فرغت بورسعيد كما تفرغ قارورة العطر من محتواها الذي يعطيها القيمة..
وكان غريبًا على السمع والبصر وباقي الحواسِّ أن تتوقف الحياة بهذا الشكل، أو في أدنى الحدود تخفُت الحركة ومعها الوَنسِ والاطمئنان والأُلْفة، فلم يَعُد باقيًا في البلدة بطولها وعرضها وسمائها وبحرها سوى القليل من الناس، وعدةُ مَحالَّ ومقاهٍ ودكاكين..
الخبر الطيب بالنسبة لي أن الچيانولا ومعها قهوة الفلاح استمرتا ولم ترحلا مع الذين رحلوا، ومعهما سينما (مصر) بحي العرب وسينما (ماچيستك) بحي الإفرنج، وأذكر أنهم كانوا يعرضون فيلم (أبي فوق الشجرة) هذه الأيام، يحاولون التخفيف عن الذين تبقَّوْا وإفهامهم أن الحياة ما زالت تسير، وقد ذهبت أنا وجلال بك قائد شرطة النجدة لمشاهدة هذا الفيلم، كُنَّا نحن الاثنان فقط ومعنا سبعة أو ثمانية أشخاص فقط، يجلسون في أماكن متفرقة بصالة السينما التي تتسع لقرابة الألف.. لم نكمل الفيلم، انصرفنا بعد قليلٍ من بدايته، انتابنا الضَّجَرُ من هذا السكون فلا سعلة ولا عطسة ولا ضحكة ولا أي تعليق وهُسّ في هُسّ، فيبدو أن الائتناس بالناس في هذه الدُّور أحد عناصر المتعة.
بورسعيد 68 > اقتباسات من رواية بورسعيد 68 > اقتباس
مشاركة من إبراهيم عادل
، من كتاب