ليس مظهر التضحية مقصورًا على الجنود في مواقف القتال، فليس هذا إلا مثلًا عاليًا من أمثلة التضحية، ولكن هناك أمثلتها العديدة في الحياة اليومية لكل فرد، فالذي يتنازل عن لذته الفردية الضيقة للمصلحة العامة الواسعة يكون مضحيًا على قدر ما بذل، والموظف ينال شيئًا من العناء لراحة الجمهور مضح، والمدرس يبذل أقصى جهده في إعداد درسه وإيصاله إلى طلبته مضح، والغني يتنازل عن بعض لذائذه لخير الناس مضح، والمزارع يرعى حال فلاحيه مضح، وهكذا، وعلى قدر انتشار هذه الروح في الأمة يكون مقدار رقيها ونجاحها — ولا تفلح أمة يبحث أفرادها عن لذائذهم الشخصية فقط، مهما حسن تشريعها وصلح قادتها، فشرّعْ ما شئت لتنظيم التموين فلن ينجح، ما دام كل فرد لا ينظر إلا إلى شخصه، وشرع ما شئت لتنظيم الضرائب فلن ينجح مع محاولة الأفراد الهرب منها، وشرع ما شئت لإصلاح الفلاحين فسيظلون كما هم، ما دام التشريع لا يلقى مجاوبة من نفوس القادرين.
مشاركة من Wafa Bahri
، من كتاب