سنوات الجري في المكان > مراجعات رواية سنوات الجري في المكان
مراجعات رواية سنوات الجري في المكان
ماذا كان رأي القرّاء برواية سنوات الجري في المكان؟ اقرأ مراجعات الرواية أو أضف مراجعتك الخاصة.
سنوات الجري في المكان
مراجعات
كن أول من يراجع الكتاب
-
Rahel KhairZad
سنوات الجري في المكان
Nora Nagi
دار الشروق
إصدار 2022
صفحة 266
⭐️⭐️⭐️⭐️⭐️
تشريح المأساة (سنوات الجري في المكان)
■ «ما قدرك سوى أن تكون ميتًا؟ من سوء الحظِّ أنَّ جيلك هو المختار. من سوء الحظِّ أنَّ أفضل أيَّام حياتك ستمضيها ماشيًا على الأرض كروح. لكن هذا قدرك.».
كانت امي رحمها الله دائما ما تخبرني أننا أموات أولاد أموات لذا نشات على تقبل حقيقته ووجوده ولكن بمرور الوفت يفطن المرء إلى انواع شتى من الموت اقسى واعظم هولا من ذلك الموت الذي ينتهي بتوقف عضلة القلب لشخص ما.
نسير في الحياة لنرى ملمح من ملامح الموت في كل يوم وكأن الموت نبتة خبيثة وجدت خصيصا لتتغذى على ارواحنا بالتدريج حتى تصل فى أخر الامر إلى مبتغاها أو كما قال الرافعي رحمه الله: " يموت الحي شيئاً فشيئا؛ وحين لا يبقى فيه ما يموت، يُقال: مات" وهذا ما اعتمدت عليه الكاتبه في روايتهاولكن ما جعل الامر مؤلما هو تلك الصفعه التي داومت عليها صفحة تلو الأخرى قاصدة عن عمد أن تقول لنا أفق انا لست اتحدث عن رواية هنا.
أنا اتحدث عنك انت .. انت وحدك الميت .. الحي.
"كل من حولنا يملكون أسبابًا للحزن، وكلنا نسير في صمت وكأننا لا نشعر بشيء، لكننا نشعر بكل شيء"
في وطني ثقافتنا تقتضي التجاهل والتحايل نتجاهل الظلم والقهر حتى لا نتعرض لدرجة اكبر منه تسلب منا الحقوق فنتصنع عدم رؤيتنا وانتباهنا للأمر نتحايل على الواقع المرير ببسمة او نكتة تصف حالنا البائس فنظل نضحك ضحك كالبكاء يأخذمنا أكثر مما يعطي حتى نذوي لذا لا اتعجب من مقولة "خير اللهم اجعله خير" بعد نوبة ضحك قوية ولكن بعض المصائب تاتي لكي تظل شامخة عفية لا تقبل بالتحايل والتغافل عنها وقد كان.
تبدأ الرواية من النهاية حيث انتهى الحال بموت سعد وما أعذبه من أسم حين قرأته فنرى سعد في مشرحة زينهم مسجي على لوح معندي بارد لم تفارقه بسمته التي اكتسبها زهوة بالنصر وما لبثت أن صاحبته الى السماء حينما اخترقت رصاصة غادرة عينه التي هي سلاحه الوحيد باستخدام الكاميرا في الميدان.
دائما ما يكون الموت هو النهاية ولكنه هنا كان البداية او لنقل أنه بداية النهاية لا أدري حقا ما زلت واقعة تحت تأثير الرواية .
لم يكن سعد وحده في الميدان بالطبع كان معه الاف غيره ولكنهم هم وحدهم من حملوا الغصة وانطلقوا مصطفى ونانا وياسمين ويحيى لنرى بعدها ما آلت اليه الأمور معهم وكيف تقبلوا واقعهم.
لم يكن أول تعارف بين الموت وسعد فقد شهده قديما مع والده حينما غرق ضمن ضحايا العبارة سالم وهو قادم من الخارج بعدما قررتقديم سلسلة التنازلات الشهيرة التي تبدأ بالغربة من أجل حياة كريمة لاسرته وأولاده فتذوق سعد طعم الموت تدريجيا ولكنن تجسد له في الألوان فراح يشرح لنا مراحله بداية من الازرق الباهت الهش مرورا بأسود التلاشي فأحمر الفزع والهشاشة ثم اخضر الكذب والإنكار فرمادي الكأبة والمرد حتى أبيض الثبات الذي لا مراء فيه ولا مناورات فيكون لون الكفن ولون الولادة ولون الحياة ولون الموت هذه في الحياة لدى سعد مزيج من الألوان حاول جاهدا التعبير عنها على حقيقتها لا كما أولها الناس.
وحدها ياسمين من عرفته وجدته امامها في المشرحه ضمن من اتوا لم تتخيل ان تجد صديق امامها هكذا قط عرفته وغسلت الدم المتجمد حول ذلك الثقب بعينه واخبرت نانا لل
تتاكد وبعدها ذهبت لتأكل كي تكمل ذلك اليوم الشاق ولكنها على غير العاده تقيأت ما قضمته وفقدت بعدها حاسة التذوق ولكنها لا تنسى ان تصف لنا مذاق بعض المشاعر كما احستهة سابقا لتخبرنا اولا بمذاق الموت ❞ الموت في مجمله مثل حلم، عند الاختفاء نتحول إلى حلم في ذاكرة الأحياء، شخص كان هنا وتلاشى، لا يمكن لمسه أو الإمساك به، مجرد صوت في رسالة صوتية أو صورة في علبة خضراء محفوظة في الدولاب، كل الأطياف الباقية لمن رحلوا هي مجرد انعكاسات للموت والحلم. ❝ ومنه تنتقل لمذاق الذكرى والذي هو خادع وكاذب يمكن أن يقنعك بأي شيء يريد كأن تزيق واقع بغيره ملفق ما دمت لست مطالب بإثبات الحقيقة فالكذب اهون ومنها لمذاق الخوف الذي يجعل الحياة تستمر برغم فقدها لم يكونها من الاساس وهكذا تظل تذوي بين جنبات الحياة منتظرا موت لا يأتي اعتقادا منك انك مازلت متشبثا بالحياة في حين انك انتهيت منذ زمن لتكتشف وقتها فقط ان للاشيء مذاق وهو ما حدث لك فتساوى الوجود مع العدم.
يحكي مصطفى عن معنى الحياة بشكل أخر يعرفها من صوتها الذي فقده بعدما فقد سمعه يوم مات سعد فلم يعد يسمع الاصوات بوضوح يسمع فقط تلك الذبذبات الخفية التي تحيط بالصوت الواضح القوى وما عدا ذلك مفقود يخبرنا عن صوت الرسالة التي تعدك بأمل جديد ربما او ذكرى ماضية ظننت أنك تخطيتها أو حلم مؤجل لاجل غير معلوم ويحدثنا عن صوت الموت تلك التكه التي تخلخل الهواء من حولها ليقف الزمن لحظة لا يعود بعدها كما كان ويظل يصف حتى يصل لصوت الهتاف وما اعظمه من صوت حين وصغه ب ❞ الهتاف الذي يخرج من القلوب لا يشبه صوتًا، أو ربما هو صوت الخالق، أو هو الخالق يتجلى أمامك في ذبذبة، فتخر صعقًا.. ❝اهتز وجداني لهذا الوصف فهذا هو صوت الحق حينما يعلو ويضج يخرج من القلب والجوارح قبل اللسان .
لا يكتفي يحيى بالمعرفة السطحية ل سعد كيف وقد اثر موته على حياته وقلبها رأسا على عقب فمنذ وفاته وياسمين لم تتخطى الامر وحتى بعد زواج يحيى من ياسمين ظلت المأساة تكبر والفجوة تكبر حتى تخلى يحيى عنها فلم يعد يحتمل انهيارها قرر البقاء ولكن وحيدا بلا ياسمين وبلا ثورة وبلا شعارات فبدل القصائد الثورية بالاغاني والمسرحيات النجارية قرر مواكبة التيار ووصف لنا الحياة كرائحة ما بين رائحة دم وقلب وخوف ودموع تماهى رافضا الاعتراف بعجزة عن الاستمرار راغبا للمحاولة حتى آخر لحظة له مغلفا بقشرة صناعية ما لبثت ان انهارت في احضان نانا .
تأتي نانا في النهاية كجواد رابح كقطعة بازل نهائية توضع لتتضح معالم الصورة جليه لا يشوبها شائبة فتقرر تحقيق حلمها بكتابة رواية واي رواية أعظم من قصة جيل حلم وانتفض لتحقيق حلم طال ثم وجد نفسه فجأة يتشبث بسراب ويكتشف انه بعد كل شيء ما زال ثابت يجري في مكانه لم يتحرك قيد انملة.
دائما ما أقف مبهورة أمام عمل روائي او قصيدة لأتسأل كيف اسنطاع الكاتب أن يصف الامور بهذه الطريقة وكيف ملك زمام موهبته هكذا وجعلها طيعة بديعة ولكن هنا استطاعت الكاتبه ان تدهشني اكثر بدرجة لم أكن اتوقعها إذ أنها استطاعت أن تجعل مشوع فني يقدمه سعد ان يصف حال شعب على مدار ثلاثة عقود فكرة لم ينتبه لها سوى الساسة وصانعي القرار فحتى اهل الفن لم يفطنوا لمغزى المشروع فكانت النتيجه العقاب والاختفاء ناهيك عن وأد حلم استمر لسنوات طويلة في مهده.
طوال القراءة وانا اشعر بذات الغصة التي شعر بها الابطال فأستنكرتها حواسهم قبلهم وقررت التنحي عن دورها فلا داعي لها ما دتم لا شيء يتغير فالعالم وحده يتغير والاشخاص محلك سر اصبحوا ارواح هائمة لا طاقة لها ولا فائدة.
