المؤلفون > أحمد أمين > اقتباسات أحمد أمين

اقتباسات أحمد أمين

اقتباسات ومقتطفات من مؤلفات أحمد أمين .استمتع بقراءتها أو أضف اقتباساتك المفضّلة.


اقتباسات

  • في الأمة الراقية يفهم الأستاذ في المدرسة أو الجامعة أن العلاقة بينه وبين طلبته لا تنتهي بمجرد إلقاء الدرس وتأدية الامتحان؛ وإنما هي علاقة استرشاد علمي وروحي دائم، فإذا تيسر اللقاء كاشف الطالب أستاذه بمشاكله وشئونه، كما يكاشف الشيخ الصوفي مريدُه، وكما يعترف النصراني المتدين لقسيسه، وإذا لم يتيسر فالبريد الأدبي يقوم مقام اللقاء.

  • وأحب أن أفرق بين باحث يبحث المسائل من حيث تاريخها، وتأثيرها السياسي والاجتماعي وبين داع يخطب في تأييد مذهب أو نقده، فالمؤرخ لا يهمه ماذا فعل أهل هذا المذهب وهل هم على حق أو باطل، إنما يهمه البحث التاريخي مهما كانت النتائج سوداء أو بيضاء، وإذا نقد فيجب أن ينقد إما لضعف سنده أو غلطة في الاستنتاج، ولا ينقد على أساس العواطف التي تواضع أهل المذهب عليها. أما الداعي فإنما يدعو لغاية معينة، ويحاول أن يفسر ما كان ضده على حسب ما يهواه لا على حسب الحق؛ لهذا أسف كل الأسف إذا كان في كلامي في هذه الرسالة، أو في فجر الإسلام وضحاه وظهره ما يغضب إخواننا الشيعيين، وأقرر لهم أن هذه النتائج نتائج تاريخية لا نتائج دعاية فليتقبلوها على ما هي عليه وليس أحب إلى نفسي مع هذا من القضاء على العداوة بين السنيين والشيعيين. فما أحوجنا إلى الصداقة خصوصًا في هذا الزمن، ومن أجل ذلك رحبت بالانضمام إلى جماعة التقريب؛ لأنه غاية ما أتمنى، ولست أريد إثارة فتن جديدة إلى الفتن القديمة، وإنما أردت أن أبين وجه الحق للعلماء والباحثين.

    مشاركة من Wafa Bahri ، من كتاب

    المهدي والمهدوية

  • وأما السنيون فعقيدتهم في المهدي أقل خطرًا؛ لأنهم يعتقدون أنه من أشراط الساعة كالمسيح والدجال، وأنه لا بد في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت يؤيد الدين، ويظهر العدل ويتبعه المسلمون، ويستولي على الممالك الإسلامية ويسمى المهدي، ويكون خروج الدجال وما بعده من أشراط الساعة على أثره، ثم ينزل عيسى فيقتل الدجال، ثم يأتم عيسى بالمهدي إلى غير ذلك.

    ولما كانت الساعة أو آخر الزمان غير معلوم الوقت كان كل خارج يدعي أنه المهدي، وأنه علامة آخر الزمان إلى غير ذلك، وقد كتب الإمام الشوكاني كتابًا في صحة ذلك سماه التوضيح في تواتر ما جاء في المنتظر والدجال والمسيح.

    مشاركة من Wafa Bahri ، من كتاب

    المهدي والمهدوية

  • ومن رأي ابن خلدون أن من نجح من دعاة المهدية يرجع نجاحه لا إلى أسباب دينية، وتنبؤات ونحو ذلك، وإنما يرجع على أن له عصبية قوية تحميه وتدافع عنه، كالذي حدث للفاطميين والقرامطة وغيرهم.وأما من فشل منهم ففشله يعود إلى ضعف عصبيته؛ ولذلك كان منهم من قتل ومنهم من هرب وذلك وفاقًا لنظرية ابن خلدون التي أثبتها في محل آخر، وهو أن الملك لا يقوم إلا على أساس من العصبية، وعلى هذا قامت دولة بني أمية لتعصب الأمويين لها، وقامت دولة العباس لتعصب الخراسانيين لها، وهذا هو السر في الحديث المأثور: «الأئمة من قريش»، والسر في ذلك عصبية القرشيين لهم؛ ولذلك تدور العلة مع المعلول فإذا كانت هناك عصبية أقوى من عصبية قريش، فصاحبها أولى كالجنود الأتراك الذين كانوا يتعصبون للمعتصم، ونحو ذلك من الجنود المصطنعة، فالمهدية أيضًا قامت على أساس هذه العصبية، وقد قواها إلصاق المهدية بالدين، والناس للدين أكثر انقيادًا.

