ينتفش بفمي خبز القمح الناعم الذي تقطعه أمي إلى أرباع صغيرة لا تملأ فم واحد من أخوي محشوة بجبن الفلامنك الذي أغرق البقالات رغم أنه بلا طعم، فيدور لساني يبحث عن الذرات اللذيذة الخشنة لخبز الذرة، الذي كانت جدتي توصي جارتها القديمة بخبزه لنا، نغمسه في اللبن الرائب أو نحشوه بجبن القريش، الذي تضيف له الزلعة نكهة الفخار المريحة.
أغمر نفسي بالماء في حوض حمامنا الجديد فتفاجئني رائحة البحر مختبئة بروحي، تربكني الذاكرة العنيدة بهجمة الطعوم والروائح والنكهات، أتلفت حولي، لا أعرف أين أنا؟
ذاكرة التيه
نبذة عن الرواية
تحكى الرواية عن طفلة مستعرضة مراحل حياتها المختلفة بحثا عن السلام النفسى تطول التفاصيل و تتعقد لكنها لا تفقد الخيط الأساسى الذى يربطها ببعضها . الذاكرة هى البطل الحقيقى لهذه الرواية حيث تتشعب الدروب و تستحضر الحكايا ، حكايا الفقد والسعادة ،حكايا الذوب و الانصهار ، حكايا الحب واليتم ؟،لتقدم هذا النسيج الحياتى غير المكرر لامرأة اكثر ما يؤرقها هو ذاكرتها القوية ووجدانها الشفيف.التصنيف
عن الطبعة
- نشر سنة 2003
- 192 صفحة
- دار ميريت - مكتبة الأسرة
تحميل وقراءة الرواية على تطبيق أبجد
أبلغوني عند توفرهاقتباسات من رواية ذاكرة التيه
مشاركة من Mohamed Osama
كل الاقتباساتمراجعات
كن أول من يراجع الكتاب
-
لونا
قُلت...قالت...قال، قليلة جداً في هذه الرواية وهنا تكمن روعتها .. .. شُجون امرأة صِيغت في رواية "آسره"، صرخة في وجه مجتمع غارق في التيه.. .. أراهن أن كل امرأة تقرأها ستجد نفسها بشكل أو آخر بين سطور هذه الرواية
اقتبس منها:-
"الحياة تيه لا حدود له، لكن أسوأ ما نفعله بهذا الصدد هو أن نخشاها، بعضنا يجد الخيط ويتبعه، وربما لا يوصله الخيط إلى شيء محدد، فلا توجد لافته ثابتة للنهاية السعيدة سوى في الأفلام السينمائية. إنه فقط يرشدنا إلى أننا لم نبتعد كثيراً عن الطريق الذي يلائمنا، ولا يلائم بالوقت نفسه كثيرين غيرنا"
-
Mohamed Osama
#ريفيوهات
"ذاكرة التيه.....الخيط الباقي فينا، والمشوش عنا"
"قُل لِمَن يَبكي عَلى رَسمٍ دَرَس
واقِفاً ما ضَرَّ لَو كانَ جَلَس
اِترُكِ الرَبعَ وَسَلمى جانِباً
وَاِصطَبِح كَرخِيَّةً مِثلَ القَبَس"
-أبو نوّاس
- هذا البيت يعتبر تهكما ونقدا من الشاعر إلى نظرائه، الذين لا يزالون على نهج القدامى في الاستهلال البكاء على أطلال المحبوب، إذ أنه أثر ناقص لاختفاء زمنه المناسب في رأيي، ودعوة لأن ينظروا إلى واقعهم المليء بالنعيم والترف ويعيشوه "كما قال: واصطبح كرخية مثل القبس". حتى ولو بقدر من المجون الذي اشتهر به الشاعر. لكنه إذا دققنا النظر- من خلال أثر القديم المتبع الذي دفع الشاعر للتهكم- نرى قوة الخطوات الأولى - إذ لو اعتبرنا أن الخطوات الأولى للأدب بدأت مع الشعر الجاهلي -على النفس، وأثرها عليه وعلى تجربته الخاصة للدرجة التي تتحول فيها هذه الخطوات من نقطة تمثل عتبة البداية، إلى نفق يهتدي به، وله الاختيار بين محاولة الخروج من أثر تلك العتبة، أو العيش في ظلالها راضيا بتشتته بين واقعه المعيش، وبين واقع البداية.
