لم يكن " وائل" وحده من يفضل أن يكون صارمًا معنا، فرغم هدوء وتعقل "حمزة" فإنه كان يقسو على الجميع كثيرًا، وأعتقد أنه كان يقسو على نفسه أكثر، فكان ينفق أغلب وقته كادحًا في العمل مقابل ساعات محدودة من الراحة، يحاسب نفسه طوال الوقت، لا ينقطع دقيقة عن التفكير، وأحيانًا كان يَصْعُب علينا فض الشجارات التي تشتعل بينه وبين ذاته، يَزِنُ كل خطوة ويسير بأقصى ما تمكنه أدواته الفقيرة، يثور على كل من يعارض قوالبه المقدسة، لا سيَّما إن كانت معاكسة من إحدى تلميذاته أو غزلًا من إحدى جاراته. إلا في ذلك اليوم، حين توقفت صاحبة العباءة الزرقاء تتأوّه معترضةً طريقه، ثم أسقطت (المِشَنَّة) عن رأسها واستنجدت به ليساعدها بعدما انثنت قدمُها من تحتها، نظر "حمزة" من حوله فلم يجد في الشارع غيره، وحين همَّ يطرق أي باب من حوله سبقته تطرق على نوافذ شبابه بتمايل يَرِن كنحاس التهب وسال مصهورُه من عينيها دون خجل. فمال يحملها بين ذراعيه مقتحمًا دارها، فخرجتُ من مخبئي خلف عمود النور وتسللت نحو الباب الذي تعمّد "حمزة" تركه مواربًا. سمعت المرأة تطلب منه ألا يتركها بمفردها في هذه الحالة، وكلما كنت أسمع خطواته تقترب ناحية الباب كانت تصرخ عليه ليساعدها في ربط قدمها، وحين يهِمّ بالخروج تصرخ مرة ثانية ليشد لها على الرباط، حتى هدأ المكان من أي صوت. وبجرأة أكبر أقحمت رأسي بين شفتي الباب فلم أرَ غير تمدد العباءة الزرقاء على آثار حذائه الطينية بين عيدان القش.👌
مشاركة من Ahmed Ezzeldin
، من كتاب