وبابتسام: -أصل المقدس كرم قلبه زي اللبن الحليب، وكل الناس عنده كويسة...
لم تقل الست ماري كلمة (المقدس) هذه جزافًا، فزوجها ذهب إلى فلسطين فعلًا وهو صغير، زارها صحبة أبيه أوائل الأربعينيات، وكان عمره وقتهل عشر سنوات، وحج وصلى وتبرك بقير السيد المسيح، وأحيانًا وحسبما سمعت منه في دردشات سابقة كانوا ينادونه بهذا اللقب في الأوساط اللصيقة بهم، على أية حال ليس هذا موضوعنا والحمد لله أني لم أخاطبه ولا مرة بلقب الحاج مثلما....
بورسعيد 68 > اقتباسات من رواية بورسعيد 68
اقتباسات من رواية بورسعيد 68
اقتباسات ومقتطفات من رواية بورسعيد 68 أضافها القرّاء على أبجد. استمتع بقراءتها أو أضف اقتباسك المفضّل من الرواية.
بورسعيد 68
اقتباسات
-
مشاركة من عبدالسميع شاهين
-
لا أظن أني سوف أنسى عم خلف بالذات..
قلبي يومها بكى بالدموع، فلم أرَ الموت من قبل مجرمًا على هذا النحو، يفتري على إنسان بهذه الصورة! لا رحم الوجه ولا الصدر ولا الظهر أو عفا عن طرف من الأطراف..
دكانه دكان صغير بأول شارع الحميدي، أربعة أمتار في أربعة مثلها، وعلى الرغم من ضآلته وضآلة عم خلف ذاته في عالم التجارة وإلى ما يقارب الصفر إلا أنه كان صاحب رسالة، كان متخصصًا في الأحذية الشعبية، أحذية شركة(باتا) حبيبة الغلابة،صبيان وبنات في أيدي أمهاتهم لا يكفون عن التردد عليه خاصة على هلة المدارس، وعمال وموظفون وأصحاب حرف بسيطة وكل من هو من أهل الهامش، فالسعر عنده هو السعر الذي يتحملونه، يرضى بالقليل وتسعده البسمة التي تعلو الوجوه عندما تعرف أنها ابتاعت بسعر أقل من السعر الذي حددته الشركة المنتجة، ولو بثلاثة أو أربعة قروش، فالقرش.......
حملناه يومها وامرأته تولول وتشق هدومها..
مشاركة من عبدالسميع شاهين -
وإن كان هذا المسمى(مقهى) أو (قهوة) حسبما يقول العامة لم يكن دارجًا ببورسعيد في الزمن الذي أتحدث عنه، كانوا يستعيضون عنه بكلمة بورصة فيقال بورصة السلكاوي أو الفلاح أو غير ذلك من الأسماء، وهذه الكلمة مستعارة من الكلمة الفرنسية (Bource) ؛ أي السوق الذي يلتقي فيه البائعون والمشترون لإجراء الصفقات، فالمقاهي في أول نشأتها ببورسعيد لم تكن مجرد أماكن للتسلية وتضييع الوقت وتناول المشروبات، بل وقبل ذلك محل للتعاملات التجارية حيث كان يرتادها كبار البمبوطية والعاملون بالوكالات أو تجار نصف الجملة، ومن يأتون من دمياط والمنزلة والبلاد المجاورة بغرض التجارة، وتدور بينهم المساومات.والتفاهمات وعقد الصفقات.
مشاركة من عبدالسميع شاهين -
وعينت بقسم شرطة العرب..
ومن اللحظة الأولى جذب بصري مبناه، له شكل وطعم ورائحة المباني التي أحبها، المباني القديمة ذات الوسع والبراح والأسقف العالية..
من أيام الخديو عباس حلمي الثاني وهو على هذه الهيئة، لا أضافوا له حجراً ولابدلوا فيه نافذة وبوابته مفتوحة لم تغلق إلى الآن، لا ليل ولانهار، والحركة فيه لا تهدأ لاهو ولافوق الطوار المقابل له والذي تحتله ثلة من العرضحالجية
مشاركة من عبدالسميع شاهين -
أبواب الكلية وكالعادة مغلقة علينا والتوتر يسود،لاحظناه على وجوه ضباطنا، شئ يجري في الخارج.. شئ كبير.. وعندما وقفنا في طابور تحية العلم أذاعوا الخبر، لم يستطيعوا السيطرة علينا بعدها، انقلب الطابور إلى ساحة هوس وجنون، وتقافز في الهواء ومنا من فقد صوابه، مزق السترة التي يرتديها أو أطاح بغطاء الرأس في الهواء، ومنا من ضحك ودمعت عيناه في نفس اللحظة، كانت قلوبنا زعلانة خزيانة وما صدقنا أن فرحنا..
