلبي، والموت الذي أصبحتُ أحلم به كلّ ليلةٍ وكأنَّه الحبيب.‏

خضت حربًا نفسيَّةً داخليَّةً كنت أنا طرفيْها وكان الخوف هو السلاح المتبادل،

والإنسان بطبيعته مغرورٌ ومليءٌ بمواطن ضعفٍ لا يعرف عنها شيئًا.

كنت أراقب التحف طوال تلك السنوات، ولكنْ من الآن فصاعدًا، سأتحوَّل إلى واحدةٍ منها، سأصبح قطعةً أخرى من أثاث هذا المنزل! شعرت بالأسى يأكل قلبي.‏