اقتباسات مريد البرغوثي

❞ أنت الغريب عنها يا ابنها ويا صاحبها ويا مالكها بالعين والذاكرة والورق والتاريخ والنقوش والألوان والأشجار والآيات والقصائد وشواهد القبور الطاعنة في شيخوختها. ❝

❞ سأجعل من كل شعور هز قلبي ذات يوم واقعة تاريخية. وسأكتبه. ❝

❞ سنروي تاريخنا الشخصي فرداً فرداً، سنحكي حكاياتنا الصغيرة كما عشناها وكما تتذكرها أرواحنا وأعيننا وخيالاتنا. لن نترك التاريخ تاريخاً للأحداث الكبرى وللملوك والضباط وكتب الرفوف ذات الغبار. ❝

❞ أقول لنفسي: نحن لم نخسر فلسطين في حرب بحيث نتصرف الآن كمهزومين، ونحن لم نخسر فلسطين في مباراة للمنطق بحيث نستردها بالبراهين. ❝

إنه التسطيح الذي يأخذ القريب والسهل من كل حالة إنسانية فيطمسها بدلًا من أن يُظهِرَها؛ ويسيء إليها في نفس اللحظة التي يزعم فيها أنه يُمجّدُها.

في المنفى لا نتخلص من الذعر. إنه يتحول إلى خوفٍ من الذعر.

منذ الـ١٩٦٧ وكل ما نفعله مؤقت و«إلى أن تتضح الأمور»..

‫وتبدو الجِبالُ جُدوداً

‫كأجدادِنا يألَفونَ أماكِنَهمْ عادةً

‫فالجِبالُ زمانٌ، إذا ما تَمَعَّنْتَ في أمرِها

‫ إنها الوقت متَّخِذاً جَسَداً

‫كم ضاع من العمر؟

‫القضية الفلسطينية الآن تبدأ من البداية مجدداً: ألم تكن البداية أن أرضاً تم احتلالها ويجب أن تُسْتَرَدّ؟ وأن شعباً طرد من أرضه ويجب أن يعود؟ هل النهاية التى وصلنا إليها اليوم إلا تلك البداية؟

‫الدول العربية تعيش الآن المرحلة الثالثة من مراحل الاحتلال:

‫كان المواطن العربي في المرحلة الأولى محتلاًّ بالاستعمار الأجنبي،

‫وفي الثانية صار محتلاً بحكامه المحليين نيابة عن الأجنبي،

‫والآن نعيش مرحلة الاحتلال المزدوج، المحلي والأجنبي معاً.

نعم، خلقنا للبهحة، خلقنا لتقليل الألم وتكثير اللذة. أليس صراع الإنسان مع الطبيعة والطغاة والغزاة علامة على هذا المرام؟ أليس انسحارنا بالحب والرأفة والعدل والانسجام والحرية علامة أخرى؟

‫إن أقسى درجات المنفى أن لا يكون الإنسان مرئياً أن لا يُسمح له بأن يروي روايته بنفسه والشعب الفلسطيني يرويه أعداؤه ويضعون له التعريف الذي يناسب حضورَهم وغيابَه يلصقون على جبينه الوصمةَ التي يريدون مسموحٌ للطرف الأضعف في أي صراع أن يصرخ، مسموح له أن يشكو، مسموح له أن يبكي، ولكن ليس مسموحاً له أن يحكي حكايته أبداً.

الفلسطيني ممنوع من دخول بلاده براً وبحراً وجواً، حتى لو كان في تابوت المسألة ليست في التعلق الرومانسي بالمكان، بل في الحرمان الأبديّ منه الفلسطينيّ المجرد من هوية أولى هو نخلة مكسورة من منتصف جذعها أصدقائي الأجانب يتحكّمون في تفاصيل حياتهم، لكن بوسع جنديّ إسرائيليّ واحد أن يتحكم بتفاصيل حياة كل فلسطيني. هنا الفرق. هنا الحكاية.

أَتْعَبَتْنا القُدس أعني أَتْعَبَتْ كلَّ البَشَر، لا أعرف مدينة على كوكب الأرض أتعبت أهل الأرض كالقدس مدينة ترفض أن تكون مدينة أرض ترفض أن تكون أرضاً وكيف تكون والمقدس يتكدس فيها، وعليها، وحولها، طبقة فوق أخرى وعلى امتداد كل العصور؟

‫أقول لنفسي: نحن لم نخسر فلسطين في حرب بحيث نتصرف الآن كمهزومين، ونحن لم نخسر فلسطين في مباراة للمنطق بحيث نستردها بالبراهين.

‫ضبطَنا تاريخُنا في لحظة كنا فيها في قاع الضعف. في قاع النعاس.

هذا هو المعبر إلى فلسطين.

‫المعبر هو مكان خوف الكل على الكل. مكان الغموض المرهق للأعصاب. هنا قرارات لا يفسرها لك أحد، إجراءات لا تعرف طبيعتها أو مداها يمارسها ضدك بشر لا سلطة لك عليهم ولا سلطة لأحد فوق سلطتهم.

ا يملك الفلسطينيون مضادات لطائرات إسرائيل الحربية، الطيار يصبح سماء قاتلة ونحن نصبح أرضاً مقتولة. يعود الطيار آمناً إلى زوجته أو صديقته في تل أبيب يحدثها عن انتصاره على الفلسطينيين! ورغم ذلك تتصرف إسرائيل كدولة خائفة حقاً وتملأ الدنيا صراخاً بأن «وجودها» مهدد. هل توقّع أورويل تلويثاً للّغة أفظع من هذا؟

كأنني بتجاوز ذلك الجسر الخشبيّ الصغير تمكنتُ من المثول أمام أيامي. وجعلت أيامي تَمثُل أمامي. ألمس تفاصيلَ منها بلا سبب، وأهمل تفاصيلَ منها بلا سبب. ثرثرت لنفسي عمرًا كاملًا وزوّاري يحسبونني صامتًا.

‫عبرت الجسر المحرّم علينا، وفجأة، انحنيت أُلملِم شتاتي، كما ألمّ جهتيّ معطفي إلى بعضهما في يوم من الصقيع والتلهف.

‫وإذا كان موتى الغربة وموتى السلاح وموتى الاشتياق وموتى الموت البسيط شهداء، ولو كانت الأشعار صادقة وكان كل شهيد وردة، فيمكن لنا أن ندعي أننا صنعنا من العالم حديقة.

هدوء المنافي وأمانها المنشود لا يتحقق كاملًا للمنفيّ. الأوطان لا تغادر أجسادهم. حتى اللحظة الأخيرة، لحظة الموت.