اقتباسات من رواية نيورا

لم يكن ينبغي أن تتدخل الرحمة أو الآدمية في أمر مثل هذا، إنها قضية وجودية، مستقبلنا ومستقبل الحياة الواعية على الكوكب كله تتوقف عليها…‏

‫ ‏إما نحن… أو هم!‏

لا دخل للمشاعر أو الأخلاقيات في الأمر، هذا ما درسناه بحيادية تامة في علوم الأحياء والتطور.‏

‏لا زلت أذكر كلماتها حين أخبرتني أن العلم ابن الخيال، وأن الخيال هو غذاء عقول البشر!‏

ألم تفهم بعد، حرر عقلك من هذه الكذبة يا نور، لقد عرضوا لكم مقطعًا مزورًا مثل كل ما يعرضونه لكم طوال الوقت، أنهم يصنعون لكم وعيًا زائفًا عن البشر خارج أسوار المستعمرة لترسيخ كراهيتكم لهم، واعتبارهم جنسًا أدنى، همج متوحشون، بدائيون منتكسي الإدراك، وآكلي لحوم البشر، فصيلة ينبغي ألا تمتلك الحق في الحياة، لا، لسنا همجيين يا نور، إنه أنا من علمك الفن والأدب والفلسفة والتاريخ، أنا من أهداك المعرفة، أنا من انتشلك من غياهب الجهل، أنا من منحك الوعي، هل أبدو لك كهمجية متوحشة تأكل لحوم البشر!

الصحوة تبدأ بتمرد عقل على ما لُقن به طوال عمره دون تفكير،

نحن… نحن البشر يا نور، أو ما تبقى منا خارج سلطة الكيان وقوانينه ومحظوراته، نحن المقاومة، نحن الأمل، والخلاص للبشرية من الظلم والقهر والاحتلال، من هذا الكيان الغاصب الذي أوهمكم بأنكم أرقى من البشر وتملكون حق تقرير مصائرهم، في هذه المستعمرة التي ولدت بها وعشت فيها، الأرض التي زرعوا في عقولكم أنها بلا شعب، وأنكم تملكونها، وتعمروها وتصنعوا الحضارة عليها، بينما أنتم تشيدون بيوتكم على أطلال بيوتنا وأجساد قتلانا، ورفات شعبنا‏.

وتعريف الديمقراطية -وفقًا للدستور- هو اتباع أوامر الكيان دون محاولة التفكير أو طرح الأسئلة!‏

كذبوا وصدقوا الكذبة، وآمنوا بها، كان هؤلاء الراحلون الأوائل إلى المريخ بعد خروجهم من الأرض قد تناسلوا عبر أجيال عديدة وأصبحوا شعبًا عاش في تيه لألف سنة، في صحراء الكوكب الأحمر.‏

‫ ‏عادوا وهم يظنون أنهم شعب مختار، وجنس أرقى من البشر!‏

ومنذ ذلك اليوم، أصبح الكيان هو السلطة المطلقة على الأرض الجديدة، يسن التشريعات، ويطبق القانون، يمتلك جيش قوي، وسلطة تنفيذية مُحكمة، وأنظمة إدارة متقدمة.‏

‏لهذا لا أحب المجهول…‏

‫ ‏عشت حياتي كلها في كذبة كبيرة، في عالم كنت أظنه مثالي، أكثر رقيًا وتحضرًا، حتى انهار كل شيء، انهار حينما وجدت الصدق في عينيها…‏

‫ ‏والآن… يتضح أن حتى الصدق كان أكذوبة!

(ليس الموت، ولكن الخوف من الموت هو المشكلة؛ إذا كان الموت هو نهاية الوعي، إذن لا شعور بعد الموت، وإذا كان الموت هو نهاية الإحساس، إذن لا ألم بعد الموت!)‏

نحن… نحن البشر يا نور، أو ما تبقى منا خارج سلطة الكيان وقوانينه ومحظوراته، نحن المقاومة، نحن الأمل، والخلاص للبشرية من الظلم والقهر والاحتلال، من هذا الكيان الغاصب الذي أوهمكم بأنكم أرقى من البشر وتملكون حق تقرير مصائرهم، في هذه المستعمرة التي ولدت بها وعشت فيها، الأرض التي زرعوا في عقولكم أنها بلا شعب، وأنكم تملكونها، وتعمروها وتصنعوا الحضارة عليها، بينما أنتم تشيدون بيوتكم على أطلال بيوتنا وأجساد قتلانا، ورفات شعبنا‏.

‫ ‏بدأت امتلك قبسًا من حياتي الأولى، أيامي المنسية، نعم… أنا نور، مثلما أخبرتني، أنا الطفل الذي خذلته أمه وقست عليه، ولم يكترث له أبوه، إنا الصبي ذو العشر سنوات الذي كان يشعر بالوحدة بين جنبات العالم الفسيح، أنا الفتى ذو الخمسة عشر عامًا الذي أخبره صديقه عن فتاة حسناء ظل يبحث عنها… ثم ذهب وتركه لوحدته.‏

شيء غريب جدًا أن تنتج بذرة صغيرة لا تكاد ترى في راحة يدي شجرة عملاقة صلبة قوية راسخة، لمجرد أن تم دفنها في الأرض وريها بالماء.‏

‫ ‏كنت أظن أن الدفن للأموات… لم أكن أعلم أن الحياة تولد من رحم الموت!‏

لفت انتباهي أن عُمر الوردة الجميلة من ميلادها وحتى موتها لا يتعدى بضعة أيام، بينما تعيش النبتة التي انبثقت منها لسنوات طويلة… ‏

‫ ‏وكأن اللحظات الجميلة قصيرة عابرة في عمرها المديد!‏

لكنني كنت أشعر على الدوام أن هناك شيء ما مفقود، شيء غامض، يختلج صدري أحيانًا بمشاعر لا أعرف لها تفسيرًا، لا أعرف حتى كيف أصفها، خليط من الحزن والسعادة، الفرح والهمْ، الإقبال والإدبار، غصّة في حلقي وقبضة تعتصر قلبي تراودني كثيرًا ولا أعرف لها سببًا! ‏

الحب هو ذلك المعين الذي منه تُستخرج كل مشاعر البشر الحميدة، الحب يصنع الود، يصنع الألفة، يصنع الرحمة، يصنع العطف، يغذي الأنفس بالرضا، ويسمو بالأرواح نحو السكينة والسعادة، الحب ترياق لآلام البشر، دواء شافٍ للمعاناة والهوان والخذلان، وشراع ومنارة للتائه وسط دروب الحياة…‏

أن الأحلام وإن كانت مشروعة، لم تكن سوى… أحلام!‏

كان الشوق إليه قد تمكن من قلبي… بعد أن امتلكت قلبًا!‏

سيؤلمك هذا، هل تستطيع الاحتمال؟‏

‫ ‏- أي ألم أقوى من الموت؟، أنا ميت حي!‏