عندما يكيون بين يديك عمل ادبي عالي الجودة يشبه في حبكته سجادة عجمية معقودة يدويًا بمهارة استثنائية وبسرد أدبي راقي وناعم ولكنه قوي، مما يوفر نصاً أدبياً فاخرًا يحافظ على توازن الأحداث الدقيقة والمتساوية لظهر جمال عشرات من الألوان التي تتداخل و تمتزج معا ً بطريقة معقدة لتظهر رسوما وصوراً لأشخاصً و أماكن .. هذا ما فعلته هالة فودة في ورايتها الرائعة (في قلبي رضا).

الشخصيات تم تصويرها بحرفية تجعلها تتجسد في القارىء ليشعربعمق الإحساس الداخلي لها. فتجد على سبيل المثال شخصية فهيمة التي تتألق قوتها وتصميمها وحبها الذي لا يتزعزع لأطفالها في كل فصل حيث قامت هالة فودة بعمل استثنائي في تصوير الاضطراب الداخلي لفهيمه والأثر العاطفي لتضحياتها من خلال التصوير الحي لرحلتها المليئة بلحظات من الشك والخوف ووجع القلب، ولكن أيضًا بالأمل والحب والانتصارات الصغيرة التي تسلط الضوء على روحها التي لا تقهر. تلك الروح التي أستطاعت أن تزرعها في نفوس اطفالها، حيث ستجد أن جوهر الرواية العاطفي يتمثل في العلاقة بين فهيمة وأطفالها. يتمتع كل طفل بشخصية مميزة وأحلامه الخاصة، مما يجعل تفاعلاته مع الأم و الأخوه غنية وحقيقية حيث تصور الكاتبة بمهارة تحديات الأمومة وأفراحها، بدءًا من اللحظات الهادئة والعطاء وحتى التضحيات المؤلمة.

لكن في نفس التوقيت وفي سياق موازي تتحول نغمة الرواية بسلاسة وبسرد حريري متقن إلى الشخصية االرئيسية (رضا) والتي تم تطويرها بدقة، من شاب مثالي مفعم بالحماسة الوطنية إلى ضابط بالقوات المسلحة شاءت الأقدار أن يعاصر معارك عسكرية فارقة في تاريخ مصر الحديث ليتصارع مع الحقائق المروعة للحرب والغموض الأخلاقي الذي يواجهه الجنود للسيطرة على صراعاتهم الداخلية مما ينقل القاريء بشكل فعال الطيف العاطفي لتجارب زمن الحرب.

تضيف الشخصيات الداعمة عمقًا للقصة، حيث يمثل كل منها جوانب مختلفة من المجتمع والعصر، يتم تصوير الأسرة والعائلة والأصدقاء جميعًا بفارق بسيط، حيث تلعب هذه الشخصيات، رغم كونها ثانوية، أدوارًا حاسمة في تسليط الضوء على التوقعات المجتمعية الملقاة على كل فرد من أفراد الأسرة

إحدى نقاط قوة الرواية هي قدرتها على الموازنة بين الحقائق القاتمة ولحظات الأمل والمرونة حيث لا يخجل السرد من قسوة الأحداث السياسية، لكنه يبعث برسالة أن البطولة الحقيقية غالبًا ما تتضمن التضحية الشخصية والنزاهة الأخلاقية في مواجهة الشدائد.

في الختام، "في قلبي رضا" هي رواية استثنائية مكتوبة بشكل جميل ومؤثرة بعمق، وتشيد بالحب المتفاني والوطنية والتضحيات، رواية قوية وملهمة سيكون لها صدى لدى القراء لفترة طويلة بعد أن يقلبوا الصفحة الأخيرة.