لغة الرواية جاءت بديعة مفعمة بالشعور يتدفق من بين ثناياها فكنت أشعر بذلك التقلص اسفل البطن وتلك القشعريرة والرغبة الملحة في التلاشي والشعور المخزي بالعري كلها مشاعر آلمتني واكثرهم ايلاما هو الشعور بالخيبة فبعد اكثر من عشر سنوات ووسط ما تحمله الحياة من ملهيات اكتشفت أني ما زلت أجري في مكاني الامر أشبه بأن تكون داخل لوحة ثم تقرر القفز خارج إطارها والنظر اليها من بعيد لتكتشف صدمتك القاتلة ويظل السؤال قائما هل استحق الامر ذلك؟ وما سبب الخذلان؟
جاءت الحبكة رائعة والسرد عذب متسلسل يتسرب الى وجدانك دون ادنى مجهود منك كما قامت الكاتبه برسم الشخصيات بحرفية وإميتاز إذ أنها لم تكتفي بسرد خلفياتهم وحياتهم الماضية بل جعلت لسان كل شخصية يحكي من منظور وطريقة مغايرة تماما فتارة تكتب الرواية وتارة تصنع لوحه وتارة تكتب المسرح لتبهرك بشمولية قلمها وفردانيته كما أحببت تحدثها عن بعض الامراض النفسية ودمجها للغناء في بعض احداث الرواية.
في الختام ليست أول قراءة للكاتبه ولن تكون الاخيرة إن شاء الله وإن كنت اجدها تتلذذ بأن تلهب ما لم يندمل بعد أنصح بها جدا.
#مسابقة_سنوات_الجري_في_المكان
#سنوات_الجري_في_المكان
#نورا_ناجي
-
دينا ممدوح
*الرواية التي وضعتها على قائمة القراءة منذ صدورها، في كل مرة كنت ابدأ في صفحاتها الأولى وأتوقف، ولا أعلم السبب، ولكن بعد ذلك عرفت.
*شاهدت لقاء لنورا ناجي تتحدث عن الرواية كانت تتحدث بقلبها وروحها وجسدها، فكانت يديها تتحرك وهي تحكي عن سعد ونانا ومصطفى وياسمين وكأنها تمد يديها لتخرج الكلمات من قلبها وتقذفها في قلبي، بعد ذلك بيومين –ودون أي سبب واضح- فكرت في تصوير غلاف الرواية، حتى الأسبوع الماضي عندما فتحت الرواية مرة أخرى وقررت البدء فيها، ومع صفحاتها الأولى عرفت أن القدر كان يرسم بالضبط كل الأماكن التي سأقرأ فيها صفحاتها، ومواقفها التي كانت صدفة تأكل قلبي بشكل غير مفهوم، وعرفت سبب تأخري في قراءة هذه الرواية حتى الآن، لأن هذا كان وقتها بالتحديد، أحب الروايات التي تصنع معي تاريخ قبل أن ابدأ فيها وأعرف إنها ستكون قريبة لقلبي وهو ما حدث مع سنوات الجري.
*نورا ناجي لا تكتب رواياتها، نورا ناجي تعيش رواياتها؛ لتجعلني أن الأخرى أعيش فيها بكل مشاعري وحواسي، لم تتحدث فقط عن حواس الأبطال وما فقدوه، ولكنني كنت أنا الأخرى أفقد شيء معهم في كل صفحة أكثر من دموعي وحدها، طوال مشاهد الرواية وأنا أحدث نفسي، بالتأكيد نورا عاشت هذا الجزء، مؤكد قامت بتلك الحركة أو شمت هذه الرائحة أو لمست هذه القطعة، وصفت صوت المترو كما أشعر به بالضبط! لا يمكن أن يصف شخص كل تلك المشاعر والروائح والمواقف دون أن يعيشها حقًا، كنت أرى أمام عيني ما تكتبه، وكأنها رسمته بصورة خيالية تتجسد مع كل صفحة اتخطاها من صفحات الرواية.
*بكيت حين مات سعد وبكيت أكثر وأكثر حين زار مكان موت أبيه، شعرت بالغصة والفقد والوحشة والخوف معه، كنت اقرأ الرواية وأنا أسير بهدوء في الشارع فجلست على جانب الطريق لأتماسك قليلًا، والمصادفة العجيبة أنني كنت قبلها بلحظات أخرج من محطة مترو السادات وأسير نحو الميدان، المكان ذاته الذي رحل فيه سعد!
*كنت اقرأ صوت ياسمين حين وصفت كيف إنها أصبحت لا تتذوق النسكافية الغني الذي كانت تفضله نصفه ماء ونصفه حليب ونصف ساخن، حين كنت أمسك بكوب النسكافية في يدي بالفعل، وكما تفضله بالتحديد دون أدنى تغيير! فتوقف لساني عن الشعور بمذاقة ولم تعد معدتي تشعر بدفئه!
*لا أعلم لماذا كانت تطاردني أحداث الرواية بمفارقات عجيبة طوال قراءتها وكأنها تضيف توحد وثقل أكثر مما أشعر بالفعل ما بين سطورها!
*ربطها ما بين موقعة الجمل وحتى فترة جائحة كورونا خلق لدي شعور إنها تربط الحصار ببعضه، المرة الأول حاصرنا مجهولين، والمرة الثانية حاصرنا فيروس مجهول، الجهل وباء بكافة اشكاله، جهلك بعدوك يجعلك لا تعرف من أين ستأتي ضربته.
*شخصية "نانا" كانت هي حل اللغز، على الرغم من ظهورها في أحداث الرواية منذ بدايتها إلا أنني شعرت إنها أكثر شخصية غريبة وغير مفهومة حتى بدأ الفصل الأخير من الرواية معها، كانت حل اللغز لكل الأحداث التي ظهرت قبلها ومواقفها وردود أفعالها وحتى ردود أفعال الشخصيات الأخرى، كلما تحدثت ووصفت مشاعرها كنت أشعر بثقل فوق قلبي، غصة تعُقني عن التنفس وتُبكيني.
*القراءة الثالثة لنورا ناجي وفي كل مرة أجدها مختلفة سواء من حيث الفكرة أو السرد أو حتى روح العمل نفسه وكأنها تتلبس الأبطال والحياة التي ترسمها، تحتاج هذه الرواية عند كتابتها إلى خريطة لربط الأحداث ببعضها البعض عبر الشخصيات، ولكن لقراءتها تحتاج كل ما تملك من حواسك وفي مقدمتهم أيضًا قلبك، هي رواية تقرأ بالقلب والروح والذاكرة، من الروايات التي سأحتاج فترة للتعافي منها، ولا أعلم كيف تعافت نورا ناجي من كتابة هذه الرواية المؤلمة بعد أن توحدت معها بهذا الشكل.
*اقتباسات:
❞في الضباب الخفيف يسطع هو لون الحزن والأحلام البعيدة، ولون الفرح الناقص، والحب الباهت، والكراهية الممزوجة بالحسرة الأزرق شفاف على الرغم من عتمته، يشفُّ الجلد فوق عروق اليد البارزة، ويطلي الأظافر في الأمسيات الباردة❝
❞الأسود لون الأغاني، لأن الحزن فيها غالب على الفرح تتضارب جميع الأحاسيس في الأسود، لأنه قادر على تلويثها ببطشة واحدة، مثلما يغيِّر الألوان الصريحة بنقاط قليلة، يغير الأصفر إلى زيتي، والأزرق إلى نيلي، والأبيض إلى رمادي، والصراحة إلى ملاوعة يكره الجميع الأسود وتحبه المرأة الراغبة في التلاشي، تختاره الفتيات في بداية مراهقتهن لإخفاء أنوثة خجلى، ويختبئ داخله القتلة في الليل، الأسود لون الإخفاء، ولون الفقد، ولون القلوب التي توقفت عن النبض وهي لا تزال على قيد الحياة..❝
❞الأخضر لون الكذب، لأن الكذب بريء مثله، مريح مثله، ويخفي الحقائق التي لا نريد الاعتراف بها لأنفسنا وللآخرين مثله. الكذب مسكين مثل الأخضر، ومثله غريب ووحيد. ❝
❞حقول فان جوخ خضراء فاتحة، بدرجة تميل إلى الأصفر ولا تنتهي إليه، رأى فان جوخ العالم بدرجات باهتة من أصولها، لأن اكتئابه منعه من الرؤية الصريحة لكل شيء، كان يعرف أن النمو ينتهي بالموت، لأن الأخضر هو أيضًا لون الفناء.. ❝
❞ أردت زيارة المكان الذي مات فيه، فكرت أن للموت ثقلًا لا يختفي، تخاف أمي من دخول المستشفيات، تقول فلان جارنا مات فيه وأقول لها يا ماما، ثمَّة إنسان مات في كل مكان على هذه الأرض، كل حجر، كل ذرة تراب، كل رصيف وكل شارع وكل بيت وغرفة ودرجات سلم وشرفة، كل حيِّز صغير، مات فيه شخص ما في زمان ما. كيف نفرُّ من أماكن الموت؟ وكيف نتجنب الخطو فوق بقعة تحمل ثقله؟ ❝
❞البرتقالي على الرغم من زهوته منكسر، وكأنه يمنح السعادة دون أن ينالها، قلب حبات المانجو الناضجة في صيف حار، قشر برتقال لامع في شتاء قاسٍ، التناقض بين هدوئي وبين صخبي، بين حزني وبين سعادتي، بين غربة أبي وحضوره، بين ضعف أمي وقوتها. ❝
❞أنا أريد أن أموت خفيفة، مثل طيف عابر أو فراشة، فراشة بيضاء تحلق قليلًا على العشب في حديقة ثم تختفي في ضوء الشمس. ❝
❞الرسائل لم تعد تنجلي في عقلك كصورة لظرف في صندوق بريد، صارت جملًا مصفوفة تنتظر فتحك للشاشة، كتابة الرقم السري أو طبع البصمة، لتظهر لك كلمات قد تقتلك أو تحييك صوت الرسائل هو صوت العالم الجديد، وهو الدليل على الاختيارات الخاطئة، وقصص الحب الميتة، والحياة التي لا نريدها، والدليل أيضًا على وجود حياة أخرى نتمناها.. ❝
❞ صوتك الذي يسمعه الجميع ليس حقيقيًّا، صوتك مستعار يختلف عما يتردد داخل فراغ جسمك، تريد أن يسمع العالم صوتك الحقيقي، تعبئه في رسائل صوتية، تسجيلات ومقاطع فيديو ومكالمات وهتاف تسكبه في آذان أحبائك، ربما يحفظه أحدهم داخله، ثم يبعثه ذات يوم ليثبت مرورك على الحياة. تتخيل صوتك مثل هدير داخل حائط، مثل سريان الماء في ماسورة، مثل نمو جذر داخل الأرض أو هواء يمر عبر تجاويف شجرة. صوتك هو تعريفك إلى العالم.. أو هو العالم بأكمله.. ❝
❞ما الحياة أصلًا؟ مجرد مزحة.. تطلُّع إلى هدف بعيد مضيء ومُغرٍ، وعندما نصل إليه نكتشف أنه محض سراب. ❝
❞ الروائح مثل كل شيء خدّاعة، العقل يخدع صاحبه بذكرى رائحة، يصنعها بنفسه تمسكًا بماضٍ لن يعود أبدًا. ❝
