اقتباسات من رواية أقاصيص أقصر من أعمار أبطالها

‫ الوجوهُ الآن ليست بحاجة لعينيْ شخص آخر كي تتجسَّد، ولا صاحب الكاميرا يُمرِّن حدقةً مغلقة؛ حيث لا تولد صورةٌ مكتملةً إلا بغياب نصفها في الواقع.

‫* لماذا يزيد ثمنُ البيوت كلما ابتلعتها النوافذ؟

‫ ـ لأن الحوائطَ تتقلَّص، فلا يبقى مكانٌ لصوَرِ الموتى.

لماذا يوارب الساسةُ الزجاج؟

‫ ـ لأنها الطريقة المثالية للتعامل مع البحر، نصف جسدٍ للنجاة، نصف جسدٍ للغرق.

‫ كلُّ دماء الحاضر تكوَّنت في ألعاب الطفولة، حضَّانات سحيقة، يخرج منها الأجِنَّةُ شائخين.

‫ هذا الكومبارس الصامت، الذي لا يشيخ، كيف تسلل إلى كل الصور والأزمنة، ثم كيف صبغ وجوهنا في يوم واحدٍ بملامحه؟

بعد هذا العمر، ظل واقعُه بلا تفسير، ظلت سيرتهُ الحقيقية عينيه المغمضتين، ما جعله يبحث عن كتب تفسير الواقع، لكن كل الكتب التي قرأها لم تمنحه تفسيرًا واحدًا. لم يعرف ماذا يَعني ظهورُ شجرةٍ مقلوبة في طريقه للعمل، أو نعيق غراب تحت سقف الشقة، أو العثور على جثة شخص في ثلاجته فيما يبحث عن بيضة يسلقها للإفطار.

‫ حتى موته كان بلا سبب: استيقظ في مرة ولم ينَم.

‫ الكفوفُ المدمَّاة على الحوائط والأبواب، لا أحد يستطيع تحديدَ نظائرها الحقيقية. ذهبت الأصولُ وبقيت الصور، تأريخًا لذبائحِ أعياد وعودةِ أُناسٍ من الحج ومجيء أطفال إلى الدنيا وطردِ نحس.

‫ لم تعد الدماءُ طازجة، أصبحت مجرد طلاءٍ، لا شيء يُذكِّر أنه انسكب من روح.

لم أكن أخشى أن أرى، قدر ما كنت أعرف أن عودة عينيَّ ستجعل مني مرئيًّا، فنحن لا نرى إلا ما يرانا، وقد وطنتُ نفسي منذ الطفولة على أن الضرير هو شخصٌ كفَّت عينا العالم عن رؤيته.

كان الفيلمُ غاضبًا، وكان محقًّا في غضبه، ولم تفلح تربيتاتي عليه في التخفيف من ألمه.

‫ دائمًا، هناك رجلٌ عجوز، عجوزٌ لدرجة أن أحدًا لا يُصدِّقُ أنه كان طفلًا يومًا ما، وبلا فم، بعد أن سرقت يدٌ قديمةٌ كلماته للأبد.

‫ لأنك رفضتَ ورفضتَ ورفضت.. ظلَّت الشوارعُ تتَّسع، مدينةً خالية تقطعها ملامحُك.

‫ رفضتَ، حتى غاضت الدماءُ، وظَهر الناس.

‫ صار وجهُك مأهولًا.

‫ الأرضُ حكايةٌ خرافية، تغادرُها فقط كي تُثبِتَ لأطفالك أن كلَّ اكتشافاتِ النضجِ نبوءاتٌ في قصص الساحرات.

‫ الوصول

‫ في هذه الدنيا الجديدة، لابد أن يتقافز الجسد.

‫ ليس حقيقيًّا أنه شرط الجاذبية، السعادةُ إجباريةٌ لمن غادرَ الأرض.

الله لن يتأخر، طالما وطأت قدمٌ بشرية هذه اليابسة.

لو أن الدموعَ كالدعوات، تصعد لأعلى عوضَ أن تنحدر.

الأرضُ كرويةٌ فقط في الكتب المدرسية، لكنها في الحقيقة صحراء لا نهائية مستوية، بالضبط كسطح مكتبك هذا، الذي يطل على حديقة متخيلة.. كلما مددتَ يدَك لقطف وردةٍ فيها، اصطدمتَ بحائط.

ذات يوم، وأنا في شقتي، جرَّبتُ أن أطرقَ الباب من الداخل.

‫ لدهشتي، فتح أحدُهم لي من الخارج، وسألني عمَّن أريد

❞ مكتبُك الآن خالٍ بمقدار كرةٍ أرضية، والأطفالُ في الشارع يقتتلون بعد انتهاء اللعب، يريد كلٌّ منهم أن يعود بالكرة التي بلا صاحب إلى بيته.

⁠‫يهدأ كلُّ شيء، وحين تُطلُّ من النافذة، تراها، تلفُّ وحدها، بين قطيع جثث. ❝

لم أكن أخشى أن أرى، قدر ما كنت أعرف أن عودة عينيَّ ستجعل مني مرئيًّا، فنحن لا نرى إلا ما يرانا، وقد وطنتُ نفسي منذ الطفولة على أن الضرير هو شخصٌ كفَّت عينا العالم عن رؤيته.