    مشاركة من Wafa Bahri ، من كتاب

    المهدي والمهدوية

  • وهذا يفسر أيضًا هلوسة المتنبي في دعواه النبوة، ومن أجل ذلك سُمي بالمتنبي، وطموحه طول عمره إلى أن ينال ولاية أو ملكًا، وغضبه على كافور إذ لم ينله ولاية، ونظن أنه لو نالها لقرمطها وقلبها ولاية شيعية حسب تعاليمه، ونرى ديوانه مملوءًا بالقوة والدعوة إلى الثورة والاعتداد بالشجاعة، وهذا هو السبب في أنه فضل سيف الدولة ابن حمدان على كافور الإخشيدي؛ لأن الأول بطل في الحروب الداخلية مع الأعراب والخارجية مع الصليبيين، بل كان المتنبي نفسه يخرج مع سيف الدولة محاربًا، وأما كافور الإخشيدي فقد عرف السياسة والمكر والدهاء لا بالفتك في الحروب؛ ولذلك أيضًا كان أحب شخص إليه لما جاء مصر فاتكًا الرومي لشجاعته النادرة، حتى سموه مجنونًا، وقد بكى عليه كثيرًا ورثاه في ديوانه في ثلاث قصائد مما لم يفعل مع غيره، وقد أعلى شأنه بمقدار ما حط من شأن كافور، ويستطيع القارئ الدقيق لديوانه بعد هذه النظرة أن يرى فيه تشيعًا كثيرًا وقرمطة كثيرة مثل:

    يا عاذل العاشقين دع فئة

    أضلها الله كيف ترشدها

    ليس يحيق الملام في همم

    أقربها منك عنك أبعدها

    إلى غير ذلك، كما يفسر أيضًا نقمته على العالم العربي وحكمه بغير عربي، ولعل متمناه أن يكون عربيًّا شيعيًّا يطبق تعاليم القرامطة، وأنه يبكي الشام ويبكي مصر ويبكي سوء النظام الاجتماعي الشامل ويطمح إلى تغييره، إلى كثير من أمثال ذلك، فكل هذا الاضطراب والحيرة والبكاء والعويل والنقمة من المتنبي على المعاصرين من غير الشيعية أثر قرمطي واضح، وساعده على ذلك خدمته الطويلة لسيف الدولة الشيعي أيضًا المتصل اتصالًا وثيقًا بالشيعيين ومذهبهم.

    مشاركة من Wafa Bahri ، من كتاب

    المهدي والمهدوية

  • وكذلك في عهد الموحدين أينع الفيلسوفان العظيمان ابن طفيل وابن رشد. فقد حلت الفلسفة في الأندلس. وكانت من قبل ذلك محرمة، أما ابن طفيل فكان صبيًّا في غرناطة. ثم عين سكرتيرًا لعامل غرناطة قبل الموحدين، وهو الذي أخرج القصة البديعة المشهورة المسماة «حي بن يقظان»، وخلاصتها أن حيًّا هذا ولد يتمًا في جزيرة خالية من الناس ولكنه منح عقلًا فاحصًا، فاتصل بالطبيعة، وأخذ يفهمها شيئًا فشيئًا من غير تعليم. وقد استطاع بعقله وحده أن يفهم من الطبيعة أسرارها، وأنه لا يمكن أن تكون من غير صانع، فلا بد أن يكون هناك إله ذو صفات خاصة ينظمها ويدبرها، ثم التقى في إحدى الجزر برجل مؤمن تعلم على أحد الصالحين علم الأنبياء، فرأى حي أن تعاليمه التي اهتدى إليها بفكرته وطبيعته، تنفق وتعاليم هذا الرجل الذي تعلم عن طريق الدين. وخلاصة ذلك أن نتيجة كل من الشرع والعقل واحدة. وأن الشرع لا ينافي العقل، ويتخلل القصة نظرات كثيرة دقيقة صائبة. وقد نقل الكتاب على العبرية بعد مائتي عام من ظهوره. ثم نقل إلى أكثر اللغات الغربية، وخلفه بعد ذلك في منصبه كطبيب ابن رشد الفيلسوف الشهير.