❞ كيفَ تَرْسُمُ قلبًا؟ علامتا استفهامٍ متقابلتان؟ شكلٌ هلاميٌّ يشبه أخطبوطًا ميتًا؟ ما رائحةُ القلبِ؟ حديقةٌ من زهورٍ؟ أم مطهرٌ قويٌّ في غرفةٍ فارغةٍ؟ ما القلبُ؟ دقاتٌ فرحةٌ عند رؤيتِك؟ أم خفقانٌ مؤلمٌ يشبه غيابك ❝
❞ الفيسبوك يزيِّف الحقائق ويزيِّف الحياة ويزيِّف تاريخ هذا الجيل. ❝
❞ نحن الجيل الأكثر تواصلًا، وعلى الرغم من ذلك الجيل الأكثر إحساسًا بالوحدة. لماذا يقبع كل منا داخل كرة شفافة؟ ❝
#دينا_ممدوح
#bookreview
-
Marimaa
#سفريات٢٠٢٤
#سنوات_الجري_في_المكان
"سنوات الجري في المكان...نكأ لجراح لم تندمل"
كثيرة هي الروايات التي تناولت ثورة يناير، قليلة هي من نكأت الجراح بقوة وحرفية، استطاعت تعرية الآلام كلها دفعة واحدة، و وضعنا امام الحقيقة المرة بدون تزييف، ولكنها "نورا ناجي" تبدع من جديد
في روايتها "سنوات الجري في المكان" والصادرة عن "دار الشروق" تعلنها الكاتبة مدوية، أننا جميعاً في مرحلة دوران مستمر وثابت بعد أكثر من عقد على قيام ثورة لم تكمل أحلامها
بأسلوب سردي جديد ورواية متعددة الأصوات كانت الحكاية، بدأتها الكاتبة بحكاية"سعد" وصوت الموت في بداية من الاغرب على الإطلاق، فكيف لرواية ما أن تبدأ بموت أحد أبطالها، ولكن سرعان ما نتعرف على حكاية سعد بصوته بعد الموت وقبل الدفن
"سعد" الذي يمثل شريحة كبيرة من البسطاء في الوطن المكلوم، مجرد ضحية لنظام فاسد سمح بهدر دم أبيه في عبارة سالم المكنوبة، فنشأ سعد يتيم الاب عزيز النفس في كنف أم لم تدخر جهداً في تربية وحيدها، حتى ماء وجهها أهرقته لتحقيق أحلامه، فنشأ سعد بإحساس مستمر بالذنب، فأبوه مات في عبارة بدون وسائل أمان طمعاً في توفير قروش قليلة لوحيده فمات ودفن مع المئات في قاع البحر وحرم سعد من مجرد وجود شاهد لقبره، أمه تعاني الويلات يومياً من أجل لقمة عيش وسقف تحتمي به و وحيدها، عاش سعد على حافة الحياة، مات بصدفة وجوده في المكان الغير مناسب، رصاصة أخطأت "مصطفى" واقتنصته، فكانت بداية رحلته ونهاية حياته
"سعد" الشاب الذي حاول فقط إيجاد معنى للعبث السائد عن طريق فنه، بمشروع عمره الذي نوى فيه التركيز على مآساة العبارة سالم، محاولة للتعبير عن ألم عاش يعاني منه طوال عمره فتم وأد الفكرة حتى قبل إكتمالها وبعد سنوات طويلة من البحث والتضحيات، ولكنهم زبانية النظام القديم الذين تحكموا حتى في أفكار البشر، فكانت نهاية الحلم وبداية تكون بركان جديد في قلب سعد، حتى كانت النهاية، بمذاق العلقم و الأحلام المؤؤدة في مهدها بداخل وطن لا يعترف بأحلام البسطاء
أعادت "نورا" تعريف علاقتنا بالألوان، فلم يعد الأزرق لون السماء فحسب، إنما"لون الروح"، لم يعد الأسود لون الوقار أو الشياكة، إنما "لون تحبه المرأة الراغبة في التلاشي"، لم يعد الأحمر لون القوة،إنما تعبير عن الهشاشة، لم يعد الأبيض لون النقاء بل لون الثبات واختصار كل الألوان
ومع"ياسمين" تستمر الحكاية، بموت آخر وتعريف لمذاق الموت والذي وصفته في البداية ب"للموت طعم الصدأ، واللبن الرائب والأعشاب المغلية، يقف دائماً على طرف اللسان ثم يتلاشى، قبلة مبللة، لحم غير ناضج، بقايا منديل ملتصق على الشفتين، عجين ينقصه السكر، طعم ناقص يطاردك، لن يتكمل إلا بعد فوات الأوان"
بطريقة كتابة اليوميات تحكي لنا ياسمين التي تعاني من متلازمة كوتارد حكايتها، نتعرف بعيونها على باقي أطراف الحكاية، ياسمين الطبيبة الشرعية الواعدة والتي فقدت إحساسها بالحياة يوم غسلت وجه سعد المصاب برصاصة اخترقت عينه، ثم توجهت بشكل تلقائي لأكل شيئ ما لإستكمال اليوم الصعب والحياة المريرة، فتقيأت الساندوتش وفقدت في لحظة واحدة حاسة التذوق، يوم أجبروها على تغيير التقرير وكتابة "حالة وفاة طبيعية" فقدت الحياة نفسها
تعيد"نورا" مع ياسمين تعرفينا بالمشاعر نفسها، فلم يعد الدفئ مجرد إحساس لطيف، وإنما "طبيخ الجدات، تفاحة محرمة تطردك من الجنة وتدفعك إلى أرض جديدة، أرض باردة ومحطمة لكنها تحاول أن تستمر، وأن تمنحك هوية جديدة، واسماً يناديك به شخص واحد فتشعرين لحطتها بالاكتمال"، أصبحت الذكرى"طعم لايمكن الإمساك به، لأنك في نهاية العمر، وحدك في مواجهة الأشباح والوحدة، ستكتشفين أنك نسيت كل شيئ"، أصبح للخوف تعريف"تريدين الإحتفاظ بأكياس مجمدة، وبقايا وجبات جاهزة وأكياس شيبسي نصف فارغة في الحقيبة، لأنك خائفة، دائماً خائفة"، حتى اللاشيئ أصبح له تعريف"بعد أن يتساوى كل شيئ، طعم الماء مع طعم الخبز، طعم الحزن مع طعم الفرح، ستعرفين أن لاشيئ يستحق، وأنك ركضت طويلاً من أجل اللاشيئ"
ياسمين...وجه أخر لوطن يعيش بوجوه متعددة لا يمثل أيها الوجه الحقيقي
ومع "مصطفى" تستمر الحكاية بوجه آخر، او على الأحرى بصوت آخر، ف"مصطفى" الذي مات جزء منه يوم أخطأته الرصاصة وأصابت"سعد" ف عاش بذنب وبصوت لا يفارقه لأزيز مكتوم يعبر بجوار أذنه، فكان المشروع الاهم في حياته وبداية تسجيل الاصوات، حتى فسدت علاقته بحب عمره"نانا"، مصطفى الذي نشأ في أسرة مفككة قرر الاب فيها فجأة الإنعزال والإكتفاء بما قدمه للاسرة، وضع "مصطفى" في حيرة لم يسبر أغوارها إلا بعد سنوات طويلة وتجارب حيايته متنوعة، احترت هنا على من أشفق، على الاب أم على الإبن وكلاهما ضحية باختلاف الظروف والملابسات
مع "مصطفى" أعادت الكاتبة تعريف علاقتنا بالاصوات، حتى أنها وضعت تعريفاً للموت"أنصت إلى صوت كل ذرة هواء تخرج من الفم، ستنسى النفس للحظة، وسيفوت قلبك دقة، وستمحى أفكارك مرة واحدة، ستموت..ستموت لأقل من ثانية ثم تحيا، كما نموت جميعاً لثوانٍ كل يوم"، لم يعد صوت المترو مجرد ضوضاء عشوائية، بل" صوته غمغمة، نوستالجيا لرحلات قديمة في قطار متداع إلى المصيف، إلى القرية ، إلى الأحباء، همهمة تلف الأذنين وتحافظ على ثبات التون طوال الرحلة. يخفت مع خروجك من أعماق الأرض إلى السطح، لكنه لا يختفي أبدا"، حتى صوت الرسائل تحول من مجرد تنبيه إلى" صوت الرسائل هو صوت العالم الجديد، وهو الدليل على الاختيارات الخاطئة، وقصص الحب الميتة، والحياة التي لا نريدها، والدليل أيضًا على وجود حياة أخرى نتمناها"
وأما عن "يحيي"ف اختارت له الكاتبة طريقة السرد المسرحي في مزج مبهر بين الرواية والمسرح، فنتعرف على الفنان الذي فقد الامل في الوطن ف قرر تحقيق أحلامه مستخدماً الوطن نفسه، ف حقق شهرة ومجد وفقد نفسه، يحي الذي يعيش فاقداً حاسة الشم بعد 18يوم قضاهم في الميدان، حين وأدت الأحلام فقد ما ربطه بمحاولة تحقيقها، يحيي...خيبة آخرى تضاف لخيبات الوطن المكلوم
جاءت نهاية الرواية على لسان"نانا" بمشروع رواية بداخل رواية، مزج آخر جديد ومبهر من الكاتبة، نتعرف من خلال "نانا" على الحكاية كاملة بشكل عكسي عن طريق مشروع روايتها، هنعرف أكثر عن طالبة الفنون الجميلة" التي تسافر يومياً من طنطا للقاهرة للدراسة ومحاولة تحقيق الأحلام البسيطة في حياة أفضل، فكان الحب الأول من نصيب"مصطفى" والصدمة الكبرى منه أيضاً
نرى بعيون نانا الحكاية كاملة، فيما يشبه الحلقة المفقودة جمعت نانا الخيوط والشخصيات كاملة، بوصف سريع لشخصيات الرواية بحكم صداقتهم بدرجاتها المختلفة، توحدت بشكل شخصي مع نانا خاصة في قرارها بالتخلي عن حلم العمر والسير مع التيار، اختبار لا أتمنى خوضه مع الحياة
بالرغم من تعدد الاصوات والرواة إلا أن طريقة السرد المميزة أضفت بريقاً خاصاً على العمل، فيمكنك البدء بأي فصل وأي شخصية والعودة لآخرى بدون أدنى تشتيت، في حبكة قوية ومترابطة بشكل مدهش للغاية، كما أن كل شخصية تصلح"نوفيلا" بشكل منفصل أو نواة لجزء ثاني من العمل
تفوقت الكاتبة على نفسها بكل المقاييس، فتوحدت مع الشخصيات، استطاعت الحفاظ على تركيزي الكامل على طول الرواية ورغم تعدد الأصوات، بلغة قوية وتعبير دقيق عن كل المشاعر والأصوات
كشفت نورا جراح الجميع بدقة جراح ورحمة أم بالجميع، سنوات من الجري والثبات، فما أشبه اليوم بالبارحة
#قراءات_حرة
#قراءات_يوليو
١/٣٦
-
د.فراشة 🦋
اسم الرواية: سنوات الجري في المكان
المؤلفة: نورا ناجي
دار النشر: دار الشروق
سنة النشر: 2022
نوع الرواية: اجتماعية نفسية فلسفية
نوع القراءة: أبجد
التقييم: ⭐️⭐️⭐️⭐️
تاريخ القراءة: 17/7/2024
رواية بديعة شديدة التأثير لمستني بشكل كبير، وشعرت معها بثقل قلبي يزداد مع كل صفحة أقرأها، وجدت في كل شخصياتها جزء من ذاتي أو على الأقل جزء من مخاوفي..
