سنوات الجري في المكان > مراجعات رواية سنوات الجري في المكان > مراجعة Zahraa Esmaile

سنوات الجري في المكان - نورا ناجي
تحميل الكتاب

سنوات الجري في المكان

تأليف (تأليف) 4.2
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
5

#سفريات٢٠٢٤

#سنوات_الجري_في_المكان

"سنوات الجري في المكان...نكأ لجراح لم تندمل"

كثيرة هي الروايات التي تناولت ثورة يناير، قليلة هي من نكأت الجراح بقوة وحرفية، استطاعت تعرية الآلام كلها دفعة واحدة، و وضعنا امام الحقيقة المرة بدون تزييف، ولكنها "نورا ناجي" تبدع من جديد

في روايتها "سنوات الجري في المكان" والصادرة عن "دار الشروق" تعلنها الكاتبة مدوية، أننا جميعاً في مرحلة دوران مستمر وثابت بعد أكثر من عقد على قيام ثورة لم تكمل أحلامها

بأسلوب سردي جديد ورواية متعددة الأصوات كانت الحكاية، بدأتها الكاتبة بحكاية"سعد" وصوت الموت في بداية من الاغرب على الإطلاق، فكيف لرواية ما أن تبدأ بموت أحد أبطالها، ولكن سرعان ما نتعرف على حكاية سعد بصوته بعد الموت وقبل الدفن

"سعد" الذي يمثل شريحة كبيرة من البسطاء في الوطن المكلوم، مجرد ضحية لنظام فاسد سمح بهدر دم أبيه في عبارة سالم المكنوبة، فنشأ سعد يتيم الاب عزيز النفس في كنف أم لم تدخر جهداً في تربية وحيدها، حتى ماء وجهها أهرقته لتحقيق أحلامه، فنشأ سعد بإحساس مستمر بالذنب، فأبوه مات في عبارة بدون وسائل أمان طمعاً في توفير قروش قليلة لوحيده فمات ودفن مع المئات في قاع البحر وحرم سعد من مجرد وجود شاهد لقبره، أمه تعاني الويلات يومياً من أجل لقمة عيش وسقف تحتمي به و وحيدها، عاش سعد على حافة الحياة، مات بصدفة وجوده في المكان الغير مناسب، رصاصة أخطأت "مصطفى" واقتنصته، فكانت بداية رحلته ونهاية حياته

"سعد" الشاب الذي حاول فقط إيجاد معنى للعبث السائد عن طريق فنه، بمشروع عمره الذي نوى فيه التركيز على مآساة العبارة سالم، محاولة للتعبير عن ألم عاش يعاني منه طوال عمره فتم وأد الفكرة حتى قبل إكتمالها وبعد سنوات طويلة من البحث والتضحيات، ولكنهم زبانية النظام القديم الذين تحكموا حتى في أفكار البشر، فكانت نهاية الحلم وبداية تكون بركان جديد في قلب سعد، حتى كانت النهاية، بمذاق العلقم و الأحلام المؤؤدة في مهدها بداخل وطن لا يعترف بأحلام البسطاء

أعادت "نورا" تعريف علاقتنا بالألوان، فلم يعد الأزرق لون السماء فحسب، إنما"لون الروح"، لم يعد الأسود لون الوقار أو الشياكة، إنما "لون تحبه المرأة الراغبة في التلاشي"، لم يعد الأحمر لون القوة،إنما تعبير عن الهشاشة، لم يعد الأبيض لون النقاء بل لون الثبات واختصار كل الألوان

ومع"ياسمين" تستمر الحكاية، بموت آخر وتعريف لمذاق الموت والذي وصفته في البداية ب"للموت طعم الصدأ، واللبن الرائب والأعشاب المغلية، يقف دائماً على طرف اللسان ثم يتلاشى، قبلة مبللة، لحم غير ناضج، بقايا منديل ملتصق على الشفتين، عجين ينقصه السكر، طعم ناقص يطاردك، لن يتكمل إلا بعد فوات الأوان"

بطريقة كتابة اليوميات تحكي لنا ياسمين التي تعاني من متلازمة كوتارد حكايتها، نتعرف بعيونها على باقي أطراف الحكاية، ياسمين الطبيبة الشرعية الواعدة والتي فقدت إحساسها بالحياة يوم غسلت وجه سعد المصاب برصاصة اخترقت عينه، ثم توجهت بشكل تلقائي لأكل شيئ ما لإستكمال اليوم الصعب والحياة المريرة، فتقيأت الساندوتش وفقدت في لحظة واحدة حاسة التذوق، يوم أجبروها على تغيير التقرير وكتابة "حالة وفاة طبيعية" فقدت الحياة نفسها

تعيد"نورا" مع ياسمين تعرفينا بالمشاعر نفسها، فلم يعد الدفئ مجرد إحساس لطيف، وإنما "طبيخ الجدات، تفاحة محرمة تطردك من الجنة وتدفعك إلى أرض جديدة، أرض باردة ومحطمة لكنها تحاول أن تستمر، وأن تمنحك هوية جديدة، واسماً يناديك به شخص واحد فتشعرين لحطتها بالاكتمال"، أصبحت الذكرى"طعم لايمكن الإمساك به، لأنك في نهاية العمر، وحدك في مواجهة الأشباح والوحدة، ستكتشفين أنك نسيت كل شيئ"، أصبح للخوف تعريف"تريدين الإحتفاظ بأكياس مجمدة، وبقايا وجبات جاهزة وأكياس شيبسي نصف فارغة في الحقيبة، لأنك خائفة، دائماً خائفة"، حتى اللاشيئ أصبح له تعريف"بعد أن يتساوى كل شيئ، طعم الماء مع طعم الخبز، طعم الحزن مع طعم الفرح، ستعرفين أن لاشيئ يستحق، وأنك ركضت طويلاً من أجل اللاشيئ"

