اقتباسات حسام السيد

تُطوِّر الكتابة في صاحبها جانبًا سيكوباتيًّا خفيًّا، لا يستشعره الكاتب إلا في لحظة بعينها، عندما يتعرض لمأساة تظهر آثارها على ملامح من حوله، لكنه ينفصل للحظة عن الحدث، جزء من الثانية يخبر فيه نفسه بانتشاء مخيف أن تلك المأساة تخفي مفارقة، تخفي قصة جيدة.

‫ لا أحد يستشعر هذا الانفصال في غمرة طوفان شعوري مأساوي إلا السيكوباتي والكاتب، الأول ينفصل لأن الحدث لا يؤثر عليه، والآخر ينفصل ليسجل جمالية الأمر: أنه وجد مفارقة يجب أن تُروى.

تُطوِّر الكتابة في صاحبها جانبًا سيكوباتيًّا خفيًّا، لا يستشعره الكاتب إلا في لحظة بعينها، عندما يتعرض لمأساة تظهر آثارها على ملامح من حوله، لكنه ينفصل للحظة عن الحدث، جزء من الثانية يخبر فيه نفسه بانتشاء مخيف أن تلك المأساة تخفي مفارقة، تخفي قصة جيدة.

لا أحد سواها يملك شجاعة الحب رغم الفقد؛ لذلك يخبرها أبيها: «أعتقد أنك تعرفين كيف تحبين. أنت أفضل في ذلك مننا جميعًا؛ لذلك تجدين الأمر دومًا مؤلمًا أضعاف ما نجده نحن.»

يخبرها أن الحب الرومانسي الخاص بها، والذي لا يكف عن معاودة الوصال، ليس ساذجًا، إنما في جوهره شجاعة مثقلة لا تُحتمَل؛ لأنه يتطلب زادًا من الأمل لا يقوى عليه كثيرون، الأمل في الفوز بمخاطرة أن نحب أحدًا يمكن أن نفقده.

إن أسعد رجل على الإطلاق هو الذي ينظر إلى المرآة فيرى نفسه كما هي بالضبط دون زيادة ولا نقصان.»

‫ ذلك الدواء الأثير لينجو المرء بالصدق من سحر الملاحم.

الحرب، الاكتئاب، الموت، الوحدة. خلقت تلك الأحوالُ أشعارًا وكتبًا وجمالًا من عدم، لم يخلقها أصحابها إلا لرغبتهم في النجاة منها، رغبتهم في حبس الجحيم في استعارة أو سطور. لا تدور الشعرية كثيرًا حول سكنى الشيء، إنما الرغبة في الاقتراب منه وترويضه في استعارة. كل من أهلكتهم تلك الأحوال لم يبغوا من الشعر والأدب إلا النجاة منها.

يكمن الفارق الأهم بين «مايكل كورليوني» وأبيه «فيتو» في ملحمة «الأب الروحي» أن الأب اختار تلك الحياة الإجرامية وخلق سلامه الخاص معها، بينما «مايكل» في داخله شخص شديد المثالية، بطل حرب، رومانسي، حالم، يخبر حبيبته في موعدهما الأهم أنه ليس عائلته بل شيء أكثر نقاءً.

تقول «جيليان فين»، كاتبة الرواية الأصلية لفيلم (Gone Girl)، إن منبع قوة «إيمي» وشخصيتها المرعبة أنها تدرك ببراعة كل المجازات والصور المتخيلة التي صنعتها الثقافة الرجولية عن الأنثى؛ لذلك تجيد بخفة الانتقال من فانتازيا إلى أخرى، تجيد تقمص كتالوج كل أنثى صنعتها المخيلة الذكورية كتعريف للمرأة مهما كانت متطرفة أو خيالية، وثمن تلك المهارة –حسب «فين»– فقدان «إيمي» الصدق، أو بتعبيرها: «صُنِعت «إيمي» من مجموعة قصص خيالية نسجتها توقعات الرجال، قصص ضفَّرتها معًا بذكاء، لكنها تدرك أنها في المركز من كل تلك القصص، بلا كينونة، أنها لا أحد.

في الأشهر الأخيرة، قبل موت أمي، كنت قد غرقت بالكامل في كتب «بيسوا»، بينما يسرد الأخير سطوره عن وحدته، عن امتنانه لنادل سأله يومًا عن حاله، عن صحبة تجاوره في فندق معيشته دعته يومًا إلى العشاء؛ كنت أنا أرفض دعوات أمي إلى مائدة العشاء وإلى محادثاتنا الدافئة في نهاية كل يوم لأقضي وقتًا أطول مع «بيسوا».