    مشاركة من Wafa Bahri ، من كتاب

    المهدي والمهدوية

  • فكان الشيعيون من الذين يؤيدون نظرية الدين، وقد يبالغون فيها بدعواهم الأئمة وعصمتهم، وربما كان أيضًا جهر المعري بسلطان العقل في كثير من شعر اللزوميات، تبعًا لأمثال محمد بن زكريا الرازي دعاه إلى ذلك مغالاة الشيعة في دعوة الأئمة، فكان أمامه مناظرات أبي حاتم الرازي مع أبي بكر الرازي، وهذه المناظرات منشورة في الرسائل الفلسفية التي جمعها الأستاذ كراوس، ومما ذكره أبو حاتم الرازي في أول المناظرات قوله: «فما جرى بيني وبين الملحد أنه ناظرني في أمر النبوة، فقال: «من أين أوجبتم أن الله اختص قومًا بالنبوة دون قوم، وفضلهم على الناس وجعلهم أذلة لهم، وأحوج الناس إليهم، ومن أين أجزتم في حكمة الحكيم أن يحتار لهم ذلك، ويؤكد بينهم العداوات ويكبر المحاربات ويهلك بذلك الناس، فرد عليه بأن الحكيم فعل ذلك رحمة بالناس، فالناس مع اختلاف عقولهم لا يمكن أن يستغنوا عمن يرشدهم، ويهديهم من الأنبياء والأئمة والعلماء إلخ …». فنرى من هذا أنه كان هناك حركة عنيفة بين الملحدين الذين ينكرون النبوة، والمؤمنين الذين يعتقدون بها، ومن فضل الشيعة أنهم كانوا مؤمنين يدافعون عن الإسلام في الخارج ضد الصليبيين الذين يهجمون على بلادهم، وفي الداخل يصد من أنكروا الدين وجحدوا النبوة.

    مشاركة من Wafa Bahri ، من كتاب

    المهدي والمهدوية

  • وكان من نفحات الفاطميين سيف الدولة الحمداني، فقد كان أيضًا شيعيًّا، وقد اشتهر بنصرته للعلم والأدب وكان في بلاطه الفارابي الفيلسوف الكبير الذي اشتهر بالرياضيات والطب ولكن تآليفه فيهما تدل على أنه وصل فيهما إلى درجة متوسطة، وإنما كان ممتازًا في علمي التنجيم والموسيقى، وقد ألف في الموسيقى هذه كتابين من كتبه، ثم كتب فيها أيضًا ثلاثة كتب أخرى أهمها كتاب الموسيقى الكبير، وقد ذكر عنه أنه حضر مرة مجلس سيف الدولة، فأخرج عيدانًا وقع عليها فضحك كل من كان في المجلس ثم وقع عليها لحنًا آخر، فبكى كل منهم ثم غير ترتيبها ووقع عليها لحنًا ثالثًا، فناموا كلهم حتى البواب، ولا يزال بعض المولوية ينشدون بعض الألحان، المنسوبة إليه ويرى ابن خلكان أنه أكبر فلاسفة المسلمين، ولم يكن فيهم من بلغ رتبته في فنونه. والرئيس ابن سينا بكتبه تخرج وبكلامه انتفع وبهديه سار وصنف.وكان خازن كتب سيف الدولة الخالديين وشاعره المتنبي، ويظهر أن المتنبي أيضًا كان شيعيًّا، بل كان قرمطيًّا كما سيأتي، وكان نفوذ العلويين وتعاليمهم واسعًا كبيرًا ومن أثر هذا النفوذ ما كان من المناقشة والجدل بين داعي الدعاة الفاطمي وأبي العلاء المعري، مما يطول شرحه وقد سمى الغزالي مذهبهم «التعليمي»، وذكرهم عندما اضطر إلى معرفة الحق، هل هو عند الفقهاء أو الفلاسفة أو التعليميين، ويقصد بالتعليميين هؤلاء الشيعة ثم لم يعجبه شيء من ذلك، وأخيرًا تصوف ورد على الشيعة، ومعنى التعليمية الذين يعتمدون اعتمادًا مطلقًا على سلطة الإمام، وأنه مصدر التعليم والإرشاد وهو المهدي.

