المؤلفون > أحمد أمين > اقتباسات أحمد أمين

اقتباسات أحمد أمين

اقتباسات ومقتطفات من مؤلفات أحمد أمين .استمتع بقراءتها أو أضف اقتباساتك المفضّلة.


اقتباسات

  • ومن كان في يده المال ولم يعرف كيف يستخدمه كان ماله والفقر سواء..

  • ثم هو — إذ يحمل اللواء — يتعرض لكثرة السهام، فلا يزيده ذلك إلا قوة، وينفى ويحبس ويشرد، فيكسبه ذلك صفاء في نفسه وقوة في يقينه، ويزيد الأمة إيمانًا به والتفافًا حوله، فتضحي من تضحيته، وتقتبس من شعلته، وتلتهب من حرارته، وتأخذها حالة أشبه بنوبة عصبية، أو غيبوبة صوفية: تؤمن به إيمان العجائز، وتطيعه طاعة المريد للشيخ، وتصم أذنها عن دسيسة الدساسين ومؤامرات المنافقين، ولا يزالون هو وهم في جهادهم حتى يصلوا إلى الغاية أو يقربوا منها.

  • لا بد أن ننظر لصالح المجتمع أكثر من صالح الأفراد، وأن ندعو إلى انتشار الثقافة لا انكماشها، وكثرة العلماء لا قلتهم، وألا نعبأ بمن يشقى من العلماء إذا كان في شقائهم سعادة المجموع، وأن نطالبهم أن يصوغوا أنفسهم حتى يجدوا سعادتهم في علمهم وشعورهم برقيهم، وكما قالوا: «لأن تكون سقراط ساخطًا خير من أن تكون أبله راضيًا».

  • والسعادة إنما هي في السعي للغرض أكثر منها في الغرض، والطريق إلى الغاية هو السعادة لا الغاية، وإنما يسعد الإنسان باستخدام قواه وملكاته لبلوغ غايته، فإذا بلغها تفتحت له غايات جديدة، وبذل فيها جهودًا جديدة، وظهر في أثناء الطريق صعوبات استخرجت أقصى الجهد في التغلب عليها، فشعر بلذة الجهد ولذة الغلبة ولذة اعتداده بشخصيته واستخدامه ملكاته واستكماله نفسه أكثر من لذته بالغاية نفسها.

  • لا لا أيها الناس، ليس في الإسلام وثنية، وليس في الإسلام الصحيح تخريف، ولكن دخل فيه أقوام وفي رءوسهم خرافات الوثنيات الأولى!

    فوثنية العرب الجاهليين، ووثنية مصر القديمة، ووثنية المجوس، ووثنية الرومان، كل هذه اندست بين المسلمين، واصطبغت بصبغة الإسلام،والإسلام بريء منها، وذهب الماء الصافي ولم يبق إلا عكره، وامتلأ الإناء بالدُّرْدي.

  • ونعود إلى صدر الإسلام فنرى علي بن أبي طالب يعين عاملًا من عماله ويقول له: «ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله، ألا أدع تمثالًا إلا طمسته، ولا قبرًا إلا سويته».

    *

    ونرى اليوم الأضرحة والمزارات منتشرة في كل مكان للصالحين وأشباه الصالحين، بل لمن لو رجعت إلى تاريخه لوجدت أن لا منقبة له إلا مظالم ارتكبها، وظن أن بناء المسجد والضريح يكفر عنها.

  • ونعود إلى صدر الإسلام فنرى في سيرة عمر أنه خرج في حجة فمر بمسجد فبادره الناس بالصلاة فيه، فقال: ما هذا؟ قالوا: مسجد صلى فيه رسول الله. فقال: هكذا هلك أهل الكتاب قبلكم، اتخذوا آثار أنبيائهم بيعًا، من عرضت له فيه صلاة فليصل، ومن لم تعرض له صلاة فليمض.

    *

    ثم نرى الناس اليوم وقد تهافتوا على أمكنة وقف عندها ولي مزعوم، أو لمستها يد صالحة مباركة كما يقولون، أو رأى مدله رؤيا شاهد فيها قديسًا من القديسين.