في حضور الكمال، لا تفارقني البرودة. الشيء الكامل بعناية لا يترك فرصة ليمر البشر بتجربتهم عبره، معد بدأب كمقبرة، كمال لا يبغي جديدًا من لمسة البشر له. الكمال حشد قائم على إيقاع محكم وحشي: ليُخلَق كمال ما؛ لا بد من وحشية. مثل ملمس كرة الشراب الرخيصة المصنوعة باليد بنتوءاتها وانبعاج نسبها مقارنة بكرة الجلد التي صنعتها آلة قاسية روضت ملمسها وهذبته. ثمة إرادات صغيرة تنسحق لتصنع إرادة كمال واحدة لشيء واحد.

في حضور الكمال، لا تفارقني البرودة. الشيء الكامل بعناية لا يترك فرصة ليمر البشر بتجربتهم عبره، معد بدأب كمقبرة، كمال لا يبغي جديدًا من لمسة البشر له. الكمال حشد قائم على إيقاع محكم وحشي: ليُخلَق كمال ما؛ لا بد من وحشية. مثل ملمس كرة الشراب الرخيصة المصنوعة باليد بنتوءاتها وانبعاج نسبها مقارنة بكرة الجلد التي صنعتها آلة قاسية روضت ملمسها وهذبته. ثمة إرادات صغيرة تنسحق لتصنع إرادة كمال واحدة لشيء واحد.

تؤكد فلسفة «سارتر» أن السلطة، التي تمنحنا معنى لا نتعب في البحث عنه وإيجاده بأنفسنا، سنظل أسرى لها إلى الأبد؛ لأنها في لحظة تملك قوة حرماننا من هذا المعنى وطردنا منه. لو معنى وجودنا رهين سلطة فبزوال تلك السلطة قد نزول

مهما بحثنا عن ماهية أنفسنا خارجنا، سيظل اللهاث بلا طائل؛ المعنى في داخلنا، ليس كنزًا نصل إليه، بل تحفة نصطنعها على مهل بجهد يومي قوامه اختيارات صغيرة نجترحها كل لحظة.

عندما أخبرتني حبيبتي بنهاية حكايتنا، منحتني بعفوية تلك الابتسامة مع وجه معتذر، كانت تدرك أنها الجحيم تلك المرة، لكن لم تكف ابتسامتها عن منحي طمأنينة النجاة حتى لو كانت هي الجرح ذاته الذي عليَّ أن أنجو منه. أخبرتني أنني سأنجو، ولكن في حكاية أخرى.

تمتن لكونك لا تقارب حدة ذهن «راسل»، لكنك تجيد، بعد ساعة من العمل اليدوي، إ

تسعة أعشار الراحة في التخفف من الناس، ألَّا ترتهن لديهم حقيقتك وتعريف ذاتك، ذاك عين الربا، متى استودعت الناس هويتك سيردوها أضعافًا، أو ينتقصوها أضعافًا، لن يعيدوك إياها سالمة أبدًا، إنما مكسوة بألوانهم،

بحسب التعبير البديع لـ«البوطي» فالعقل ملكة كاشفة، ضوء قد يرينا أبعد بكثير من مكاننا، قد يغري الآخرين بالظن أننا نرى أبعد بكثير منهم بينما القلب دومًا هو ما يحمل صاحبه

لم يفزعه شيء إلا أن أسرته لم تلحظ غيابه لأربعين دقيقة كاملة. تلك الحادثة سوف ترسم شخصيته إلى الأبد: سيصير الأكثر تفوقًا بين إخوته، الأقل شكوى، سينهي طعامه دومًا، سيفعل أي شيء ليلاحظه أبواه ولا ينسياه مجددًا. يخبرني صديقي أنه قارب على الأربعين الآن وكوَّن أسرته ولا يزال يرتجف من حلم بعينه، هو فيه دومًا منسل من ركب، منسي، موقن أن أحدًا لن يأتي لأجله. أربعون دقيقة في مدينة ألعاب صبت قالب شخصية أحدهم إلى الأبد.

❞ الأحلام فخاخ ماكرة بقدر ما هي حوافظ أمينة لما حدث لنا. ❝

ننتمي إلى جيل خرج لتوه من فيلم مشابه بنصفه الأول الذي أخضع الواقع للأحلام، ونصفه الثاني الذي نزفت فيه الأحلام حتى الموت، جيل كامل مسه الحلم والنشوة والهزيمة قبل عامين في ميادين الثورة، جيل اختبر لحظة «حسن» الشهيرة: الغرق في الحلم لجزء من الثانية ثم اليقظة المروعة على صوت الواقع. ورغم استعادة الواقع أدواته وسطوته، لم ينسَ الحالمون نشوة الحلم، وظل دومًا التوق إلى استعادتها كامنًا بداخلهم.