اقتباسات إبراهيم الكوني

عَنْعَنَة ‫ عن أندريه موروا، عن ألبير كامو، عن إدغارد آلان بو، قال: «للسعادة أربعة أركان، أوّلها: الحياة في الطبيعة ثانيها: أن تكون محبوباً ثالثها: التخلّي عن النوايا الأنانية رابعها: الإبداع»! ‫ التعليق: حياة الطبيعة فردوسٌ حقّاً، ولكنها رهينة التضحية بالمجتمع. والمجازفة الحقيقية أن تكون محبوباً من أناسٍ يدينون بدين مجتمعٍ يناصب الخارج عنه العداء. أمّا التخلّي عن النوايا الأنانية فيتطلّب التحلّي بحسن النية إزاء دسائس مجتمع يناصب الخوارج صنوف العداء وهو قصاصٌ مجّاني وطبيعي أن تكون هذه البطولات شرطاً لإنجاز ما أسماه المحفل بـ «الإبداع» وهو ما تعني ترجمته بوصيّة مبتسرة هي: «عِش دنياك شاهداً!»، أو بعبارة أكثر صرامة: «عِشْ ناسكاً!»

🌿

#معزوفة_الأوتار_المزمومة

#إبراهيم_الكوني

ورفع صوته بأغاني طائر المجهول. انقطعت كل الأنفاس. أنفاس الصحراء وأنفاس الناس. ازداد السكون كثافة وتضاعف تدفق الضوء من القمر. تأجّج الحنين وطار العشّاق ليعيشوا في الأسطورة.‏

⁠‫‏انسلَّ المرض من بدن المريضة وشعرت بأنها ملاك سماوي.‏

فيغنّي. يقتحم على الجنيّات خلوتهن في الكهوف. يراقص الحوريات في الفردوس. ينير ظلمات الليل. يبعث الحياة في نقوش الأولين على الحجر ويعيد الصحراء من رحلتها في العدم.‏

سألته في ظلمات الخباء عندما هجعت للنوم: «مَنْ عَلَّمك الغناء؟ مَنْ أعطاك صوت السماوات؟». ابتسم في الظلمة وتظاهر بأنه نائم.‏ السرّ ليس في تعدد الآلات والأصوات والألحان في أغانيه وإنما في فجيعة خفيّة ترفعه في السماوات وتعيده إلى الماضي والأساطير.

إذا عجز أهل الصحراء عن إيجاد المدخل المناسب للحديث استنجدوا بالطقس.

البعد دوماً فردوسٌ مفقود سواء أكان في الزمان، أم في المكان. والدليل أننا نضطهد الحاضر ولا نعترف في أحلامنا سوى بالماضي، أو بالمستقبل. كما نضطهد الأمكنة التي نسكنها ولا نعترف إلّا بالأمنكة التي هجرناها، أو بالأمكنة التي ننوي الذهاب إليها. ولهذا السبب فإنّ فردوسنا دوماً بُعْدٌ مفقود.

الجود بطبيعته ترويضٌ على التضحية. ترويضٌ للروح على التضحية. خوضٌ لتجربة عسيرة هي التخلّي عن الملكيّة. عسيرة لأنها في حدودها القصوى حريّة. ولهذا الشجرة في وقفتها على قارعة الصراط معلَمٌ يلقّن الحريّة!

نحن لا نعود نعترف بهويّتنا الأرضيّة عندما نمثل في حضرة مثل هذه الأجرام. نحن نغترب عن طبيعتنا كلّما وقفنا في ممالك الأنصاب، لأنّها في وقفتها خطاب. خطاب قيامة. خطابٌ نحقّق فيه ميلادنا الثاني بما هو خطابٌ قيّامي. تترجم الأنصاب بيان قيّامة حتى لو كانت أنصاب حجارة، فكيف إذا سكنت الجرم المنصوب روحَ شجرة؟

لأنّ الغشّ ليس في البضاعة، ولكنّه في الإنسان ‫ - في الإنسان؟ ‫ - أجل، أجل لا يعوّل على شيء صنعته يد الإنسان اسمع منّي الآن واحترس أن تنسى: إيّاك أن تعوّل على شيء كان الإنسان في خلقه سببًا .

ما أقسى الوصية.

قالت:

‫ - نحن نتوجّع في كلّ الأحوال.

إنسان حمل في قلبه همًّا لا بد أن يكون جانًا. صدقتَ. حقّ لمثلك أن ينقلب جانًا.

‫ لم تمسح من عينيها الدّموع. لم تَسْتَحِ من فيض الدّموع، بل ربمّا تباهت بِبَلَلِ العينين، فقال لنفسه إنّها لا بدّ أن تنتمي لسلالة الممسوسين الذين لا يخجلون من أن يبكوا إذا سمعوا لُحُونَ الأشجان.

‫ - ويلٌ لمن لم يجد في قلبِه بيتَه.

‫ - سيكون الحنين بيتي، يا مولايَ، حتّى أجد لنفسي بيت الحنين.

‫ - هيهات.

كان يتساءل عن سرّ الإغفاءة، فلا أحدَ أخبره يومًا بأنّ الهمّ إذا زاد عن الحدّ يمكن أن يكون سببًا لذلك الجِنْس من الإغماء. كما لم تستثر الدُّموع في مقلتيه دهشته أيضًا، لأنّه لم يذكر نفسه إلّا باكيًا.

❞ وعفافها هو ما يجعلها لا تتنازل لتدخل في عراك مع الغربان الذين يهاجمونها عادةً بشراسة، فتناور في الفضاء بأجنحتها لتتحاشى غزواتهم بحكمة مَن يريد أن يلقّن الخلق درساً مفاده أن قبول الأصالة بالدخول في نزاع مع السفالة، هو حطٌّ من قدْر الأصالة، لأن معاملة السفيه كَنِدّ وحده شرفٌ كافٍ كي يعتنقه السفيه كـ غَلَبة! ❝

كأنّ طبيعة هذه الأعجوبة تأبى إلاّ أن تلقّن عالمنا الجشع درساً يقول أن العطاء ليس رهين الوفرة في الملكية، ولكنه رهين ثراء الروح، بدليل أننا نفقد ما ننال، ولكننا ننال ما نهب! وأكثرنا عطاءً هو مَن أعطى ما لا غنى له عنه، والأعظم منه شأناً هو: من استطاع أن يعطي ما لا يملك أصلاً!

فالزهور حقّاً تنبت فينا، عندما نستنبتها، وظلّها هو الذي ينمو خارجنا!

لأن من يكتم أنفاس وردة اليوم، لن يتردّد غداً في كتم أنفاس أخيه، أفلا يكفي هذا دليلاً أن في كليهما تسكن روح تتنفّس؟

ما أحوجنا أن ننصت إلى الماء لا لكي نسمع برطمة تدغدغ الجسد، ولكن لكي نفكّ في الأغنية الطلسم الذي يروي الروح.

ماء النبع يتلو صلاةً تبدو لأهل البهتان ثرثرةً