اقتباسات أحمد أمين

فالدين نعمة على الفرد والمجتمع، هو راحة للنفس؛ لأنه يساير طبيعتها، وهو نعمة على المجتمع الإنساني؛ لأنه يوثق روابطه ويحيي عواطفه ويوجهه نحو الخير، وخير الأديان ما سما بالعاطفة، وأوسع المجال للعقل، وبنيت تعاليمه على خير الفرد وخير الإنسانية.

أكثر المنازعات والخصومات سببها عدم احتكام الخصمين أو أحدهما إلى العقل — سواء في ذلك النزاع بين الزوجين في البيت، أو بينهما وبين الأولاد، أو نزاع الناس في الشارع أو في المجالس، أو نزاعهم أمام المحاكم، أو النزاعات السياسية بين الأحزاب أو بين أعضاء الحزب الواحد — فكل هذه المنازعات — على اختلاف ألوانها — لو حكم فيها الطرفان المتنازعان العقل لارتفعت الخصومة وحل الوفاق محل النزاع والخصام

قد يتنازع الرجل والمرأة في البيت فإذا استفسرت عن سبب النزاع قيل لك أسباب تافهة، ولكن الحقيقة أن وراء هذه الأسباب أسبابًا أخرى هي مركب النقص عند الرجل أو عند المرأة، ولو سألت أي إنسان: هل عنده مركب النقص في كذا؟ لنفى ذلك نفيًا باتًّا.

إن الدين الصحيح يشعر الإنسان بالاتصال بعالم روحي واسع لا يقاس به عالم المادة، فإن كان العلم يحصر الإنسان في المادة وفروعها، فالدين يضم إلى هذه المادة أكبر منها وهو ما ليس بمادة، وبذلك يتسع أفق صاحبه أضعافًا مضاعفة.

لن نصل إلى العظمة الحقيقية، إلا إذا بلغنا الرقي المادي والاقتصادي الذي حققه ستالين في روسيا، وبلغنا الرقي الروحي والخلقي الذي حققه غاندي في الهند.

والناس إزاء هذه العناصر مختلفون اختلافًا كبيرًا فمنهم من غلب عليه عنصر النبات والحيوان فكان شهوانيًّا، ومنهم من غلب عليه عنصر العقل فكان عالمًا أو فيلسوفًا ومنهم من غلب عنصر الدين فكان متصوفًا، ولكن خير حياة رسمها الإسلام هي الحياة التي اعتدلت فيها كل هذه العناصر ولم تفقد واحدًا منها،

إن الشعور بالنقص يوتر الأعصاب فينشأ عنه رد فعل بالتسامي، كالكرة من الكاوتش تضربها في الأرض فتنضغط ثم تعوض ذلك بالارتفاع، فإذا رأيت طفلًا يتظاهر بالقوة أو رجلًا يتبجح، أو عالمًا مغرورًا، فاعلم أن ذلك تعبير عن شعوره العميق بالنقص

وعلاقة الصداقة الطيبة ارتياح الصديق لصديقه، والاطمئنان إليه، وعدّ ساعات الوصال أسعد من الاجتماع بآلاف المعارف، ثم يشعر الصديق بما يشعر به المحبُّ من لذة الوصال وألم الفراق، لا أن يتركه لمجرد المصادفة، يهش حين يراه، ولا يذكره حين يغيب عنه.

ومما يلاحظ أن من أكبر أسباب الألفة وجود النفس المرحة في الصديقين أو أحدهما فذلك يضفي على الصداقة سرورًا وبهجة، ويجعلها كالحديقة الناضرة أو المصباح المضيء.

إذا تمت هذه الصداقة، سهل على الصديق أن يؤثر في صديقه

ولذلك كان التعليم خير إصلاح؛ لأنه يهيئ الأمة لقبول الآراء الجديدة فإذا تعرض الإصلاح لناحية دينية قوبل المنادي به بأقسى معارضة؛ لأن الدين ينشئ عادات وتقاليد يتمسك بها الناس ويظنون أنهم بهذا التمسك يعبدون الله ويؤدون واجبهم، ويظنون أن من أراد تغيير هذه العادات والتقاليد يريد تغيير الدين، وما أشد ذلك على النفوس، وفي التاريخ كثير من الأحداث الدينية والوسائل السياسية اللتين وقفتا عقبة في سبيل الإصلاح والمصلحين؛ و

وإن للأدب مجدًا أكبر من مجد السياسة، بل الأديب الكبير يستطيع أن يكون منارًا عاليًا يهتدي به الوزراء أنفسهم، وللأديب من الخلود ما ليس للوزير، بل إن الأديب تخلده الكتابة المترفعة عن الحزبية ولا تخلده الكتابات السياسية.