    مشاركة من Wafa Bahri ، من كتاب

    المهدي والمهدوية

  • وأرقَ إلى خطوة ثالثة تسائل فيها نفسك: ما غايتك وما مبادئك في الحياة؟ وهل وضعت لها خططًا؟ وما مقدار تقدمك إليها أو تأخرك عنها؟سيسلمك ذلك — من غير شك — إلى خطوات أوسع، وتأمل أعمق حسب جهدك واستعدادك؛ وستكون لك في النهاية فلسفة لا من جنس فلسفة أفلاطون وأرسطو، ولكنها فلسفة شخصية قد بنيت على تأملك وشعورك لا على حفظك وقراءتك. وستتصل من هذا الطريق بأفق أوسع وملكوت أعلى.

    مشاركة من Wafa Bahri ، من كتاب

    فيض الخاطر - الجزء الأول

  • في سكون الظلماء يرى الإنسان بعينه ما لا يراه في الضياء، ويسمع بأذنه ما لا يسمع في الضوضاء؛ على أنه هو لا يرى بعينه فحسب، ولا يسمع بأذنه فحسب، بل كل شيء فيه يسمع ويرى، يفهم منطق الطير، ويتذوق موسيقاه، ويدرك معاني المياه في خريرها، والرياح في هبوبها، والأشجار في حفيفها؛ فكأنه منح من الحواس أضعاف حواسه، وملك من الملكات ما لا يعد بجانب ملكاته؛ وكأن عالم الصخب والجلب يغشي عينه، ويثقل سمعه، ويبلد عقله، ويثلم ذوقه؛ فلئن كان الصوت في عالم الحس له حدود، فإذا قلت تموجاته عن حدوده أو زادت انعدم السمع، فليس في عالم الروح حدود للصوت؛ ولئن كانت العين في عالم الحس لا تدرك من الألوان إلا أقلها، وتعجز عن إدراك أكثرها، فعين الفكر لا يحدها حد ولا يعجزها لون؛ ولئن كانت عيوننا الباصرة لا تبصر إلا في ضياء، وآذاننا لا تسمع إلا من قرع هواء، فعيوننا وآذاننا الروحية تستعين بالسكون والظلماء، أكثر مما تستعين بالضوء والهواء.

    مشاركة من Wafa Bahri ، من كتاب

    فيض الخاطر - الجزء الأول

  • والعالِمُ الرجل من أدى رسالته لقومه من طريق علمه، يحتقر العناء يناله في سبيل حقيقة يكتشفها أو نظرية يبتكرها، ثم هو أمين على الحق لا يفرح بالجديد لجدته، ولا يكره القديم لقدمه، له صبر على الشك، وإغرام بالتفكير، وبطء في الجزم، وصبر على الشدائد، وازدراء بالإعلان عن النفس، وتقديس للحقيقة، صادفت هوى الناس أو أثارت سخطهم، جلبت مالًا أو أوقعت في فقر، يفضل قول الحق وإن أهين على قول الباطل وإن كرم.

    مشاركة من Wafa Bahri ، من كتاب

    فيض الخاطر - الجزء الأول

  • أريد بالرجولة صفة جامعة لكل صفات الشرف، من اعتداد بالنفس واحترام لها، وشعور عميق بأداء الواجب، مهما كلفه من نَصَب، وحماية لها في ذمته من أسرة وأمة ودين، وبذل الجهد في ترقيتها، والدفاع عنها، والاعتزاز بها، وإباء الضيم لنفسه ولها.

