اقتباسات محمد أبو الغيط

أعرف أني مهما عشت فإن حياتي، والعالم كله، كذرة غبار لا تُرى على شاطئ ذلك الكون الفسيح. لكن الكتابة قد تجعل ذرتي ألمع بين باقي الذرات على الأقل.

‫ هذه صيحتي: محمد أبو الغيط مرَّ من هنا!

الكتابة هي محاولتي لمغالبة الزمن والموت بأن يبقى اسمي أطول من عدد سنوات حياتي التافهة مقارنة بعمر الكون الشاسع المقدر حاليًّا بـ ١٤ مليار سنة.

أكتب لأن الكتابة هي أثري في الحياة، هي أهراماتي الخاصة، فإلى متى ستبقى منتصبة بعدي؟

‫ كلنا تتملكنا تلك الرغبة؛ رغبة الخلود في الحياة، فإن لم نخلد بأجسادنا فلنخلد بآثارنا، ولكلٍّ آثاره.

لماذا أكتب؟

‫ لأني أريد إصلاح حياتي الخاصة المباشرة، فأجدني عاجزًا عن إصلاحها دون العودة للشأن العام الذي يشمل المساهمة في إصلاح ولو ثغرة واحدة في جدار سياسات البلاد التي أعيش فيها، أو العالم أجمع

عجيبة هي الأقدار وألاعيبها؛ كأنما طُويت حياتي وكُثفت، فمنحتني بسرعة كثيرًا من السعادة والتوفيق، كما انهارت على رأسي بنفس السرعة كنت مرارًا أصغر صحفي في صحف وقنوات عملت بها، كما أنني الآن أصغر مقيم في جناح الرعاية الخاصة بمرضى السرطان

‫ هي أمور طالما سمعتها، لكن معايشتها مختلفة تمامًا، وحقًّا وصدقًا «الصحة تاج على رءوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى».

‫ قد تهبط الكارثة فجأة علينا. وقد نحملها داخلنا منذ الميلاد دون أن نعرف. لا حيلة لنا في ذلك. كما لا حيلة لنا أمام كثير من المآسي؛ الفراق، والضعف، والموت. لا حيلة لنا بمشاعرنا.

حدث ذلك في فبراير ٢٠٢٢، وكنت قد شُخصت بالسرطان في منتصف العام السابق ٢٠٢١. أضحت التواريخ مهمة جدًّا؛ لأني أصبحت أراها ساعة رملية، يتناقص محتواها باستمرار. محتواها هذا ليس رملًا، بل هو أيام حياتي الباقية.

وكذا غدر نوائب الدهر، وعجز الإنسان، فلا أمان لتصاريف الأقدار، ولا اطمئنان لتقلبات الأحوال، فتأمل..

لكن جدارًا نفسيًّا ضخمًا انبنى ليعزلني عن العالم، وشعرت أني مرتاح لذلك.

تذكرت عذاب سيزيف في الأساطير الإغريقية. يحمل الصخرة بمشقة بالغة إلى قمة الجبل، ثم تتدحرج فيعود لتكرار العملية للأبد. لقد عاقبته الآلهة بعقاب رهيب: العبث.

قد تهبط الكارثة فجأة علينا وقد نحملها داخلنا منذ الميلاد دون أن نعرف لا حيلة لنا في ذلك كما لا حيلة لنا أمام كثير من المآسي؛ الفراق، والضعف، والموت لا حيلة لنا بمشاعرنا لكن لنا حيلة بأفعالنا، أو على الأقل في السعي لذلك، دون ضمان النجاح. فلا إنسان كامل أبدا، وكلنا، كلنا بلا استثناء، قد نمر بأوقات من النقص والخوف والأنانية والطمع وغيرها من الأخطاء والخطايا، لكن الفارق هو بين من يترك نفسه لتلك الأهواء، وبين من يعيها ويواصل الصراع معها بنسب نجاح وفشل متفاوتة، يغالبها، و«يسدد ويقارب»، قدر الإمكان. ❝

‫ اعتدنا الحديث عن كسر المستحيل، لكن واقعيًّا ما ينكسر هو الممكن لا المستحيل.

‫ قد يختار الإنسان أفعالا نبيلة أو شجاعة، لكن المرض ليس اختيارًا، فلا تعني محاولة الشفاء منه بالضرورة إضفاء مثالية ما على المريض، قد تتحول لعبء في حد ذاته.

النسيان لا يمكن تحفيزه بالتفكير فيه، لو قررت أنك ستنسى كذا فستكون هذه الفكرة نفسها هي أكثر ما يذكرك بما تريد نسيانه.

‫ النسيان طريدة مراوغة، لن تحصل عليها بملاحقتها أبدا، بينما ستتمسح بك إذا تشاغلت عنها.

" لا أعرف المعنى في ألمي، لكنني أعرف المعنى في مقاومته.."

جاءني ذلك المدرس وهو يخفي ارتباكه وسألني: «هُوَّ أنا عاقبتك إمبارح ليه؟» ‫

ذلك الحقير نسيَ ما فعل أصلا، لم ينتبه كأني حشرة سحقها دون أن يفكر لحظة يستخدم «عاقبتك» بديلًا عن «عذبتك» ‫

قلت له: أنت ضربتني لأني لمست قلمي. سألني:«بس كده؟!»

بعض المشاعر تعجز عنها الكلمات، منها ذروة الحب وذروة الألم.

أنتبه لاستغراقي في تفاصيل سيناريوهات ما بعد الوفاة، وأفزع من فكرة أني حين أستغرق تمامًا في خيال ما فإنه يتحقق فعلا. أنتزع نفسي قائلا: لعله أن يكون بعد عمر طويل.