ياسمين...وجه أخر لوطن يعيش بوجوه متعددة لا يمثل أيها الوجه الحقيقي

ومع "مصطفى" تستمر الحكاية بوجه آخر، او على الأحرى بصوت آخر، ف"مصطفى" الذي مات جزء منه يوم أخطأته الرصاصة وأصابت"سعد" ف عاش بذنب وبصوت لا يفارقه لأزيز مكتوم يعبر بجوار أذنه، فكان المشروع الاهم في حياته وبداية تسجيل الاصوات، حتى فسدت علاقته بحب عمره"نانا"، مصطفى الذي نشأ في أسرة مفككة قرر الاب فيها فجأة الإنعزال والإكتفاء بما قدمه للاسرة، وضع "مصطفى" في حيرة لم يسبر أغوارها إلا بعد سنوات طويلة وتجارب حيايته متنوعة، احترت هنا على من أشفق، على الاب أم على الإبن وكلاهما ضحية باختلاف الظروف والملابسات

مع "مصطفى" أعادت الكاتبة تعريف علاقتنا بالاصوات، حتى أنها وضعت تعريفاً للموت"أنصت إلى صوت كل ذرة هواء تخرج من الفم، ستنسى النفس للحظة، وسيفوت قلبك دقة، وستمحى أفكارك مرة واحدة، ستموت..ستموت لأقل من ثانية ثم تحيا، كما نموت جميعاً لثوانٍ كل يوم"، لم يعد صوت المترو مجرد ضوضاء عشوائية، بل" صوته غمغمة، نوستالجيا لرحلات قديمة في قطار متداع إلى المصيف، إلى القرية ، إلى الأحباء، همهمة تلف الأذنين وتحافظ على ثبات التون طوال الرحلة. يخفت مع خروجك من أعماق الأرض إلى السطح، لكنه لا يختفي أبدا"، حتى صوت الرسائل تحول من مجرد تنبيه إلى" صوت الرسائل هو صوت العالم الجديد، وهو الدليل على الاختيارات الخاطئة، وقصص الحب الميتة، والحياة التي لا نريدها، والدليل أيضًا على وجود حياة أخرى نتمناها"

وأما عن "يحيي"ف اختارت له الكاتبة طريقة السرد المسرحي في مزج مبهر بين الرواية والمسرح، فنتعرف على الفنان الذي فقد الامل في الوطن ف قرر تحقيق أحلامه مستخدماً الوطن نفسه، ف حقق شهرة ومجد وفقد نفسه، يحي الذي يعيش فاقداً حاسة الشم بعد 18يوم قضاهم في الميدان، حين وأدت الأحلام فقد ما ربطه بمحاولة تحقيقها، يحيي...خيبة آخرى تضاف لخيبات الوطن المكلوم

جاءت نهاية الرواية على لسان"نانا" بمشروع رواية بداخل رواية، مزج آخر جديد ومبهر من الكاتبة، نتعرف من خلال "نانا" على الحكاية كاملة بشكل عكسي عن طريق مشروع روايتها، هنعرف أكثر عن طالبة الفنون الجميلة" التي تسافر يومياً من طنطا للقاهرة للدراسة ومحاولة تحقيق الأحلام البسيطة في حياة أفضل، فكان الحب الأول من نصيب"مصطفى" والصدمة الكبرى منه أيضاً

نرى بعيون نانا الحكاية كاملة، فيما يشبه الحلقة المفقودة جمعت نانا الخيوط والشخصيات كاملة، بوصف سريع لشخصيات الرواية بحكم صداقتهم بدرجاتها المختلفة، توحدت بشكل شخصي مع نانا خاصة في قرارها بالتخلي عن حلم العمر والسير مع التيار، اختبار لا أتمنى خوضه مع الحياة

بالرغم من تعدد الاصوات والرواة إلا أن طريقة السرد المميزة أضفت بريقاً خاصاً على العمل، فيمكنك البدء بأي فصل وأي شخصية والعودة لآخرى بدون أدنى تشتيت، في حبكة قوية ومترابطة بشكل مدهش للغاية، كما أن كل شخصية تصلح"نوفيلا" بشكل منفصل أو نواة لجزء ثاني من العمل

تفوقت الكاتبة على نفسها بكل المقاييس، فتوحدت مع الشخصيات، استطاعت الحفاظ على تركيزي الكامل على طول الرواية ورغم تعدد الأصوات، بلغة قوية وتعبير دقيق عن كل المشاعر والأصوات

كشفت نورا جراح الجميع بدقة جراح ورحمة أم بالجميع، سنوات من الجري والثبات، فما أشبه اليوم بالبارحة

#قراءات_حرة

#قراءات_يوليو

١/٣٦

Facebook Twitter Link .
1 يوافقون
اضف تعليق