رواية تصل بنا إلى درجة عالية من البؤس من شدة واقعية أحداثها، لدرجة انه قد راودني التخلي عنها بعد الانتهاء من قصة ياسمين ولكن على الرغم من ذلك فقد أنهيتها في جلسة واحدة 🤷🏻♀️😅
أتعجب إذا كان هذا تأثيرها عليّ كقارئة قضيت بين صفحاتها عدد من الساعات، فكيف هو تأثير تأليفها على الكاتبة التي لابد وأن تكون عاشت مع أحداثها وأبطالها ما يزيد عن السنة على أقل تقدير ..
قد تصنف الرواية أنها رواية تاريخية لأنها تعاصر وتدور أحداثها في ٣ فترات مختلفة وهي أواخر القرن العشرين حيث حادثة غ*رق العبارة سالم إكسبريس والتي راح ضحيتها والد سعد، والعصر الحديث حيث ثورة يناير ٢٠١١، وتفشي فيروس كورونا ٢٠٢١
تتعمق في الذات البشرية وكينونتها وتقلباتها وتأثرها بالمواقف والأحداث التي تمر بها في الحياة، واختلاف درجة تأثر الأشخاص بنفس الحدث..
تحوي الكثير من المشاعر حيث البؤس والعجز وقلة الحيلة والخوف والأمل والحب والصداقة والذل والهوان واليأس والألم واللامبالاة وفقد الشغف في الحياة..
أسلوب الكاتبة رائع يلمسك بتعبيراتها وكلامها السلس اليسير وطريقة السرد الفريدة، بما ساعد على المشاركة الوجدانية للأبطال بل أنك أيضًا تجد نفسك بشكل ما في معاناتهم وآلامهم على اختلاف تفاصيل الأحداث والأشخاص في حياتك وحيواتهم ولكن في حقيقة الأمر تشعر وكأن هذا البطل هو أنت بشكل ما في زمن آخر في حقبة أخرى فقد عشت هذا الشعور من قبل ..
تعيش مع سعد يأسه وألمه وعجزه وقلة حيلته وتعيش مع ياسمين لحظات نوبات اكتئابها والتي يمر بها الكثير منا على اختلاف قوتها وتأثيرها في حياتنا، شعور أنك تقف في مكانك لا تريد التحرك في حين أن العالم يجري من حولك وليس لأنك لا تريد حقًا ولكن لعدم قدرتك على ذلك فقد استنفذت الحياة كل ما لديك من قوة ولم تعد تملك منها ولو القليل الذي يساعدك على مرور بقية عمرك ولو سيرًا حفيفًا ولم تعد تعبأ بذلك أصلًا ..
كنت دائمًا ما أعتقد أن للألوان فلسفة كل منها يعبر ويثير في النفس مشاعر خاصة، كل منها له وجود وكينونة ذاتية مطلقة ، والعجيب هو أن الكاتبة تجعل من هذا الأمر شيئًا نسبيًا يختلف باختلاف الأشخاص والأحداث التي مرت بهم فتارة نجد من يعتبر البرتقالي رمز للحماس وللمشاعر الإيجابية ونجد غيره يعتبره رمز للحزن والأسى لانه يرتبط معه بذكريات شخص عزيز عليه فقده..
فلا وجود للمطلق في عالم يراه كل إنسان من وجهة نظره
تحوى على الرمزية والإسقاطات السياس*ية ويظهر ذلك واضحًا في مشروع ( ٣٠ يوم جري في المكان ) وإن كنت أفضل عدم توضيح الإسقاط وتركه للقارئ يفسره بعقله كيفما شاء ولكن كان للكاتبة رأي آخر وفسر ذلك بشكل كبير عنوان الرواية والذي كان غامضًا بالنسبة لي في البداية
وكذلك الإسقاطات الفكرية مثل أثر التربية المتزمتة مثلما حدث مع ياسمين والتي كانت بصورة ما سبب فيما أصابها من حالتها النفسية النادرة كما وصفها عمرو طبيب يحيي وما سعت إليه ياسمين من التحرر من كل ما كان في اعتقادها أنها سُجنت بداخله بغير رضاها
وكذلك عن أثر دراسة الطب وكثرة التعامل مع الجثث والموتى على الأطباء، كيف يبدأ القلب في التحجر ويصعب عليه التعاطف مع أهل الميت وذويه فهو أمر ليس بجديد بل اعتاد عليه مرارًا وتكرارًا
تتطرق على استحياء إلي نظرية العوالم المتوازية، وقد ذكرت على لسان سعد عندما ذكر شعوره بالرمادي وكأن نسخة أخرى منه في زمن آخر قد ماتت، وعند موته ربما عاشت نسخة أخرى منه في زمن آخر وعاد لزوجته وبنته واستمر لحياته
وأيضًا إلي نظرية تناسخ الأرواح على لسان نانا عند حديثها على تمثال الفتاة المتواجد في شرفة في المبني المقابل لها، ظنًا منها أنه ربما كان هي في حياة سابقة
تتعمق الرواية في الموت وفي فلسفته بدءًا من موت سعد مرورًا بياسمين وما سيطر عليها من أفكار أنها ميتة أو في انتظار الموت حتى لقيت حتفها في الأخرى..
تتطرق الكاتبة كذلك إلي فلسفة الحواس، فتخص كل شخصية من شخصيات الرواية بحاسة معينة هي المهيمنة على حياتها، فسعد مثلًا هيمنت عليه حاسة البصر واهتمامه بالتصوير، ويحيي تدور شخصيته في الرواية حول فقده لحاسة الشم وأثر ذلك في حياته، أما مصطفي فقد كانت الأصوات وحاسة السمع هي المهيمنة عليه حيث كان ولعًا بتسجيل الأصوات لاصابته بمتلازمة الأصوات الانتقائية، أما نانا فقد ارتبطت بحاسة اللمس، وارتبطت ياسمين بحاسة التذوق فقدانها لرغبتها في الطعام
لمسنى أوي وصف وحدة نانا والتي أعاني منها بدرجة ما برحلة سيزيف المستمرة وهو ما لم يرد في ذهني من قبل
تاني قراءاتي للكاتبة بعد (بانا) التي قد كانت يغلب عليها الحيوية والمشاعر الإيجابية وهو ما تفتقره الرواية للأسف 😅
الغلاف غير مفهوم بشكل كامل، فإن كانت القطة ترمز إلي ياسمين ومعاناتها، وعدسة الكاميرا وفعل الجري يرمزون إلى سعد ولعل كف اليد الذي يظهر في يسار الغلاف يرمز إلى معاناة نانا أما صورة الفتاة في أعلى الغلاف فلم استطعت ربطها بأحداث الرواية وكذلك ثمرة الفاكهة التي توجد على اليمين أسفلها
#مسابقة_سنوات_الجري_في_المكان
-
Doaa Saad
سنوات الجري في المكان
Nora Nagi
266 صفحة
سنة 2022
Dar El Shorouk - دار الشروق
☆ رواية اجتماعية نفسية فلسفية جدا
☆ فى ظاهر العمل تتحدث عن الثورة المصرية وخصوصا موقعة الجمل وغرق العبارة سالم إكسبريس و كيف فقد المجتمع المصري روحه في تلك المعارك
وخصوصا الثوره عندما شم رائحه الصداء تنبعث من الشوارع من اثر الدماء المراقه وشاهد من كان يضحك وياكل معه جثة هامدة باردة زرقاء
عندما نام الشعب على حُلم وردي واستيقظ على كابوس بشع لم يقدر على الافاقه منه حتى الان فكلنا مكلومون
☆ اما باطن الروايه يتحدث عن الموت .. الموت بكل اشكاله والوانه
فجعلت الكاتبه للموت رائحه وهي الفورمالين ولون وهو الازرق واصوات وليس صوتا واحدا ومزجتهم بعنايه لرسم لوحه اعطتها من روحها فتجسدت لنا بشرا سويا يعاني كما نعاني ولكنه يحسن التعبير عن المه
فالفقد موت والبُعد موت والاكتئاب موت والخيانه موت
والشيء الوحيد الذي نطلق عليه موت الا وهو توقف القلب والعقل عن العمل ودفن الجسد في التراب هو ابعد شيء عن الموت
فكم من راحل لنا باقي في القلوب وهو تحت التراب مسجى؟
كم من ميت نعيش لاجله حتى الان ؟
كم من سعد هنا
وهو ليس بيننا ..... !!!