مشاركة من عبدالسميع شاهين -
وما المُحصِّلة..؟
من طول عشرتك للموت ولكُلِّ خَضَّةٍ من خضاته تغدو إنسانًا آخر غير الإنسان الذي يعيش فيك وخلاياه هي خلاياك..
إنسان هو هو الطول والعرض ونبرة الصوت وكل ما يرى منك ويسمع، الجوهر، القلب، النَّفْس، أو سمِّه بالاسم الذي تراه، فذلك الشيء أو تلك النطفة التي بداخل الداخل وشفراتها ليست طَوْعَ أمرك هي التي تتبدل وتأتي بما يخالف نواميس الحياة، ولا تعودُ تنظرُ للموت بمنظار الرجل المعتاد، تستخفُّ به، فكلما بغى عليك قلَّ في قلبك الخوف وتجرَّأت عليه أنت الآخر، وليس في الأمر معادلة بقدر ما أن هذه هي الَنفْس: كلما انكشف الشيء المغلق عليها قلَّت مهابته، فإذا عاشرتَ الشديدَ المؤذي الذي يقتلُ ببساطةٍ كبساطةِ عَقْدِك لرباط حذائك أو لخطوةٍ تخطوها وأنت تسير، وإذا رآك ورأيته طوال الوقت.. وإذا.. وإذا.. جرده الاعتياد في عينيك من صفاته التي يخشاها غيرك، وأصبحت تستهين، وقد تنتابُك بعض الجسارة..
مشاركة من إبراهيم عادل -
فكل يوم كنت إخالُ نفسي ميتًا هذه الساعة هذه الدقيقة أو اللحظة التي أنا فيها، ونسمع صافرات الإنذار ووراءها بقليلٍ أزيز الطائرات التي تهاجم، تكون بعيدةً عنَّا، إلا أن الأزيز ذاته كان يرعبنا وخاصةً أول يوم من أيام الحرب وربما الثاني أو الثالث وبعد ذلك تعوَّدنا، وكانت أقدامنا تندفع بأقصى سرعة وفي كل الاتجاهات، وربما نجري على رصيف أحد الشوارع ولمسافة ثم نتلفت حولنا ونرتدُّ عائدين إلى المكان الذي كنا فيه، كنا مُشتَّتين، خائفين، والعقل كما لو أنه شُلَّ شللًا خفيفًا أو في أدنى الحدود في حالة ارتباك..
والعيون مُستنفَرة، تتلفَّت وتحسب وتقيس بل وتجمع وتطرح وتضرب وتقسم، تُجري عملياتٍ حسابيةً من ثلاث أو أربع خطوات على الأقل وتحذر أصحابها من مَوَاطِن الخطر، ونشتمُّ رائحة بارود فنحسب أنها آتية من بناية أمامنا أو خلفنا أو في الشارع المجاور، وبأقدامنا المتعبة نطير بعيدًا عن مصدر هذه الرائحة، ثم يتبين لنا فيما بعد أنها كانت بعيدة، هناك على أطراف بورسعيد، عند كوبري الرِّسْوَة أو عند الجبَّانة أو ناحية زرائب القابوطي، الأنف هو الذي اُستُفزَّ لحظتها وأتى بأضعاف ما له من قدرة، صار كأنوف الدِّبَبة التي تلتقط الروائح من بُعْد أميال، أو الأصح أنه لم تكن هناك رائحة بارود من الأساس ونحن الذين توهَّمنا ذلك، ففي هذه اللحظات الصعبة لا مقاييس صحيحة ولا متزنة وقرون استشعار الخطر التي فينا تغذينا بما نتوقعه لا بما ندركه بالفعل، فلا خلايا عاقلة وراءها تُنقِّي وتُفلتِر، الخلايا إما مُجهدَة أو مرفوعة مؤقتًا من الخدمة.
مشاركة من إبراهيم عادل -
فرغت بورسعيد كما تفرغ قارورة العطر من محتواها الذي يعطيها القيمة..
وكان غريبًا على السمع والبصر وباقي الحواسِّ أن تتوقف الحياة بهذا الشكل، أو في أدنى الحدود تخفُت الحركة ومعها الوَنسِ والاطمئنان والأُلْفة، فلم يَعُد باقيًا في البلدة بطولها وعرضها وسمائها وبحرها سوى القليل من الناس، وعدةُ مَحالَّ ومقاهٍ ودكاكين..
