في قلبي رضا
هالة فودة
العين للنشر والتوزيع
2024
304 صفحة
⭐️⭐️⭐️⭐️
■ السيرة، يا لها من كلمة سحرية تحمل في طيَّاتها العزاء والسلوى، البعض حين يرحل ينقطع ذكره وسيرته فيذهب في طي النسيان، والبعض يظل يُذْكَر لما بعد الممات، أليس ذلك هو الخلود؟ وما أخلد من البقاء حيًّا في القلب والذاكرة؟
عملنا اليوم يعد بمثابة حالة وليس رواية كما هو مصنف وهذا شيء لو تعلمون عظيم فكثير يكتب ولكن أقل القليل من يجعلك تنفصل عما حولك وتعيش أحداث العمل كما لو كنت أحد أبطاله.
اخبرتنا الكاتبة في بداية عملها أن السبب وراء هذه الكتابة البديعة هو البوح بما ارهقها كتمانه عل الحزن ينجلي وتشرق في روحها شمس أفلت بعدما ذهب من كان ينيرها بوجوده والدها القائد الشجاع والدبلوماسي المحنك والأب العطوف والسياسي ذو النظرة النافذة اللواء محمد رضا فودة.
حكت لنا الكاتبة قصة البطل من البداية منذ مولده عام 1935 ل أب وأم مكافحين متحابين اتخذ كل منهما الأخر مركزا لحياته وأمان لها حتى فقدت أمه والده وعادت بهم الى القاهرة لتكون هي الحائط المنيع ضد منغصات الحياة وتقوم بتربيتهم على خير ما يمكن أن يكون.
يكبر البطل ويشعر بالمسؤلية منذ نعومة أظافرة وهو طفل 8 سنوات في عزاء والده وأنه مسؤل عن اخوته كما امه فيكون بار بها وبهم وتتعاظم فيه المسؤلية في سن الشباب لتضاف المسؤلية تجاه وطنه فيقرر هو وصديقيه أن يتنازلوا عن حلمهم بكلية الطب ليقدموا في الحربية لما تقتضيه مصلحة الوطن من جيل واعي ومسؤل ينهض بالامه من براثن الظلم الى بداية الطريق المنير ولعلها أمنية أمه تتحقق إذ اسمته محمد رضا تيمنا بالأمير محمد رضا بهلوي ليصبح ذا شأن مثله.
تبنت الكاتبة خلال الرواية وصف دقيق للأماكن وطريقة المعيشة خلال فترة من أرقى وأصعب ما يكون في ذات الوقت فبالرغم من حالة البلاد التي ستناقشها بإستفاضة إستطاعت التعبير عن رقي العصر بطريقة رائعة بداية من وصف أماكن السهرات وحفلات الست والاشغال اليدوية التي امتازت بها تيته عايده وصنوف المطبخ وجلسات التجمعات الأسرية وأنواع الأقمشة والتسريحات والموديلات وحتى أسماء الحلويات وكل محل مشهور بها لتجد التفاصيل تتسلل رويدا داخلك فتتشبع بها في حالة من النشوة والحنين لزمن تاقت نفسك أن تعاصره.
وكما هو معروف لا جميل يدوم للأبد فكان على الجانب الأخر حروب ومعارك وهزيمة وإستنزاف لنجد البطل ودفعته تخرجوا إضطراريا بعد 3 سنوات لما تواجهه البلاد من أحوال فنجده بعدما تاثر بالثورة عام 1952 انغمس كليا واتجه للجبهة ليقوم بواجبه.
اوضحت الرواية الحالة النفسية للشعب والجيش إبان الهزيمة او النكسة كما سميت فالجيش لم يُهزم بل لم يحارب من الأصل والشعب تفاجأ بخبر الإنسحاب وضياع سيناء والجولان وغيرها من الاراضي بعدما ظل لايام يعتقد بالنصر .
احببت التشريح النفسي في الرواية جدا خلال الأحداث ما بين نكبة وهزيمة مرة للجيش ثم عمليات الاستنزاف التي اكسبتهم ثقة في انفسهم بالإضافة إلى دور الشعب الذي كان يشعر بالثأر وينتظر ان يأخذه وخوفهم على ذويهم من ابناء الجيش ومساندتهم في ذات الوقت ؛ شوق الجنود لاهاليهم واطفالهم ولكن كما يقال المراد عزيز ويستحق التضحية بكل غالٍ كما لم تغفل التحدث عن فترة المراهقة وما يصاحبها من تقلبات نفسية للأطفال وواجب احتواءهم.
أحببت وصف الكاتبة لشعور والدتها وشعورها تجاه الأب وإحساسها بالمسؤلية رغم صغر سنها وأحببت شعورها بالدفء واهمية تواجد الاسرة وأحببت جلد وصبر كل من فهيمة وشوشو وأحببت رحلات الجبهة بعد النصر وثقة كل فرد في الجيش في الاخر واهمية عامل الوقت لديهم وصونهم له وبسالتهم في استرداد ارضهم بأي ثمن.
