ينتفش بفمي خبز القمح الناعم الذي تقطعه أمي إلى أرباع صغيرة لا تملأ فم واحد من أخوي محشوة بجبن الفلامنك الذي أغرق البقالات رغم أنه بلا طعم، فيدور لساني يبحث عن الذرات اللذيذة الخشنة لخبز الذرة، الذي كانت جدتي توصي جارتها القديمة بخبزه لنا، نغمسه في اللبن الرائب أو نحشوه بجبن القريش، الذي تضيف له الزلعة نكهة الفخار المريحة.
أغمر نفسي بالماء في حوض حمامنا الجديد فتفاجئني رائحة البحر مختبئة بروحي، تربكني الذاكرة العنيدة بهجمة الطعوم والروائح والنكهات، أتلفت حولي، لا أعرف أين أنا؟
ذاكرة التيه > اقتباسات من رواية ذاكرة التيه
اقتباسات من رواية ذاكرة التيه
اقتباسات ومقتطفات من رواية ذاكرة التيه أضافها القرّاء على أبجد. استمتع بقراءتها أو أضف اقتباسك المفضّل من الرواية.
ذاكرة التيه
اقتباسات
-
مشاركة من Mohamed Osama
-
من أرض إلى أرض، ومن بيت إلى بيت، حسبما تقذف بي الريح أرسو.
مشاركة من Mohamed Osama -
أتسلل في غيابه إلى الغرفة المسكونة بالرهبة والغموض ستارة معتمة وإضاءة خافتة كأنها تتعمد أن تخبئ شيئاً بالتواطؤ مع جدران عالية مغطاة بصناديق الكتب، ومكتب قديم أحيط بصور وقصاصات أوراق تدفع بالمساحة الصغيرة إلى اتساع الأزمنة البعيدة، يداهمني التاريخ بطعمه الحاد وسطوته الطاغية..
أرى دولاً تنهار وأمجاداً تندثر في سلسلة من المطامع والمكائد، التحالفات والانقسامات والمساومات التي يضيع فيها وجه الإنسان عبر أنفاق وجسور وسرادي،ب معارك ودماء وخارطة تتشظى. في ذلك الوقت كنا أقوى الأمم، وفي آخر بدا الانهيار محققاً، هكذا في تبادل هزلي للأدوار عبر التاريخ، يفتح أمامي البوابات اللانهائية للتساؤل حتى أحس رئتي كثيفتين بذرات غبار أزلي فانزع قدمي بجهد لأبتعد، خشية التورط في متاعب أبي، خشية أن يصيبني ما أصابه.
مشاركة من Mohamed Osama -
أغلق عليّ باب حجرتي وأبقى أستمع إلى مسامرتهم في الخارج، في خارج ذاتي، ثم أحاول أن أنساهم، صاروا يمرون بي ولا أراهم، أسترق النظر نحو شرفة جارتنا ذات الثوب الشفاف فأجدها مغلقة، أرفع رأسي للصفاء السماوي أتابع سرب النجوم الذي تعرفت عليه حين كنا نتسلق سلالم الخدم إلى الأسطح العالية لنراقب الظهور المباغت للنجوم، فيشير منتصر إلى سرب صغير متردد كطفل ضل طريقه مطلقاً عليه "النجوم الأكثر ألفة" التي نبقى نتأملها ونحدثها بأمانينا لفترة قبل أن نعتلي في الظلام ظهور الأفاعي المسكونة بالرعب لتعود من حيث أتينا. النجوم الأليفة تبدو الآن سربا من الغائبين.
مشاركة من Mohamed Osama -
تأتي ابنة عمي لزيارتنا بفطير وجبن وكرانيش كبيرة من الدانتيلا المفرغة على صدرها، تحدثني عن لحظات الحب المختلسة تحت الأشجار الوارفة وخلف عرانيس الذرة، ثم تهديني عطر زهور الحناء الذي يتلاعب بالقلوب ويجلب الحب.
ابنة خالي تحمل لي مجلات الأزياء الحديثة وجونلة قصيرة ناعمة - لم ألبسها أبداً - وتفاجئني بألوان صاخبة على وجهها، وقصص من أحبوها وسقطوا عند قدميها، ثم تهديني العطر الفرنسي الذي يفتك بالقلوب ويجلب الحب.
استفيق على خوائي.. لا أجد لي عطراً خاصاً.. ولا حكايا، خطواتي قصيرة، تنتهي قبل أن تبدأ، لِمَ لا يصبح قلبي قادراً على المنح لا المنع؟ على الأخذ لا الصد؟ أهرب من ضآلتي بأعينهما و أصيح:
- الحب كلام فارغ شوفوا العالم تعرفوا الأهم.
