1️⃣ الموضوع : قراءة نقدية
2️⃣ العمل : رواية "ميراث الحرمان"
3️⃣ التصنيف : فلسفية ـ اجتماعية
4️⃣ الكاتبة : جيهان سرور
5️⃣ الصفحات : 228 أبجد
6️⃣ سنة النشر : 2025 م
7️⃣ الناشر : دار اكتب
8️⃣ التقييم : ⭐⭐⭐⭐⭐
♦️ مقدمة:_
ـ أولى قراءاتي للكاتبة ، من منطلق التعرف على أقلام رُشحت لي ، لم أقف على كتابتها من قبل ، وقد آن الأوان .. والشكر موصول لـ أبجد ..الذي سهل علينا الوصول لمطلبنا ، وجعل كل الأهداف في ملعبنا .
ـ قبل أيام وصمت بالقسوة في رأيي ، فأورد ذلكم نأيي ، واتهمت بالشخصنة في طرحي ، فعمق ذلكم جرحي ، ممن أكن لهم الوداد ، وأشهد أنه لا يعبر عن المراد ، وإنني والله من هذا براء ، ويشهد على ذلك الفضلاء … وإلى العمل »»
♦️على هامش الرواية :_
ـ ماذا تراه يفعل الحرمان ؟
يضرم النار في قلب الإنسان ، فيضخها الأخير مع الدماء ، ليروي بها الأعضاء ، فلا ترى العين إلا قبيح ، ولا تشم الأنف إلا أسوأ ريح ، ولا تسمع الآذان إلا الضجيج ، ويبقى العمر في أمر مريج ، يئن الجنان وتوهن الروح ، ينعقد اللسان وينطفأ الطموح ، يتهاوى البدن حينها ، ويُسمع من الحياة أنينها ، وتذبل الأعضاء ويصيبها العطب ، ويبقى الشقاء وهذا من العجب.
ـ والأعجب ..!! عندما يعم العطاء بعد المنع ، يكثر الأنين والبكاء والدمع ، ولا تفيق الروح من سكرتها ، ولا تستيقظ النفس من غفوتها ، ويبقى ميراث الحرمان ، يهز سلامة البنيان ، ولا نستشعر الرضا والسعادة ، كأن الحزن والحرمان عادة ، فهل إلى سبيل من سلام ، هل حلال أم حرام ...؟
ـ رواية كتبت بمداد الألم ، متمثلاً في صورة القلم ، خطتها يد الواقع ، فأبصرها القارئ والسامع ، رأيت الحزن في قلب السعادة ، بصرت النور في جوف الظلام ، فلا وصل المريد إلى مراده ، ولا رسمت حكايتنا السلام ..
كساها ثوب أحزان ، علاها قهـر أزمان
بناها إرث حرمان ، وقد عايشت معناه
قيود في تحررها ، جمود في تطورها
يقين في تصورها ، شعوراً لست أنساه
♦️حول قصة الرواية: بين الحرمان والعطاء
ـ تدورأحداث الرواية في نهاية الثمانينات ، مع
حور ، تلك الفتاة التي نشأت يتيمة الأب ، فقيرة بسيطة ، ناقمة على هذا الفقر وهذه البساطة وذلك القهر ، ساعية إلى التحرر من قيودها بكل شكل ولون ، باحثة عن مبتغاها ، لكن فقرها وعجزها ، حال بينها وبين الوصول إلى منتهاها.
ـ وفي خضم معاناتها ، تكتشف مع أخيها عصام أن لها إرثًا تركه لهما والدهما ، لكن أمهما أخفته عنهما خوفًا عليهما من الحياة ، فكبرا يعيشان في حرمان ، دون أن يدركا أن العطاء كان قريبًا منهما طوال الوقت ، أصيب الولد بالصدمة وعلى إثرها ترك البلاد ، ولكن حور بقيت واستمرت في الجهاد .
ـ يتغير الحال عندما يتقدم لحور زوج أنيق ، وشاب رشيق ، غني تقي ، جميل أصيل ، وهو المهندس "حسين إسماعيل" ، عليل القلب ، سليم الروح والوجدان ، لين الجنب ، قوي البنية والأركان .. إلا أن زواجها منه لا ينهي صراعاتها ، بل يدخلها في معركة جديدة ، بين العطاء الواسع الذي لم تعرف معناه ، وبين طعم الألم الذي تجرعت سقياه ، تُرزق منه بابنتين ، لكنها تجزع ، وتنكر وتدمع ، غير مستشعرة الرزق الذي تحمله البنات.