اكتسبت الكثير من المعلومات عن الحرب وكأن والدي رحمة الله عليه يحكي لي كما اعتاد كما احببت توضيح بعض المصطلحات الخاصه بالجيش وبالطبع احببت الخلفية المعلوماتية التي تم ذكرها عن علاقتنا بكل من اثيوبيا والصومال واخيرا احببت ذكر الاثر الناتج عن معاملة وسياسة كل من جمال عبد الناصر والسادات تجاه كل من الجيش والشعب وتطور ظهور الجماعات الاسلامية في البلاد واثرها بعد ذلك.
شعرت بالفخر تجاه البطل فقد ثابر ودأب على الدراسة مرحلة تلو الاخرى بما تقتضية الظروف والمستجدات التي تحل بالبلاد فكان هدفه الاول والاخير ان يفيد وطنه بكل ما اوتي من قوة وتألمت لما كافأه به أعداء الوطن ومسؤليه في ذات الوقت ولكن من يملك روح مقاتل مثله لا تهزمه الظروف فظل يتميز في كل خطوة يخطوها حتى وافته المنيه.
فكرة اللجوء للكتابة من أجل التعافي رائعة وانجبت لنا قصة ملهمة من حسن حظنا ان وقع الاختيار عليها للقراءة خاصة بما حوته من مذكرات بخط يد البطل هذا بالطبع بالإضافة الى لغة الكاتبة الثرية والتي تتضح في كثير من المواقف مثل "أصقلته التجربة ولم تثقله" وغيرها الكثير من التشبيهات الشاعرية البديعة.
جاء العمل بلغة عربية فصحى سردا وعامية حوارا بلا ابتذال كما تميز بأسلوب بديع ولغة شاعريه وتشبيهات ملهمة في العديد من المواقف حتى فاضت عيناي في اكثر من موضع.
اسم العمل جاء معبر وبليغ فبالرغم مما عايشه البطل من حروب عديدة ما بين مصر واليمن وحتى تعرضه للخطر في اثيوبيا الا ان ما آلمه كان تقلبات الدهر ونوائبه من مرض امه واخته وغيرها من احداث لاصدقاؤه او حتى لحظة تسريحه من العمل وغيرها الكثير.
كما جاء الغلاف معبر واكثر من رائع ينبض بالحياة والأمل والحب والمثابرة.
تحدثت الكاتبة خلال العمل عن انها تود اعلام والدها بثورتها هي الاخرى مع الشعب ضد النظام الذي اعتاد ان يتحايل عليه من اجل مصالحه ولكنها لم تكتب شيء يذكر عن هذه الاحداث فالعمل بالنسبة لي لم يحمل مفهوم الرواية بقدر ما رأيته سيرة ذاتية لشخصية رائعة .
■ مآخذ على العمل:
● تحدثت الكاتبة بإستفاضة في كثير من التفاصيل التي من الممكن ان تسبب الملل بعض الشيء.
● كانت تتحدث في بعض الأوقات بلسان الراوي العليم وتنتقل منه للراوي المباشر فمن وصفها لحياة والدها نجدها تتحدث معه فجأة حيث أن طيفه كان يأتي لها ولكن ذلك كان يحدث بلا تمهيد او وضع علامات تفصل بين الراويين والطريقة.
كانت تجربة أولى رائعة للكاتبة وشجاعة اغبطها عليها وفي انتظار القادم إن شاء الله 🥰
■ إقتباسات:
● تعلمتُ أن الحياة ليست بحاجة للاستئذان قبل أن تؤلمنا، وأن الحزن لا يطرق الباب أبدًا بل يقتحم أرواحنا وينتزع بهجتنا دون اعتذار أو سابق إنذار.
● كنتُ وما زلتُ أؤمن أن النسيان موت والذكرى حياة.
قد تكون الحقيقة مؤلمة أحيانًا لكن الهرب منها أكثر إيلامًا.
● في البوح، شجاعة وإصرار على المواجهة وهزيمة لكل الأشباح التي تطاردني وتحجب عني السكينة. وفي البوح، ضعف واستسلام وتسليم باستحالة النسيان وحتمية التذكُّر. وفي البوح، تَعرٍّ وجرأة وخرق لكل خصوصية.
● لديَّ قناعة لازمتني أن البيوت تعمر بضيوفها وليس بأصحابها الذين يغلقون عليهم بابهم، وأن البركة تحل عليها بدعوات الطيبين من الأهل الذين تحتضنهم عند المرض والكِبَر.
● غريبةٌ هي الحياة، تزجُّ بك أحيانًا في أتونٍ مُسْتعِر، تتركك فيه لتنصهر على مهلٍ، غير عابئةٍ باستغاثتك المكتومة، وكأنها تعلم أن في انصهارك جَلَدًا.
● مُرٌّ طعمُ الهزيمة، له مذاق الدم والذل، يتجرعه المرء مرغمًا فيسري في أوصاله سريان السُم، ويكتم على أنفاسه التي تخرج مشبعةً بألمٍ يشق الصدر، ويشل عقله العاجز عن استيعاب فداحة الموقف والخسائر.
#أبجد
#في_قلبي_رضا_سيرة_رجل_عايش_الحرب_واعترك_الحياة
#هالة_فودة
#في_قلبي_رضا