اقتباسات إيلينا فيرّانتي

هل يحدث لبعض الأشخاص حصرًا أم للجميع: بعد تعدِّي الحدود يفقد المُعتدى عليه بصره؟ وهل نحن حقيقيُّون أكثر عندما نرى كلُّ شيءٍ بجلاء، أم عندما تتفاقم مشاعرنا الأقوى والأمتن ـ كالحبّ والكراهية ـ فتُعمى أبصارنا؟

"تفرض الحكمة علينا ألا نطالب بالمستحيل وأن ننعم بالممكن" 👍🏻

وبينما كنت أنشِّف شعري أمام المرآة، راودني الضحك. لقد خُدِعتُ في كلِّ شيء، حتَّى شعري ليس جميلًا، كان ملتصقًا بجمجمتي وعجزتُ عن منحه ألقًا ورونقًا. أمّا وجهي، فلم يكن فيه أيّ انسجام، مثل وجه فيتّوريا تمامًا. لكنَّ الغلطة كانت هي أن أصنع من ذلك مأساةً. كان يكفي أن أنظر ولو لوهلةٍ خاطفة في من لديْه ميزةُ الوجه الجميل والناعم، لأكتشف أنَّه يُخفي في باطنه جحيمًا لا يختلف عن الجحيم الذي يعبِّر عنه أصحاب الوجوه القبيحة والغليظة. فإنّ ألق الوجه، الذي يزيده اللُّطفُ جمالًا، يُضمِرُ ويُنذِرُ بآلامٍ تفوق ما يقاسيه الوجهُ الكدر.

ما سبب أنَّنا، إذا تمعنَّا قليلًا، نجد الجنس في كلِّ شيء، حتَّى في تلك الأمور الراقية؛ لماذا لا تكفي صفةٌ واحدةٌ لتعريف الجنس، لماذا نحتاج إلى صفات كثيرة ـ مُربك، باهت، مأساويّ، مُبهج، مُمتع، مُقزِّز ـ تأتي كلُّها دفعةً واحدة لا صفةً بعد صفة؛ هل من الممكن أن يكون الحبّ الكبير منقوصًا من الجنس، هل من المعقول أنَّ التطبيقات الجنسيَّة بين الذكر والأنثى تُفسِدُ الحاجة إلى

كنت أريد أن أتحدَّث إليه مزيدًا، آنذاك، وبعد الظهر، واليوم اللَّاحق، وإلى الأبد.

كلمةٌ واحدةٌ فقط ليس لديَّ حيالها أيُّ شكّ، لكثرة ما تفوَّه بها في تلك المناسبة، يقلِّبُها بخطابه كما لو كانت أقحوانةً في يديه. أعني كلمة «الندم». أحسستُ أنَّه يستخدمها بشكلٍ خارج عن المألوف. قال إنَّه ينبغي تنقيتها من الاستعمالات الخاطئة التي حرَّفتْها، وتحدَّث عنها بوصفها إبرةً يتعيَّنُ عليها تمريرُ الخيط بين أجزاء وجودنا المبعثرة. منحها معنًى يدلُّ على رقابةٍ ذاتيَّةٍ قصوى، هي مثل السكِّين التي نجرح بها الضميرَ لئلَّا يَغلبه النُّعاس.

كان يروقه أن يفرِّغ كلَّ شخصٍ وكلّ شيءٍ من معناه، ما عدا نفسه وأشيائه.

❞ الكتابة الحقيقيَّة هي الكلام من أحشاء بطن الأمّ، ❝

❞ يبدو عنفها لعبةً، استعارةً، استخدامًا غير مناسب وسخيفًا بعض الشيء للتصميم الذكوريّ في الأذى. ❝

❞ أمَّا أنا، فكنتُ أريد أن أكون مختلفة، وأن أكتب قصص نساءٍ خلاَّقات، نساءِ الكلمات التي لا تُقهر، لا دليل الزوجات المهجورات وقد احتلّ الحبّ الضائع كلّ وجدانهنَّ ❝

❞ لديْهم ضعف الأبله الذي يكفّ عن إعطاء اللَّحم والسَّمن للربّ الشبعان إلى أبعد الحدود، ويعطيهما لجاره، والأرملة، واليتيم، والغريب. ❝

❞ ثمَّة ستارةٌ سوداء قد تسقط بين لحظة وأخرى. إنَّه العمى المُفاجئ، تفقد السيطرة على المسافات فتصطدم بالحائط. هل يحدث لبعض الأشخاص حصرًا أم للجميع: بعد تعدِّي الحدود يفقد المُعتدى عليه بصره؟ وهل نحن حقيقيُّون أكثر عندما نرى كلُّ شيءٍ بجلاء، ❝

❞ لا قيمة لمدَّة الصبغة نفسها، التي تتَّخذها عواطف معيَّنة؛ ومَن يكتبْ يعرفْ عمَّا أتحدَّث. فما إن تبحث عن الكلمات يتحوَّل البطء إلى دوَّامة، وتختلط الألوان مثلما يحدث لألوانِ فواكهَ متنوِّعة في الخلَّاط. ❝

❞ إنَّ زمن مراهقتي بطيءٌ، مكوَّنٌ من عوائق كبيرة ورماديَّة ومنحنيات مباغتة، تتراوح ألوانها ما بين الأخضر والأحمر والبنفسجيّ. العوائق ليس لها ساعات، أيَّام، أشهر، سنوات؛ والفصول حائرةٌ، ساخنةٌ وباردةٌ، ماطرةٌ ومشمسة في آن. ❝

❞ صرت أشعر أنَّ حتميَّةَ وجوده آنذاك لا تتعلَّق بحضوره الجسديّ ـ فلطالما تخيَّلته بعيدًا، في ميلانو، سعيدًا، منشغلًا بألف شيءٍ وشيء جميل ومفيد، والجميع يقدِّر جدارته ـ إنَّما بترتيب حياتي حول غايةٍ ما: أن أصبح شخصًا قادرًا على نيل تقديره. ❝

❞ إذا انكبَّ على فكرٍ عظيم مكتنزٍ بالكتب التي نقش عليها ملاحظاته الدَّقيقة، أصبح في غاية السَّعادة، ولا ينقصه شيء. ❝

❞ كان شرطه الوجوديّ الحقيقيّ لا ينكشف إلَّا عندما تتسنَّى له الفرصةُ للاهتمام بالكتب، والأفكار، والمسائل العظمى. ❝

ولئن كنت في الماضي أُخفي تأثير شعلتها حتى على نفسي، فإنِّي حينذاك افتخرتُ بها، وقد كتبتُ عن هذا الأمر أيضًا في أحد النصوص (أنا كنت أنا)، ولهذا السبب تحديدًا كان بوسعي إفساح المجال لدورها في وجداني، ومنحها شكلًا مستدامًا. أمَّا هي فلا تريد أن تكون هي ولهذا لا تستطيع أن تفعل الشيء ذاته.

كانت كمن يعرف أنّه غارقٌ لا محالة، وعلى الرَّغم من ذلك لا يتوقَّف عن تحريك ساقيه وذراعيه ليبقى طافيًا على سطح الماء.

أما حينذاك فكان يقدم عرضًا شنيعًا عن نفسه. لقد انتحر بطريقةٍ تستعر ضراوةً بذكرياته وخطابته وقدرته على التأويل، حتى بدا لي بديهيًا حقدُه على نفسه، على بشرته، على سوائل جسمه، على أفكاره وكلماته