  • نعود إلى صدر الإسلام، فنرى عمر بن الخطاب يرى ناسًا يأتون الشجرة التي بايع رسول الله ﷺ تحتها بيعة الرضوان، فيصلون عندها، فيأمر بقطعها حتى تكون العبادة لله وحده.

    *

    وننظر اليوم فنرى باب زويلة — وهو ليس إلا بابًا من أبواب سور القاهرة القديمة — قد اتخذ معبدًا يزعمون أنه مسكن لقطب من الأقطاب الأربعة؛ ومن أجل هذا سمي «باب المتولي» والناس يتمسحون به، ويربطون في مساميره قصة من شعورهم أو خيطًا من ملابسهم، ويشتفون به من وجع أسنانهم أو صداع رءوسهم.

  • اجعل شعارك دائمًا أن تسائل نفسك: «ماذا عملت في وقت فراغك؟» هل كسبت صحة أو مالًا أو علمًا؟

    وهل خضع وقت فراغك لحكم عقلك، فكان لك غاية محدودة صرفت فيها زمنك؟ إن كان كذلك فقد نجحت، وإلا فحاول حتى تنجح، فقليل من الزمن يخصص كل يوم لشيء معين قد يغير مجرى الحياة ويجعلها أقوم مما تتصور وأرقى مما تتخيل.

  • ما أريد ألا تكون أوقات الفراغ طاغية على أوقات العمل، وألا تكون أوقات الفراغ هي صميم الحياة، وأوقات العمل على هامشها، بل أريد — أكثر من ذلك — أن تكون أوقات الفراغ خاضعة لحكم العقل كأوقات العمل، فإننا في العمل نعمل لغاية، فيجب أن نصرف أوقات الفراغ لغاية كذلك، إما لفائدة صحية كالألعاب الرياضية، وإما للذة نفسية كالمطالعات العلمية أو الأدبية.

    أما أن تكون الغاية هي قتل الوقت، فليست غاية مشروعة، لأن الوقت هو الحياة، فقتل الوقت قتل الحياة؛ فالذين يصرفون أوقاتهم الطويلة في نرد أو شطرنج لا يعملون لغاية يرتضيها العقل، وكذلك الذين يتسكعون في المقاهي والأندية والطرقات لا يطلبون إلا قتل الوقت كأن الوقت عدو من أعدائهم.مفتاح العلاج لهذه المشكلة الاعتقاد بأن الإنسان يستطيع أن يغير موضوعات حبه وكرهه كما يشاء، ويستطيع أن يغير ذوقه كما يشاء، فيستطيع أن يمرن ذوقه على أشياء لم يكن يتذوقها من قبل، وعلى كراهية أشياء كان يحبها من قبل، ففي استطاعة أغلب الناس — إذا قويت إرادتهم — أن يقسموا أوقات فراغهم إلى ما ينفعهم صحيًّا، وإلى ما ينفعهم عقليًّا.

  • قد علمنا التاريخ أن العالم حين يقدم على خطوة جديدة، وحين يتمخض لولادة جديدة، تقوم زوابع كثيرة تقلب الأوضاع وتكسر ما يعترضها، ثم ينزل الغيث وتهدأ الزوابع ويلطف الجو، وأظن أن الحرب الحاضرة شأنها شأن الزوابع الماضية، ليست إلا علامة على أن العالم يتمخض للولادة، وأنه يريد أن يتخلص من بعض شرور الماضي؛ ليضع أسسًا جديدة لمستقبل أسمى، ومما يؤسف له أن العالم في الحاضر والماضي ليس لديه إلا هذه الوسيلة للإصلاح، لا يستطيع أن يبني بناءً جديدًا إلا بعد هدم القديم، وإلا كان العمل ترميمًا لا تجديدًا.

