أتساءل كم يومًا مرَّ عليَّ مُذ حُبستُ في البرج؟ لست أملك أدنى فكرة. بالطبع، مع الساعة العظيمة الموجودة هنا، أستطيع أن أعرف الوقت متى شئتُ. ومرَّتيْن في اليوم تُدقُّ الأجراس، في الحادية عشرة صباحًا، ثم في الخامسة مساءً. في البداية، كنت أحصي الأيَّام: كلّ يومٍ أصنع بظفري حزَّةً في رِجل كرسيٍّ، لكنَّ اليومَ ما عدتُ أدري إلى أين وصلت أيَّامي. ملأتِ الحزَّات الكرسيَّ، ثم ما عدت أتبيَّنُ فيها تلك التي أحدثتُها بنفسي. صارت الأيَّام تمضي رتيبةً، من غير أن أُدرك لها تاريخًا، أو شهرًا أو يومًا. لكنْ فيمَ تُفيدني معرفة التاريخ واليوم، أنا السجينة بين أصواتِ جثثٍ شتَّى؟ ما الفائدة بعدما نالَ مرادَه، وصيَّرني أسيرته؟
في البداية، لم أكن أرى إلَّا آلاتٍ كاتبة، وميكانيزم الساعة الهائلة، لكنْ بعد مدَّةٍ، انتهى بي المطاف إلى أن ميَّزتُ تفاصيل الحُجرة.
عند منتصف الحائط الشرقيّ تقريبًا، انهار ركامُ الآلات الكاتبة فجأةً. ويكفي أن أخطو من فوقه لكي أجد البابَ، وخلفَ الباب حمّامٌ صغير. وفوق صنبور الحمَّام منْور. من حينٍ إلى آخر، أصعد على حوض الصنبور، وأفتح نافذة المنْور، فأتأمَّل المنظر في الخارج. ألمح أسقُفًا، وحقولًا، ونهرًا صغيرًا، ومنتزهًا. وبما أنَّ هذا البرج هو أعلى بنايةٍ في المدينة، فلا شيءَ يقع فوقي. لا شيء غير السماء الممتدَّة. من الرائع، من حينٍ إلى آخر، استنشاق هذا الهواء النقيِّ. غير أنَّ الحوض لا يبدو متينًا بما يكفي ليتحمَّلَ ثقل جسدي، فما لبثَت أن ظهرت شقوقٌ بين وعائه وبلاط الحائط، ومنها بدأ يتسرَّبُ الماء.
شُرطةُ الذاكرة > اقتباسات من رواية شُرطةُ الذاكرة > اقتباس
مشاركة من إبراهيم عادل
، من كتاب