اقتباسات شيماء هشام سعد

عندما انفك جمودي نزلتُ على ركبتيَّ وفتحتُ ذراعيَّ أعانق أكبر عدد ممكن من دجاجاتي الحزينات، رفعن رؤوسهن وهن في حضني وانشقت حناجرهن عن عويل يمزق القلب،

فما الفارق في ثكل الأبناء بين أن تكون الأم إنسانًا أو دجاجة؟ أليس الألمَ الحارقَ نفسه؟ أليست مقتلةٌ جماعيةٌ بهذه القسوة محزنةً بالقدر ذاته أيًّ

ودخلتْ أمينة حياتي بحذر مشوب بالأمل، ساحبةً وراءها رجلها اليمنى وحقيبة مشاعرها البكر والكثير من الأيام الطيبة مثلها.

حين أخبرتُها أنه لا يلزمها في البدء أن تتخلى عن حذرها كله لتتزوجني، كل ما عليها فعله أن تثق في حدسها تجاهي وتمشي نحوي بالسرعة التي تراها مناسبةً وأنا بدوري لن أتخطى هذه السرعة في مشيي نحوها

ورحتُ أراقب عن كثبٍ المناضلَ الحقيقيَّ وهو يخوض معركته صامتًا وأعزلَ من أي شعار، ويبدو أن البلد الذي جاء منه يهوى لفَّ اللثام؛ فبينما يتلثَّمون هناك بالشالات كان لثام يوسف اسمًا مستعارًا

كنت أمام شاب لم يرَ وطنه من قبل؛ وُلد وعاش في المنفى، لكنه كان مسكونًا بفلسطين التي لم يرَها إلى حد التماسِ كلِّ سبيل ممكن للعودة إليها

اكتشفتُ لأول مرة كيف يمكن للإنسان أن يكون هادئًا من الخارج مثل ليلة صيفية نسيمة في حين يغلي داخله كمرجل على النار،

لقد كان اختلافهما من النوع الذي لا يجرح حضور أيٍّ منهما في البيت، أو يمكن القول أنهما مَن حرصا على ألا تهتز صورتهما ككيان واحد بسبب اختلاف كل منهما عن الآخر

أسخف ما يمكن أن تتعرض له كإنسان هو أن تخاف من شيء لا يراه أحد غيرك، ولا يريد أحد أن يصدقك عندما تخبرهم بوجوده.

هكذا إذًا؛ الرجل ما زال ساخطا على ربه لكن حاجته إليه تغلبت على السخط الذي جعله يقاطعه ثمان سنوات، ولحاجته وحدها قرر إنهاء القطيعة والذهاب إليه لطلب العون، يا للإنسان من مخلوق عاجز!

«عمي عبود، أنا لست طبيبك النفسي ولا إحدى بناتك، أنا المحقق الذي استعنت به لكشف غموض ما يحدث في هذا البيت، ولذلك عليك أن تجيب أسئلتي فقط دون أي دخول في تفاصيل لم أسأل عنها»

«وقلتُ لنفسي: لا بدَّ أن أكونَ موجودًا رغم كل شيء، لقد حاولوا أن يُذوِّبوني كقطعة سكر‏

‫في فنجانٍ ساخن، وبذلوا -يشهد الله- ‏

‫جهدًا عجيبًا من أجل ذلك، ولكنني ‏

‫ما أزال موجودًا رغم كل شيء»

‫ غسان كنفاني

هل كان هروبي إلى المغرب فعلًا أنانيًّا يُشبه القفز من سفينة تغرق تاركةً أحبابي خلفي؟

علاقة مشتبكة كمتاهة وصعبة كأحجية.

إن الأطفال مثل النباتات المتسلِّقة؛ تحتاج دعامةً لتنمو باستقامة، ورحم الله الأستاذ عبد الحي، قال مرةً: «إذا سقط الأبُ اعوَجَّ الولد..».

وأكثر ما حسده عليه قدرته على قول «لا» لكل ما لا يرضى عنه بِغَضِّ النظر عن العواقب، وربما لهذا السبب مات عبد الرحيم في تلك السِّن، ربما لأن الدنيا لا تحتمل كل هذه الكثافة من قول «لا»!

لا يريد أن يثبت لنفسه أنه رجل حزين، هذا شيءٌ يعرفه بطبيعة الحال، لكن الحزن لا يُقلِّمنا من أخطائنا، كما ولن يُجرى لنا حَسْمًا على فاتورة الحساب لأننا كنا حَزانَى.

تعاودني الغصة نفسها وأشعر بيد كبيرة تضغط على قلبي وتعتصره، للذاكرة أسباب غير مفهومة فيما تحتفظ به وما تتخلص منه.

ربما ماتت أمي، لكنَّ صوتها لم يزل هنا يُخبر سامعه بماضيها كلِّه ويحملُه على جناحَيه إلى بلادها الجميلة كحلم ، ربما من أجل ذلك علينا أن نكُفَّ عن كتابة المراثي.

وليس معقولا أن يُخرجونا من بيوتنا في وضح النهار ويستولوا عليها ولا نستطيع العودة إليها