الحقد في سوريا ليس وليد أحداث الأربع سنوات الأخيرة ومن المعادلات الخاطئة
اظهار الإعلام للمجتمع السوري على قدر كبير من التسامح والإختء والمحبة، قد يعترض أحدهم ويقول لقد كان المجتمع يعيش في تسامح.. نعم صحيح لكن كانت هناك بؤرة حقد عميقة قذفت ببركان دفين أحرق الأخضر واليابس ليساهم بشكل كبير في رسم الساحة السورية الحالية...
أما بالنسبة للمدينة تدمر التي تدور فيها أحداث هذه الرواية فقد كنت أتخيلها قلعة الحضارة يتوسطها تمثال زنوبيا تحرس هذه الأخيرة المدينة بقوتها ونعومتها غير أني كنت مخطئة في هذا، أو أني كنت جاهلة للأسف بجحيم يدعى " السجن الصحراوي" 0
الرواية وهي سيرة ذاتية وسواء كانت للكاتب أو مروية بقلمه على لسان سجين آخر فإنها كانت كفيلة بعرض الجحيم بكل تفاصيله، فكانت ثلاثة عشر سنة من الذل، الضرب، الإهانات، التعذيب، التنكيل، الجوع، الأمراض المعدية، الأزمات النفسية، والتي كان سببها سوء تفاهم في البداية ولسوء حظ الكاتب أنه عاد من فرسنا إلى سوريا في ظرف سيء جدا كانت فيه النار مشتعلة بين السلطات والإخوان المسلمين... أما في الأخير فقد تبين أن السبب كان مجرد " نكتة" نكتة تفوه بها الكاتب في إحدى سهراته في فرنسا دفع ثمنها 13 سنة في السجن
الصحراوي مع ويلاته ... هذه النكتة وفي دول الحريات يحق لأي مواطن أن يقول مثيلاتها متى شاء:
الكاتب لم يكن تعذيبه ذا منفذ واحد فقد وقع ولسوء حظه بين مطرقة السلطات وسندان الإخوان المسلمين، الأولى تنسبه للإخوان المسلمين وتعامله معاملتهم، والثانية ترفضه وتعزله عنها كونه مسيحي وملحد... غير أن الثانية استطاع كسر حاجزها.
الكاتب لم يصور وضعه كمعتقل فقط، بل صور وضع السجن والسجناء برمتهم، كميات لا تحصى من العذاب والظلم والإهانات النفسية والجسدية، كنت أتساءل : إذا ذهب أثر العذاب الجسدي مع تقادم السنين هل سيذهب الأثر النفسي أو كيف سيذهب؟ استطاع المساجين أن يصنعوا لأنفسهم عالما - رغم الخناق الشدسد- منظما ودقيقا كل يعرف دوره ويحفظه بإتقان...
كل ما لا يمكن أن يخطر على بال أي إنسان من صنوف التعذيب ستجده هنا عزيزي القارئ، الظلم يكمن في أن هناك من يعذب ويهان دون أن يدري لماذا؟ ولا ماذا فعل؟ مجرد اشتباه قد يجعلك تدهب للسجن الصحراوي دون عودة أبدا...
من بين أنواع التعذيب التي لفتت انتباهي وأنا أقرأ:
بساط الريح
الدولاب
الغسالة
الشبح
وغيرها الكثير الكثير...
**
بعد 13 سنة جاء إخلاء السبيل لكن الإذلال لا زال مستمر فقبل إخلاء السبيل على السجين أن يكتب برقية شكر وإمتنان لرئيس الجمهورية يعبر له فيها عن ولائه الدائم ...
انتهى الكاتب من السجن لكنه دخل في سجن أكبر في سجن حياة كان فيها غريبا محطما، منكسرا من كل النواحي شبه ميت:
" يا لينا أنا أؤمن بقول يقول إن الانسان لا يموت دفعة واحدة.. كلما مات له قريب أو صديق أو واحد من معارفه فإن الجزء الذي كان يحتله هذا الصديق أو القريب يموت في نفس هذا الإنسان... ومع الأيام وتتابع سلسلة الموت تكثر الأجزاء التي تموت داخلنا، تكبر المساحة التي يحتلها الموت.. وأنا يا لينا مقبرة كبيرة داخلي تفتح هذه القبور أبوابها ليلا،.. ينظر إليَّ نزلاؤها.. يحادثونني ويعاتبونني "
انتهت الرواية لتترك فيَّ إرهاقا وصورا وأحداثا عصية على النسيان