اقتباسات إبراهيم شلبي

علمت أن الكهرباء قد انقطعت عن الحضَّانات بعد نفاد الوقود، وأن ساعاتي على هذا الكوكب الظالم التعيس أصبحت معدودة لم أشعر بالحزن أو الأسف، فثمانية أيام من الحياة عليه تكفي وزيادة ‫ انتبهت على صوت مألوف يناديني. لم أصدق أذنيّ.

اسمي عبد الرؤوف. عمري ثمانية أيام ولدت يتيمًا بعد استشهاد عائلتي المكوَّنة من أحد عشر شخصًا في قصف وحشي لدارنا في غزة وصلت أمي إلى المستشفى وهي في الرمق الأخير من حياتها. كنت قد قضيت اثنين وثلاثين أسبوعًا في رحِمها.

هذا ما قصده أبي الحبيب عندما قال إن الله أولى بنا والله أرحم بنا.

‫ صدقت يا أبي.. فأنا وبلال ننعم للمرة الأولى بطفولتنا الكاملة.. فقد كنا في غزة.. أطفالًا مع وقت التنفيذ.

‫*****

أما عن البند الذي يؤكد حق الأطفال في الحصول على المعلومات من شبكة الإنترنت والإذاعة والتلفزيون والصحف والكتب وغيرها، فهو خيال علمي، فقد انتُزع منا هذا الحق بوضوح خلال الحرب الجارية في غزة.

أما بند احترام آراء الأطفال وبند حرية تبادل الأفكار اللذان يتحدثان عن حق للأطفال التعبير عن آرائهم ومشاركة مشاعرهم بحرية بخصوص القضايا التي تؤثر عليهم. فردي عليهما يتمثل فقط في عرض عدد الأطفال الفلسطينيين المحجوزين في السجون الإسرائيلية.

أما عن بند مصالح الطفل الفُضلى الذي ينص على أنه عندما يتخذ البالغون قرارات معينة، عليهم أن يفكروا كيف ستؤثر هذه القرارات على الأطفال، وعلى الأشخاص البالغين أن يفعلوا ما الأفضل بالنسبة للأطفال ترى هل وضعت حكومة الاحتلال أي اعتبار لهذا البند.

بدأت الغارات الصهيونية على غزة في الجمعة الأخيرة الموافقة للخامس والعشرين من رمضان واستمرت لمدة خمسة عشر يومًا، واستشهد فيها 32 من أهل غزة، بينهم عشرة أطفال وأصيب 220، ربعهم من الأطفال وفي أغسطس 2022 قامت إسرائيل بشن هجوم على غزة استمر ليومين.

اسمي ميار. عمري تسع سنوات وشقيقي بلال عمره ست سنوات، إذا فنحن أطفال طبقًا لتعريف اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة. والتي تنص على أن الطفل هو أي شخص يقل عمره عن 18 سنة قد تتساءلون لماذا أستشهد بهذه الاتفافية، دعوني أخبركم.

تذكرت دلال وحوارنا الأسبوع الماضي حول الطفولة. لقد طلّقت طفولتي بالثلاثة.🤔

أشعر بشعور النكبة الأولى نفسه وقت تهجيرنا من المجدل.. عندها افترقت عن أختي.. توجهت مع زوجي جنوبًا إلى غزة.. بينما اتجهت هي وزوجها شرقًا نحو الأردن. كنت أضمها وأنا لا أعرف إذا كنا سنلتقي ثانيةً أم لا»

أبو سمير القطناني الذي استُشهدت أسرته كاملةً. الجد والجدة والأبناء والأحفاد. حضرت جنازتهم ودفنَّا يومها خمسة عشر شهيدًا. هم جميع أفراد الأسرة ‫ أضاف عمي عماد: «عائلة شابات ارتقى منهم ثمانية عشر شهيدًا». وعقّب عمي عمر قائلًا «وعائلة أبو قوطة استشهد منهم تسعة عشر

المجموعة الثالثة، والتي تضم الأبناء الأكبر سنًا فسيقيمون في حافلة والدي، التي كان يستخدمها في نقل موظفي أحد المصانع، بعد أن أزال بعض مقاعدها ووضع مكانها فرشات .

لمحت عمتي فاطمة جوازات السفر، فسألته بصوت مرتجف: «ستسافرون؟»، أجابها بصوت تخنقه العَبَرات: «والله على عيني يا أختي ليس عندي اختيار آخر» ‫ ربتت على ذراعه وقالت: «معلش يا أخي. هذا قدرنا ولعل الله يُحدث بعد ذلك أمرًا» ‫

أنا فلسطيني قلبًا وقالبًا.. دمي ومزاجي وفكري فلسطيني.. لم أشعر يومًا بأنني أمريكي ولم أفتخر بذلك.

فتلقَّاها الرجل مندهشًا وقال لي: «لا يمكنك مجرد البقاء هنا. فهذا هو المقرر للأطفال الذين ماتوا على الفطرة قبل أن يكلَّفوا» ‫ شددت قامتي وأجبته: «لا أريد أن أقضي الفترة إلى يوم القيامة في روضة أطفال بالجنة، فأنا لست طفلًا. تعديت الحادية عشر من عمري.

أجابني: «أنتم في الجنة. وسوف تنعمون على هذا الجبل بفضل الله، يكفلكم خليل الله إبراهيم عليه السلام وزوجته سارة، حتى يردكم إلى آبائكم يوم القيامة» ‫ قلت معترضًا: «لا أريد الذهاب»، ثم مددت ذراعيّ بنضال قائلًا: «يمكنك أن تأخذ شقيقتي ...

وعلى يساري أُسجي جثمان والدتي وعلى صدرها جثمان نضال وفجأة انقشع الضباب ورأيت وجه أخي نصر وقد انحنى فوقي ونظر إليّ بابتسامة حنون، وقال لي مشجعًا: «انطق الشهادة يا جهاد. ردد خلفي: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله

وجه أمل الذي اختلطت فيه الدموع والدماء بالتراب الذي تحوّل إلى طين غطَّى ملامح وجهها الجميلة أما نصر، الذي لم يبلغ العاشرة من العمر، فكانت نظراته مثل نظرات رجل ناضج. أهرمته صفعات القهر والظلم والأسى كان ينظر إلى أفراد أسرته .

سيجرفُكَ السَّيْلُ سَيْلُ الدِّماءِ

‫ ..

‫ ويأْكُلُكَ العَاصِفُ المشتَعِلْ

‫ أبو القاسم الشابي

إهداء

‫ إلى أخي العزيز خالد أبو علوان وعائلته الكريمة

‫ رحم الله وتقبَّل مَن ارتقى..

‫ وحمى وصَبَّر مَن بقيَ