"ذكرياتي لا تتبدَّد تمامًا، كأنَّما اجتُثَّت من أصلها. فحتى وإن بدت أنَّها اندثرت إلَّا أنَّ بقيَّةً مبهمةً منها تظلُّ في مكانٍ ما".
شُرطةُ الذاكرة > اقتباسات من رواية شُرطةُ الذاكرة
اقتباسات من رواية شُرطةُ الذاكرة
اقتباسات ومقتطفات من رواية شُرطةُ الذاكرة أضافها القرّاء على أبجد. استمتع بقراءتها أو أضف اقتباسك المفضّل من الرواية.
شُرطةُ الذاكرة
اقتباسات
-
واصل سرده بلا انقطاع. كان حكيًا مثيرًا، كأنَّما يقصُّ عليَّ حكايةً خرافيَّة، أو كأنَّما أستمع إلى موسيقى رائعة. وبين الفينة والأخرى، كنت أُلقي نظرةً إلى أثاث السرير، حيث الأشياء الثلاثة ما تزال ساهرة. كانت هادئةً حتى ليبدو لي مستحيلًا أن تنطويَ على كلّ تلك القصص التي كان يتفوَّه بها. أرحت مجدَّدًا خدِّي على صدره. كان قد عزف الهارمونيكا في حفل تلاميذ. انكسرت يومها عصا المايسترو، فانفجر ضحك الجميع، وتوقَّف الحفل. جدَّتُه كانت تعطيه قرصَ ليمونادة تُخرجه من جيب مئزرها. وذات يومٍ، أكل منها الكثير فمرضَ. فغضبت أمُّه من جدَّته. وقد ماتت جدَّته من علَّةٍ تؤدِّي إلى ضمورِ العضلات ووَهَنِها شيئًا فشيئًا…
إنَّ سماع قصص الأشياء التي اختفت يُرهق بعض الأعصاب، لكنَّه لا يخلو من متعة. كان يصعب عليَّ تمثُّلُ كلِّ ما يحكيه، لكنَّ الأمرَ لم يكن يزعجني. كنت أفعل مثلما كنت أفعل أيَّام الأسرار الماضية مع أمِّي في القبو: أرخي أذنيَّ ببراءة. فينتابني شعورٌ كما لو أنَّني أبسط تنُّورتي إلى السماء كي أتلقَّف بها كلّ ما تسقطُه الآلهة من شوكولاتة!
مشاركة من إبراهيم عادل -
ـ إنَّ مهمَّتنا الأساسيَّة هي الحرص على أن تتمّ عمليَّات الاختفاء دونما إبطاءٍ، والتعجيل بامِّحاء الذكريات التي لم تعد فيها فائدة. لا فائدة في الاحتفاظ بذكرياتٍ لا طائل من ورائها. أليس كذلك؟ حين تصيب الغنغرينا إصبع القدم، ينبغي التعجيل ببترها، وإلَّا خسرنا القدم بأكملها. الأمر شبيهٌ بذلك. المشكل الوحيد هو أنْ لا شكل للذكريات والقلب. يستطيع الإنسان أنْ يجعل منها سرَّهُ، ويخفيها. وبما أنَّ الخصمَ خفيٌّ، فنحن أيضًا نشتغل بسرِّيَّة. إنَّها عمليَّةٌ دقيقةٌ جدًّا. أن نكشفَ سرًّا لا شكلَ له، وأن نحلِّله، ونصنِّفه، ونعالجه، وينبغي بالطبع أن نحميَ أنفسنا بأن نحفظ السرّ بدورنا. هي ذي غاياتنا.
مشاركة من إبراهيم عادل -
من الصعب أن نكتب قصصًا على هذه الجزيرة. يبدو أنَّه عقب كلّ اختفاءٍ، تزداد المسافةُ بين الكلمات تباعدًا. إن كنتُ ما أزال أكتب، فربَّما لأنَّ بقربي دائمًا قلبَك الذي لم يمّحِ منه شيء.
مشاركة من عمرو الحكمي -
ذكرياتي لا تتبدَّد تمامًا، كأنَّما اجتُثَّت من أصلها. فحتى وإن بدت أنَّها اندثرت إلَّا أنَّ بقيَّةً مبهمةً منها تظلُّ في مكانٍ ما. إنَّها مثل تلك البذور الخفيَّة التي قد يحدث أن يهطل عليها المطرُ فتنبت من جديد.
مشاركة من عبدالعزيز العنزي -
ثم، حتى وإن غابت الذكريات، فإنَّ شيئًا منها يظلُّ حاضرًا في القلب. رجفةٌ، أو ألمٌ، أو فرحةٌ، أو دمعةٌ… تفهمين؟
مشاركة من عبدالعزيز العنزي -
خلال المساء، تسارعت وتيرةُ الاختفاء فجأةً. شبَّت النارُ في المكتبة البلديّة، وأُحرقت كتب الساكنة في الحدائق العموميَّة والحقولِ والأراضي القفر. عبر نافذتي، كنت أتابع النارَ والدخانَ يرتفعان من كلِّ مكانٍ في الجزيرة، فتمتصّهما الغيومُ التي تلبِّد السماءَ. وغدا الثلجُ، وقد امتصّ السخامَ، رماديًّا.
