اقتباسات إليف شافاق

كانت تريد أن تُحيط بكلماته، وتحميها، كما يُحيطُ المرء شعلةً براحتَيْه كي يقيها من الريح.‏

هذا ما تفعله بنا الهجرات والانتقالات. فحين تترك موطنك متَّجهًا إلى سواحلَ مجهولة لا تبقى كما كنت. ثمَّة جزءٌ في داخلك يموت، كيما يمكن لجزءٍ آخر أن يبدأ من جديد.‏

الزمن البشريُّ خطِّيّ، سلسلةٌ متَّصلة من ماضٍ يُفترض أنَّه انتهى، في اتِّجاه مستقبلٍ لم تعبث به يدٌ بعد. فكلُّ يومٍ يُفترض أن يكون جديدًا، ممتلئًا بأحداثٍ جديدة، وكلُّ حبٍّ يختلف تمام الاختلاف عن الحبِّ السابق. للبشر شهيَّةٌ نَهِمة إلى الجِدَّة،

كان قد خطر في باله أنَّ أحد الفروق الكاشفة بين الشباب والكبار ربَّما يكمن في هذه النقطة تحديدًا. فحين يكبُر المرءُ يقلّ اهتمامه بصورته عند الآخرين، وعندها تزداد حرِّيَّته.‏

احتواني ذلك اللطفُ في نبرته، فأبقاني في مكاني تمامًا. مجرَّد كلمةٍ واحدةٍ من التودَّد منه كانت لها جاذبيَّةٌ خاصَّة، سحبتْني إليه مرَّةً أخرى

لعنةٌ، هذه الذاكرة الدائمة. وحين تودّ عجائزُ القبرصيَّات أن يدعيْن على أحدٍ، فلا يدعين أن يحلَّ السوء به. لا يدعين ببرقٍ أو حادثٍ أو تصاريف أقدارٍ مفاجئة، بل يكتفين بالقول:‏

⁠‫‏حَرَمكَ الله من النسيان.‏

⁠‫‏ساقَكَ الله إلى قبرك وأنت تحمل ذكرياتك.‏

يظنُّ الناس أنَّ الأمر يتعلَّق بالشخصيَّة، ما إذا كانت متفائلةً أم متشائمة. لكنِّي أرى أنَّ أصل الأمر يتعلَّق بالعجز عن النسيان. فكلَّما ازددتَ قوَّةً في التذكُّر قلَّ زادُك في التفاؤل.

كثيرون قد يحاولون، ولكنْ لا أحد يجيد التفاؤل مثل الفراشات

الأماكن التي نولد فيها تُشكِّل حياتنا، حتى حين نبتعد عنها، بل بالذات حين نبتعد.

ولكنْ، إنْ كنتَ تنتظر من الحبَِّ أن يكون معقولاً، فالأرجحُ أنَّك لم تعرف الحبَّ قطّ.‏

مع ذلك، يطيب لي أنْ أُصدِّقَ أنَّني جذَّابةٌ، على طريقتي الخاصَّة. فما أفتقر إليه من جمالٍ وشُهرة، أعوِّض عنه بالغموض والقوَّة الداخليَّة.‏

كنتُ متولِّهةً بحُمق، ودون جدوى، برجلٍ لن يفكِّر فيَّ أبدًا على هذا النحو.

تمنَّيتُ لو قلتُ له إنَّ الوحدة محضُ اختراع البشر

من أين تبدأ قصَّةُ المرء حين يكون لكلِّ حياةٍ أكثر من خيطٍ واحد؟ وحين يكون ما نُسمِّيه مولدًا ليس البداية الوحيدة، في حين أنَّ الموت ليس بالضبط نهايةً؟‏

أنّ مركز الكون ليس في الشّرق ولا في الغرب، بل هو في المكان الّذي يستسلم فيه المرء للحبّ.

- «لا تَنْسَيْ أَنَّ مُحِبِّي الكُتُبِ في كُلِّ مَكان. لا فَرْقَ بَيْنَ الغَنِيِّ والفَقِيرِ، وَلا بَيْنَ القَرَوِيِّ وَالمَدَنِيِّ، ولا بَيْنَ الرَّجُلِ وَالمَرْأَةِ، أَوْ حَتَّى بَيْنَ العَجُوزِ والشابِّ. سَتَتَعَرَّفِينَ إِلَيْهِمْ على الفَوْرِ. هُمْ مُنْغَلِقُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ قَلِيلًا، لكِنَّ خَيالَهُمْ واسِعٌ. في كثيرٍ مِنَ الأَحْيانِ، لا يَفْهَمُهُمُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ. لِذلِكَ تَجِدِينَهُمْ وَحيدِينَ أَحْيانًا. هُمْ يَرْوُونَ أَجْمَلَ الحِكاياتِ، وَهُناكَ نُقْطَةٌ مُشْتَرَكةٌ بَيْنَهُمْ: مُعْظَمُهُمْ وَجَدوا الكُرَةَ السِّحْرِيَّةَ، أَوْ أَنَّهم سَيَجِدُونَها، مِثْلَكِ تَمامًا

لا تَذْهَبوا. أَنْتُمْ تُخْطِئُونَ في اتِّخاذِ هذا القَرارِ. فإذا اسْتَسْلَمْتُم فِي أَوَّلِ صُعُوبَةٍ مَرَرْتُمْ بِها، فَلَنْ تَسْتَطِيعُوا التَّقَدُّمَ أَبَدًا، فَلَيْسَ هُناكَ ما لَيْسَ صَعْبًا في هذِهِ الحَياةِ

لِماذا يَبْدو لَوْنُ الماءِ شَفَّافًا في الكَأْسِ، بَيْنَما يَبْدُو البَحْرُ أَزْرَقَ اللَّوْنِ؟».

عَلى الفَوْرِ، أَجابَتْ ساردونيا:

- «أَنا أَعْرِفُ. هذا بِسَبَبِ الأَشِعَّةِ الَّتي تَعْكِسُها الشَّمْسُ، إِذْ تَقُومُ جُزَيْئِيَّاتُ البَحْرِ بامْتِصاصِ اللَّوْنِ الأَحْمَرِ مِنَ الشَّمْسِ وَتَعْكِسُها بِاللَّونِ الأَزْرَقِ

لِيَلْعَبوا، لا مانعَ في ذلكَ، لَكِنْ لِيَقْرَأوا الكُتُبَ أيضًا، فالإنسانُ يَحْتاجُ إلى قُوَّةِ الخَيالِ، كما يَحْتاجُ إلى الخُبْزِ، وإلى الماءِ.

عِندَما يَتَغَيَّرُ القارئُ يَتَغَيَّرُ المَقْرُوءُ أيضًا