سيرة روائية كُتبت بالحواس الخمس
فى روايتها الصادرة حديثًا عن دار العين شاركتنا الكاتبة Hala Foda حديث ذو شجون عن سيرة رجل عظيم عايش الحرب واعترك الحياة وكيف كان له دورًا حثيثًا وبطولي فى النصف الأول من القرن العشرين، غزلت هالة الحكاية بخيوط من الحب والصدق والأمانة، كتبت وليس فى خاطرها النشر أو أن تصبح تلك الكلمات بين دفتّي كتاب بل كانت الوحشة والونس والذكري هي الدوافع التي حركتها وهو ماعبرت عنه فى مُفتتح الرواية فتقول:
"هذا كتابُك، عنك ولك، أكتبُ لأستحضر حلو أيامك وطيب ذكراك.. ربما أتخفف من وطأة غيابك ووحشة أيام ثقيلة لا تكاد تمر بدونك، أكتب لأبوح بما لم أعُد أستطيع كتمانه، لأزيح عن صدري أشباح الماضي الجاثم علي أيامي، لعل الكتابة تخفف مرارة شوقي إليك ولعل عطر سيرتك يُزكي أوقاتي".
تبدأ الرحلة وتتدفق الكلمات حتي لا تستطيع أن تتركها وتعود إليها مرة ثانية فالرواية ذات رائحة نفّاذة ذكية، رائحة الماضي والذكري التي تختلط برائحة الأطعمة الشهية التي تصنعها الجدّة عايدة وتارة أخري تداعب أنف هالة حينما تتفقد الأواني العامرة التي صنعتها مسعدة.
كلمات صُنع بعضها بالبكاء، ستتعرف عليها حتمًا فى بعض أجزاء الرواية والبعض الآخر ستراه في عيون طفلة لامعة ذات بريق حينما تقرأ حوار هالة الطفلة (الأروبة) مع رضا الأب الحنون عن تفاصيل سير المعركة فى نصر أكتوبر المجيد وتشبثها بمعرفة أشياء أكبر من عمرها.
أحسست بحميمية بالغة مع الجدة فهيمة وتمنيت لو قابلتها فتمسح على رأسي وتدعو لي، تفهّمت كيف كان رضا شخصية آسرة ومحبوبة فى عائلته وبين أصدقاءه وجنوده فى أرض الميدان من فهيمة تلك الأم الراضية دومًا بقضاء ربها، وهو ما يُحسب للكاتبة فأبدعت فى وصف الشخصيات وجسدتها فى الرواية فتسللت برفقٍ للقارئ ولمسته دون تكلّف أو عناء.
ترسم لنا الكاتبة لوحة بديعة برغم ما فيها من ألم الفراق والفقد، ليس فقد الأشخاص فقط بل فقد القيمة والدفئ والرقي وتُعرفنا علي الحياة اليومية فى فترة كانت فيها الطبقة المتوسطة المصرية هي قوتنا الناعمة، تؤرخ لمصر وقت الحرب من زاوية عائلة مصرية عايشت الحرب بجبهتيها فالأب علي الجبهة يحمي أرضه ويقدم واجبه الوطني والأم والزوجة والابنة دائمًا فى حالة انتظار وتسبيح ودعاء بأن يعود الأب سالماً وأن ينتصر الوطن.
رضا ذلك الرجل الذي أحببته كقارئ وانحنيت له تبجيلًا واحتراماً، فالإنسان سيرة عندما يُنطق اسمه ننعته بصفاتهِ، ليصبح رضا فى قلوبنا جميعاً وليس فقط فى قلب الابنة والكاتبة، لا أملك سوي أن أدعو لك بالرحمة والمغفرة موصول بعرفان للابنة هالة علي هذا النص البديع عن سيرة رجل عظيم يستحق أن تُخلد سيرته بين دفتّي كتاب.
#فى_قلبي_رضا