☆ اكدت للجميع ان لا امل في التغيير ولكننا كلنا ادوات في لعبه شطرنج كبيره يضحون بمن سيقرب اليهم المكسب من هم لا نعرف او نعرف وسنصمت وليس هناك مصلحه للجميع بل هي شعارات لاتمام المؤامره فمن قُتل يُكْتَب في تقريره مات فهم ليسوا مُلْزَمون بشيء ...
● كأنك مجرد حجر يرفعونه، يضعونه، يحركونه على رقعة.
● كقطعة شاردة من بازل أعيدت أخيرًا إلى مكانها.
● أنا وأنت ونانا وسعد ومصطفى وياسمين.. نحن الحلاق.. نحن حفرنا الحفرة وأفشينا السر، لاحظ أن الحكاية لا تذكر مصير الحلاق ولا الملك ولا الشجرة..
- وماذا حدث للملك؟
- على الأرجح لا يزال ملكًا، لكن الجميع يعلم الآن أن أذنيه طويلتان، لأن الشجرة لا تتوقف عن الصياح، كلما قطعوها نبتت من جديد، وصاحت بالسر.
- في البداية غضب الملك،
وقبض على كل الساخرين، وهدد كل المتهكمين، حتى الأطفال حبسهم، أعلن حظر التجول ووزع صورًا تظهره بأذنين طبيعيتين معدلتين بالفوتوشوب في كل مكان، يمكنك أن تراها على الحوائط والكباري والأعمدة والجرائد وحتى في السماء.
- ثم انتهت القصة، توقف الملك عن الإنكار، وظهر ذات يوم في خطاب له دون أن يخفي أذنيه، ضحك الناس وانتشرت صور الميمز عليه وقابل هو كل ذلك بصمت، بهتت الصور وتمزقت، أمطرت السماء عليها، وبال القطط والرجال
- ثم توقف الناس عن السخرية، وملوا من نشر الميمز المكررة، لكنهم لم يعودوا خائفين، كلما خافوا، كلما ارتبكوا، كلما شعروا بالظلم، استمعوا لصيحات الشجرة قادمة من بعيد، وضحكوا.
☆ في العمل شخصيات لم تهتم الكاتبه بوصفهم الجسدي بدقه وهذا ما اكد لي ان العمل نفسي يخاطب الجميع وليس فئه معينه تستطيع فهمه فقد عبرت بالحواس الشم في الروائح واللمس في العلاقات والسمع في الاصوات والبصر في الالوان حتى التذوق لم تتركه في حاله احد الابطال وكانت تحب الطعام جدا ولكنها فقدت شهيتها وهنا لا اعتقد انها تقصد بالشهيه الطعام فقط ولكنها تقصد الشغف
● اكتشفت أن التخلي عن كل شئ يمنع الخوف من التسلل إلي القلب ..
☆ الحبكه دائما كما نتوقع من نورا بل كل مره تبهرنا بتطور اكثر وخبره اوضح للجميع
جامعه بين الاحداث الحقيقيه المؤلمه لاكثر امل مر على قلوبنا جميعا فبين انتفاضه وثوره وصحوه وغدر وخيانه وموت وصحوه اخرى على ما لا نريد ان نعترف به ابدا او نصدقه
روايه متماسكه جدآ غير اني لم اقتنع بسهوله ما قررت نانا التفريط فيه لمجرد تغيير الشيء الوحيد الذي انقذها من الحبس يوما فما ضرت غير نفسها ولم تكسب شيئا في المقابل حتى انها لم تشعر بالتحرر الذي تمنت ان تشعر به ولكن في الاخر كلنا مرضى نفسيون ...
☆ اعطت لنا هذه الروايه ولم تكتفي الى هذا الحد بالمواجهه فاصابتني بالتوتر وفرط احداث الروايه مني عندما واجهتني بالشخصيات وعرفتني عليهم جميعا وزادت ربكتي عندما اعطتني خمس زوايا محتمله لرؤيه الروايه منهم ففقدت السيطره على تعبيري فكيف ساكتب مراجعه لروايه تحمل خمس مراجعات بداخلها من الأساس فكل ما ساكتب سيكون مقتبس منهم لذلك قررت وضع انطباعي فقط فهي روايه كما قلت اجتماعيه نفسيه واقعيه شديده الايلام حقا
☆ جيده السرد ومتوازنه الحوار بها كثير من التعقيدات النفسيه تتحدث عننا جميعا وايام عشناها حلمنا بالتغيير واستيقظنا فزعين على صوت صرخات ظلت تضوي حتى الان فلا تنتهي ولا تصم بها الاذان
☆ نهايتها محاوله الجميع للعيش مره اخرى الا من قدوا نحبهم فيها فهل سنعيش ام سنظل نحاول؟
☆ اقتباسات راقت لى
● الفيسبوك يُزيف الحقائق ويزيف الحياة
ويزيف تاريخ هذا الجيل.
● الانتظار يفقدني الشعور بالحاضر.
● كل من حولنا يملكون أسباباً للحزن ، وكلنا نسير في صمت وكأننا لا نشعر بشئ ، لكننا نشعر بكل شيء.
● ما الحياة أصلاً ؟ مجرد مزحة.. تطلع إلى هدف بعيد مضيء ومغر، وعندما نصل إليه نكتشف أنه محض سراب.
● أن الروائح مثل كل شيء خداعة، العقل يخدع
صاحبه بذكرى رائحة، يصنعها بنفسه تمسكا
بماض لن يعود أبدًا.
● العرق يختلف بالمشاعر، تخيل، عرق الخوف يختلف عن عرق التوتر عن عرق الجنس، عن عرق الرياضة.
#أبجد
#سنوات_الجري_في_المكان
#نورا_ناجي
#مسابقات_مكتبة_وهبان
#مسابقة_سنوات_الجري_في_المكان
-
Shaimaa Farouk
٥ آلاف نجمه وقلبى
الصفحات تقريبا ٢٠٠ صفحه ( ولكن بها كم من المشاعر الإنسانية الدسمة التى تحتاج لهضمها جيدا فى أكثر من جلسة لا انهاءها فى جلسة واحدة )
العنوان:
هناك عناوين تدفعك لقرائتها بفعل التشويق تارة وبفعل الغموض أخرى بفعل سلاسة العنوان أو سهولة اكتشاف أنه يحمل اسم البطل أو نوع مغامرته
أما أن يصدمك العنوان أن يجعلك تقف مبهوتا متوجسا من القراءة أن يهزك أن تظل ساعات تحوم حول الرواية خوفا من إكتشاف معنى عنوانها وتتساءل من أنتى يانورا ناجى وماذا تريدين أى ضوء ستوجهينه إلى قلبى و عقلى ، وكيف ولم اخترتى واحدة من أقسى معاناة جيلى وهى سنوات جرينا فى مكان واحد فى دائرة وحول أنفسنا وهل بداخل الرواية ماهو ملهم ومعبر كالعنوان!!
وقد كان
الأحداث:
أخذتنى الكاتبة من يدى وجعلتنى أبصر الحواس بعين أخرى بعدسة مختلفة وكأنها وضعت عدسة مكبرة على لوحة حياة أشخاص تشاركنا معهم فى ماضينا وحاضرنا أحداث ومشاعر وأفكار وظروف وذكريات واحدة، وأظهرت تأثير الحواس فى أفعالنا ومشاعرنا وأفكارنا فكتبتها وكتبت عنها ، يا إلهى كيف فعلتها وماهذا الذى فعلته بى!
مع دمعه عالقه فى جفن عينى مرة أو دمعات متلاحقات مع الحزن على مصير سعد وفقدان أصدقاؤه جزءا من أرواحهم.
ومع الشخصيات سعد ، مصطفى ، ياسمين ، يحيى ، نهال ( نانا)
مع أحداث غرق عبارة السلام والتعويضات المخزية وأحداث الثورة وموقعة الجمل ومحمد محمود وقتل الثوار بالتصويب على أعينهم والاعتقالات والبحث عن المستقبل واحداث جائحة كورونا وانعزال البشر وتغير أسلوب حيواتهم .
رسمت نورا ناجى لوحة خالدة ماهرة دقيقة التفاصيل من خلال قصة سعد بيومى الذى توفى والده فى حادث عبارة السلام ، وعانت والدته فى إلحاقه بكلية تناسبه فكانت الفنون الجميلة ثم تزوج من مها وأنجب ليلى وعندما أنشأ معرض يعبر عن الحال السياسى للبلد تم القبض عليه وبعدها جاءت ثورة الحلم ثورة يناير التى قضت عليه برصاصة احتلت إحدى عينيه
ومع معانى الألوان الأزرق والأسود والأحمر والأخضر والبرتقالى والرمادى والأبيض حيث نكتشف أن لكل لون طبع وطابع فى تفاصيل لوحة الحياة
ثم جذبتنى من يدى ووضعت عدستها المكبرة على حاسة التذوق وعلمتنى طريقة أخرى للتذوق خبرت معها ومع ياسمين أطعم لم أكن أدركها من حولى وكأنها كشفت الغمام عنها وتذوقت معها طعم الموت والدفء والذكريات والخوف واللاشئ فى تفاصيل حياتها والتحاقها بالطب الشرعى وصداقتها مع سعد وأصدقاؤه وانفصالها عن يحيى ثم فقدها رغبتها فى الحياة وفقدها حاسة التذوق بموت سعد . وكانت ياسمين أقرب الأبطال لقلبى وأكثر من تأثرت بهم .
ثم جذبتنى من يدى لأدخل عالم مصطفى وحياته طفولته وعلاقته بأبيه وأمه وزمالته لسعد فى كلية الفنون الجميلة وقصته مع نانا ثم وفاته بجواره فى الميدان وجدتنى أتفاعل مع مشاعره وأسمع معه الأصوات ثم وضعت عدستها المكبرة على الأصوات وأسمعتنى أفكارا مختلفه لصوت الرسائل والموت والمترو والهتاف والأغانى وهو ونانا. وكيف تأثرت قدرته على سماع الأصوات بموت سعد جواره فى الميدان.
ثم جذبتنى من يدى لعالم يحيى الشاعر ووضعت عدستها المكبرة على الروائح حيث أصبحت رائحة الدم لعنته بعد موت سعد ومتى فقد حاسة الشم وكيف كانت قوتها فى ماضيه وماذا خسر بضياعها ورحلته لاستعادتها مع طبيبه النفسى وتدخين الحشيش.