وقع اختياري، في النهاية، على نحو عشرة كتبٍ، أخفيتُها والمخطوطَ الذي أشتغل عليه، عند ر. وما تبقّى من كتبٍ، حمَّلتُه أنا والجدّ على عربةٍ يدويَّة، وسُقناهُ إلى موضعٍ نحرقه فيه. لأنَّ إخفاءَ كلّ الكتب كان مستحيلًا من الناحية الفيزيائيَّة، ثم إنَّني كنت لأوقظ الريبة إن لم أفعل شيئًا عقبَ هذا الاختفاء، وأنا المعروفة بأنَّني أكتب الروايات.
كان صعبًا فرزُ ما ينبغي أن أحتفظ به، وما يجب أن أتخلَّص منه. عبثًا كنت أقلِّبُ الكتاب بين يديّ، فقد فقدتُ أصلًا كلّ صلةٍ بمحتواه. لكنْ، بما أنَّ شرطة الذاكرة قد تأتي لتنبش هنا، فيجدر بي أن أُسرع. لم أجد من طريقةٍ أميِّز بها بين الكتب، إلَّا أن أحتفظ بتلك التي أهدَنيها أناسٌ أُعزُّهم، أو تلك التي لها أغلفةٌ مصوَّرةٌ جميلة.
مشاركة من إبراهيم عادل -
ليلًا، يُعرِّيني، ويُبقيني واقفةً، ثم يعمد إلى جسدي ليعتني بزينته. الماءُ الذي يحمله في وعاءٍ، ساخنٌ جدًّا، فيملأ الحُجرةَ بُخارُه. ويقضي وقتًا طويلًا في تنظيف جسدي بالماء، حتى يختفي البخار من الحُجرة. يمسحني بالحركات نفسها التي يصقل بها الكرونومتر. أتساءلُ بدهشةٍ ما إذا كان الجسدُ البشريُّ أيضًا مكوّنًا من قَدْرٍ مماثلٍ من الأجزاء. يبدو عملًا لا نهاية له: الجفنان، ومنابت الشعر، والموضع خلف الأذنيْن، والترقوة، والإبطان، والحلمتان، والبطنُ، وتجاويف الحوض، والفخذان، وربلتا الساقيْن، وبين الأصابع… ليس يهملُ موضعًا. من غير أن يُبدي كللًا، أو ينضح منه عرق، أو تتبدَّلَ ملامحه، يلامس جسدي كلّه.
وبالطبع، حين يفرغ من تنظيفي، هو من يختار أيّ الملابس أرتديها. ملابسُ غريبةٌ، ممَّا لا نجده في العادة في محلَّات الألبسة. حتى إنَّني أتساءل: هل بوسعي أن أُسمِّيها ملابس؟ فأوَّلًا، مادَّتها ليست من مُعتادِ موادِّ الملابس؛ وإنَّما هي من بلاستيك، أو ورق، أو معدن، أوراق شجر، أو قشور فاكهة. فمتى ضغطتَ عليها، انسلخت عن الجسم، جارحةً الجلدَ، وعاصرةً الجسدَ. لذا ينبغي اتِّخاذ الحَذَر أثناء لبسها.
مشاركة من إبراهيم عادل -
أتساءل كم يومًا مرَّ عليَّ مُذ حُبستُ في البرج؟ لست أملك أدنى فكرة. بالطبع، مع الساعة العظيمة الموجودة هنا، أستطيع أن أعرف الوقت متى شئتُ. ومرَّتيْن في اليوم تُدقُّ الأجراس، في الحادية عشرة صباحًا، ثم في الخامسة مساءً. في البداية، كنت أحصي الأيَّام: كلّ يومٍ أصنع بظفري حزَّةً في رِجل كرسيٍّ، لكنَّ اليومَ ما عدتُ أدري إلى أين وصلت أيَّامي. ملأتِ الحزَّات الكرسيَّ، ثم ما عدت أتبيَّنُ فيها تلك التي أحدثتُها بنفسي. صارت الأيَّام تمضي رتيبةً، من غير أن أُدرك لها تاريخًا، أو شهرًا أو يومًا. لكنْ فيمَ تُفيدني معرفة التاريخ واليوم، أنا السجينة بين أصواتِ جثثٍ شتَّى؟ ما الفائدة بعدما نالَ مرادَه، وصيَّرني أسيرته؟
في البداية، لم أكن أرى إلَّا آلاتٍ كاتبة، وميكانيزم الساعة الهائلة، لكنْ بعد مدَّةٍ، انتهى بي المطاف إلى أن ميَّزتُ تفاصيل الحُجرة.
عند منتصف الحائط الشرقيّ تقريبًا، انهار ركامُ الآلات الكاتبة فجأةً. ويكفي أن أخطو من فوقه لكي أجد البابَ، وخلفَ الباب حمّامٌ صغير. وفوق صنبور الحمَّام منْور. من حينٍ إلى آخر، أصعد على حوض الصنبور، وأفتح نافذة المنْور، فأتأمَّل المنظر في الخارج. ألمح أسقُفًا، وحقولًا، ونهرًا صغيرًا، ومنتزهًا. وبما أنَّ هذا البرج هو أعلى بنايةٍ في المدينة، فلا شيءَ يقع فوقي. لا شيء غير السماء الممتدَّة. من الرائع، من حينٍ إلى آخر، استنشاق هذا الهواء النقيِّ. غير أنَّ الحوض لا يبدو متينًا بما يكفي ليتحمَّلَ ثقل جسدي، فما لبثَت أن ظهرت شقوقٌ بين وعائه وبلاط الحائط، ومنها بدأ يتسرَّبُ الماء.
مشاركة من إبراهيم عادل
السابق | 1 | التالي |