الوان على لوحة سوداء...
في ظني ان الانسان خلق نسيا من اجل ان يغفل عن الحقيقة الوحيدة الثابتة.. الموت... اذ انها لو ظلت حاضرة امامه لجن من الخوف... لفقد عقله... وقد جئنا هذه الدنيا كي ننعم بهذا العقل.. العقل نعمة كبرى فقدانها جحيم..
هذه القصة قصة رعب.. لا لانها تتحدث عن الجثث والمشرحة وهذه الامور التي عادة ما تكون مادة خام لادب الرعب... ولكن الرعب هنا في هذه الحقيقة ..... كم هي قريبة...... ففي يومين اثناء قراءة كل قصص الموت تلك كدت اجن.. من الالم ومن الخوف فلجأت الى الاستراحة ما بين قصة واخرى.. وقرأت كل قصة بسرعة كالذي يجري بسرعة في شارع مظلم حتى لا يأكله العفريت... ومع ذلك باسلوب الطبيبة الكاتبة التي كتبتها بمزيج من العلم والادب.. لم استطع الا ان اندمج.. لم استطع ان امنع رعشة قلبي الما وخوفا.. الما على كل من ماتو قهرا وتمددو على طاولة التشريح عاجزين عن شرح ما حدث.. حين انطقت سمر عبد العظيم جثثا لم تعد بشرا.. والبستها ثانية ثوب البشرية لتبكينا على جرائم ارتكبت في هاتيك الاجساد حتى وان كان الفاعل هو نفس الجسد.. وخوفا من عادية الموت وقربه والغفلة عنه...
عندما يتمدد المريض على طاولة العمليات مخدرا يعبث الجراح في احشائه او عظامه او دماغه.. كثيرا ما اسال نفسي ما الذي يشعر به.. نقيس علاماته الحيوية وربما درجة يقظته.. لكن بماذا يشعر بماذا يفكر؟ هل هو في عالمنا ام في عالم الارواح؟! .....كما قالت الكاتبة لابد من لغة نحاور بها جسدا لا يتواصل حسيا معنا بما فيه الكفاية.. الحيوانات.. المواليد... الغيبوبة.. التخدير... ولكن اصعبها على الاطلاق الاموات..... لا يكفي ابدا ان تكون طبيبا شرعيا لتفهم تلك اللغة.. يجب ان تمتلك مع مهاراتك العلمية مهارات انسانية عالية الحس لتفهم.. وهذا ما امتلكته الكاتبة.. لتوصل الينا احساسها الراقي ومهارتها العلمية...
اعادت دكتورة سمر كتابة القصص ما بعد النهاية.. حيث لم يعد احد من هناك ابدا ليقول ماذا وجد
كشفت المستور عنا وراء سحب الغيوب.. وقصت علينا بلسان الميت الحقيقة كاملة.. الحقيقة التي رآها بعد ان يكشف عنه غطاءه فبصره اليوم حديد..
من لم يمت بالسيف مات بغيره
تعددت الاسباب والموت واحد
سبعة عشر سببا لموت واحد في قصص صغيرة جدا في حجمها.. كبيرة جدا جدا في اثرها.. صغر الحجم هذا كان له دور كبير في التاثير الكبير.. كدواء عالي التركيز في امبول صغير.. لو كتبت هذه القصص اطول ربما اصابنا الملل... وربما حدث خلط بين القصص لكثرة الاحداث.. لكن اختصار القصة في مشهد الموت وما قبله وما بعده في اسلوب ادبي بديع ثم شرح ما حدث باسلوب علمي بسيط.. كل ذلك جعل الكتاب مرجع مبسط للطب الشرعي بامثلة واقعية تسهل فهم تخصص طبي في غاية التعقيد...
لا يشترط ان يكون الجمال مبهجا.. قد يكون مهيبا وحزينا ومؤلما...شكرا للكاتبة التي رسمت على عباءة الموت السوداء الوانا من الاحساس والانسانية...فجعلتها تنبض بحياة المفترض انها انتهت.... شكرا للمسابقة التي تعرفنا على الوان اخرى من الجمال ربما لا نراها او ربما نهرب منها خوفا على قلوبنا الصغيرة التي ارهقتها الحياة الصعبة...