سِرت في الشارع مبتهجة، أتأمل الأرواح حولي، حيث وجوه البسطاء، وبراءة الأطفال، وسكينة المسنين من الرجال، وجبروت عجائز النساء، وأولهم جدتي "سمرة" التي لم تحن عليّ يومًا ولم تبتسم لي أو حتى تهتم بمجيئي أو رحيلي، كانت جدتي تقف في منتصف دكّان البقالة الخاص بها كعادتها منذ عهدتها، فاستأذنتها بالدخول إلى قاعة "الفرن" الخارجية التي استأجرتها أمي منها، فأشارت لي بيدها، باخلة عليّ بِرَدٍّ أو حتى بقطعة من الحلوى أو العلكة!!
كانت أمي غارقة في عرقها منحنية بكل قوتها، تسدد اللكمات لكمية هائلة من العجين. ليته يعترف ببراعتها، لكنه كان عنيدًا بعض الشيء، وكان كلما أغاظها عذبته ببعض من المياه المغلية، حتى تخور قواه ويتوقف عن المقاومة مستسلمًا لقبضتها. فأخبرتُها بما أريد، فطلبت مني الانتظار حتى تغسل يديها وتغطي العجين ليتخمّر. وبعدما أعطتني النقود، دخلت إحدى مساعداتها مضطربة:
- أنا خايفة قوي.. إلحقوني.
فرَدَّت أمي بحزم:
- ايه يابِت مالك؟!
- أنا خايفة من الولية "حريصة" أم "الشحات الأعرج"، لتعمل فيّا حاجة.
- وانتي مالك ومالها.. انتي اتعاركتي معاها؟!
- لأ.. أنا نسيت غطيان العجين ع الحبل امبارح.. ولما بعتيلي "نور" بليل عاوزاهم قولت أطلع أجيبهم علشان أبعتهملك، ودي أول مرة أطلع ع السطح ف نص الليل كدة ... لقيت "حريصة" واقفة على سطحهم وهي قالعة هدومها مالط، ورافعة إيديها للسما واللبن نازل عليها طبش!!
- يالهوي.. بتحلب النجوم؟!
- إيوة ... نزلت أجري وأنا بتنفض، خايفة تكون شافتني وتأذيني..
مشاركة من Rayan Nouri
، من كتاب