ثم أخيرا جاءت نانا وحديثها عن الإحساس الذى فقدته وتحولت لتمثال إمرأة وكيف جمعت خطوط الحكايات سويا وأعادت رسم الأحداث فى روايتها.
اللغة :فصحى عميقة مليئة بالألفاظ والتشبيهات والاستعارات والخيال والذكريات وسرد ممتع للغاية سهل سلس كأنه ماء يتدفق وكأنك تستخدم مع كل واحد فيهم حواسك كما استخدمها وتفاعل بها فى الحياة وكأنها أفردت قاموسا لإستخدام الحواس الخمس والتعرف عليها من جديد.
الغلاف وردى رأيت فيه الحياة التى تمنى الأبطال عيشها ، والثورة التى ضحوا لإنجاحها
قدمان تمثلان الجرى فى المكان ، فوهة بوق تذكرنا بمصطفى وحاسة السمع ، قطة يحيى التى قتلتها ياسمين كصورة لرغبتها هى فى الموت ، اليد هى حاسة اللمس ونانا ، الورود إهداء لشباب الثورة وحاسة الشم ، الوجه والعصافير دلالة على الحياة والحلم.
إقتباسات :1. إكتشفت أن التخلى عن كل شئ يمنع الخوف من التسلل إلى القلب.
2.يكتبون على الفيس بوك أن الحياة تجربة وينسون أن يذكروا أنها تجربة جميلة وعميقة جدا وبلامعنى ، التجربة حقيقية سوى فى الموت لأنه الشئ الوحيد الذى نجهله.
٣.مثل فتح زجاجة يأتى الموت دفقه هواء مكتوم تنطلق من فوهة ضيقة ، الموت إنطلاقة فكرة هو التخلص من خواء جسمك وتركه_ على عكس المفترض_ ممتلئا بالحياة.
٤. الروائح مثل كل شيء خدّاعة، العقل يخدع صاحبه بذكرى رائحة، يصنعها بنفسه تمسكًا بماضٍ لن يعود أبدًا.
٥.❞ لكل شخص حياته، والمحبة لا تنتهي، لكنها تتحول المحبة لا تستطيع الجري في المكان مثله، تتغير وتتقدم وتجمع كل التفاصيل الصغيرة، كل الذكريات والضحك والبكاء والأغاني والرسائل واللمسات والقبلات والألوان والأصوات والروائح والنكهات، تكبر ككرة ثلج إلى أن تصل لآخر الطريق ثم تتناثر فى الهواء مختلطه بذراته لاتفنى تصبح أخف وأجمل . ❝
#أبجد
#سنوات_الجري_في_المكان
#نورا_ناجي
-
عمر الحمدي
الرواية جيدة، بل بارعة، لون جديد من السرد وأحداث مرتبطة بالواقع، وأعتقد أن أحد أسباب انتشارها وحب القراء لها هو ارتباطها بالواقع المصري وثورة 25 يناير، فهي مقطوعة نصية حزينة، بل كئيبة، بل تشعر وكأنك تقرأ لأحد أعمدة الفلفسة العدمية، فيخيل إليك أن الرسالة التي تريد أن توصلها إليك أن ..(لا فائدة في شيء) و (لا معنى لشيء) لذلك هي -وإن كانت تربط الشخصيات ببعض الأحداث الواقعية- غير واقعية، فلا يمكن أن يكون العالم الخارجي والداخلي (داخل النفس البشرية) بتلك السوداوية والكآبة والحزن.
.
أعترف أنها بالنسبة لي لا تشبه شيءً مما قرأت (وأنا مقلٌ في قراءة الروايات أصلاً)، لذلك فهي مشوقة من هذه الناحية، لكنها مملة من ناحية أخرى، لأن الـ 260 صفحة كان يمكن لها أن تصبح 160 صفحة بدون أن يحدث خلل في بنية الرواية أو جرعة التشويق، وأعتقد أن أحد أسباب الـ(تطويل) أن الكاتبة أرادت أن تربط الشخصيات بالحواس (ألوان وأذواق وروائح) لذلك فقد أكثرت من التشبيهات التي كنت أجدها ذكية في مواضع، ولا معنى لها في مواضع أخرى.
.
لم تعجبني الرواية في محاولتها تمرير بعض القيم الفاسدة، فقد أوردت مشهدًا عاطفيًا جنسيًا مثيرًا لم يكن له داعٍ، لكن المشكلة أن هذا المشهد تم خارج إطار الحياة الزوجية، ثم تم تصوير الحياة الزوجية لنفس الشخصيات وشخصيات أخرى على أنها إما مملة وكئيبة، أو غير ناجحة، وكأن الرسالة التي تختفي بين السطور أن الحب والمتعة يكمن هناك خارج هذا الإطار، وأن الزواج هو بوابة الكآبة والحزن والــ(عدم).
.
لقد ارتبطت الرواية بأحداث ثورة 25 يناير وسلطت الضوء على خيبة الأمل الكبيرة التي منيَ بها الشباب، ثم حاولت أن تربط كل تلك السوداوية والعدمية التي اجتاحت جميع الشخصيات و 95% من أحداث الرواية بخيبة الأمل تلك، ويبدو أنها -بوعي أو بدون وعي- قد رسمت صورة أخرى لأسباب تلك الحياة السوداء التي لازمت الشخصيات، فالمشكلة الأساسية لم تكن فشل ثورة أو تحولات سياسية، بل المشلكة أعمق من ذلك، إنها عدم وجود غاية أسمى من الحياة، فبوجود تلك الغاية المتجاوزة تصبح الحياة مجرد وسيلة لتحقيق ما هو أعمق وأبعد وأسمى، لذلك فحين قامت الثورة، تعلق بعض الشباب بها ورأوى فيها المنقذ، فقد وجدوا لأنفسهم غاية أسمى من تفاصيل حياتهم المملة، وهي بحق غاية سامية لكنها ليست الأسمى، وهي هدف بعيد المدى لكنه ليس الأبعد، لذلك حين تلاشا الهدف تلاشت معه أرواحهم.
.
العنوان والصورة مقتبسة من عمل أحد الفنانين، وقد تم الإشارة إليه في نهاية الكتاب، والعنوان جذاب ومعبر، وفعلًا هذا ما يحدث للبعض (أو الكثير) من الناس، بل أن الأمر هو أكبر من مجرد ثورة فشلت أو أوضاع ما تحسنت، فالذي يجري في المكان هو الذي ينطلق من نقطة ويصل إليها، الذي يكون هدفه الأسمى هو موقعه الحالي، أي الحياة الدنيا، فكل من تصبح الحياة فقط هي غاية وجوده هو فعلاً من (يجري في المكان) أما الذي يؤمن (بحق) باليوم الآخر، فإنه ينطلق من (هنا) ووجهته (هناك)، ينطلق من (الدنيا) ويريد الوصول إلى (الآخرة)، لذلك، ومهما حصل من معوقات وعراقيل وخيبات أمل، هو مستمر في الجري نحو (مكان آخر) فكل عمل صالح يقوم به يقربه خطوة، وكل معاناة يمر بها ويصبر هي خطوة تقربة من المكان (الآخر)، فيمكن أن نستخلص هذه الفائدة الفلسلفية: المادية هي جري في المكان، والإيمان هو المنقذ من هذه العجلة التي تستهلك عمر الإنسان دون أن توصله إلى أي مكان.
.
من نقاط القوة التي في الرواية، أنها تحدثت عن الاكتئاب (مرض العصر) بطريقة مميزة وعميقة، لقد تركت لمن يمر بالتجربة أن يتحدث بلسانة، فهو يرى الحياة بشكل مختلف عما نراه نحن، يعيش وهو ميت، أو هو ميتٌ في جسمٍ حي، لذلك فأحد آثار الرواية الإيجابية أنها تجعلنا أكثر تفهمًا وتعطفًا مع من يمرون بمرض الاكتئاب.
.
لا يكتب مثل هذه الرواية إلا شخص عانا في حياته، وأصيب بخيبات أمل عديدة ومواقف حزينة، فقام بعجن كل تلك الأحداث والمواقف وأضاف إليها من خياله الواسع واستخدم موهبته الأدبية ليصنع في نهاية الأمر هذه الرواية، أو كما قال أحدهم، هذه الملحمة.
-
Nasser Ellakany
■ سنوات الجري في المكان
(تجريبة إطلاق الحواس وتجاوز أوراق وأحبار الكتابة وهدم الحائط الرابع)
تقدم لنا الرواية أبعاداً حسية فريدة ووسائطَ متعددة، فيها النظر والتذوق والسمع والشم واللمس، تتجاوز أوراق وأحبار الكتابة، من خلال مقاطع أدبية بديعة وبارعة، متتبعة سنوات الرحلة من ثورة منحتنا كل الأحلام ثم أيام تجيء فتسحب منا أحلامنا واحداً تلو الآخر وتسحب معها حواسنا، إلى وباء أفقدنا ما تبقى من الحواس، وعبث صخرة سيزيف الذي أصبح يلف واقعنا، فما زلنا نلهو بالصخرة غير عابئين بعبثها، في غياب الحواس الواعية وتحت وطأة تيه العقل والوجدان.
بدأت رحلة الجري في المكان من محطتها الأولى مع الألوان، فلكل لونٍ معنى وشخصية، وأحاسيس متفردة وأغنية، وفستان وقُبَّعة، رأينا "الأزرق" في كشفه وتوهانه - و"الأسود" في حزنه وطغيانه - و"الأحمر" في غضبه وخوفه - و"الأخضر" في براءته وكذبه - و"البرتقالي" في زهوه ونقصانه - و"الرمادي" في غموضه وتناقضاته - و"الأبيض" في ثباته واستغنائه، فكأنها قُبَّعات الحياة السبعة التي نجد أنفسنا نرتديها.
ثم انتقلت الرحلة إلى محطتها الثانية مع المذاقات، من خلال دفتر يوميات جعلنا نشعر بمذاق "الموت" بصدئه ومساخته - ومذاق "الدفء" بعذوبته ونشوته - ومذاق "الذكرى" بنكهاته ومراوغاته - ومذاق "الخوف" ببرودته وجزعه - ومذاق "اللا شيء" بزيفه وعدميته، فكأنها أصناف طعام مائدة الحياة التي ليس أمامنا إلا تناولها.
