اقتباسات شيماء هشام سعد

الوقتُ دواءُ الحزين وسُمُّ المنتظر، يسحب روحه ببطء وتشفٍّ حتى يتركه جثة متعفنة، أعرف هذا من نفسي.

من خالتي أم صالح تعلمت الزراعة والخبز وتربية الدجاج والتعبير عن محبتي وإخلاصي فيما أطبخ، والأهم من ذلك كله تعلمت منها كيف أصير امرأة.

الإنسان الذي يعاني كراهية المجتمع له قد يضعف مع الوقت ويتنازل وينصهر فيه،

يصبح التذكر طقسًا تعبديًّا يمارسه الموتور ليحتفظ بغضبه حيًّا وطازجًا، هذا الغضب الذي يقطع به الأيام والشهور والسنوات إلى اللحظة التي يثأر فيها،

كان إنسانًا من هذا النوع؛ يفعل الخير دون أن يرى في نفسه أيَّ مزيَّةٍ أنه فعلَه، ويتمسك بالحق ويُنافح عنه دون أن يُحس نفسَه مكافحًا لأجل ذلك، ويُحارب بضراوة من أجل ما يؤمن به فقط لأنه واجبه.

‫ «الأمر ليس صعبًا يا أمي، اثنان لا يمكن أن تذهبي عنهم حتى وإن متِّ: مَن يحبكِ بشدة، ومَن يبغضكِ بشدة!»

«طوال عمرك وأنت إنسان وصولي وعينُك على ما ليس لك، يحلو لك كل ما لغيرك، ومثل كائن طُفيليٍّ قذر تحطُّ على الآخرين وتعمل بدأب على تجريدهم مما يملكون»

«الغريب لا يصير صاحب الأرض بقوة السلاح يا صادق، تلك بلادنا!» ‫ فرد عمي صادق: ‫ «لم يصيروا أصحابها لكنهم أخذوها بقوة السلاح، وحتى تعود إليها يلزمك سلاح، ما أخذتْه منك الأسلحة لا يُعيده لك الدخول مقرفصًا في شاحنة تهريب

الذل في أرضك خير من الذل في أرض الغريب»

الطب لم يخترع بعد دواءً لحذف الذكريات المؤلمة.

والتصق بجانبي مثل طفل يتمسك بآخر من بقي من أهله، ومهما حاولتُ استنطاقَه وبكيت لم يخبرني بما فعلته الميليشيات في أمي وإخوتي، لكنني أراهم كل ليلة في منامي وجنود الميليشيات يذبحونهم بالسكاكين،

وتخرج روح جدي بعدها دون أن تترك لنا المجاعة دموعًا في المآقي من أجل هذه اللحظة.

يضع كفه المرتعشة على كفي ويُحلِّفني ألا أسمح لنفسي بنسيان ما قصَّه عليَّ، وأن تظل في قلبي وعقلي قريةٌ اسمها السنديانة من قضاء حيفا جنوب جبل الكرمل، وأن أقرأ الفاتحة على روحه عندما أعود إلى داره هناك،

يُقسم علينا ألا ننسى البلاد التي جئنا منها وألا نكف عن محاولة العودة،

يعطي لأبي مفتاح داره الذي ظل محتفظا به لثمانية وعشرين عامًا في مخيم اللاجئين ويقول له في سخرية مريرة ودموع: «المفتاح معي لكن الدارَ ليست معي»

«آهٍ أيها العالم ابن الكلب، هل يموت سعد الذي عصر زيتون البلاد وحصد قمحها جوعًا في نهاية الأمر بينما يستمتع الأغراب بخير أرضه؟ آهٍ أيها العالم ابن الكلب!»

ثم بدأت الميليشيات اللبنانية قصف المخيم في يونيو ١٩٧٦ تمهيدا لاقتحامه، لكن كثيرا من السكان قضوا حتفهم من الجوع لا من القصف

وأمي كانت تكتفي بالتهوين عليه عندما توشك الحكاية أن تقتله كمدا

الفلسطيني الذي يعود من لبنان بعد عام أو عامين لا يعود من أهل فلسطين، ونحن الذين جئنا من كل بقاع الأرض بعد ألفي سنةٍ أصحابها ومواطنوها»

قلنا نمشي الآن بدل أن يقتلوا أبناءنا جميعا وسنعود حتما فيما بعد لأن هذه بلدتنا، أرضنا، بيوتنا، وليس معقولا أن يُخرجونا من بيوتنا في وضح النهار ويستولوا عليها ولا نستطيع العودة إليها»