  • بُنِي العالم على ثلاث قواعد: حفظ الذات، وحفظ النوع، وتحسين النوع، هذه هي الأوراق الثلاث التي يلعب بها العالم لعباته المختلفة في كل تصرفاته التي لا نهاية لها، وكل شيء في العالم من الحشرة الدنيئة إلى أرقى أنواع الإنسان يسعى إلى تحقيق وجوده الذاتي ووجوده النوعي، والعالم كله في جملته يتسامى لتحقيق غايته، وقد اتخذت الطبيعة لتحقيق ذلك كل الوسائل الممكنة من تحريك الغرائز المختلفة، والانفعالات المتباينة، والعواطف المتناقضة، ونحن لو بحثناها على شدة ما بينها من اختلاف لوجدناها كلها ترجع إلى هذه العناصر الثلاثة:

    تلعب الغرائز والانفعالات والعواطف كل ألاعيبها في النبات والحيوان والإنسان لحفظ الذات وحفظ النوع، وتلعب في الإنسان ألاعيبها كذلك للسمو به، فسعي النبات وراء قوته وتجهيزه بالآلات العجيبة للحصول على غذائه، وتكثير بذوره، وسلوك الحيوان في شهواته وعواطفه، والإنسان في كل تصرفاته وعواطف حبه وغزله، وعواطف أبوته وأمومته وأفانينه — كل ذلك يفسر في النهاية حفظ الذات وحفظ النوع، فقانون الطبيعة في ذلك قانون ثابت لا يتخلف، ولا يمكن أن يصدر ذلك إذا لم يكن للعالم غاية.

  • ولكن هؤلاء المتشائمين قد أصيبوا بعمى اللون، فلم يروا في العالم إلا لونًا واحدًا هو لون السواد، ولم يروا مادة لأدبهم إلا نعيق البوم، وسواد الغراب، وحلكة الظلام، ولم يقوموا في الحياة إلا المآسي، ولم يسمعوا من النغمات إلا المحزن، ولم ينظروا في الحياة إلا إلى سطحها، لا إلى عمقها، وشغفوا بالأحداث الجزئية، لا النظريات الكلية.

  • فلا منفذ لهم من ضيق اليد إلا سعة النفس، ومن الفقر في المادة إلا غنى الروح، ومن الحياة اللاصقة بالأرض إلا السمو إلى السماء، ومن الشكوى من سوء تقويم الناس للأشياء إلا إنشاؤهم مملكة روحية في أنفسهم تقوم فيها الأشياء تقويمًا صحيحًا عادلًا.

  • كل ما في الدنيا من أمثلة يدل على فساد التقويم، كتاب مليء حكمة بدرهم، وحبة من لؤلؤ — ليست لها قيمة ذاتية — بآلاف، ومجهود الآلاف من الناس يحرثون ويزرعون لا يساوي خاتمًا من ماس تتزين به المرأة ساعة في العمر، ولاعب تقوَّم لعبته بالمئات، ومكتشف لا يقوم اكتشافه بشيء، وعلى الجملة فقد عجز العقل أن يدرك «أساس التقويم» عند الناس، فلا هو مقدار ما في الشيء من منفعة، ولا ما فيه من عدم منفعة، ولا هو الجمال ولا القبح، ولا الخداع ولا الصراحة ولا الصدق ولا الكذب، ولا الحق ولا الباطل، لا شيء من ذلك كله، ولا شيء غير ذلك كله، صالح لأن يفسر أساس التقويم عند الناس.

  • كم في الدنيا من أناس أشقياء أكبر شقائهم ناشئ من أنهم يعملون فيما لم يخلقوا له، هذا مهارته في يده يعمل بعقله، وهذا مهارته في عقله يعمل بيده، وهذا مهارته في قلبه يعمل بيده أو عقله، وهذا ماليٌّ يعمل عالمًا، وهذا عالم يعمل ماليًّا وهكذا، ومن هذا القبيل صنف من المعلمين لم يخلقوا للتعليم وإنما خلقوا للمال، فأجسامهم في التعليم، وطموحهم للمال، فلما لم يصلوا إلى المال — وذلك طبيعي — عذبوا عذابًا شديدًا، وضاقت نفوسهم، واضطربت عقولهم، وفشلوا في التعليم والمال معًا، نسوا أن التعليم عمل روحي لا يصلح له إلا من تجرد للروح وشئونها، وقلبوه إلى عمل آلي فحرموا لذة الروح، ولم ينجحوا في العمل الآلي، وكانت حجرة التعليم سجنًا، وعلاقتهم بالمتعلمين علاقة السجان بالمسجونين، فلم ينجحوا في التعليم الذي قيدوا أنفسهم به، ولا في المال الذي طمحوا إليه، وكان من الخير أن يريحوا أنفسهم من التعليم، ويريحوا التعليم من أنفسهم، لقد فهموا كما يفهم الماليون أن مقياس النجاح في الحياة سعة الرزق، وعظم المرتب، وتدفق المال، فلما لم يجدوا شيئًا في أيديهم عدوا أنفسهم خاسرين، فنقموا على أنفسهم وعلى الزمان، وعلى حرفة التعليم، وعلى القدر الذي ألجأهم إليها، وفاتهم أنهم غلطوا في مقياس النجاح، فوزنوا بالمتر، وقاسوا الطول بالقنطار، فمقياس النجاح في الحياة العلمية غيره في الحياة المالية والمناصب الحكومية.

