اقتباسات بثينة العيسى

ثمة ما عليّ فعله لكي أستحق الموت، لكي أستحق كل تلك السكينة.

من قال بأن الموت عالمٌ سفلي؟ الموت - لعلمكم يا من تعرفون كل شيء - يوجدُ فوْق.

أحس بي عامرة بالثقوب، والهواء يتخلل جسدي، وبكائي لا يشبه نشيج الناياتِ..

أرى النهاية تلمع في بؤبؤ البداياتِ، أرى حتمية الموت في سرة الطفل الوليد، أرى الحياة تتدفق من جثة العصفورِ ديداناً ديدان، ولا يمر يومٌ، ولا تمر دقيقة، دون أن أمحص في قانون الوجود هذا، موقنةٌ بزوالي

إننا لا نعرف أي شيءٍ عن الحياة، فكيف نستطيع أن نعرف شيئاً عن الموت؟

كيف يعقل أن تكون الحياة دميمة والموت جميل، في الحين الكل يقول عكس ذلك؟ نتشبث بهذا العالم الأضيق من فردة حذاء، نغرز فيه أظفارنا، نعض عليه بالنواجذ، نتعلق بأسماله متوسلين، لأننا لا نعرف غيره

الحقيقة أن الأمومة أكثر صعوبة وأقل شاعرية، لم نكن مدركين للأمر، أردنا شيئاً يتمم المشهد، لكي تكتمل عناصر اللوحة، ولكن السعادة ليست لوحة! ليست لوحة! والأدهى أنني لا أعرف حتى اللحظة، أيهما أشد إيلاماً، ذكرى حياته، أم حقيقة موته.

لقد طالبناه بالتفوق، بإدهاشنا وإبهاجنا وتسليتنا، بالانتصار على أقرانه، بأن يجعلنا فخوريْن، فخورين بماذا؟ بالطفل الذي نبتت أسنانه قبل شهره السادس؟ بالطفل الذي زججنا به في حضانة، وسط أطفال بكّائين وغرباء، وطالبناه بأن لا يبكي؟

أذوبُ دموعاً، أسمعُ انكسارات روحي، يداي تسيلان على جانبي، أنصهرُ. لي هيئةٌ مائية جداً، كما لو أنني الحزن نفسه.

أعرف بأن وفاته شيءٌ يصعبُ تجاوزه، والتعاطي معه، صدقيني أنا أعرف ذلك، فأنا، كما تعلمين: أبوه! ولكنك تحتكرين كل الألم لنفسك

الحياة دائرة، يا عدنان، وهذه الدائرة عندما تكتمل، عندما تنغلق على ذاتها، تشعر بأنك في سلام،

عدنان يخافُ من الكتب أكثر من الألغام، فهي قادرة على تفجير ألف سؤالٍ في ثانية واحدة.

فويرباخ يقول بأن الموتَ يجعل الإنسان أكثر محبة، لأن إدراك المرء لفنائه يجعله يتخلى عن هوسه بوجوده، ويذوبُ في الأسمى، في حب الآخرين

لم أكن أمانع غيابه، ولا وجوده،

ثمّ شعرتُ بقوة تشدني إلى جسدي الملقى على الأرض، لا أريد العودة، لا أريد الإحساس بالثقل مرة أخرى، لا أريد أن أكون امرأة مرة أخرى، لا أريد أن أكون ثكلى مرة أخرى، لا أريد أن أكون مرة أخرى!

حملناك فوق طاقتك، طالبناك بأن ترقع شاسع الفراغ، أن تكون موضوعنا المفضل، وشغلنا الشاغل، ولغتنا المشتركة البكماء. أردنا شيئا نتحدّث عنه، فكانت النتيجة أننا أتينا بإنسان إلى هذا العالم، وكأننا جديران بالأمر!

بعد مرور السنة الأولى كنتُ على مُفترق طرق: إما أن أدمن حبوب الاكتئابِ، أو أن أنجب أبناءً من هذا الرجل لكي أنشغل بهم، عنه وعني

نحن شريكان في الجرم، ومتواطئان في التعاسة

كنا نبدد حياتينا معاً، ننتظر أن يحدث شيءٍ وينخلعُ واحدنا عن الآخر، موتٌ مفاجئ، أو خيانة تبرر الانفصال بدون حصدٍ كثير من الضغط الاجتماعي والعتب الأقاربي!

أشعر برغبة أمومية لهدهدةِ قلقه، هذا الطيرُ المفجوع الذي يندبُ حظهُ ويلعنُ ساعة تورّطهِ بي