- وفي تلك الرواية أرى تلامسا بين الإطار المحدد للرواية وبين رؤية الشاعر. فمن خلال شخصية سحر -راوية الحكاية- نرى الآثار الأولى هي التي تشكل شخصيتها، وتغلف نظرتها بالكامل، تستفيد منه بسرد حكايتها وبث علتها. لنجد استعانتها بأثر مدينتها الساحلية التي نزحت منها بعد يونيو ١٩٦٧ طوق نجاه تتشبث به، لتفسر ما يدور بنفسها اللاعبة على أحبال النقائض، فتقترب حينا وتبعتد حينا. وأيضا يفسر نظرتها تجاه شخصياتها التي تحكي عنها، فتستطيع ترتيب أهميتها وحضورها -من أصحاب الذكر العابر مع الأحداث غالبا كأخويها وأمها، إلى من تسمح له ببضع صفحات من حياتها يسرد فيها مأساته- كما يترتب في البحر اللؤلؤ والسفن والزبد.
-وبالعودة للاقتباس الذي وضع كمستهل الرواية "لا أحد يرجع إلى نهار غادره" يتضح أن الأثر لكي تبدأ رحلة التجربة لا بد أن يكون مشوشا، يصعب استعادته بحالته، لأنه يختفي وينقص كلما تقدم المرء بالزمن، ومنه يسهل استخدامه ومزجه بلوازم أخرى-وخاصة إن كان أثرا عصيبا- لتحليل التجربة ككل. فكان من سرد الراوية لقصة تبديل المدرسة لاسمها- سمر بدلا من سحر- أساسا يتوائم مع طبيعة عملها كمحامية، لتبديل صوت السرد من راوٍ متكلم إلى راوٍ مخاطب. ليهدف إلى نزاع بين تخبط الماضي "راوٍ متكلم" وخبرة الحاضر "راوٍ متكلم"، ينتج عنه تطهر كامل للشخصية عما عكر رؤيتها، ويعطيها خلاصة الرحلة واضحة شافية، كالعطر المصفى من الزهور.
--ما أكلته الدودة "فن صناعة الوهم"
-بتتابع حبكة الرواية قد يتجلى أمامنا نتيجة تشويش الأثر، والانتقال من نقطة الأثر نفسه إلى الواقع المعيش، لبسط التجربة من خلالها، سؤالا مهما. ما الذي يحافظ على حيوية الحكاية، فتدور حول شرح التجربة والتمهيد لاستخلاصها-وإن كان بها بعض التطويل- دون أن تحيد بدرجة كبيرة فتفقد معناها؟ ومنه ننتقل إلى سؤال آخر، كيف يبقى أثر الذكرى بتشوشه ثابتا في بقائه بتلك التجربة، فلا تنفلت صاحبة الحكاية منه ولا ينفلت منها حتى النهاية؟
-تظهر الإجابة في بعض الرموز الموجودة في بداية الرواية، كالدودة التي أكلت محصول قطن قرية "ميت لوزة"، أو الجد الذي أكل القطن في آخر آيامه قائلا "أنا أولى به من الدود". فتفهمنا أن سر حيوية الحكاية، أو بشكل أدق ما يعضد الأثر بصاحبة التجربة، هو وجودها بشكل يتعمد على إظهار درجة -مهما كان تفاوتها على حسب الأحداث- من النقصان، تولد منها رغبة في السعي للاكتمال. لكن كان من حرص الكاتبة ألا توصل شخصية "سحر" إلى تلك اللحظة-لحظة اكتمال الذات- بل تدفعها إلى نقصان جديد، مستندة بمشهد الختان وأثره، والذي يعتبر بالنسبة للشخصية تآكلا لكيانها. وعليه لا يكون شعور الكمال متسقا ومتوافقا مع نفسيتها المتحطمة، بل من الممكن -نتيجة الأحداث المتتابعة وتغيرات واقع الرواية- أن يتحول لمجرد أطر محددة تزيد من قيد شخصية سحر -كاستمرارها برضا في عملها كمحامية، أو انصياعها لأوامر مجتمعها في قطيعة أصدقائها مثل ليليان-أو نقطة تحول تتجه فيها إلى اللعب على واقعها-كما وصفت خالها الشجيع الذي يحاول أن يزن بين الشهرة والربح- خارجة من ذاتها تماما.
