ثم كان — مع الأسف الشديد — أن جهل الناس هذا العنصر الأساسي في الإسلام، وهو الاجتهاد، فأغلقوا بابه فأغلقوا عليهم باب الرحمة، وإذا عدم الناس الاجتهاد أصابهم الركود، وتصلب العود، والزمان لا يقف أبدًا، والحوادث تتجدد دائمًا، فإذا لم تواجه بالاجتهاد المرن، ولم ينتفع بتجددها، تخلف الناس عن زمانهم، وجمدت عقولهم، وسكنت حركتهم، وأصيبوا بالفقر العقلي، وهذا ما حدث للمسلمين فعلًا.وقد تدرج هذا التصلب من اجتهاد مطلق إلى اجتهاد في المذهب، إلى اجتهاد في الفتيا، إلى لا شيء.
وكان لهذا الركود أسباب تاريخية عدة، لا مجال لتفصيلها، أهمها القضاء على حرية الفكر التي كان يقوم بها المعتزلة، وغلبة بعض المحدثين في عهد المتوكل، ثم غلبة نوع من التصوف ينشر القول بالجبر، لا بالمعنى الفلسفي الذي هو ربط الأسباب بالمسببات، ولكن بمعنى التسليم المطلق لحوادثِ الدهرِ، من غير تدخل في شئونها، مطالبين أن يكون العبد كالميت بين يدي الغاسل يقلبه كيف يشاء، لا يكون له حركة ولا تدبير.
وقد أحس بعض كبار المسلمين بهذا الخطر الناشئ من ضياع الاجتهاد، فحاولوا محاولاتٍ عنيفةً في هذا الباب، كما فعل عبد المؤمن بن علي في المغرب حول سنة ٥٥٠ﻫ، إذ وجد العلماء انهمكوا في الفروع، ورضوا بالتقليد، فأحرق كتب الفروع، وألزم العلماء بالاجتهاد وترك التقليد.
وكما فعل ابن تيمية عقب سقوط بغداد، إذ نادى بالاجتهاد ودعا إليه، ولقي في ذلك من العناء ما لا يوصف، ولكن مع الأسف ذهبت دعوتهم هباء.إن وقوف الاجتهاد معناه الركود، معناه الحكم بالإعدام على العقل، معناه وقوف الناس حيث هم، وكذلك كان تاريخ المسلمين منذ القرن الخامس، حياتهم متكررة، ولا جديد ولا قائد ولا مجتهد يبعث على حركة، أو يحول الحركة إلى جهة صالحة.
مشاركة من Wafa Bahri
، من كتاب