ثم انتقلت الرحلة إلى محطتها الثالثة مع الأصوات، من خلال معرض فنان جعلنا ننصت إلى صوت "الرسائل" بخفوته وآماله - وصوت "الموت" بخلاصه وتكراره - وصوت "المترو" بنوستالچيته وثباته - وصوت "الهتاف" بجموحه وجلاله - وصوت "الأغاني" بشوقه وحنينه - و"صوتها" بأمانه وملاذه - و"صوتك" بازدواجه ومساراته، فكأنها سيمفونية الحياة امتزج فيها الطرب مع النشاز ولا بد من أن نعزفها إلى آخرها.
ثم انتقلت الرحلة إلى محطتها الرابعة مع الروائح، من خلال مسرحية جعلتنا نشم رائحة "الدماء" أصل العالم وسر الوجود - ورائحة "الجِلْد" مَنْبَعُ نهر الزخم ومصبه - ورائحة "العرق" بحر التكرار - ورائحة "القلب" بستان الأضداد - ورائحة "الدموع" وادي الصخر والملح، فكأنها حديقة العالم حين اختلطت فيها كل الروائح.
ثم انتقلت الرحلة إلى محطتها الخامسة مع حاسة اللمس التي تلتقي عندها كل الحواس الأخرى، فنجد أنفسنا داخل بانوراما أطلقت كل الحواس من مكامنها وجعلتها تعمل في آن واحد، ونكتشف أن كل ما قرأناه من أول الرواية هو من أصل رواية "نانا" الأخيرة.
بعد أن امتلأت حواسنا بحكايات سعد مع البصر والألوان، ومصطفى مع السمع والأصوات، وياسمين مع التذوق والطعم، ويحيى مع الشم والروائح، ونانا مع اللمس والملمس، نجد أن هذا الجزء الأخير قد أدخلنا في حالة إبداعية فريدة وساحرة، إذ نفاجأ بمقاطع قص ما ورائي أو "ميتا سرد" تطل علينا من بين صفحات الكتاب.
انفجار تجريبي مدوٍ يهدم الحائط الرابع في الرواية والذي هدمه "بريخت" في المسرح منذ قرابة قرن من الزمان، فقد هدمت الكاتبة الحائط الرابع وتحدثت مع القارئ وعرضت عليه تصورات واحتمالات وأطلعته على البدائل قبل اتخاذ القرار، فوجد القارئ نفسه متورطاً بلا خط رجعة، وشريكاً في الكتابة ومسئولاً عنها، والكاتبة ترقب تورطه، درافتات وشخصيات وزوايا تناول وهوامش وتمارين كتابة.
في النهاية نصل إلى السطر الأخير للكتاب فنجد الرواية أوشكت أن تبدأ، ثم نجد أنفسنا قد عُدنا إلى سطره الأول، لنقرأ تلك الرواية.
من يريد أن يحيا التجريب في أبهى وأزهى وأروع صورة، فعليه أن يرى ويتذوق ويسمع ويشم ويلمس "سنوات الجري في المكان".
-
Randa
❞ كيف ترسم قلباً؟
علامتا استفهام متقابلتان؟ ❝
سنوات الجري في المكان | نورا ناجي.
دار النشر: دار الشروق.
عدد الصفحات: ٢٦٥ صفحة.
التقييم: ٥/٥ نجوم.
حَادثة السفينة الغارقة سالم إكسبريس، ثورة ٢٥ يناير عام ٢٠١١، و وباء الكورونا.
ما الذي قد يربُط بين هاتهِ الأحداث الثلاثة سوى عَبثية الحياة، والمـ/ـوت!
خمسةُ شخصيات، وحكايةٍ واحدة. أجل، حكايةٍ واحدة، فقط الحياة من إختلفت هُنا.
سَتسمع، وسَترى كل مَا حدث مِن خلالِهم.
عَزيزي قارئ المُراجعة،
«سنوات الجري في المكان» عنوان اختزل هَزيمة جيل كامل.
هَل يُمكن أنّ نقول هنا أنّها مَبنية على أحداثٌ حقيقية، أو حتى مستوحاة من أحداث وقعت بالفعل؟ لا.
القولَ الحقّ هُنا، أنّها رواية واقعيّة حدثت بالفعل. ليست مستوحاة، وليست مبنيّة على شيء، بل حدثت.
تُرى.. أتساءلت ما الذي حدَث بعد تلكَ الثورة؟ بصيغةٍ أدق.. أتساءلت عمّا حدث لهؤلاء اللذين جمعتهُم الثورة، الميدان؟ أهم بخير..؟ أيمكنك أن تجزم بهذا؟
ستقرأ هاتهِ الرواية، دون أن تقرأها، ستعيشها، فأنت كنت هُناك، كنت ثائرًا، مدافعًا، واقفًا في الميدان، ولم تبرُح.
مَع كل حكاية تقرأها، ستعتقد أنك أنت الحكّاء، ستكون الخمسة شخصيات دون أن تدري كَيف.
سَتُصبح 'سعد' الفَنان، الشهيد، و'ياسمين' صَاحبة المُذكرات، 'يحيى' الشاعر، والكَاتب، 'مصطفى' المستمع للأصوات، و'نانا' مَن تكتب الرواية.
ثَورة يناير، وإن لم أذكُر التاريخ، فـذكر الشهر يَكفي.. 'يناير' حيثُ حلمًا كان، وإنقضى.. كانت حجرَ الأساس لـهذا العَمل..
يَستغرقَ المـ/ـوت لحظةً واحدة فَحسب، لـيوقف كل عداداتِ الوقت الخَاصة بمن حولهِ، لحظةٍ واحدة، فارقة، قد تجعلكَ حيًا، ميـ/ـتًا، تجري في المَكان.
هل يُمكن لـ رحيل شخصٌ ما، أن يوقف الوقت الخاصَ بـ حياةِ آخر؟ هو لا يزال حيًا، لكنّه ثابتٌ في مكانِه. هو حتى لا يجري، فقط ثابتٌ في المَكان..
خمسة شخوص، ليسوا أصدقاء بالمعنى الحرفيّ، ولكن كانوا جمعًا ما، أو ثورة.. ربما.
توفيّ واحدًا منهم، فإنكسر الجمع، وتفتت أرواح الخمسة الآخرين.
حينَ رحلَ سعد، رحلَ الجانبُ الجيد في الثورة، قبلما يأتي كل مَا حل علينا بعدها.. إحتـ/ـراق ياسمين، وتمنّيها للمـ/ـوت، هو إحتـ/ـراق لكلِ روحٍ بعدما وجدتَ أنّ شيئًا لم يتغير..
مصطفى يُمثل هؤلاء اللذين هَاجروا باحثين عن المَأوى بعدما تبددَ بهمِ الأمل، ويحيى يُعبر عن كلِ من باعَ عقله، واشترى هواه، فلا شيء سينفعُ بعد الآن..
أما عن 'نانا'، فهؤلاء هم الباقون، مَن يبحثون عن حياة في ميدانٍ كان رمزًا للثورةِ ذات مرة..
رِواية قد تعتقدُها في بادئ الأمر، روايةً سياسيّة، لكن السياسية هنا مجردّ خلفية تُزين السَطح. فهي روايةً نَفسيّة، دراميّة، إنسانيّة..
طريقة عَرض الرواية كانت مختلفة عن أي روايةٍ أخرى قرأتها، لونًا جديدًا في النصوص الأدبية، وبطريقةٍ ما قد أعجبني، فقد كان سببًا للتغلب على الملل المُصاحب لقراءة مثلِ هذا العمل الثقيل على النَفس.
إستخدمت الفصحى للغة السرد، والعَامية للحوار، على الرغمِ من قلتِه، فالرواية سرديّة درجة أولى.
اللغة كانت جَيدة، بلا ركاكةٍ على الإطلاق، إستخدم التشبيهات، المجسّمات، الألوان، الحواس، والرسومات، كان في محلِه. بشكلٍ عام، كان العرض مِثاليًا.
هي واحدةً مِن الروايات التي لن تُغادرني قط.
كان هذا هو العمل الأول الذي أقرأه لقلم "نورا ناجي"، لكنّه بالتأكيد لن يكونَ الأخير..
#ترشيحات_سلحفاة_قراءة 🐢📚
-
Hesham Wahdan
هذه الرواية تستحق ٧ نجوم وليس فقط ٥
⭐⭐⭐⭐⭐⭐⭐
---------------
--------- مقدمه:
هناك دائما وجهان لأى عملة. أتحدث هنا عن عملة الواقعية الأدبية. هذه الواقعية يمكن تقديمها بطريقة الإسقاط فى شكل رواية مستقبلية الأحداث وأهم رموزها بالنسبة لجيلنا هو الدكتور أحمد خالد توفيق ، أتحدث عن روايات يوتوبيا وفى ممر الفئران ومثل إيكاروس والسنجة وشآبيب. هذا هو الوجه الأول للعملة.
الطريقة الأخرى لتقديم الواقعية هى كتابتها كما هى فقط ، مجردة وصريحة وواضحة. هذا هو الوجه الأخر للعملة ، وهنا أتحدث عن سنوات الجري فى المكان.
اذا كنت قرأت روايات العراب التى ذكرتها وأعجبتك ، إذن هذه الرواية يجب أن تضمها لمكتبتك بدون أى تردد.
رواية من العيار الثقيل ، شديدة الوطء على القارىء ، واقعية إلى أقصى حد ممكن.
---------------
---------- تتحدث الرواية عن السنوات العشر التى مرت منذ يناير ٢٠١١ مروراً بجائحة كورونا وحتى وقتنا هذا. ماذا حدث فى تلك السنوات ؟ ما مصير هذا الجيل ؟ هل تحقق شىء من أحلامه أم بقى ثابت أو يجري فى مكانه وكأن شيئاً لم يكن ؟.
الرواية تأخذ منظور مختلف فى تقديمها. اعتمدت على الحواس الخمس للإنسان فى تقييم تلك الفترة من خلال خمس شخصيات اجتمعوا فى ميدان التحرير ، كل شخص فيهم تعامل مع تلك الفترة بحاسة مختلفة تتناسب مع شخصيته كما يلي:
سعد البيومي - حاسة الرؤية
تجسيد لقصة الشهيد أحمد بسيوني
فنان سمعي وبصري ، مدرس فى كلية التربية الفنية واستشهد أثناء ثورة يناير. استخدمت الكاتبة الألوان لتعبر بها عن كل مرحلة من مراحل حياته ، بدءاً من اللون الأزرق ( نشأته وطفولته وشبابه ) وصولاً إلى اللون الأبيض ( الكفن الذى التف حوله بعد استشهاده ). كل لون كان فى محله وتم استخدامه بشكل مثالي جدا وواقعى بالتأكيد.