ـ وعلى الجانب الآخر ، هناك دعاء ، ابنة عم زوجها وزوجة أخيه الأصغر محمد ، التي حُرمت هي الأخرى من والدها ، فعاشت في كنف عمها الغني ، لكنها بقيت فقيرة ، في حرية ظاهرة وباطنها أسيرة ، في تعاسة مضمرة وظاهرها سريرة ، تكتشف دعاء لاحقًا أن لها ميراثًا أخفاه عنها عمها ، خوفًا عليها وعلى والدتها.
ـ هنا يتجلى الصراع بين العطاء والمنع ، وكيف أن المنع قد يسلب العطاء قيمته ، ويحرم لذته ، فلا يُستشعر ولا يُستقبل ، ولا يختفي ولا يُستبدل ، بل يثير الخوف والشكوك ، ويُبقي الألم والجراح ، ويكشف التفاصيل والحقوق ، فهل هناك أمل أوالسماح ؟
♦️ الموضوعات والرسائل:_
▪️تبدأ الرواية بموازنة دقيقة بين الشغف والعجز ، وتنتهي على ما بدأت عليه ، برسالة مفادها أن الأمور تبقى على حالها ما لم يُعاد النظر فيها بوعي وإدراك.
▪️تناقش الرواية العديد من القضايا الاجتماعية المهمة ، مثل حرمان الأيتام من أموالهم بحجة الخوف عليهم من الفساد والضياع ، والتحكم الذي يحرمهم من حياة كريمة كان يمكن أن تكون من حقهم ..
▪️كما تسلط الرواية الضوء على التكاتف الأسري كعامل أساسي في بناء النجاح والاستقرار ، من خلال العلاقة المتينة ، والثقة المتبادلة ، والحب الفطري بين الإخوة الثلاث "حسين ـ محمد ـ مدحت "
▪️تعرج على قضية التحيز لإنجاب الذكور ، وكيف أن إنجاب البنات قد يُستقبل بالغصة ، رغم أن كل مولود يأتي برزقه وخيره ، بل خير الأخيرة أوفر ، ورزقها أكثر ، فهل يعقل العاقلون ، أو يبصر الناظرون ؟
▪️تناقش الرواية أثر القيود والجمود على مصائر الأفراد ، وكيف يمكن أن تحدّ من إمكاناتهم وتعيق تحقيق أحلامهم ، وتدمر دواخلهم ، حتى لو بباطنها صلاح ، فظاهرها جراح ، فلمَ لا يستقيمان ، ولمَ الحرمان ؟
♦️اللغة ـ السرد ـ الحوار:_
▪️ـ اللغة: جاءت الرواية باللغة العربية الفصحى البسيطة المفهومة ، دون تكلف أو إخفاق ، ودون إطناب أو إغراق .. استطاعت أن تصل بذكاء إلى المعنى المراد ، بقليل من اللفظ والعتاد ، مع الحفاظ على قوة التعبير ، وسلامة مرجع الضمير ، وجزالة الأسلوب ، وروعة التركيب .
▪️ـ السرد: كان السرد شيقًا ملائماً لمحتواها ، يحمل الكثير من الفلسفة العميقة ، ويطرح الكثير من التساؤلات المهمة ، التي أضفى عليها الحوار بُعدًا أعمق ، ما جعله عنصرًا أساسيًا في إبراز التصنيف الاجتماعي للشخصيات.
▪️ـ الحوار: جاء باللهجة العامية المصرية ، في البداية لم يكن متناسبًا تمامًا مع زمن وجيل الثمانينات ، إذ شابه الخلل ؛ لكنه تدرّج رويدًا رويدًا حتى استقام ؛ ليصبح أكثر ملاءمةً للسياق الزمني والمكاني ، ويعكس بصدق طبيعة الشخصيات ، ودلالاتها الواقعية.
♦️الحبكة والبنية الروائية:_
جاءت الحبكة مسلسلة ، تقوم على أسس نفسية ، وتغوص في أعماق النفس البشرية ، وتخاطب العقل بلسان القلب والعكس ، وتوازن بين الروح وأفكار النفس ، محكمة متقنة ، شديدة الإبداع ، سريعة الإيقاع ، بسيطة المظهر ، عميقة الجوهر ، تحمل بداخلها الدرر ، وتطرح عنها الكدر ، لها ظاهر عجيب وباطن أعحب ، لها وقع غريب وواقع أغرب .