مشاركة من Mohamed Osama -
جدتي لم تكن تميل لذلك الغناء، كانت تحب أن تسمع غريب الدار من فم جارتنا أخت عم سعد البوسطجي التي ما كانت تجد السلوى بعد رحيل زوجها سوى في الغناء والثرثرة مع جدتي. لعم سعد وجه بشوش وأسنان بيضاء تكشف سمرة بشرته وطيبة قلبه، السمع صوته فأجري أحملق بوجهه في المرات التي يكون لديه شيء لي، أراه جميلاً.. فرحا وفخوراً بنفسه وبمهنته، حتى أرغب في القفز لأتعلق بعنقه لولا الخجل و.. عيني جدتي، أما في المرات الأخرى فأراه يشيح بعينيه عني، يغالب إحساساً بالخجل وقلة الحيلة.
مشاركة من Mohamed Osama -
تراني جدتي منحنية على ثروتي الشحيحة من الكلمات أفرغها من الصندوق الذي احفظها به كل فترة لأعيد قراءتها وتحري تواريخها، فأكتشف أن السنين تمر .. دونهم، واكتشف غضبي، لأنهم نسوني وراحوا. تراني جدتي متجهمة فلا تربت ظهري بحنان كما كانت تفعل أمي لا تطبطب على لتواسيني، ولا تلومني حين تراني أنزع الأزرار الملونة من الثياب الجديدة التي كانوا يحضرونها لي في إجازاتهم القصيرة، ربما كانت تدرك أن بي حاجة حقيقية لأصد شيئاً يخصهم.
مشاركة من Mohamed Osama -
خط أمي متعرج، ثقيل الحبر يرهق عيني، رسائلها القصيرة كانت تحمل وصاياها التي تكررها في كل مرة كأنها لم تكتب لي سوى رسالة واحدة خلال تلك السنوات:
- لا تتكلمي كثيراً، إياك أن تعصي جدتك، لا تضيعي الوقت. لا تفعلي، لا تفعلي. وتنسى أمي أن تذكر لي ما يجب أن أفعل، أبقى أسيرة لرغباتي الجامحة في التجريب.
مشاركة من Mohamed Osama -
كان اسمها فرح، أو هكذا كنت أسمي تلك البنت المفلوجة الأسنان التي لا تكف عن الضحك مخفية صوتها بوضع يدها فوق فمها حين يفاجئنا صوت خشن لأحد الكبار ومبقية على بهجة عينيها المكابرتين كانت في مثل طولي نتسلق انحناءة الشارع الصاعد كي تصل للجزار ، البقال والمكوجي. أعطيه المريلة الكاكي ثم ننحرف يمينا في طريق عودتنا نحو العطار لنشتري النشوق لجدتي ونعود بأحمالنا الثقيلة.. وبقايا التعليقات المدهشة التي سمعناها من الباعة والمارة تضحك وهي تمد يدها لتأخذ بعض الأكياس من يدي التي تنوء بحملها سريعاً، أغتاظ من ضحكها.. هي الأصغر والأقوى مني ثم أعود لمحبتها حين أحس بارتياح يدي.
مشاركة من Mohamed Osama -
افلت يدي من يد أمي، أهرول لأتمرغ فوق الرمال الساكنة، تبتلعني ثم تلفظني برفق، يمنحني الأفق اللامتناهي وفرة من الأمان تستعصي على الفهم لمن لا يرى في البحر سوى الأمواج الهادرة. في أذني وشوشة الريح، تهدهد روحي، استمر في العدو وراء طائرتي الورقية فينشلح ثوبي القصير المنفوش، تضحك أمي ولا ينثني عزمي عن متابعة الطيران في مركز دائرة يشكل سرب النوارس البيضاء محيطها البهي.
مشاركة من Mohamed Osama -
ذلك هو سري معهم،
ذلك هو شبهي بهم،
أولئك الذين يجافيهم النوم ويبقون عالقين في سماوات الحلم البعيدة،
لأنهم يمقتون أن يكونوا صوراً أو ظلالاً،
لأن كل منهم يحاول أن يجد مساره الخاص،
حتى لو ألقت به حقيقته الخاصة إلى أكثر الطرق وعورة،
لأنهم يدركون أنهم ليسوا من العباقرة،
ولا يمتلكون أية مزايا خارقة،
مشاركة من فريق أبجد
السابق | 1 | التالي |