طالما نحيا ستظل الحياة تبعث إلينا بهداياها في اشكال مختلفة كما لو كانت سانتا كلوز الذي يحمل في جعبته العديد من الهدايا و يوزعها كل عام ، أما الحياة فليس لها موعد محدد و هديتي هذه المرة كانت فيض الخاطر لاحمد امين الذي حين تقرأ سيرته الذاتية تجد ما قيل عنه انه اديب و مفكر ومؤرخ وكاتب في آن واحد.
سلسلة من عشر مجلدات تعجبت في بدايتها عن قدرة الكاتب على كتابة كل هذا الكم من المقالات المتنوعة فما بين السياسية و الاجتماعية و الادبية و التاريخية ، وبرغم كبر حجم الكتاب إلا أنه ابعد ما يكون عن الملل.
فما بين هنا و هناك قرأت عن عبد العزيز بن عبد السلام - خاطب المسجد الأموي ومعاصرته لمختلف العصور من الايوبيين حتى حكم بيبرس للمماليك و انصياع الملوك و السلاطين للعلماء و نزولهم على كلمتهم ، و ايضا عن علي مبارك الذي أحدث ثورة في التربية والتعليم في مصر منذ قرن ونصف وقد تساءلت في نفسي عندما قرأت عن حثه على تربية حواس التلاميذ و عدم التضييق عليهم لميلهم إلى اللعب عن الفارق بين أسلوب تعليم ابتكره هو و بين أسلوب ماريا منتسوري الذي نسعى في عصرنا إلى تعليم الصغار به.
قرأته فتبنيت احتمالية أن يكون هذا الكتاب دعوة للتفكر والتأمل ففي بعض المقالات أجدني أقيس كلماته على حال الأمم الحالية و السابقة و ثورات هذه الشعوب على مدار التاريخ، وللاسف لم يكن يعلم وقتها حال الشعوب من بعده.
قرأت ايضا حوارا بين اقتصادي و مؤرخ و آخرين و تخيلت نفسي اجلس بينهم و انتظر رأي كل منهم في حال العلماء و النابغين و مقارنته بالبيئة المحيطة التي ينتج عنها هؤلاء العلماء.
عدت برفقته في الزمن إلى شعر المتنبي الذي تسبب في شهرته و ثرائه و تسبب أيضا في مقتله وبالرغم ان جميعنا يعلم هذه
المعلومة و لكن سعة اطلاعه التي نقلها الينا في كتابه كانت كافية للحياة في هذا العصر و قراءة اشعاره التي ارتبطت بكل تفاصيل حياة سيف الدولة، لفت نظري ايضا علاقتهما القوية التي استمرت داخل كل منهما حتى بعد سفر المتنبي و تراسلا بعدها ، وبعد عصر المتنبي انتقلت سريعا الى عصر واحدة من قبائل العرب المعروفة و حروبها و فرسانها الذين كانوا لم يماثلوا فرسان و قد تعمد الكاتب بسرد جميع التفاصيل في بعض الحكايات التاريخية.
قرأت ايضا عن جمال الافغاني و نبذة عن قصة حياته و دعوة السلطان عبد الحميد له و سفره الى مصر قبلها و ايضا عن هجرة المسلمين من شرق البلاد الى غربها وكما ذكر "سافروا للدين ، سافروا للدنيا ، وسافروا للعلم" و مقارنة سفر هؤلاء الرحالة بحال الشعب فيما بعد و رفضهم السفر من بلد الى اخرى.
وبالطبع مع كل مقال مختلف اكتسبت كم من المعلومات لا حصر لها فكنت ادون كل ما اود القراءة عنه اكثر ، وقد تميز الكتاب بأسلوبه السلس في وصف الاماكن وسرد الاحداث والأحاديث و في رايي فهو يستحق القراءة على مهل كي نتمكن من تذوق كل مقال على حدة.