ياسمين السيد - حاسة التذوق
حكاية مؤثرة جداً جداً
طبيبة شرعية شهدت أهوال وفظائع إبان فترة الثورة أدت بها إلى فقدان قدرتها على تذوق أى شىء بدءاً من الطعام وصولاً إلى حياتها نفسها وأصبح كل شىء لا طعم له ولا مذاق.
مصطفى عبد العزيز - حاسة السمع
فنان سمعي وبصري يعتمد على التقاط الأصوات الخافتة التى لا ينتبه لها أحد على الإطلاق ، وكان صديقاً لسعد البيومي وشهد لحظة استشهاده. كل حياته يسعى لجمع الأصوات المختلفة من شخصيات وأماكن لتقديمها فى مشروع سمعي بصري يجسد به أحداث الثورة.
يحيى الصاوي - حاسة الشم
شاعر ومدون شهد أحداث الثورة وعايشها من خلال الروائح المختلفة كرائحة الموت والدم والجسد ...إلخ. إلى أن اعتزل السياسة وتفرغ لكتابة الأغاني والمسرحيات الكوميدية !!!.
نهال عبد الوهاب - حاسة اللمس
أجمل حكاية فى الكتاب بدون شك.
خريجة فنون جميلة وتحلم بكتابة رواية. لا توجد رواية أروع من ما عايشته ولمسته بنفسها فى الميدان لكي تكتب عنها وتحكيها لنا. فتاة تعرضت لأسوأ الانتهاكات وتحولت إلى امرأه باهتة فقدت اهتمامها بكل شىء ولم تعد تكترث أو تأبه بأى أحداث أو مستجدات.
فى النهاية ستجد أن جميع الشخصيات ظلت تجري فى مكانها باستثناء الشهيد سعد البيومى الذى ربما يكون هو - ومعه باقي الشهداء - الوحيدين الذين تحركوا للأمام ولو لخطوة واحدة رغم انتهاء حياتهم بعد هذه الخطوة وهم من تركوا الأثر الباقي الذى نعيش لنتذكره بقية حياتنا.
-
Mohamed Farid
رواية سنوات الجري في المكان
نورا ناجي من جديد - وروايتها الأخيرة والتي رشحها الكثير من أصدقائي لكي اقرأها وبالفعل هي على قائمتي من فترة ليست بالقصيرة!
أنا لن أتكلم عن اللغة فلغة الكاتبة دائماً رائعة ومضبوطة على الميزان فتجدها خفيفة ولطيفة ولها طعم وطالع ممتع. ولكنني سأتكلم عن الأسلوب واختيار الفصول بأسماء الألوان أو المذاقات أو الأصوات وكيف استطاعت الكاتبة بتوظيف تلك العناصر لتقص الحكاية وتسرد الأحداث ! كبف استطاعت أن تحول تلك الفترة بأحداثها السياسية إلى هكذا رواية مكتوبة ببراعة منقطعة النظير لتقفز بين ما يراه من كان في الميدان من الأحياء وما شعر به وعاينه الشهداء! كيف استطاعت أن تقفز بين الماضي والحاضر بتلك الانسيابية في الجملة الواحدة دون أن نشعر بالارتباك او التوهان!
جميل هو قلمك يا نورا وجميلة هي كتاباتك وأفكارك!
الكثير من الاقتباسات فما اخترته هنا هو غيض من فيض:
"كل من حولنا يملكون أسبابًا للحزن، وكلنا نسير في صمت وكأننا لا نشعر بشيء، لكننا نشعر بكل شيء."
"عندما تلقيت الرصاصة توقف الزمن، توقفت الأغنية عن الدوران في عقلي، وغرقت في ظلام غريب لا يشبه النوم، ظلام سائل لزج أحاط بي، لم أتوقف عن التفكير، شعرت بجسمٍ ساكن خلف عيني اليمنى، ثقيل وبارد، لم يؤلمني لكنه أزعجني بشكل ما. لم أعد قادرًا على الكلام ولا تحريك يديَّ أو قدميَّ، ثم رأيت كل شيء بوضوح أكبر. تماوجت أمامي الألوان ورأيت مشاهد لا أعرف إن كانت حدثت أم لا. لم يكن الموت سيئًا جدًّا، كنت أقول دائمًا من يموت يستريح، التعب لمن يظل على قيد الحياة."
يا لجمال هذه الفقرة: "أنا أيضًا لست ببطل، كنت خائفًا من الموت، ولم أرغب في النزول إلى الميدان حتى آخر لحظة، لكن وجه أبي المتعب، وفستان أمي الأزرق، ومدخل البنك البارد، ووجه المحاسب الخجل، وبدلة النقيب محمد، وبرجولا كلية الفنون الجميلة، وحوائط المكتب الخشبية، والنافذة المطلة على سماء سوداء، وحذاء أبي البالي.. دفعوني إلى النزول."
"البرتقالي على الرغم من زهوته منكسر، وكأنه يمنح السعادة دون أن ينالها، قلب حبات المانجو الناضجة في صيف حار، قشر برتقال لامع في شتاء قاسٍ، التناقض بين هدوئي وبين صخبي، بين حزني وبين سعادتي، بين غربة أبي وحضوره، بين ضعف أمي وقوتها، بين الصوت المستكين لشهادات الناجين من الغرق وبين اهتزاز خفي يظهر في مقاطع الحروف. البرتقالي لون آلي، له رنين المعدن وبرودته، له حرارة الخوف وطعم العرق."
“مذاق الموت: ريق يملأ الفم. ملح يملأ القلب، طعم انسحاب البنج من الجسم، تصاعد البرودة إلى الحلق. وَهَن يصيب الركبتين. الموت مثل وجبة فاسدة يأكلها جوعان. مثل طعام الأطفال المهروس في وعاء بلاستيكي. مثل غلي أرجل الدجاج في حلة صدئة."
"يُسمع الصوت من الحشود وكأنه يصدر من داخلهم، أفواههم أحيانًا مغلقة، لكن الصوت يخرج من أعينهم، من أصابعهم، من البثور على جلدهم."
#فريديات
-
mohamed ateya
بميت يفتتح السرد تبدأ رواية سنوات الجري في المكان، لتكون شخصية سعد وحياته الفاصل ما بين عالمين، عالم ما قبل يناير حين كدحت الأجيال ولم تلحظ الموات المتسلل بتفاني في جسد الوطن ليمهد للانفجار، وبين جيل الثورة الذي لم يتفتح وعيه إلا على الخراب، وعاش الإنفجار الذي بعث بداخله ومضة من الأمل التي سرعان ما خبت، فكانت الثورة بخيباتها وسعد بموته هما المعادل للموات الذي تسلل إلى دواخل الشخصيات المصاحبة لسعد بطل الرواية. ويكون سعد كذلك هو المرآة التي تعكس لنا الفوارق الطبقية وتبين لنا معني الفقر.. سواء بمعاناة أمه لتتكفل بدراسته أو بسفريات أبيه التي فقد فيها حياته في سبيل دراجة وبعض الملابس الجديدة لم تصل إلى مستحقيها.
ركزت الرواية على الحواس، فكانت الحواس هي المرادف للوجود، واختص كل فصل وكل شخصية بحاسة معينة، مارست كل الشخصيات الفن بصورة أو بأخرى، وفقدت كل شخصية الحاسة التي يقوم عليها ما يمارس من فن وبناءً عليه تفقد الشخصية أساس وجودها، ليمثل هذا الفقد رؤية مزدوجة، الرؤية الأولى لتخدم السرد ولترسم تلاشي الشخصيات تأثرا بموت سعد ومن مثله وما يمثلونه، والرؤية الثانية وهي مقابل العدم والتلاشي، فتتم ثنائية الوجود والعدم، لتبين أنه لا حياة حقيقية إلا بالفن.
اعتمدت الرواية على بنية الرواية المجزأة Fragmentary novel فكل فصل يمكن قراءته بشكل منفصل، وكل فصل يمثل وسيط فني مختلف، ويمكن بدء القراءة من أي فصل من الفصول، فتتوازي تلك الدائرية مع عنوان النص "الجري في المكان"، وهذا الشكل الذي لا يحمل حبكة مركزية ظاهرة، يتناسب مع تعقيدات العالم الحديث ويبرز العجز عن تمثيل حدث ضخم مثل الثورة، ومن تجليات ذلك ظهور الرواية كمعرض كولاجي ينتهي ليكون نص واعي بذاته، حين تعلن إحدى الشخصيات في آخر كلمات الرواية أنها بصدد كتابة رواية، ويذيب ذلك الفارق ما بين الواقع والخيال، ويزداد ذلك الغموض لأن الكاتبة تعتمد على التخييل الذاتي مع العودة لكثير من الحوادث الحقيقية، ويكثف ذلك التأثير أكثر حين نقرأ في مفتتح أحد الفصول المواعيد الأسبوعية للمعرض، ولا أستبعد أن يقوم أحد القراء بالبحث عن المعرض فعليا، وبرغم أن الفصل الأخير عن كاتبة تكتب رواية وهي الرواية التي كُتبت بالفعل، إلا أن الفصل لم يكرر أي أحداث عرُضت في الفصول السابقة فإما أن يعرضها برؤية مختلفة أو يتمها.. ظهرت تلك الأشكال المجزأة في السرد مع عصر الحداثة وما بعد الحداثة، وفي حين أنها في عهد الحداثة مثلت محاولة لخلق معنى من الفوضى ومحاولة إيجاد الوحدة في عالم متشظى، إلا إنها في عالم ما بعد الحداثة مثلت يأس الكتاب من إيجاد المعنى أو استعادة التكامل في عالم مجزأ. وربما اختارت الكاتبة طريقًا وسطا ما بين الحالتين، انتهت الرواية بموت شخصيتين بالفعل، ولكن يظل هناك من الشخصيات من تمسك بقيم مثل الحب والوفاء والفن.