اوشكت رحلتي مع فيض الخاطر على الانتهاء و لاح لي سؤالا في السماء ، هل انا هي نفسها قبل قراءة هذه المجلدات و تصفحها والإطلاع على مقالاتها المتنوعة؟! و أقصد بسؤالي هذا إني بعد أن أنهي قراءة العشر مجلدات فكم من المعلومات و الموضوعات الجديدة التي لم اقرأ عنها قبلاً و لم أكن لأقرأ عنها أصلا لولا هذه المجلدات.
وقد بدأ هذا الجزء من فيض الخاطر بمقال قوي في فكرته ولكنه واقعي للغاية ففي وجهة نظري من يرغب في التعرف على الإسلام لا يجب أن يكتفي بدراسة حال المسلمين في اى عصر ما بعد عصر الرسالة وإلا تكون وجهة نظر منقوصة وغير صحيحة بالمرة ، وقد طرح الكاتب أهم عناصر الاسلام وهو التوحيد و رفض الأغنياء الذين لديهم نزعة السلطة له كيلا يخسروا مكانتهم ، و قد عمل على توسيع مداركي بذكره لاقبال المقهورين على الاسلام أما كبار قريش فكانوا "يؤخرون قدم و يقدمون أخرى".
ودعا في مقال آخر إلى ضرورة تنظيم الإحسان إلى الفقراء والمحتاجين و ذلك عن طريق الجمعيات الخيرية التي تدرس حالة كل أسرة قبل الإحسان إليها و أكد على اعتبار الإحسان علاج اجتماعي كما أن الفقر مرض اجتماعي و للتخلص منه يجب فهم الإحسان بصورة صحيحة فهو واجب على الاغنياء و حق للفقراء من أجل الارتقاء بالمجتمع.
❞ حتى قال بعضهم: إن الزكاة والإحسان لو نفذا بإحكام ما وُجِدَ فقير محتاج ولا حيوان محتاج. ❝
واكد على ذات الفكرة في مقال آخر عن الفرد والجماعة وقارن بين الشرق والغرب في ال أنا و ال نحن و سرد أسباباً توضح تأخر الشرق عن الغرب و تركيزهم على ال أنا أكثر دون الإهتمام بالجماعة مما يؤدي عىى سبيل المثال إلى افلاس بعض الشركات و الجمعيات و لكني على غير العادة لم أتفق تماما مع رأيه فالغرب ليسوا بهذه المثالية و لكنهم أجل يحترموا القوانين أكثر منا لذلك أوصى بالاهتمام بالتربية الاجتماعية في التعليم و الأسر .
كما كتب عن الإيمان بالدين النابع من القلب والذي يعد مصدراً للسعادة ، فوجود الدين بداخلنا يمنحنا راحة البال و الاستقرار النفسي لكونه داعم نتوكأ عليه كلما شارفنا على السقوط.
وتعرفت على أناس ذي أثر عظيم ولكنهم لم يرغبوا الشهرة بل كانت أفعالهم لوجه الله الكريم فهنا عيسى الهكاري و عيسى العوام و الفتى الدمشقي وهناك صاحب النقب و آخرون تركت افعالهم اثرا في التاريخ اكثر مما ذُكرت اسمائهم وهذا ما كانوا ينشدون.
وقد عرض الكاتب سيرة ذاتية مختصرة للجاحظ مؤكداً على كونه واحد من الابطال في اللغة والأدب فقد نقل الأدب العربي نقلة كبيرة و خاطب العقول التي أظلمت وتميز عن أقرانه في هذا العصر بتأجيره لدكاكين الكتب كي يلتهم كتبها التهاما ولم يكتف بالقراءة فحسب و لعل هذا أكثر ما جعله من النابغين بل أخذ الأدب شفاهة ولم يقنع بفكرة او شئ الا بعد تجربته بنفسه او مقارنته بآخر كي يصل للرأي السليم.
وقد اضافت اليه رحلاته و ترحاله في البلاد المختلفة مزيدا من الثقافة والاطلاع و اتصل بمختلف الطبقات الاجتماعية مما اتاح له الكتابة عن كل شئ و اى شئ.
