رغم تتابع دموعها فإن يديها لم تتوقفا عن الحركة، ظلت تضرب في الأثاث دون ذنب منه، كانت تشد السجادة وتضربها بـ (المنفضة) حين خرج الشيطان من ركن الغرفة المظلم، كان يَجُرُّ معطفه الفاحم الملتصق بالسجادة، وفي يده منظار، فُزعت "نور" صارخة حين رأت ملامحه المخيفة المشتعلة، وقرونه المتشعبة التي تخرق قبعته الحمراء، فأشار إليها بيده (ألا تخافي) بينما أغلق سحاب معطفه الطويل اللامع وعدل وضع قبعته، ثم ظهرت خريطة مجسمة تدور في الغرفة، نظر لها مبتسمًا ثم قال: "شوفتي الأماكن الخفية اللي اكتشفتها... شوفتي روعة كل جنة من دول؟" ثم أشار بعصا سوداء طويلة إلى قطعة صحراء جرداء قائلًا: "شوفتي بقى أرضك عاملة إزاي... أنا أقدر أبادلك بجنة من دول... وأنا بقى أستصلح أرضك على مهلي انتي عارفة إني مخلد ولسه عمري طويل وخايف عليكي تضيعي عمرك هدر".
تجمدت "نور" تتأمل دوران الخريطة، فدنا منها الشيطان مبتسمًا بهدوء وتحسَّس وجنتيها برفق، وقَبَّلها على رأسها ثم أمسك بضفيرتيها يسحبها نحو أرض خريطته الملونة. كان يسحبها في هدوء وهو ينحني لها ثم يركع، ويداه تَفْرُك ضفيرتيها الذائبتين، وكأنه يُدَلِّك قرني بقرة مقدسة لتغمره بالبركات!!
المؤلفون > هنا السكري > اقتباسات هنا السكري
اقتباسات هنا السكري
اقتباسات ومقتطفات من مؤلفات هنا السكري .استمتع بقراءتها أو أضف اقتباساتك المفضّلة.
اقتباسات
-
مشاركة من Jamal Ali ، من كتاب
رقصة الثعلب الأبيض
-
سِرت في الشارع مبتهجة، أتأمل الأرواح حولي، حيث وجوه البسطاء، وبراءة الأطفال، وسكينة المسنين من الرجال، وجبروت عجائز النساء، وأولهم جدتي "سمرة" التي لم تحن عليّ يومًا ولم تبتسم لي أو حتى تهتم بمجيئي أو رحيلي، كانت جدتي تقف في منتصف دكّان البقالة الخاص بها كعادتها منذ عهدتها، فاستأذنتها بالدخول إلى قاعة "الفرن" الخارجية التي استأجرتها أمي منها، فأشارت لي بيدها، باخلة عليّ بِرَدٍّ أو حتى بقطعة من الحلوى أو العلكة!!
كانت أمي غارقة في عرقها منحنية بكل قوتها، تسدد اللكمات لكمية هائلة من العجين. ليته يعترف ببراعتها، لكنه كان عنيدًا بعض الشيء، وكان كلما أغاظها عذبته ببعض من المياه المغلية، حتى تخور قواه ويتوقف عن المقاومة مستسلمًا لقبضتها. فأخبرتُها بما أريد، فطلبت مني الانتظار حتى تغسل يديها وتغطي العجين ليتخمّر. وبعدما أعطتني النقود، دخلت إحدى مساعداتها مضطربة:
- أنا خايفة قوي.. إلحقوني.
فرَدَّت أمي بحزم:
- ايه يابِت مالك؟!
- أنا خايفة من الولية "حريصة" أم "الشحات الأعرج"، لتعمل فيّا حاجة.
- وانتي مالك ومالها.. انتي اتعاركتي معاها؟!
- لأ.. أنا نسيت غطيان العجين ع الحبل امبارح.. ولما بعتيلي "نور" بليل عاوزاهم قولت أطلع أجيبهم علشان أبعتهملك، ودي أول مرة أطلع ع السطح ف نص الليل كدة ... لقيت "حريصة" واقفة على سطحهم وهي قالعة هدومها مالط، ورافعة إيديها للسما واللبن نازل عليها طبش!!