♦️تحليل الشخصيات:_
▪️ـ تناولت تناولت الرواية الشخصيات بعبقرية ، حيث رسمتها الكاتبة بدقة شديدة ، مانحًة كل شخصية أبعادها النفسية والاجتماعية التي تجعلها نابضة بالحياة .. استطاعت أن تعكس ببراعة الصراع الأزلي بين الحرمان والعطاء ، والخوف والحماية ، والحرية والقيود ، مقدمًة شخصيات حية ومتفاعلة ، تتشابك مصائرها في نسيج درامي مؤثر..
▪️ـ حور: البطلة المحورية ، فتاة يتيمة نشأت في فقر مدقع ، لكنها كانت تملك روحًا ثائرة على واقعها ، ناقمة على القيود التي فرضت عليها .. جسّدت الكاتبة حالتها النفسية بعمق شديد ، فأبرزت صراعها الداخلي بين حاجتها إلى التحرر وسقف إمكاناتها المحدود من ناحية ، وبين حلمها بالثراء الذي بدا بعيد المنال ، حتى حين تحقق لم تستطع أن تتقبله بسهولة من أخرى .
▪️ـ عصام: الأخ الحنون والمسؤول ، الذي شارك أخته رحلة المعاناة ، لكنه تقبل الواقع بصبر أكثر، ومع ذلك لم يكن بعيدًا عن المفاجأة الكبرى حين اكتشف أن والدهما ترك لهما إرثًا أخفته عنهما أمهما .. وهو الشخصية المظلومة في العمل والذي اختفى عنه وهو من صلبه ، ألم يرث الحرمان مناصفة ، فأين كان وجوده ….؟
▪️ـ حسين إسماعيل: زوج حور ، رجل نبيل ، ثري، تقي، لكنه مريض القلب، جمع بين القوة والهشاشة في آنٍ واحد .. رغم أنه منح حور حياة مريحة، إلا أنها لم تستطع استيعاب مفهوم العطاء بسهولة، ليكون زواجهما اختبارًا جديدًا لها، حيث واجهت أزمة في إدراك قيمة ما تملكه .. تأثرت بهذه الشخصية جداً حين قدمتها الكاتبة ببراعة .
▪️ـ دعاء: ابنة أخ الحاج اسماعيل ، التي نشأت يتيمة أيضًا ، لكنها عاشت في كنف عمها الغني ، ورغم ما بدا من أنها تمتلك حياة ميسورة، إلا أنها ظلت تعاني من شعور الأسر والحرمان، حتى اكتشفت ميراثًا أخفاه عنها عمها ، ما جعلها تعيش صراعًا موازياً بين العطاء والمنع ، والشك واليقين ، والحب والكره ، والرضا والسخط .
▪️ـ أم عصام: شخصية ثنائية الطبيعة طيبة ومعقدة ، تجسد فكرة التحكم بحياة الأبناء بدافع الحماية ، لكنها في الواقع كرست فقرهم وحرمانهم ، رغم أنها كانت تستطيع تأمين مستقبلهم بسهولة لو وثقت بقدرتهم على إدارة حياتهم.
▪️ـ الحاج إسماعيل: عم دعاء، الذي مثل الوجه الآخر لأم عصام ، حيث اعتقد أنه يحمي دعاء ووالدتها بإخفاء إرثها، لكنه في الحقيقة حرمها من حقها، معتقدًا أنه يحسن التصرف.
♦️رأيي الشخصي:_
رواية جريئة ، تناولت كل بعمق ما يدور في الأحوال ، تستقرئ الحال والمآل ، فألهمتنا وعلمتنا ، وأفرحتنا وأحزنتنا ، وأدهشتنا وأربكتنا ، وأنطقتنا وأخرستنا ، وآلمتنا وأسعفتنا ، وأضحّكتنا وأبكتنا .. في آنٍ واحد .
♦️ اقتباسات أعجبتني:_
ـ ❞ أوقات كتير، الموت برفق ولين، بيكون أفضل من العذاب في حياة من غير روح! ❝
ـ ❞ كل الآلام تزول مع الزمن، إلَّا ألم الحرمان، يظلُّ هو أشد ألم. ❝
ـ ❞ ما بين القبول والرفض،هو تجرع المزيد من المرار والحنظل. ❝
ـ ❞ هل تستحق الحياة كل تلك الصراعات!
هل يمكن أن نعيش الحياة نبحث عن تحقيق سعادتنا!
أمْ أنه قد كُتب علينا أن نساق في طرقٍ لا نعلمها؛ لإرضاء الآخرين! ❝
#أبجد
#جيهان_سرور
#ميراث_الحرمان
#مراجعات_محمود_توغان