اقتباسات إيلينا فيرّانتي

كنت أفضِّل الانعزال المطلق، ولو كان بالإمكان، ما كنت حتَّى لأتوجَّه بكلمةٍ واحدةٍ لوالدتي نفسها.

لكنَّ والدتي قالت في المساء:

‫ ـ «لن نُخبر أحدًا».

‫ ـ «بماذا؟»

‫ ـ «بأنَّكِ رسبتِ».

‫ شعرتُ أنَّني مُهانةٌ أكثر من قبل. واكتشفتُ فجأةً أنَّني أريد أن يعرف الجميع بأمري، فرسوبي في نهاية المطاف كان الإشارة الوحيدة على تميُّزي.

لكنِّي وددتُ أن أصرخ، آنذاك وقد كبرتُ، آنذاك ولم أعد دميةً صغيرة، أنَّني لستُ مهيَّأةً لأيِّ شيء، أنِّي لستُ ذكيَّةً، ولستُ قادرةً على إكتناه مشاعرَ طيِّبة، ولستُ جميلةً، ولستُ لطيفةً بالطبع.

لكنِّي وددتُ أن أصرخ، آنذاك وقد كبرتُ، آنذاك ولم أعد دميةً صغيرة، أنَّني لستُ مهيَّأةً لأيِّ شيء، أنِّي لستُ ذكيَّةً، ولستُ قادرةً على إكتناه مشاعرَ طيِّبة، ولستُ جميلةً، ولستُ لطيفةً بالطبع.

كم كنَّا نبكي جميعًا! لم أَعُد أحتمل الدموع.

كنت أهوى الهبوط مذهولةً بالزمن الجميل الخالي كما لو أنَّني بتُّ امرأةً عجوزًا.

أمسيتُ وحيدةً كلِّيًّا إلَّا من صوتي الذي يجولُ في رأسي بلا غاية.

لم يكن بوسعي تصوُّر أنَّ الغباء قد يُفسِد أشخاصًا بمنزلةٍ ساميةٍ

‫ واليومَ، أعتقد أنَّني بفضل ذلك الهَذْر المُوسْوِس تمكَّنتُ بمشقَّةٍ من الابتعاد عن عذابات والديَّ، والاقتناع بأنَّني لا أُعنى نهائيًّا باتِّهامهما، أو التوسُّل إليهما، أو احتقارهما لكنَّ الأمر تطلَّبَ أشهرًا ففي الفترة الأولى، كنتُ ألهثُ كأنَّني أغرق وأبحث عن شيءٍ اتشبث به مذعورة.

‫ مرّ الوقت ببطءٍ شديد، وكنتُ أراقب الساعة باستمرار. كانت إيدا مستمتعةً مع جوليانا، وتونينو يبدو في أوج سروره مع أنجيلا، فشعرتُ أنَّني فاشلةٌ مثل قالب حلوى بمكوِّناتٍ خاطئة. 💔

تخيَّلتُ واقشعرّ بدني من أنَّ شبح إنزو يهمس بكلماتٍ ودودةٍ لفيتّوريا من خلال فتحات الصليب. كم كنتُ معجبةً بذلك الرّباط الذي لم ينقطع يومًا.

حسنًا، بغضّ النَّظر عن حقيقة مجريات الأمور، كانت تلك بكلِّ الأحوال تجربتي الأولى مع الحرمان. شعرتُ بفراغٍ موجعٍ يؤلمنا عادةً حين يُسلَبُ منَّا شيءٌ على حين غرَّة، بعد أن كان يبدو لنا أنَّه ما من قوَّةٍ قادرةٍ على انتزاعه منَّا.

كنت أريد أن أصير، مع أنّي لم أعرف ماذا أصير بالضبط.

وكنت قد صرتُ، هذا مؤكّد، ولكن دونما طموح، دونما شغف حقيقيّ، دونما غاية محدّدة. كنت أريد أن أصير شيئًا ما لمجرّد أنّي أخشى أن تصير ليلا شيئًا مهمًّا، وأنا أظل خلفها.

كانت الصيرورة بالنسبة إليّ هي أن أصير ضمن كينونتها.

كنت أشعر بدموعها، وبدا لي أنَّ دموعها تُحدث ضجيجًا وهي تنزلق من عينيها إلى خدَّيها

كانت لديها رغبةٌ في إلحاق الأذى بنفسها وبمن حولها؛ أن تغرس السكِّين في يدها؛ أن تنتقل من تقطيع اللحوم الميِّتة إلى تمزيق لحمها الحيّ؛ أن تصرخ؛ أن تهاجم الآخرين

بينما أجاهد في عدم السؤال عنها، فإنَّ ظلَّها ما انفك يلسعني، يعذِّبني، يملأني بالاعتزاز ثم يفرِّغني، ويمنع عنِّي راحة البال.

لا أستطيع أن أنام. وإن غفوتُ استيقظتُ من الفزع، أنظر إلى الساعة، وأتمنى أن يكون النهار قد طلع كي نذهب إلى البحر. فإذا الليل لا يزال حالكًا، ولا أتمكن من النوم ثانية. فرأسي يلهج بالكلمات التي قالها، والكلمات التي أتلهف لأقولها أمامه.

لم أكن أحقد عليهما، بل على نفسي بالأحرى، أشمئزُّ من نفسي.

لكنَّني لم أكن سوى طيفٍ مقهورٍ تتقاذفه أهواء الآخرين.

كنت أعيش فيهم ومن خلالهم. وكنت أحبّ كليهما، ولهذا السبب لم أستطع أن أحبّ نفسي

كانت ليلا تفتّت بها كينونتها، وتطلب من الآخرين أن يفعلوها أيضًا؛ حققت ليلا ما قد يُعرَّف بالتدمير الذاتي

وماذا نفعل إزاء ضراوة الشخص الظالم الذي يستولي على ما للآخرين جميعًا، ما التصرُّف الذي ينبغي اتِّخاذه؟ هل نلتجئ إلى القانون؟ ماذا لو كان القانون يحابي الظلم؟ ماذا لو كان القانون هو الظلم بعينه؟!