- يالهوي.. بتحلب النجوم؟!
- إيوة ... نزلت أجري وأنا بتنفض، خايفة تكون شافتني وتأذيني..
مشاركة من Rayan Nouri ، من كتابرقصة الثعلب الأبيض
-
كان اختبار اليوم التالي هو الأسهل تحريريًا، فلم يكن أدائي جيدًا على الإطلاق في الشفوي؛ وذلك لتشويش زملائي المعتاد، لا سيَّما حينما جاء "مازن" ابن خالتي إلى لمدرسة منتعلًا (نعال الحمام)، فلم يكتفِ بارتداء الملابس المهلهلة يوميًا ولكنه أكمل أناقته اليوم بالخف البلاستيكي الأزرق ليزيد الطين بلة. تجمدت خلف ظلي، حين تلاحقت سهام الإهانات تتكاثف في نواحي كرامتي، تنخر في عظامي، وتنشُر في مفاصلي مخترقةً حبلي الشوكي، حتى فقدتُ الإحساس بملمس أي حرف، أنظر إليهم بلا نطق، والغريب ليس في أنه قد ضاعت قدرتي على تسليط لساني لينالوا منه ما يستحقونه، بل لأني فعلًا كنت مجوفة من الداخل، ولم أجد جوابًا.
كانت خُطبة "أدهم" عن شرف العمل جيدة ومؤثرة، وكذلك إشارته بأن من كانت تتزعم التنمر عليّ هي ابنة لـ (مختلس مسجون)، وأن عليّ ألا أغضب، بل الحمد والثناء على ظروفي التي لم تخدُش شرفنا بأي ظافر. ولكنني صراحة لم أبالِ كثيرًا بما قال ولا بما سيقولون بعد، فقد سقطت اليوم قطعة من روحي في فناء المدرسة، لا أدري ما هي، وبعدها لم أعد أشعر بالألم ولم أعد أُبالي.
مشاركة من هند الصاوي ، من كتابرقصة الثعلب الأبيض
-
فاسدة تلك المشاعر التي تسقط صاحبها في قيعان اليأس وتنفي روحه إلى عالم الذبول. ماكرة تلك العواطف التي تزج بخادمها في سبي الانتظار وتسلم رأسه إلى مقصلة الرجاء بعدما ألهته بمحاولة غبية لبث الروح في أحجار كهف جليدي.
لماذا لأتعلم؟ لماذا لأحذر؟ لماذا لا أتوقف؟ لم ِ َ أضعف؟ لم ِ َ أتراجع؟ لم ِ َ أنحني لأصابع رغبتي؟ لم ِ َ أتبع تقلبات عاطفتي الطفولية المندفعة؟ متى سأسحق ذلك الميول؟ متى سأجمد تلك الهَبّات؟ متى سأتصلب وأتعقل؟ وأنصرف عن العبث بقلبي المسكين ؟!
مشاركة من Hanan Mukhaimer ، من كتابرقصة الثعلب الأبيض
-
دون استجواب كانت الخالة تبرر فعلتها الماضية حين سافرت إلى (ليبيا) هروبًا من ذكريات هدمتها وفتَّتَتْ أمانها مع زوج كان يُهينها ويُدميها في اليوم عشرات المرات حتى اضطرب وعيُها ولم ترَ غير الرحيل سبيلًا، فلجأت إلى (ليبيا) تاركةً أولادها، ولكنها تركت معهم روحها وسافر جسدها وحيدًا. وبين تلك الغربتين تمزقت أوصالها طوال سنوات، وفي الأماني الواهمة كانت تتبدَّد أيامها، وعلى أعتاب الذنبين ضاع عمرها الضال. ثم لفظها الحوت على أرض غريبة مرة ثالثة، وعليها البدء من جديد، لا يرافقها غير شيخوختها وبعض الشفقة من ابن مُعَذَّب.