كيف يبني الشاب نفسه والآن نتساءل: ماذا يجب أن يكون الشاب، وكيف الوصول إلى ما يجب؟ أول واجب على الشاب أن يبني نفسه، فينظر في مَلَكاته واستعداداته، ويكوِّن منها نفسه على أحسن وضع يمكن أن تكون عليه المواد الأولية، والناس كلهم مختلفون في كمية الملكات والاستعدادات وكيفياتها، ولكن كل كمية وكيفية يمكن أن يصاغ منها إنسان جيد في ناحية من النواحي، له شخصية ممتازة نوع امتياز، وليس يفسد هذا العمل إلا عدم القدرة على البناء، أو عدم الاهتداء لخير الأشكال يجب أن يبني نفسه جسميًّا وعقليًّا وخلقيًّا، فيرسم له مثلًا أعلى محدودًا في كل ناحية من هذه النواحي، ويرسم خطة

ولا شيء يغذي الروح أحسن من الحب بمعناه الواسع، فحب الخير للناس، وحب المناظر الجميلة، وحب كل شيء جميل، وحب إسعاد الناس ما أمكن، كل هذا غذاء.

وكم في الأمة من نفوس ماتت من أساليب القسوة، وفقدت قيمتها، وكانت تكون مفتحة مشرقة، مصدرًا لخير كبير، لو عوملت معاملة حسنة.

إن معيشتك أحيانًا في اللانهاية واللامحدود تبعدك عن الأنانية والقومية، وتوسع أفقك حتى أكثر من الإنسانية.

مما يؤسف له أن الشباب قد كفر بكل شيء: كفر بالدين، وكفر بالدنيا، وكفر بالزعماء، والسبب في كفرهم بالدين أن زعماء الدين شوهوه ولم يمكنهم عرضه عرضًا يوافق عقل الشباب، وكفرهم بزعماء الدنيا يرجع إلى أنهم لم يستطيعوا أن يملأوا عقله وقلبه، وخير الزعماء من ملأهما، إنما ملأوه خداعًا ونفاقًا وكذبًا، وهذه الأشياء كلها قصيرة العمر كما قيل:

ثوب الرياء يشف عما تحته

فإذا ارتديت به فإنك عاري

أليس ظلمًا أن يعد من يميت النفوس ويزهق الأرواح ويخرب البلاد بطلًا، وأن نقدر بطولته كلما أمعن في القتل والسلب والنهب والتخريب، ثم لم نعد بطلًا من أحيى النفوس الميتة بدل أن يميت النفوس الحية، ويغذي العقول بدل إتلافها؟! ما أظلم الناس للناس!

إن العلم الذي لا دين له ينتج القنبلة الذرية؛ لإهلاك الإنسانية، ولكن العلم الذي له دين ينتج اكتشاف قوانين الذرة؛ لخير الإنسانية.

❞ ذابت القدرية والجهمية في غيرهما من المذاهب ولم يعد لهما وجود مستقل، وظهر على أثرهما مذهب المعتزلة، وكثيرًا ما يُسمى المعتزلة بالقدرية؛ لأنهم وافقوا القدرية في قولهم: «إن للإنسان قدرة توجد الفعل بانفرادها واستقلالها دون الله تعالى»، ونفوا أن تكون ❝

❞ الدمشقي»، وأما غيلان الدمشقي فكان يسكن دمشق، وأبوه كان مولى لعثمان بن عفان، قال الأوزاعي: «قدم علينا غيلان القَدَري في خلافة هشام بن عبد الملك، فتكلم غيلان وكان رجلًا مفوَّهًا، ثم أكثر الناس الوقيعة فيه والسعاية بسبب رأيه في القدر، ❝

❞ ذكروا أن من أسبق الناس قولًا بالقدر مَعْبَد الجُهني، وَغَيْلان الدمشقي، أما معبد فقد قال عنه الذهبي في ميزان الاعتدال: «إنه تابعي صدوق، لكنه سن سنة سيئة فكان أول من تكلم في القدر، قتله الحجاج صبرًا لخروجه مع ابن الأشعث» ❝