اقتباسات محمد عبد النبي

أؤمن باللغة، وهي شيءٌ يتجاوز الكلمات، شيءٌ لا تنال منه الكلمات إلَّا وهمًا هزيلًا. لا تُوجدُ الكلمات منفردة ومنفصلة، إلَّا في عقول الباحثين وعلماء الاشتقاق وأصول الكلمات وفقه اللغة، إلى آخِره. الكلمات الـمُنْبَّتَّة عن اللغة هي كائنات ميتة، ولا تكشفُ عن أي أسرار. والمرء يتكشَّف في أسلوبه اللغة التي خلقها لنفسه.

لم يكن هناك انفصال بيني أنا الكاتب وبيني أنا الإنسان: وإذا فشلتُ كاتبًا، فقد فشلتُ أيضًا إنسانًا. وقد فشلتُ، وأدركتُ أنني لم أكن شيئًا يُذكَر -أقل مِن لا شيء- كمّية بالسالب.

فهو يقرأ ويتساءل محسورًا كيف يمكنه ذات يومٍ أن يصل بسطوره المترددة الشعثاء هذه إلى تلك القِمم الرفيعة من الجمال والدقّة والتعقيد الثري المركّب

صحيح أنَّ مَن يستعير صوتَ كاتبٍ آخَر يحكم على نفسه بالخَرس من قبل أن يتعلَّم الكلام

«إذا كان كاتب النثر يعرف ما فيه الكفاية عما يكتب عنه فقد يحذف أمورًا يعرفها هو، وسوف ينتقل إلى القارئ إحساس قوي بتلك الأمور كما لو أن الكاتب قد أوردها في نصه. ترجع مهابة حركة الجبل الجليدي العائم إلى أنه لا يظهر منه فوق سطح الماء إلا ثُمنه. أما الكاتب الذي يحذف أمورًا لأنه غير مُلم بها، فكل ما يفعله هو أنه يترك مواضع جوفاء في كتابته».‏

تطلُّع طفل إلى الطعام في يد الغير تعبيرًا عن محنة عظيمة، وارتجافة خوف تعتري إنسانًا من لحم ودم لمجرد مروره أمام قسم شرطة لَهِي اختزال لتاريخ كامل من المهانة والقهر»

يعد الشرود حديقة تسع جميع أنواع الفراشات التي نبتغيها ونسعى وراءها، ويمكنك اصطيادها جالسًا في مكانك، منصتًا للضجيج من حولك، مبتسمًا، ومستسلمًا لخيالك الذي ينشط في مطاردتها واللحاق بها.

أضعف حبر يُكتب به شيء على الورق لهو أقوى من أفضل ذاكرة إنسانية».

«الكلمة المفتاحية» تبقى بؤرة في المركز تمد من حولها أشعة وخيوطًا في اتجاهات عديدة كأنها بيت العنكبوت.

كأنَّ كلَّ شيء عندي يبدأ مِن تيهٍ، مجازًا وحقيقةً أيضًا.

إذ على صانع الجَمال أن يكون صادقًا حتَّى وهو يكذب، وأن يكون جميل الصوت حتَّى وهو يصرخ، ولَعْنته ألَّا يعرفَ أبدًا هل ما يصنعه جميلٌ حقًّا أم غير ذلك،

«الهلاكُ ألَّا نجازف»

في كل فن نزعة دائمة للهرب من رتابة الحياة اليومية وجمود الواقع

لا بدَّ مِن عُزلة تَجلو المرايا، ولا بدَّ مِن وَحشة حتَّى يتعرف الوحيد على سُكَّانه واحدًا بعد واحد.

كان الاندماج التام في فِعل الكتابة هو طريقة صاحبنا لمواجهتنا والهَرب منَّا في نفس الوقت، وقد أخلصَ في ذلك كأنَّ خلاص العالَم كله متوقف على ما يكتب وكيف يكتب، والحقُّ أنه لم يكن يريد إلَّا خلاصه هو،

وقد قالت أختٌ له ذات مرَّة إنه لا يكتب الكلمات بل يرسمها؛ لأنه كان معروفًا ببراعته في الرسم آنذاك، وكان في قولها ذلك اتهامٌ ما أو انتقاصٌ ضِمني مِن حلاوة خطِّه في الكتابة.

لكن في كل مرض ذكرى بعيدة تردَّد صدى مرضٍ سابق حتَّى المرض الأوَّل والصرخة الأولى، وصولًا إلى صدمة الولادة ذاتها وهواء هذا العالَم يرجُّ رئتيه رجًّا.

وحتَّى بعد إطفاء مصباح الحجرة والاستعداد للنوم، يتحوَّل إلى راديو بشري، متنقلًا بين الأغنيات والنِّكات والحوارات المرتجلة حتَّى يتعب ويغلبه النعاس، أو يُزجَر بعنف لينكتم وينام. ل

أتت الحكاية إذًا قبل أن تأتي الكلمات المكتوبة، ولا بدَّ مِن قبلها جميعًا كان النَّغم، دقَّات القلب في الرَّحم، دقَّ الهون في السُّبوع، أغنيات الأم والأقارب للأطفال في المهود، وجميع صخب الدنيا بإيقاعاتها ونشازها

ومَهما تكاثَرَت الأماكن تبقى ذكرى البيت الكبير الأوَّل تطوِّق أعناق الأجيال التي فتحت أعينها عليه وذاقت فيه نِعمةً لن تتكرر".