    مشاركة من Wafa Bahri ، من كتاب

    فيض الخاطر - الجزء الأول

  • ظاهرة واضحة، وهي أن أجهل الناس أكثرهم ادعاءً للعلم وأعلمهم أكثرهم اعترافًا بالجهل.

    مشاركة من Wafa Bahri ، من كتاب

    فيض الخاطر - الجزء الأول

  • وفرق كبير بين من يُلطَم اللطمة فلا يكون له وسيلة إلا البكاء، وتَذكر اللطمة ثم البكاء،ثم تذكر اللطمة ثم البكاء، وبين من يلطم اللطمة فيستجمع قواه للمكافحة. والحياة كلها لطمات، وأعجز الناس من خارت قواه أمام أول لطمة فهرب. ولو أنصف الناس لقوّموا الناس بمقدار كفاحهم لا بمقدار فشلهم ونجاحهم.

    مشاركة من Wafa Bahri ، من كتاب

    فيض الخاطر - الجزء الأول

  • وممن نكسوا في الخلق هؤلاء الذين جمدت عقولهم فاعتقدوا أن كل شيء كان خيره في الأمس وشره في الغد؛ فخير النحو ما وضعه سيبويه، وخير البلاغة ما قاله الجاحظ، وخير الفلسفة ما قاله ابن سينا وابن رشد والفارابي، وخير عصور الدين ما سبق من العصور، وخير الأخلاق أخلاق آبائنا، وأنه لم يبق في هذا الزمن إلا الحُثَالة من كل علم وأدب ودين وخلق، وأن العالم في ذلك كله سائر إلى التدهور دائما، فأمس خير من اليوم، واليوم خير من الغد؛ فهذه العقلية لا تنفع للحياة وإنما تنفع للصوامع، ولا تنفع للجهاد وإنما تنفع للفناء، ولا تنفع لمن أرادوا أن يتبوءوا مكانًا في الحياة، وإنما تنفع من أرادوا أن يتبوءوا مكانًا في القبور.

    إن النحو الذي ننشده هو في المستقبل لا في الماضي، واللغة التي تصلح لنا وتؤدي مطالبنا في الحياة هي في المستقبل لا في الماضي، والأدب الذي يمثل نزعاتنا حق تمثيل هو في المستقبل لا في الماضي،

    والأخلاق التي تلائم الموقف الاجتماعي الذي نقفه اليوم هي في المستقبل لا في الماضي، وليس لنا من الماضي إلا ما يصلح للمستقبل بعد غربلته وإبعاد ما تعفن منه. إن موقفنا بين الماضي والمستقبل يجب أن يكون كموقف وجهنا فينا، وضعه الطبيعي في الأمام، ولكن الإنسان قد قد يلوي عنقه وينظر إلى الوراء إذا دعت الضرورة، ثم يعود سيرته الأولى من النظر إلى الأمام ويسير لوجهه ويمضي قُدُمًا لشأنه؛ ولن ترى إنسانًا طبيعيًّا لوي عنقه دائمًا، ونظر إلى الخلف دائمًا.

    مشاركة من Wafa Bahri ، من كتاب

    فيض الخاطر - الجزء الأول

  • وليس يشترط في إجادة الكاتب أن يطرق موضوعًا جديدًا لم يسبق إليه، بل كل موضوع صالح لأن يَكْتُب فيه ولو تداولته أقلام الكُتّاب من قبل، فمن مبدإ خلق الإنسان وهو يحب، ومن مبدإ خلق الأدب والحب موضوع للأدب، ومع هذا لم تنفذ مادته، ولا يزال الشعر والنثر والغناء والتصوير تستقى من منابعه، وتكرر أناشيده؛ ولكن لا يُعَد الكاتب في الموضوع المعاد مجيدًا إلا إذا أتى بجديد غاية الأمر أنه لا يشترط جدة الفكر، بل يكفي في ذلك جدة العرض. وأكثر الأدب من هذا القبيل أفكار مألوفة وآراء معروفة؛ ولكن الأديب يستطيع أن يصوغها صياغة جديدة حتى يخيل للقارىء من جودة الصياغة أنها جديدة الفكرة؛ بل إن الكاتب إذا كثرت آراؤه الجديدة خرج عن أن يعد أديبًا شعبيًّا أو أديب أمة، وصار أديبًا للخاصة لا يقوّم إلا في أوساط قليلة.

