اقتباسات من كتاب سلاطين الوجد -دولة الحب الصوفي-

وقال لي: أنت صاحبي، فإن لم تجدني فاطلبني عند أشدهم عليَّ تمردًا، وإذا وجدتني فلا تعصه، وإن لم تجدني؛ فاضربه بالسيف ولا تقتله فأطالبك به، وخلِّ بيني وبينك، ولا تخل بيني وبين الناس،

ولا تقعد في المزبلة؛ فتهر عليك الكلاب، واقعد في القصر المصون، وسد الأبواب، ولا يكون معك غيرك، وإن طلعت الشمس، أو طار طائر؛ فاستر وجهك عنه؛ فإنك إن رأيت غيري عبدته، وإن رآك غيري عبدك، وإذا جئت إليَّ فهات الكل

فقال لي: اهرب، فقلت: إلى أين، فقال: قع في الظلمة، فوقعت في الظلمة فأبصرت نفسي، فقال لي: لا تبصر غيرك أبدًا ولا تخرج من الظلمة أبدًا فإذا أخرجتك منها أريتك نفسي فرأيتني وإذا رأيتني فأنت أبعد الأبعدين.

وقال لي: إذا عرفت مَن تسمع منه عرفت ما تسمع.

وقال لي: كذب اللسان أن يقول ما لم يقل وأن يقول ولا يفعل، وكذب القلب أن يعقد فلا يفعل.

أوقفني في الرفق، وقال لي: حسن الظن طريق من طرق اليقين.

وقال لي: إذا خرجت عن الحرف، خرجت عن الأسماء، وإذا خرجت عن الأسماء خرجت عن المسميات، وإذا خرجت عن المسميات خرجت عن كل ما بدا، وإذا خرجت عن كل ما بدا، قلت فسمعت، ودعوت فأُجبت.

وحين كتب النفَّري لم يكُن يبحثُ لنصِّه عن شكلٍ أو جنسٍ أدبيٍّ، هو كتب فقط نفسه بحريةٍ شديدةٍ، وكان متحدًا مع ذاته؛ ولذا جاء نصُّه غريبًا ومُلغِزًا وجديدًا على الذوق العربي وقتذاك وما زال قادرًا على الإدهاش.

يا عبد اجعلني صاحب سرك أكن صاحب علانيتك. يا عبد اجعلني صاحب وحدتك أكن صاحب جمعك. يا عبد اجعلني صاحب خلوتك أكن صاحب ملائك. يا عبد كيف تيأس مني وفي قلبك متحدثي.

وقال لي: من علوم الرُّؤيا أن تشهدَ صمتَ الكل، ومن علوم الحجاب أن تشهد نطق الكل».

بل إنَّ نتاجَ النفَّري مطبُوعٌ في كلِّ البلدان العربية، ومدرُوسٌ في أقسام الفلسفة بالجامعات العربية، ويعتبرُهُ الكثيرون أحدَ أهم الكتب العربية على الإطلاق.

فارجمي الدُّور بنجومكِ واثبتي القطبَ بأصبعك والبسي رهبانية الحقِّ ولا تنتقبي، إنما الحكم لك، وعود البركة بيمينك، فذلك أريد وأنا على ذلك شهيد…

تبني ولا تهدم، تعرف بيتك بعدها، لكنك تحار في الطريق الذي تسلكُ: «إذا جئتني فألقِ العبارةَ وراء ظهركَ، وألقِ المعنى وراءَ العبارة».

الصَّعبِ أن نضعَ النفَّري في دُرجٍ أدبيٍّ ما، أي هو عصيٌّ على التصنيفِ الأدبيِّ والأكاديميِّ.

‫ إنه نصٌّ شعريٌّ، ونثريٌّ، وفلسفيٌّ في آنٍ.

‫ هو إذن خارجُ المألوفِ والمُعتاد والمُتاح .

«الحرفُ يعجزُ عن أن يخبر عن نفسه، فكيف يخبرُ عني».

حيث أخرج اللغةَ من قفصِها، بإيجازٍ نادرٍ، وتكثيفٍ غير مسبوقٍ، وأنطق ذاته في إشراقِها وتجلِّيها وصمتِها، وكان مُنشغلًا بحاله، وليس بما سيكونُ عليه اسمه في مُدونة التاريخ، وذلك قمة الزُّهد والتخلِّي عن الشواغل، والاستغناء وترك ما سوى الله، وهو ما

فإنَّ الكسلَ العربي الأكاديمي مارس مهامه في التأسِّي والتبعية، وترك للآخر المستشرق أن يقدِّمه لنا، ومثل النفَّري الكثير، وعلى رأسهم الحلاج الذي قدَّمه لنا المستشرق الفرنسي لويس ماسينيون.

إنه محمد بن عبد الجبار النفري، الذي دومًا ما يُوجِّه نظره نحو باطنه ليتأمَّلَ : «ما أنا في شيء، ولا خالطتُ شيئًا، ولا حللتُ في شيءٍ، ولا أنا في شيءٍ، ولا من، ولا عن، ولا كيف، ولا ما لا ينقال،

وفي مصر كتبَ النفري – الذي يُلقَّب بالسكندري أو المصري - بعض أجزاء من كتابه «المواقف والمخاطبات»، وهو من أهل القرن الرابع الهجري، ويصفه رينولد نيكلسون (18 من أغسطس 1868- 27 من أغسطس 1945 ميلادية) بأنه «درويش جوَّاب آفاق، مغامر

وظنِّي – ولعلَّ في الظن بعض الخطأ – أن النفري قد يكون خشي تسجيل فيوضاته وإشراقاته وتجلياته وشطحاته، كي لا يُقتل مثل الحلاج الذي قُتِل في مدينة بغداد سنة 309 هجرية، أي قبل خمس وأربعين سنة من وفاة النفري،