  • التعليم — أيها الأب — نوع من الرهبنة، انقطع صاحبه لخدمة العلم كما انقطع الراهب لخدمه الدين، أو إن شئت فقل: إن الراهب يعبد ربه من طريق تبتله واعتكافه، والمعلم يعبده من طريق علمه وتعليمه، كلاهما زهد في الدنيا إلا بقدر، وانقطع عن الناس إلا ما يمس عمله، وكلاهما ركز لذته وسعادته فيما نصب له نفسه،

    فإن رأيت راهبًا ينحرف ببصره إلى زخرف الدنيا وزينتها فهو راهب فسد، وإن رأيت معلمًا يجعل غرضه الأول المال والجاه وعرض الدنيا فهو — كذلك — معلم فسد.

  • المعلم يتاجر، ولكنه يتاجر في الأرواح والعقول والمشاعر، ويكسب ويخسر، ولكنه يكسب نفوسًا تتعلق به وقلوبًا تتجمع حوله، أو يخسر عقولًا أتلفها ونفوسًا أفسدها.

  • ماذا يصنع المعلم؟

    إنه يجلو أفكار الناشئين والشباب، ويوقظ مشاعرهم، ويحيي عقولهم، ويرقي إدراكهم، إنه يسلحهم بالحق أمام الباطل، وبالفضيلة ليقتلوا الرذيلة، وبالعلم ليفتكوا بالجهل، إنه يملأ النفوس الخامدة حياة، والعقول النائمة يقظة، والمشاعر الضعيفة قوة، إنه يشعل المصباح المنطفئ، ويضيء الطريق المظلم، وينبت الأرض الموات، ويثمر الشجر العقيم، إن المعلمين عدة الأمة في سرائها وضرائها، وشدتها ورخائها، لا تنتصر في حرب إلا بقوتهم، ولا تنهزم إلا لضعفهم، ولا يزهر العلم فيها إلا بهم، ولا ترقى مصانعها ومتاجرها إلا برقيهم، هم منشئو الجيل، وباعثو الحياة، ودعاة الانتباه، وقادة الزمن، هم عنوان الأمة، ومظهر ضعفها أو قوتها، في عقلها وقلبها وخلقها؛ لأنهم يصنعون القوالب التي تصب فيها أبناؤها وبناتها، ويشكلونها بالأشكال التي يتصورونها ويضعونها.

  • ليس يصلح للتعليم من طلب بتعليمه الغنى والجاه، وليس يصلح كذلك من سدت في وجوهه طرق الكسب الأخرى، ثم رأى أن باب التعليم وحده هو المفتوح أمامه فدخله مرغمًا، إنما يصلح للتعليم من كان يرى — بحكم طبيعته ومزاجه — أن لذة التعليم تفوق كل لذة، وأنه سعيد باحترافه التعليم، وأن ما يجده من لذة في حرفته يعوض ما يجده من ضيق في رزقه وضآلة في جاهه، وإلا كانت حرفة التعليم عذابًا، وكل درس يؤديه ألمًا يمتد بامتداد الدرس، وكل فترة من الزمن بين درسين أنينًا من الدرس الماضي وإشفاقًا من الدرس القادم، وكل ساعات فراغه شكوى من الزمان أن رماه بحرفة التعليم، وسبًّا للقدر أن بلاه بهذا البلاء المبين.