مشاركة من Professor Amjad ، من كتابرقصة الثعلب الأبيض
-
سِرت في الشارع مبتهجة، أتأمل الأرواح حولي، حيث وجوه البسطاء، وبراءة الأطفال، وسكينة المسنين من الرجال، وجبروت عجائز النساء، وأولهم جدتي "سمرة" التي لم تحن عليّ يومًا ولم تبتسم لي أو حتى تهتم بمجيئي أو رحيلي، كانت جدتي تقف في منتصف دكّان البقالة الخاص بها كعادتها منذ عهدتها، فاستأذنتها بالدخول إلى قاعة "الفرن" الخارجية التي استأجرتها أمي منها، فأشارت لي بيدها، باخلة عليّ بِرَدٍّ أو حتى بقطعة من الحلوى أو العلكة!!
كانت أمي غارقة في عرقها منحنية بكل قوتها، تسدد اللكمات لكمية هائلة من العجين. ليته يعترف ببراعتها، لكنه كان عنيدًا بعض الشيء، وكان كلما أغاظها عذبته ببعض من المياه المغلية، حتى تخور قواه ويتوقف عن المقاومة مستسلمًا لقبضتها. فأخبرتُها بما أريد، فطلبت مني الانتظار حتى تغسل يديها وتغطي العجين ليتخمّر. وبعدما أعطتني النقود، دخلت إحدى مساعداتها مضطربة:
- أنا خايفة قوي.. إلحقوني.
فرَدَّت أمي بحزم:
- ايه يابِت مالك؟!
- أنا خايفة من الولية "حريصة" أم "الشحات الأعرج"، لتعمل فيّا حاجة.
- وانتي مالك ومالها.. انتي اتعاركتي معاها؟!
- لأ.. أنا نسيت غطيان العجين ع الحبل امبارح.. ولما بعتيلي "نور" بليل عاوزاهم قولت أطلع أجيبهم علشان أبعتهملك، ودي أول مرة أطلع ع السطح ف نص الليل كدة ... لقيت "حريصة" واقفة على سطحهم وهي قالعة هدومها مالط، ورافعة إيديها للسما واللبن نازل عليها طبش!!
- يالهوي.. بتحلب النجوم؟!
- إيوة ... نزلت أجري وأنا بتنفض، خايفة تكون شافتني وتأذيني..
مشاركة من Noura Saeed ، من كتابرقصة الثعلب الأبيض
-
لم يكن " وائل" وحده من يفضل أن يكون صارمًا معنا، فرغم هدوء وتعقل "حمزة" فإنه كان يقسو على الجميع كثيرًا، وأعتقد أنه كان يقسو على نفسه أكثر، فكان ينفق أغلب وقته كادحًا في العمل مقابل ساعات محدودة من الراحة، يحاسب نفسه طوال الوقت، لا ينقطع دقيقة عن التفكير، وأحيانًا كان يَصْعُب علينا فض الشجارات التي تشتعل بينه وبين ذاته، يَزِنُ كل خطوة ويسير بأقصى ما تمكنه أدواته الفقيرة، يثور على كل من يعارض قوالبه المقدسة، لا سيَّما إن كانت معاكسة من إحدى تلميذاته أو غزلًا من إحدى جاراته. إلا في ذلك اليوم، حين توقفت صاحبة العباءة الزرقاء تتأوّه معترضةً طريقه، ثم أسقطت (المِشَنَّة) عن رأسها واستنجدت به ليساعدها بعدما انثنت قدمُها من تحتها، نظر "حمزة" من حوله فلم يجد في الشارع غيره، وحين همَّ يطرق أي باب من حوله سبقته تطرق على نوافذ شبابه بتمايل يَرِن كنحاس التهب وسال مصهورُه من عينيها دون خجل. فمال يحملها بين ذراعيه مقتحمًا دارها، فخرجتُ من مخبئي خلف عمود النور وتسللت نحو الباب الذي تعمّد "حمزة" تركه مواربًا. سمعت المرأة تطلب منه ألا يتركها بمفردها في هذه الحالة، وكلما كنت أسمع خطواته تقترب ناحية الباب كانت تصرخ عليه ليساعدها في ربط قدمها، وحين يهِمّ بالخروج تصرخ مرة ثانية ليشد لها على الرباط، حتى هدأ المكان من أي صوت. وبجرأة أكبر أقحمت رأسي بين شفتي الباب فلم أرَ غير تمدد العباءة الزرقاء على آثار حذائه الطينية بين عيدان القش.👌
مشاركة من Ahmed Ezzeldin ، من كتابرقصة الثعلب الأبيض
-
سكنت "نور" تتابع إزاحة الظلام لأعمدة الإنارة من الطريق الشائك، وبداخلها صخب متشظٍ يتأرجح بين سبيلين، إما أن تتلاحم أجزاؤه لتمسي شبحًا عملاقًا يمتصّ ما بقي فيها من روح! أو تتفرق جزيئاته بين حواسها فيتلذذ بعذاب بطيء.