- ومن ذلك أيضا، يعطي ذلك النقص الموزع على الشخصيات-كشخصية أكرم التي لا تتحدث عن نفسها بقدر الحديث عن مقتنياتها، وشخصية الأم التي لا توضح سر تحولها من الرفق إلى الجمود والشره ناحية الذهب-، أو شخصيات رفاقها "منتصر وليليان وفرح ونادر" التي لا تظهر نفوسهم بالقدر الجيد إلا إذا اقتضت الحاجة- أو الأحداث، أو حتى الكلمات كما وصفت سحر بكونها مبتسرة، صورة متسعة للقارئ من الممكن أن يتوه بين كل شخصية وأخرى في دلالتها وإسقاطها، ليصل -على الأغلب-إلى حقيقة واحدة، أن وصفهم بتلك الطريقة الغامضة، جعلهم وهما للشخصية الرئيسية "سحر" فنرى من خلالهم حلا لعلامة استفهام تغمر طبيعتها التي تتشابه مع البحر كما يبدو للناظر لا آخر له.
ملاحظة: لذلك تظهر الفتاة المتخيلة في ذهن سحر -والتي تمثل ضميرها على الأغلب- واقفة أمام البحر تهابه وتخافه، إلى أن تتصالح معه آخر الأمر، للدلالة على علاقتها بطبيعتها بين شد وجذب إلى تفهم نفسها، متلامسة ومتفقة مع بطلة قصة "حائط غاندي" للكاتبة نفسها في الطموحات والخيبات المتتابعة نتيجة اصطدامها بالواقع، وصولا للرضا التام عن ذاتها وتقبلها.
--محاكمات الرجاء
- حين ندقق النظر في تفاصيل الرواية، نرى تطور موقف الشخصية الراوية "سحر" تجاه بعض الشخصيات من كونها-كما ذكرنا- أوهام تدل على ذاتها المضطربة، إلى علاقة متبادلة قوية، كللتها دفاعها عن شخصية مايكل كورليوني بفيلم العراب. علاقة تبحث عمن ليس له حيلة على مقاومة تحولات الزمن "كشخصية نادر وشخصية العجوز إنجي"، أو من حاول لكن هرسته عجلات التغيير "كشخصية الأم"، وتفتش عمن يريد أن يحافظ على بقايا براءته الأولى دون أن تتلوث "كشخصية منتصر" ، أو من يحمي نفسه بظلال الماضي "كشخصية الأب". فتجعلهم بالنسبة للبقية السائرين في دنيانا نجوما شاردة، تحتاج فقط إلى من يمر عليها وينظر لحالها، ويلقي عليها سلام.
-لذا وضعت الكاتبة في الشخصية بعضا من مرونة في صغرها. تجعلها تجري من البيوت الراقية ذات السلالم الخارجية، إلى البيوت المتواضعة في مكانها الجديد مستنشقة رائحتها بحلوها وخبثها. فجاءت علاقتها بشخصيات "فرح ومنتصر ونادر وإنجي" متزنة ولو داخلها بعض مقتضيات الواقع كالعلاقة بينها وبين فرح -كإشارة للفروق الاجتماعية - لكنها تستطيع أن تشكل موقفها الدفاعي عنهم وعن فرادتهم خصوصا، فجاء عقب كل سردية لحياتهم تعقيبها ووصفها للنجوم الأليفة مناسبا ومنطقيا.
الخلاصة: عمل جيد، متزن في سرد أفكاره وقضاياه المقسمة على شخوص الرواية، إلا أنه يحنح قليلا من خلال سرد المطول لتلك التجربة إلى تشتيت بعض التركيز، لكنه ظل محافظا على ترابطه بما قبله.