الخبر الطيب بالنسبة لي أن الچيانولا ومعها قهوة الفلاح استمرتا ولم ترحلا مع الذين رحلوا، ومعهما سينما (مصر) بحي العرب وسينما (ماچيستك) بحي الإفرنج، وأذكر أنهم كانوا يعرضون فيلم (أبي فوق الشجرة) هذه الأيام، يحاولون التخفيف عن الذين تبقَّوْا وإفهامهم أن الحياة ما زالت تسير، وقد ذهبت أنا وجلال بك قائد شرطة النجدة لمشاهدة هذا الفيلم، كُنَّا نحن الاثنان فقط ومعنا سبعة أو ثمانية أشخاص فقط، يجلسون في أماكن متفرقة بصالة السينما التي تتسع لقرابة الألف.. لم نكمل الفيلم، انصرفنا بعد قليلٍ من بدايته، انتابنا الضَّجَرُ من هذا السكون فلا سعلة ولا عطسة ولا ضحكة ولا أي تعليق وهُسّ في هُسّ، فيبدو أن الائتناس بالناس في هذه الدُّور أحد عناصر المتعة.
مشاركة من إبراهيم عادل -
تلوح لي هذه الأماكن بين الحين والحين وصورة طِبْق الأصل مما كانت عليه وقتها، كما لو أن بالرأس أجهزة تصوير بالغة الدقة وبأيادٍ متمرسة..
تلوح وتبتسم وتشير وتغازل، وأنا في حالة من الاستسلام والنشوة كما لو أنها الساحر وأنا المسحور..
فليست الألفة - وإن كنت قد قلتُ هذا قبل قليل - هي التي حبَّبتني في هذه الأماكن، ولا الأمر مجرد دفقة نشوة تنتابني الآن. لا هذا ولا ذاك..
فبكل أسف أخطأت في التعبير، فالألفة بضعة حروف لا تفي ولا تصيب، ودفقة العاطفة أشبه بفورة زجاجة المياه الغازية عندما يُنزع غطاؤها وسرعان ما تتلاشى، الأمر فوق ذلك بكثير وعصيُّ على أن يأتي في كلمة أو يحتويه تعبير، فعندما نتذكَّرُ ما هو غالٍ علينا، عزيز رحل، موطنًا كان يومًا مرتعًا للصِّبَا أو أول الشباب، زمن راح وراحت معه أعذب السنين..
عندما نتذكر..
لا يعمل الخيال وحده أو تشتعل فينا حاسَّة دون الباقيات، تتحرك أغلب الحواس، فليست أطياف عوالمنا القديمة هي وحدها التي تلوح، الروائح أيضًا تلوح وتداعب الأنوف: قطرات مطر ربما سقطت في موقف أو لحظة محملة بروائح غبار أو أوراق شجر صادفتها، أو رائحة عطر أو جسد في موقف مختلف، أو لفحة بارود ملأت السماء من جرَّاءِ دَوِيٍّ وانفجارات حرب الاستنزاف التي شغلتنا في هذا الوقت الصعب..
كذلك الأصوات التي سمعناها من سنين تتلقاها الأذن، وكما لو أن أصحابها معنا الآن ويتحدثون، والنظرة والالتفاتة والضحكة والعبوس، واللمسة بطراوتها أو خشونتها، بل وكأنَّ قدمَيَّ تتجولان في دنيا فاتت وتعيش اللحظة التي عاشتها من قبل.
فالأمر لا هو ألفة ولا دفقة شجن واشتياق، كل هذا كلامٌ في العموم، فعلى قدر ما تتغشَّانا اللحظة وعلى قدر سحرها تخفُّ أجسادنا وكأننا على تخوم عالم الروح، وتتلبَّسنا طاقةٌ من طاقاته بسحرٍ يحيطنا من كل اتجاه..
سحر من عالم غير عالمنا، لا نفهم شيئًا من أسراره ولا حتى السر الذي فينا ويجعلنا قادرين على الاندماج فيه، سحر نعيش فيه مع الموتى، أماكن كانت أم أَنَاسًا، وكأننا نراهم ويروننا نكلمهم ويكلموننا، ونخوض بأقدامنا لا في أماكن بعيدة بل وفي أزمان بعيدة، ونلبث في هذه النشوة دقائق أو أكثر أو أقل نعود بعدها بشرًا محدودي الإمكانات..
مشاركة من إبراهيم عادل
السابق | 1 | التالي |