تحدث صوت جديد بداخلها قائلًا: "مدهش أن يتحمل أحد كل هذا الجنون، ولا زال ممسكًا بزمام انحرافه، صلابة ومرونة أن ينتقل بين ألسنة الخفايا الزلقة دون أن يُبتلع، ولكن ليس من الحكمة أو السلامة مطاردة ذكريات غابرة مهما كان الدافع، وحتى إن كانت ذكريات إيجابية سعيدة، فقبائل الذكرى لها أصول وتقاليد أهمها أنه بين كل خيمها عُقد غاية في الشدة والنفوذ، نُقعت في آبار من الغراء لملايين الساعات، فجمدت وقويت روابطها وانتشرت بينها العدوى فأصبحت كتلة عملاقة متلاصق في كل منها بقايا الأخرى، ومن الصعب أن يزيل هذه البقايا الخفية أعتى المحللين (النفسيين)". ♥️
مشاركة من Tariq Alanani ، من كتابرقصة الثعلب الأبيض
-
أتساءل حيرة ً... كم هي مُتَشَعِّبة نواحي وضواحي المشاعر، وكم تتشابه أجناسها وتفرعاتها مع اختلافات طفيفة، رغم بساطة كل اختلاف فإنه يأخذك في عالم بعيد بآلام مختلفة ومعاناة متنوعة وصعوبة مغايرة في وصفه أو التعبير عنه، في كل مرة يفاجئنا بهجوم مختلف من خفاء مختلف بكيفية مختلفة، ساخرًا من قدرتنا على الترصد أو التوقع، مُنْبِئًا بتبَجُّحٍ أنه مهما تجهّزْنا وأعددنا لغاراته فسيفاجئنا بمكان جديد يجُرُّنا خلفه في دائرة تنتهي بنهاية العمر !
مشاركة من هنا السكري ، من كتابرقصة الثعلب الأبيض
-
"مدهش أن يتحمل أحد كل هذا الجنون، ولا زال ممسكًا بزمام انحرافه، صلابة ومرونة أن ينتقل بين ألسنة الخفايا الزلقة دون أن يُبتلع، ولكن ليس من الحكمة أو السلامة مطاردة ذكريات غابرة مهما كان الدافع، وحتى إن كانت ذكريات إيجابية سعيدة، فقبائل الذكرى لها أصول وتقاليد أهمها أنه بين كل خيمها عُقد غاية في الشدة والنفوذ، نُقعت في آبار من الغراء لملايين الساعات، فجمدت وقويت روابطها وانتشرت بينها العدوى فأصبحت كتلة عملاقة متلاصق في كل منها بقايا الأخرى، ومن الصعب أن يزيل هذه البقايا الخفية أعتى المحللين (النفسيين)".
مشاركة من هنا السكري ، من كتابرقصة الثعلب الأبيض
-
❤️❤️
مشاركة من maryam afifi ، من كتابرقصة الثعلب الأبيض
السابق | 1 | التالي |