وينتقل بنا الى فرع اخر من الأدب او الفنون الا وهو خيال الظل الذي ربما مر علي سريعا يوما ما دون ان اعرف عنه اى تفاصيل او معلومات و من الجميل ان هذا الفرع يعد كاشف لشكل الحياة الاجتماعية للشعب ذاته في عصر المماليك وخاصة الحرفيين منهم وقد أكد ظهور هذا الفرع على ضرورة الاعتراف بالفضل للشرق دون إهمال حقهم
❞ فإن كتب التاريخ تصور لنا أكثر ما تصور: الملوك والسلاطين والحروب والوقائع، وقل أن تصف لنا الشعب، أما هذه فتمثل الشعب، ففيها نحو سبعة وعشرين شخصًا، ❝
فلم يتوقف الكاتب عن الانتقال من زمن الى اخر ومن شخصية الى اخرى وكأن كتابه الة زمن وضع لها احداثياتها عشوائيا و قد اثار المقال فضولي فبحثت وقرأت اكثر عن ابن دانيال ومسرحياته الثلاث التي تبقت من مؤلفاته.
و عرض مقارنة سريعة بين المجلات الهزلية التي تعرض فنون الادب الشعبي قديما و حديثا بعد ان ارتقت بمستواها فخلت من البذاءة و الحرفشة و انتشرت فنون الادب الشعبي وقتها ما بين النكات و الزجل و خيال الظل كما كتبت ، وذكر استخدام هذه الفنون للغة العامية التي تصلح لها ليسرها و سهولة فهمها على جميع الفئات و كما ذكر الجاحظ فالنكتة ان كانت بالفصحى سمجت.
وبدأت قراءة هذا المقال الذي يتحدث عن الحر وكلما توقفت عن القراءة وجدتني أدندن اغنية الدنيا برد لاحمد منيب فالمرء يتضرر من الجو في كلا الحالتين ، هكذا هو حاله صعب الارضاء دوما ، ولعل اكثر ما اعجبني هو محاولة الكاتب للهروب من شعوره حتى وان كانت محاولات مؤقتة او فاشلة و في ذات الوقت معترف بفوائد الحر للجماعة خاصة على المزروعات و اقتصاد البلد.
لم اكن ادري شيئا عن الشافعي سوى انه صاحب مذهب من المذاهب الاربعة حتى كشف لي الكاتب وجها اخر منه الا وهو كونه اديب محتمل لولا انه اختار الفقه عن الشعر لاعتقاده ان الشعر يزري من الفقه فاختار ان يكون فقيها ، كما كان في بلاغته قوي الحجة فحاج الرشيد حتى عفا عنه وارتحل من بلد الى اخرى حتى استقر بمصر و ازاح مذهبي مالك و ابي حنيفة.
وكنت قد قرأت العديد من المقالات لاحمد امين وأعجبتني كثيرا و لكني لم اقرا مثل البرنامج اليومي للسعادة فقد كتب قلمه في العديد من الموضوعات حتى وصل إلى ما يسمى بالتنمية البشرية في عصرنا نحن ، كتب عن فكرة الغذاء الروحي و كم هو ضروري لحياة الفرد اليومية كما هو الغذاء المادي وعن كون السعادة نابعة من ارادتنا و ليس المال هو السبب الوحيد للسعادة
ويحكي الكاتب عن والدته كمثال لقمع النساء قبل و بعد الزواج و حرمان بعضهن من التعليم وقتها و الديكتاتورية التي تحكم كل بيت من جهة الرجل و عدم تحرك المرأة خارج النطاق الذي يضعه لها رجل البيت ، اسلوب حياة اشبه بحياة امينة في ثلاثية نجيب محفوظ ، ولكن أيضا النقيض في رايي ليس هو الحل فالاسرة ليست مملكة بل هي شراكة بين طرفين يجب ان يتفقا ويتلائما كي تسير الحياة على افضل وجه ممكن.
و عرض احمد امين هاهنا كتابا قراه و أعجبه يحمل في طياته أفكاره و اراءه الجريئة التي اقتنع بها من قراءاته و حديثه مع الغزالي و ترحاله في البلاد كما عرض الفوائد التي استقاها من الكتاب و قدم رايه في بناء سور اشبيلية و لكن للاسف ثار عليه الناس و كانت نهايته مؤسفة.
وادركت انه لواقع حقيقي ان الادب في كل مكان يتاثر بحال المجتمع المحيط به و كما قيل سابقا فإن الأدب مرآة للمجتمع فالحال بعد الحرب العالمية الاولى كان يغمره اليأس و تجلى هذا في الكتب التي خرجت وقتها اما بعد الحرب العالمية الثانية فالوضع اختلف كثيرا و ظهرت الأعمال الاجتماعية ، و بناءا على ما لاحظ احمد امين فقد توقع ان الادب في المستقبل سيخرج في صورة رداء اخر فالاديب سيصبح اقل انانية في كتاباته.
فهل تحقق له ما تنبأ ؟! اظنه تحقق بصورة كبيرة.