    مشاركة من Wafa Bahri ، من كتاب

    فيض الخاطر - الجزء الأول

  • ذلك لأن الأدب إنما يعد صالحًا للأمة إذا كان مظهرًا تامًّا شاملًا صادقًا لحياتها الاجتماعية على اختلاف أشكالها، في جدها وهزلها، في صِبا أفرادها وكهولتهم وشيخوختهم، في آلامهم وآمالهم، في حياتهم اليومية، في البيت والمصنع ودور اللهو والتمثيل، في حياتهم السياسية وحياتهم الاقتصادية؛ فإذا استطاع أدب الأمة أم يملأ كل هذا الفراغ عُد أدبًا صالحًا كافيًا، وإلا لم يكف وحده.

    مشاركة من Wafa Bahri ، من كتاب

    فيض الخاطر - الجزء الأول

  • لقد رجحت في المدنية الحديثة كفة المادية، فيجب أن نضع في الكفة الخفيفة روحانية كثيرة حتى تتوازن؛ ولكن ما هذه الروحانية التي نريد وضعها؟ هي أن يخفق القلب بحب الإنسانية كلها؛ فليس هناك أمة مستعمِرة وأمة مستعمَرة، وليس هناك أسود وأبيض، وليس هناك أصحاب رءوس أموال يتخذون الملايين خَدَمًا وعبيدًا.

    هي أن يتجه من بيدهم زمام الأمور إلى الخير العام لا الخير الخاص.

    هي أن تلغى الحدود الجغرافية، والحدود الجنسية، والحدود الوطنية، والحدود المالية ونحوها من حدود، ثم يكون المبدأ العام «الإنسان أخو الإنسان يكد ويعمل لخيره».

    هي أن يكون مبدأ الإنسانية دينًا يُبَشر به ويعمل من أجله، وتحور مناهج التعليم وقواعد الأخلاق على حسبه.

    مشاركة من Wafa Bahri ، من كتاب

    فيض الخاطر - الجزء الأول

  • لقد كانت الأسرة هي الوحدة، ثم كانت القبيلة، ثم كانت المدينة، ثم كانت أهلَ الدين الواحد، ثم كانت في المدنية الحديثة الأمة؛ ولكن في كل ذلك شقاء، ولا يمكن أن يسعد العالم حتى تأتي مدنية تجعل الإنسانية كلها هي الوحدة، وهي الغاية، وهي المثل الأعلى.

    مشاركة من Wafa Bahri ، من كتاب

    فيض الخاطر - الجزء الأول

  • ثم تعال إلى الحياة الاجتماعية، ألست ترى معي أن خير الأمم من تألم للشر يصيبه، والضر يلحق به؟ وهل تحاول أمة أن تصلح ما بها إلا إذا بدأت فأحست بالألم؟ أوليس من علامة تماثل المريض للشفاء أن يحس بالألم بعد الغيبوبة؟ ثم من هو المصلح: أليس أكثر قومه ألمًا مما هم فيه؟ أوليس هو أبعدهم نظرًا وأصدقهم حسًّا! دعته رؤية ما لم يروا، وإحساسه ما لم يحسوا، أن يكون أعمق منهم ألمًا وأشد منهم سخطًا، فلم يسعه إلا أن يجهر بالإصلاح، وأن يتحمل عن رضى ما يصيبه من ألم؛ لأن ألم نفسه مما يرى بهم، أكبر من أي ألم يناله منهم؟ — وما الوطنية؟ أليست شعورًا بألم يتطلب العمل؟

    مشاركة من Wafa Bahri ، من كتاب

    فيض الخاطر - الجزء الأول