اسم الرواية: سنوات الجري في المكان
المؤلفة: نورا ناجي
دار النشر: دار الشروق
سنة النشر: 2022
نوع الرواية: اجتماعية نفسية فلسفية
نوع القراءة: أبجد
التقييم: ⭐️⭐️⭐️⭐️
تاريخ القراءة: 17/7/2024
رواية بديعة شديدة التأثير لمستني بشكل كبير، وشعرت معها بثقل قلبي يزداد مع كل صفحة أقرأها، وجدت في كل شخصياتها جزء من ذاتي أو على الأقل جزء من مخاوفي..
رواية تصل بنا إلى درجة عالية من البؤس من شدة واقعية أحداثها، لدرجة انه قد راودني التخلي عنها بعد الانتهاء من قصة ياسمين ولكن على الرغم من ذلك فقد أنهيتها في جلسة واحدة 🤷🏻♀️😅
أتعجب إذا كان هذا تأثيرها عليّ كقارئة قضيت بين صفحاتها عدد من الساعات، فكيف هو تأثير تأليفها على الكاتبة التي لابد وأن تكون عاشت مع أحداثها وأبطالها ما يزيد عن السنة على أقل تقدير ..
قد تصنف الرواية أنها رواية تاريخية لأنها تعاصر وتدور أحداثها في ٣ فترات مختلفة وهي أواخر القرن العشرين حيث حادثة غ*رق العبارة سالم إكسبريس والتي راح ضحيتها والد سعد، والعصر الحديث حيث ثورة يناير ٢٠١١، وتفشي فيروس كورونا ٢٠٢١
تتعمق في الذات البشرية وكينونتها وتقلباتها وتأثرها بالمواقف والأحداث التي تمر بها في الحياة، واختلاف درجة تأثر الأشخاص بنفس الحدث..
تحوي الكثير من المشاعر حيث البؤس والعجز وقلة الحيلة والخوف والأمل والحب والصداقة والذل والهوان واليأس والألم واللامبالاة وفقد الشغف في الحياة..
أسلوب الكاتبة رائع يلمسك بتعبيراتها وكلامها السلس اليسير وطريقة السرد الفريدة، بما ساعد على المشاركة الوجدانية للأبطال بل أنك أيضًا تجد نفسك بشكل ما في معاناتهم وآلامهم على اختلاف تفاصيل الأحداث والأشخاص في حياتك وحيواتهم ولكن في حقيقة الأمر تشعر وكأن هذا البطل هو أنت بشكل ما في زمن آخر في حقبة أخرى فقد عشت هذا الشعور من قبل ..
تعيش مع سعد يأسه وألمه وعجزه وقلة حيلته وتعيش مع ياسمين لحظات نوبات اكتئابها والتي يمر بها الكثير منا على اختلاف قوتها وتأثيرها في حياتنا، شعور أنك تقف في مكانك لا تريد التحرك في حين أن العالم يجري من حولك وليس لأنك لا تريد حقًا ولكن لعدم قدرتك على ذلك فقد استنفذت الحياة كل ما لديك من قوة ولم تعد تملك منها ولو القليل الذي يساعدك على مرور بقية عمرك ولو سيرًا حفيفًا ولم تعد تعبأ بذلك أصلًا ..
كنت دائمًا ما أعتقد أن للألوان فلسفة كل منها يعبر ويثير في النفس مشاعر خاصة، كل منها له وجود وكينونة ذاتية مطلقة ، والعجيب هو أن الكاتبة تجعل من هذا الأمر شيئًا نسبيًا يختلف باختلاف الأشخاص والأحداث التي مرت بهم فتارة نجد من يعتبر البرتقالي رمز للحماس وللمشاعر الإيجابية ونجد غيره يعتبره رمز للحزن والأسى لانه يرتبط معه بذكريات شخص عزيز عليه فقده..
فلا وجود للمطلق في عالم يراه كل إنسان من وجهة نظره
تحوى على الرمزية والإسقاطات السياس*ية ويظهر ذلك واضحًا في مشروع ( ٣٠ يوم جري في المكان ) وإن كنت أفضل عدم توضيح الإسقاط وتركه للقارئ يفسره بعقله كيفما شاء ولكن كان للكاتبة رأي آخر وفسر ذلك بشكل كبير عنوان الرواية والذي كان غامضًا بالنسبة لي في البداية
وكذلك الإسقاطات الفكرية مثل أثر التربية المتزمتة مثلما حدث مع ياسمين والتي كانت بصورة ما سبب فيما أصابها من حالتها النفسية النادرة كما وصفها عمرو طبيب يحيي وما سعت إليه ياسمين من التحرر من كل ما كان في اعتقادها أنها سُجنت بداخله بغير رضاها
وكذلك عن أثر دراسة الطب وكثرة التعامل مع الجثث والموتى على الأطباء، كيف يبدأ القلب في التحجر ويصعب عليه التعاطف مع أهل الميت وذويه فهو أمر ليس بجديد بل اعتاد عليه مرارًا وتكرارًا
تتطرق على استحياء إلي نظرية العوالم المتوازية، وقد ذكرت على لسان سعد عندما ذكر شعوره بالرمادي وكأن نسخة أخرى منه في زمن آخر قد ماتت، وعند موته ربما عاشت نسخة أخرى منه في زمن آخر وعاد لزوجته وبنته واستمر لحياته
وأيضًا إلي نظرية تناسخ الأرواح على لسان نانا عند حديثها على تمثال الفتاة المتواجد في شرفة في المبني المقابل لها، ظنًا منها أنه ربما كان هي في حياة سابقة
تتعمق الرواية في الموت وفي فلسفته بدءًا من موت سعد مرورًا بياسمين وما سيطر عليها من أفكار أنها ميتة أو في انتظار الموت حتى لقيت حتفها في الأخرى..
تتطرق الكاتبة كذلك إلي فلسفة الحواس، فتخص كل شخصية من شخصيات الرواية بحاسة معينة هي المهيمنة على حياتها، فسعد مثلًا هيمنت عليه حاسة البصر واهتمامه بالتصوير، ويحيي تدور شخصيته في الرواية حول فقده لحاسة الشم وأثر ذلك في حياته، أما مصطفي فقد كانت الأصوات وحاسة السمع هي المهيمنة عليه حيث كان ولعًا بتسجيل الأصوات لاصابته بمتلازمة الأصوات الانتقائية، أما نانا فقد ارتبطت بحاسة اللمس، وارتبطت ياسمين بحاسة التذوق فقدانها لرغبتها في الطعام
لمسنى أوي وصف وحدة نانا والتي أعاني منها بدرجة ما برحلة سيزيف المستمرة وهو ما لم يرد في ذهني من قبل
تاني قراءاتي للكاتبة بعد (بانا) التي قد كانت يغلب عليها الحيوية والمشاعر الإيجابية وهو ما تفتقره الرواية للأسف 😅
الغلاف غير مفهوم بشكل كامل، فإن كانت القطة ترمز إلي ياسمين ومعاناتها، وعدسة الكاميرا وفعل الجري يرمزون إلى سعد ولعل كف اليد الذي يظهر في يسار الغلاف يرمز إلى معاناة نانا أما صورة الفتاة في أعلى الغلاف فلم استطعت ربطها بأحداث الرواية وكذلك ثمرة الفاكهة التي توجد على اليمين أسفلها
#مسابقة_سنوات_الجري_في_المكان