خلال المساء، تسارعت وتيرةُ الاختفاء فجأةً. شبَّت النارُ في المكتبة البلديّة، وأُحرقت كتب الساكنة في الحدائق العموميَّة والحقولِ والأراضي القفر. عبر نافذتي، كنت أتابع النارَ والدخانَ يرتفعان من كلِّ مكانٍ في الجزيرة، فتمتصّهما الغيومُ التي تلبِّد السماءَ. وغدا الثلجُ، وقد امتصّ السخامَ، رماديًّا.
وقع اختياري، في النهاية، على نحو عشرة كتبٍ، أخفيتُها والمخطوطَ الذي أشتغل عليه، عند ر. وما تبقّى من كتبٍ، حمَّلتُه أنا والجدّ على عربةٍ يدويَّة، وسُقناهُ إلى موضعٍ نحرقه فيه. لأنَّ إخفاءَ كلّ الكتب كان مستحيلًا من الناحية الفيزيائيَّة، ثم إنَّني كنت لأوقظ الريبة إن لم أفعل شيئًا عقبَ هذا الاختفاء، وأنا المعروفة بأنَّني أكتب الروايات.
كان صعبًا فرزُ ما ينبغي أن أحتفظ به، وما يجب أن أتخلَّص منه. عبثًا كنت أقلِّبُ الكتاب بين يديّ، فقد فقدتُ أصلًا كلّ صلةٍ بمحتواه. لكنْ، بما أنَّ شرطة الذاكرة قد تأتي لتنبش هنا، فيجدر بي أن أُسرع. لم أجد من طريقةٍ أميِّز بها بين الكتب، إلَّا أن أحتفظ بتلك التي أهدَنيها أناسٌ أُعزُّهم، أو تلك التي لها أغلفةٌ مصوَّرةٌ جميلة.
شُرطةُ الذاكرة > اقتباسات من رواية شُرطةُ الذاكرة > اقتباس
مشاركة من إبراهيم عادل
، من كتاب